بازگشت

تحليل المجتمع الكوفي


وقبل الدخول في صلب البحث لابد لي أن أُبيّن المجتمع الكوفي المتفكّك وتركيبة عناصره.

ان ابن زياد لم يدخل بلداً متماسك القوي، متّحد الاتجاه، متّفقاً في الأهداف والآراء بل كانت الكوفة مركزاً للتجمّع، خليطاً من جميع القوميّات، من عرب، وفرس، ونبط، وغيرهم كما ان فيها من أهل الأديان المختلفة، والمذاهب والعقائد المتفرّقة، عدداً غير قليل فأصبحت مرتعاً خصباً لدسائس اليهود الذين سكنوا الكوفة أيام الفتح، والتحق فيهم من أجلاهم عمر بن الخطاب من المدينة وخارجها، كما ان للخوارج مركزاً اجتماعياً كبيراً أصبح بعد شهادة أمير المؤمنين، بالإضافة الي اتباع الحزب الحاكم من الأمويين وغيرهم ممّن يدين لهم بالولاء وعثماني الهوي.

اما الشيعة فلهم مكانة مرموقة اذ هم يمثلون جانب المعارضة للسلطة فهم قاعدة ثورية ينضم إليهم كل من يسأم الحياة تحت ظل الحكم الأموي.

الكوفة اُنشأت سنة 17 هـ أيام الفتح الإسلامي لتكون معسكراً ثابتاً للجيش الإسلامي، فكان المقاتلون يفدون اليها من أرجاء الجزيرة العربية فيقيمون في المعسكرات كجنود مدربين علي أهبّة الاستعداد، لخوض المعارك عندما يداهم البلاد الاسلامية عدو، كانت تضم اكبر عدد وأقوي جند للحرب وهم ينتظرون صدور الأوامر بالخروج الي الغزو، أو امداد غيرهم من الجيوش الاسلامية في مختلف الأرجاء، وقد تدفق الجيش منها الي بلاد فارس وغيرها من البلدان التي فتحها المسلمون، ولهذا كان الكوفيون يعتبرون أنفسهم هم الجيش الفاتح، وعلي عواتقهم ثم انتشار الاسلام، وبسواعدهم فتحت فارس والروم.

وكانت الكوفة من أول تأسيسها مقسمة الي سبعة مجاميع وذلك لحشر مقاتلة القبائل وفقاً للقيادات والتعبئة عند النفير والخروج للجهاد في المواسم، والاعطيات بعد العودة من قبل رؤساء الأسباع.

والتقسيم لم يكن حسب المحلات من البلد، بل قطعات قبلية بالنسبة الي النسب أو الحلف وهي كما يلي حسب ما جاء في تخطيط الكوفة وتاريخها:

1 - كنانة وحلفاؤهم، وكانوا يلقبون بأهل العالية.

2 - قضاعة وغسان، وبجيلة، وخثعم، وكندة، وحضرموت، وهم من اليمانيين وكانت السيادة فيهم لطائفتين وهما بجيلة ويرأسها جرير بن عبدالله البجلي وكان مقرباً للخليفة عمر وقد خصص لقومه عطاء سنوياً.

والقبيلة الثانية كندة وهي تحت امرة الأشعث بن قيس.

3 - مذحج، وحِمْيَر وهَمْدان وهي العناصر اليمانية.

4 - تميم، والرباب من العناصر المضرية التي لم يبق منها سوي تميم.

5 - أسد وغطفان، ومحارب، ونمير، من بكر بن وائل، وتغلب ومعظمهم من ربيعة.

6 - اياد، وعك، وعبدالقيس أهل الهجر الحمراء.

فبنو عبد القيس نزحوا من البحرين (الهَجر) تحت قيادة رئيس من سلالة ملكية، هو زهرة بن حوية السعدي أحد أعلام الفتح وأقطابه.

وأما الحمراء فكانوا حلفاء عبدالقيس وهم أربعة آلاف جندي فارسي يرأسهم رجل يسمّي ديلم، ولهذا عرفوا بِحُمر الديلم، هم الذين التجأوا الي سعد بن أبي وقاص بعد معركة القادسية من بقية جيش الفرس وتحالفوا مع عبدالقيس بعد معركة القادسية وقد لعب هذا الفيلق دوراً رئيسياً، وكان هو الجيش المقدم في عدة زياد وابنه عبيدالله كما انه السابق لحرب الحسين وقد باشر المعركة، وكان عدد أفراده أربعة آلاف وقيس خمسة آلاف تحت قيـادة عمـر بن سعـد وهم مجوس، أو حديـثي عهـد لا يعرفـون مـن الإسـلام شـيء، وكـان للخوارج نشاط في الكـوفة ولهـم مركـز اجتماعي بالاضافة الي وجود جاليات المجوسية واليهودية والنصرانية، ولها مصالحها الفعّالـة [1] .

وعلي هذا فالكوفة تتّصف بطابع الخلافات لضعف الروابط بين أهلها ولاختلاف العناصر والقوميّات المجوسيّة واليهوديّة والنصاري والفرس وغيرهم، وتحكم العصبيّات القبليّة مما جعل الخلافات بين العرب أنفسهم يزداد علي مرّ الزمن ويتّسع باتساع البلد وكثرة السكان، بالإضافة الي نشاط الخوارج.


پاورقي

[1] کما ذکرنا ذلک في المجلد الثالث من «موسوعة المصطفي والعترة».