بازگشت

الضمائر الحرة


وجمع الحسين أصحابه قرب المساء قبل مقتله بليلة [1] فقال: أُثني علي الله أحسن الثناء واحمده علي السرَّاء والضرَّاء، اللهم اني أحمدك علي أن اكرمتنا بالنبوّة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ولم تجعلنا من المشركين، أما بعد فإنّي لا أعلم أصحاباً أولي ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً [2] .

وقد أخبرني جدّي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بأنّي سأساق الي العراق فأنزل ارضاً يقال لها عمورا وكربلا وفيها استشهد وقد قرب الموعد [3] .

ألا واني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً واني قد اذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً. وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فانّ القوم انما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري.

فقال له اخوته وابناؤه وبنو أخيه وأبناء عبدالله بن جعفر: لِمَ نفعل ذلك؟ لنبقي بعدك، لا أرانا الله ذلك أبداً، بدأهم بهذا القول العباس بن علي وتابعه الهاشميّون.

والتفت الحسين إلي بني عقيل وقال: حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لكم.

فقالوا: إذاً ما يقول الناس وما نقول لهم؟ انا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن برمح ولم نضرب بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا نقاتل معك حتي نرد موردك فقبّح الله العيش بعدك [4] .



نفوس أبنت إلا ترات أبيهم

فهم بين موتور لذاك وواتر



لقد الفت أرواحهم حومة الوغي

كما انست اقدامهم بالمنابر [5] .



وقال مسلم بن عوسجة: أنحن نخلّي عنك وبماذا نعتذر الي الله في أداء حقّك، أما والله لا أُفارقك حتي أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتي أموت معك.

وقال سعيد بن عبدالله الحنفي: والله لا نخليك حتي يعلم الله انا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، اما والله لو علمت اني اقتل ثم أحيا ثم احرق حياً ثم اذرّي، يفعل بي ذلك سبعين مرّة لما فارقتك حتي القي حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً؟!

وقال زهير بن القين: والله وددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتي اقتل كذا الف مرّة، وان الله عزَّوجلَّ يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

وتكلّم باقي الأصحاب بما يشبه بعضه بعضاً فجزَّاهم الحسين خيراً [6] .

وفي هذا الحال قيل لمحمد بن بشير الحضرمي: قد اسر ابنك بثغر الري فقال: ما احب ان يؤسر وانا ابقي بعده حياً، فقال له الحسين (عليه السلام) : انت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ولدك، قال: لا والله لا أفعل ذلك اكلتني السباع حياً ان فارقتك! فقال (عليه السلام) : إذاً اعط ابنك هذه الاثواب الخمسة ليعمل في فكاك اخيه وكان قيمتها الف دينار [7] .



وتنادبت للذبِّ عنه عصبة

ورثوا المعالي اشيباً وشبابا



من ينتدبهم للكريهة ينتدب

منهم ضراغمة الاسود غضابا



خفُّوا لداعي الحرب حين دعاهُم

ورسوا بعرصة كربلاء هضابا



أُسْدٌ قد اتخذوا الصوارم حيلة

وتسربلوا حَلق الدروع ثيابا



اتخذت عيونهم القساطل كحلها

واكفُّهم فيض النجيع خضابا



يتمايلون كأنّما غني لهم

وقع الظبي وسقاهم اكوابا



برقت سيوفهم فأمطرت الطّلي

بدمائها والنقع ثار سحابا



وكأنَّهم مستقبلون كواعباً

مستقبلون أسنَّة وكعابا



وجدوا الردي من دون آل محمّد

عذْباً وبعدهمُ الحياة عذابا [8] .



ولما عرف الحسين منهم صدق النبيّة والإخلاص في المفاداة دونه أوقفهم علي غامض القضاء فقال: اني غداً اقتل وكلّكم تقتلون معي ولا يبقي منكم أحد [9] حتي القاسم وعبدالله الرضيع إلاّ ولدي عليّاً زين العابدين لأنّ الله لم يقطع نسلي منه وهو أبو أئمّة ثمانية [10] .

فقالوا بأجمعهم: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك، أوَلا نرضي أن نكون معك في درجتك يا ابن رسول الله؟ فدعا لهم بالخير [11] وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنان وعرّفهم منازلهم فيها [12] ، وليس ذلك في القدرة الالهية بعزيز ولا في تصرفات الإمام بغريب، فان سَحرة فرعون لما آمنوا بموسي عليه السلام وأراد فرعون قتلهم أراهم النبي موسي منازلهم في الجنّة [13] .

وفي حديث أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال لأصحابه: إبشروا بالجنّة فوالله إنا نمكث ما شاء الله بعدما يجري علينا ثم يخرجنا الله وإيّاكم حتي يظهر قائمنا فينتقم من الظالمين وأنا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والاغلال وأنواع العذاب! فقيل له: من قائمكم يا ابن رسول الله؟ قال: السابع من ولد ابني محمد بن علي الباقر وهو الحجّة ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي ابني وهو الذي يغيب مدّة طويلة ثم يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً [14] .


پاورقي

[1] اثبات الرجعة للفضل بن شاذان هکذا عرفه وهو بالغيبة أنسب فانه لم يوجد فيه من أخبار الرجعة إلا حديث واحد.

[2] طبري: 6/238 و239، وکامل ابن الأثير: 4/34.

[3] اثبات الرجعة.

[4] تاريخ الطبري: 6/238، والکامل: 4/24، والارشاد للمفيد، واعلام الوري: ص141، وسير أعلام النبلاء للذهبي: 3/202.

[5] مثير الأحزان لابن نما: ص17.

[6] ارشاد المفيد وتاريخ الطبري: 6/239.

[7] اللهوف: ص53.

[8] للعلامة السيد رضا الهندي رحمه الله.

[9] نفس المهموم: ص122.

[10] أسرار الشهادة.

[11] نفس المهموم: ص122.

[12] الخرايج للراوندي.

[13] أخبار الزمان للمسعودي: ص247.

[14] إثبات الرجعة.