بازگشت

الخطبة 1


ثم دعا براحلته فركبها ونادي بصوت عال يسمعه جلّهم:

أيّها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتي أعظكم بما هو حق لكم عليَّ، وحتي اعتذر اليكم من مقدمي عليكم فان قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم عليَّ سبيل وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون (إنَّ وَلييَّ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتـبَ وَهُوَ يَتَوَلَّي الصَّالِحِينَ) [1] .

فلما سمعن النساء هذا منه صحن وبكين وارتفعت أصواتهن فأرسل اليهن أخاه العباس وابنه علياً الأكبر وقال لهما: سكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن.

ولما سكتن حمد الله واثني عليه وصلي علي محمد وعلي الملائكة والأنبياء وقال في ذلك ما لا يحصي ذكره ولم يسمع متكلّم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه [2] .

ثم قال: عباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا علي حذر فان الدنيا لو بقيت علي أحد أو بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء وأولي بالرضا وأرضي بالقضاء، غير أن الله خلق الدنيا للفناء فجديدها بال ونعيمها مضمحل وسرورها مكفهر والمنزل تلعة والدار قلعة [3] (فَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَي وَاتَّقُواْ الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .

أيّها الناس ان الله تعالي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فانّها تقطع رجاء من ركن اليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم علي أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّد صلّي الله عليه وآله وسلّم، ثم انّكم زحفتم الي ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذعليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتبّاً لكم ولما تريدون إنّا لله وإنّا إليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين [4] .

أيّها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا الي أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟ أوَ ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟ أوَ ليس جعفر الطيّار عمّي؟ أوَ لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟ فانّ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ والله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه، وانّ كذّبتموني فانّ فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم انهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي، ويحكم أما تتّقون الله؟ أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!

فقال الشمر: هو يعبد الله علي حرف إن كان يدري ما يقول!

فقال له حبيب بن مظاهر: والله إنّي أراك تعبد الله علي سبعين حرفاً وأنا أشهد انّك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله علي قلبك!

ثم قال الحسين (عليه السلام) : فان كنتم في شكّ من هذا القول أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم اتطلبوني بقتيل منكم قتلته! أو مال لكم استهلكته! أو بقصاص جراحة، فأخذوا لا يكلمونه.

فنادي: يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث ألم تكتبوا الي أن أقدم قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب وإنّما تقدم علي جند لك مجنّدة؟

فقالوا: لم نفعل.

قال: سبحان الله بلي والله لقد فعلتم، ثم قال: أيّها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم الي مأمن من الأرض.

فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل علي حكم بني عمّك؟ فانّهم لم يروك إلاّ ما تحب ولن يصل اليك منهم مكروه.

فقال الحسين (عليه السلام) : أنت أخو أخيك؟ أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد، عباد الله اني عذت بربّي وربّكم أن ترجمون، أعوذ بربّي وربكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.

ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها [5] .

ولنعم ما قال الشاعر:



وقام لسان الله يخطب واعظاً

فصمَّوا لما عن قدس أنواره عموا



وقال: انسبوني من أنا اليوم وانظروا

حلال لكم منّي دمي أم محرّم



فما وجدوا إلا السِّهام بنحره

تراش جواباً والعوالي تقوَّم



ومذ أيقن السِّبط انمحي دين جَدِّه

ولم يبق بين الناس في الأرض مسلم



فدي نفسه في نصرة الدين خائضاً

عن المسلمين الغامرات لسلموا



الي ان قال:



فلهفي علي ريحانة الطهر جسمه

لكلّ رجيم بالحجارة يُرجم




پاورقي

[1] الاعراف: 196.

[2] تاريخ الطبري: 6/242.

[3] زهر الآداب للحصري: 1/62 طبع دار الکتب العربية سنة 1372.

[4] مقتل محمد بن أبي طالب الحايري.

[5] تاريخ الطبري: 6/243.