بازگشت

الرسول يفعل


وَجَدَ الرسولُ صلّي الله عليه وآله وسلّم سبطَه الحسينَ، يلعبُ مع غلمان في الطريق، فأسرعَ الجدُّ أمامَ القوم، وبسطَ يديه ليحتضنَه، فطفق الحسينُ يمرُّ هاهنا مرّةً، وهاهنا مرّةً، يُداعب جدّه، يفرّ منه دلالاً، كما يفعلُ الأطفال، فجعلَ الرسولُ العظيم يُضاحكُهُ حتّي أخذه.

ذكر هذا في الحديث، وأضاف الراوي له، قال:


[112 و115] فوضع الرسول إحدي يديه تحت قفاه، والأُخري تحت ذقنه، فوضع فاه علي فيه، فقبّله، وقال:

«حُسينٌ منّي، وأنا من حُسين، أحَبَّ الله من أحبَّ حُسيناً، حُسينٌ سِبْط من الأسباط» [1] .

إنّ الرسول، وهو يحمل كرامة الرسالة، وثقل النبوّة، وعظمة الأخلاق، وهيبة القيادة، يُلاعب الطفلَ علي الطريق. فلابُدّ أن يكون لهذا الطفل شأنٌ كريمٌ، وثقيلٌ، وعظيمٌ، ومهيبٌ، مناسبٌ لشأن الرسول نفسه، ويُعلن عن سبب ذلك فيقول: «حُسَينٌ منّي وأنا من حُسَين» ليؤكّد علي هذا الشأن، وأنّهما ـ: الحسين والرسول ـ وِفقان كما سنراه في الفقرة التالية (11).

ومنظر آخر:

حيث الرسول الذي هو أشرف الخلق وأقدسهم، فهو الوسيط بين الأرض وبين السماء، فهو أعلي القِمَم البشريّة التي يمكن الاتّصال بالسماء مباشرة، بالاتّصال بها.

ومَنْ له أنْ يرقي هذا المُرتقي العالي، الرهيب؟

لا أحدَ، غيرُ الحسنِ، وأخيه الحسينِ، فإنّهما كانا يستغلاّن سجود النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم إذا صلَّي، فيثبانِ علي ظهره، فإذا استعظم الأصحاب ذلك، وأرادوا منعهما، أشار النبي إليهم «أنْ دعوهما».

ثم لا يرفع الرسول رأسه من سجوده حتّي يقضيا وطرهما، فينزلان برغبتهما.

وفي نصّ الحديث:

[116 و142 و143] فلمّا أن قضي الرسول الصلاةَ، وضعهما في حجرهِ، فقال:


«مَنْ أحبّني، فليحبَّ هذين»

إنّ عملهما مع لطافته لا يستندُ إلي طفولة تفقد الوعي والقصد، لأنّهما أجَلُّ من أن لا يُميّزا بينَ حالة الصلاة وغيرها، وموقف الرسول العظيم تجاههما لا يستند إلي عاطفة بشريّة فهو في أعظم الحالات قرباً من الله.

فهما يصعدان علي هذه القمّة الشمّاء، وهو في حالة العروج إلي السماء، فإنّ الصلاة معراج المؤمن، والرسول سيّد المؤمنين.

فأيّ تعبير يمكن أنْ يستوفي وصف هذه العظمة، وهذا العُلوّ؟؟! وهذا الشموخ؟ الذي لا يُشك في تقرير الرسول له، وعدم معارضته إيّاه! بل إظهاره الرضا والسرور به.

وهل حَظِيَ أحَدٌ بعدَهما بهذه الحظوة الرفيعة؟!

كلاّ، لا أحد.

أمّا قبلهما، فنعم:

أبوهما عليٌّ، الذي هو خيرٌ منهما، قد رَقِيَ ـ بأمْر من الرسول ـ ظهرَه الشريف، يومَ فتح مكّة، فصعدَ علي سطح الكعبة وكسّر الأصنام.

وفي ذلك المقام قال الإمام عليه السلام: «خُيِّلَ إليَّ لو شِئْتُ نِلْتُ اُفُقَ السماء» [2] .

إنّ الشرف في الرُقيّ علي ظهر النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم ـ وهو المثال المجسَّد للقُدس والعُلوّ ـ لا يزيد علي شرف الصاعد، إذا كان مثل عليّ والحسن والحسين، ممّن هو نفس النبيّ أو فلذة منه.

وقد عبّر الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم عن هذه الحقيقة في حديثه مع عمر، لمّا قال:

[148] رأيتُ الحسنَ والحسين علي عاتقي النبيّ صلّي الله عليه


وآلهوسلّم، فقلتُ: نِعْم الفرسُ تحتكُما! فقال النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم: ونِعْمَ الفارسان هُما [3] .

إنّه نَفْثٌ لروح الفروسيّة، وتعبير عن أصالة الشرف، بلا حدود!


پاورقي

[1] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:120).

[2] المستدرک علي الصحيحين (2:366).

[3] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:122).