بازگشت

الرسول يقول


ولاحظنا أنّ الرسول ـ بعد أن يفعل ـ يقول:

«حسين منّي وأنا من حسين»

فأمّا أنّ الحسينَ من الرسول، فأمرٌ واضحٌ واقعٌ، فهو سبطه: ابن بنته، وَلَدَتْه الزهراءُ وحيدةُ الرسول، من زوجها عليّ ابن عمّ الرسول.

ومع وضوح هذه المعلومة، فلماذا يُعلنها الرسول، وماذا يريد أن يُعلن بها؟

هل هذا تأكيد منه صلّي الله عليه وآله وسلّم علي أنّ عليّاً والد الحسين هو «نفسُ الرسول» تلك الحقيقة التي أعلنتها آية المباهلة، كما سبق في الفقرة (5)؟

أو أنّ الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم يريد أن يُمَهّد بهذه الجملة «حُسَينٌ منّي» لما يليها من قوله: «وأنا من حُسين»؟ تلك الجملة المثيرة للتساؤل: كيف يكون الرسول من الحسين؟!.

والجواب: أنّ الرسول، لم يَعُدْ بعدَ الرسالة ـ شخصاً، بل أصبحَ مثالاً، وَرمْزاً، وأُنموذجاً، تتمثّل فيه الرسالةُ بكلّ أبعادها وأمجادها، فحياتُه هي رسالتُه، ورسالتُه هي حياته.

ومن الواضح أنّ أيّ والد إنّما يسعي في الحياة ليكون له ولد، كي يخلفَه، ويحافظ عَلي وجوده ليكون استمراراً له.

فهو يدافع عنه حتّي الموت ويحرصُ علي سلامته وراحته، لأنّه يعتبره


وجوداً آخر لنفسه!

إذا كانت هذه رابطةُ الوالد والولد في الحياة المادّية، فإنّ الحسين عليه السلام قد سعي من أجل إحياء الرسالة المحمديّة بأكبر من ذلك، وأعطاها أكثر ممّا يُعطي والدٌ ولَده، بل قدّم الحسينُ في سبيل الحفاظ علي الرسالة كلّ ما يملك من غال، حتّي فلذات أكباده: أولاده الصغار والكبار، وروّي جذورها بدمه ودمائهم.

فقد قدّم الحسين عليه السلام للرسالة أكثر ممّا يقدّم الوالدُ لولده، فهيَ إذن أعزّ من ولده، فلا غروَ أن تكون هي «مِنهُ».

وقد ثبتَ للجميع ـ بعد كربلاء ـ أنّ الرسالة التي كانت محمّدية الوجود، إنّما صارت حُسينيّة البقاء.

فالرسالة المحمّديّة التي مثّلتْ وجودَ الرسول، كانت في العصر الذي كادتْ الأيدي الأُمويّة الأثيمة أن تقضيَ علي وجودها، قد عادتْ «من الحسين» ولذلك قال صلّي الله عليه وآله وسلّم: «.... وأنا من حسين».

ولم تقف تصريحاتُ الرسول في الحسين عند هذا الحدّ، بل هناك نصوص أُخر تكشف أبعاداً عميقةً في العلاقة بين الحسين وجدّه، وتبتني علي أُسس ثابتة للاهتمام البالغ من الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم بسبطيه الحسن والحسين.

فممّا قال فيهما:

[58 ـ 60]: الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا [1] .

حتّي كنّي أباهما عليّاً: «أبا الريحانتين» وقال له:

[159 ـ 160] سلام عليك، أبا الريحانتين اُؤصيك بريحانتَيَّ من الدنيا، فعن قليل ينهدّ ركناك، والله خليفتي عليك [2] .

فلمّا قبض النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم قال عليّ عليه السلام: هذا أحد


الركنين.

فلمّا ماتت فاطمة عليها السلام، قال عليه السلام: هذا الركن الآخر.

فبقي الحسنان نعم السلوة لعليّ بعد أخيه الرسول وبعد الزهراء فاطمة البتول، يَسْتَرُّ عليه السلام بالنظر إليهما، ويتمتّع بشبههما بالرسول، ويشمّهما، كما كانا لرسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم ريحانتيْهِ، ويقول لفاطمة:

[124] «ادعي لي بابنيّ» فيشمُّهما ويضمُّهما [3] .

والحديث المشهور عنه صلّي الله عليه وآله وسلّم:

[62 ـ 82] «الحسنُ والحسينُ سيّدا شباب أهل الجنّة» [4] .

الذي رواه من الصحابة: أبوهما عليّ عليه السلام، والحسينُ نفسُه، وابنُ عبّاس، وعمرُ بن الخطّاب، وابنُ عمر، وابنُ مسعود، ومالكُ بن الحويرث، وحُذَيْفةُ بن اليمان، وأبو سعيد الخُدْري، وأنسُ بن مالك.

ونجد في بعض ألفاظ الحديث تكملة هامّة حيث قال الرسولُ صلّي الله عليه وآله وسلّم:

[69 و71] «... وأبوهما خيرٌ منهما» [5] .

وإذا كانت الجنّةُ هي مأوي أهل الخير، وقد حتمها الله للحسنين، وخصّهما بالسيادة فيها، فما أعظم شأن من هُوَ خير منهما، وهو أبوهما عليّ عليه السلام.

لكن إذا كان الحديث عن الحسنَيْن، فما لأبيهما يُذكر هاهُنا؟!

إنّ النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم المتّصل بالوحي، والعالِم من خلاله بما سيُحدثه أعداء الإسلام، في فترات مظلمة من تاريخه، من تشويه لسمعة الإمام عليّ عليه السلام، مع ما له من شرف نَسَبه، وصهره من رسول الله، وأُبوّته للحسن والحسين!


فإنّهم لم يتمكّنوا من تمرير مؤامراتهم علي الناس، إلاّ بالفصل بين السبطين الحسنين فيُفضّلونهما، وبين عليّ فيضلّلونه!

لكنّ الرسولَ، يوم أعلنَ عن مصير الحسنين، ومأواهما في الجنّة، وسيادتهما فيها، أضاف جملة: «وأبوهما خيرٌ منهما» مؤكّداً علي أنّ الّذين ينتمون إلي دين الإسلام، ويقدّسون الرسولَ وحديثَه وسُنّته، ويحاولون أن يحترموا آل الرسول، وسبطيه، لكونهما سيّدي شباب أهل الجنّة، ولأنهما من قُربي النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم، مُتجاوزينَ «عليّاً» تبعاً لِما أملَتْ عليهم سياسةُ الطغاة البُغاة من تعاليم...

إنّ هؤلاء علي غير هَدْي الرسول، إذْ مهما يكنْ للحسن والحسين من مؤهّلات اكتسبا بها سيادة الجنّة، أوضحُها انتماؤهما إلي الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم، فهما سبطاه من ابنته الزهراء فاطمة فأبوهمـا عليّ اكتسبَه بأنّه ابن عمّه نسباً، وربيبه طفلاً، ونفسه نصّاً، وصهره سبباً، وهو زوج الزهراء فاطمة، وهو خيرٌ منهما لفضله في السبق والجهاد، وكلّ الذاتيّات التي منه أخذاها، والتي جعلته أخاً وخليفة للنبيّ، وكفؤاً للزهراء، وأباً للحسنين، وإماماً للمسلمين.

ومع وضوح هذا التصريح النبويّ الشريف، فإنّ التَعتيم المضلّل الذي كثّفه بنو أُميّة، فملأوا به أجواءَ البيئات الإسلامية مَنَعَ من انصياع الأُمّة لفضل عليّ عليه السلام، فهاهم يفضّلون الحُسَينَ وأُمَّهُ، ويُحاولون غمط فضل عليّ، وفصله عنهما! ففي الحديث، قال موليً لحُذيفةَ:

[202] كانَ الحسينُ آخذاً بذراعي في أيّام الموسم، ورجلٌ خلفَنا يقول: «الّلهمّ اغفر له ولأُمّه» فأطال ذلك.

فتركَ الحسينُ عليه السلام ذراعي، وأقبل عليه، فقال: «قد آذيتنا منذ اليوم!

تستغفرُ لي، ولأُمّي، وتترك أبي!

وأبي خيرٌ منّي، ومن أُمّي»



پاورقي

[1] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:118).

[2] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:123).

[3] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:120).

[4] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:119).

[5] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:119).