بازگشت

طغيان معاوية و يزيد


بعد شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة أربعين من الهجرة، خَلا الجوّ لمعاوية واستفحل امرُه وطغي وتجبّر، وطمع في الإستيلاء علي بقاع العالم الإسلامي كافّة بمكره ودهائهِ، فخطّط للهجوم علي أطراف الكوفة قاعدة الخلافة الإسلامية الحقيقيّة، بعد أن أَنفذ ابن إرطاة بجيش كبير الي الحجاز واليمن وفعل الأفاعيل والجرائم التي يندي لها جبين الإنسانية [1] .

ولما هلك معاوية في النصف من رجب سنة 60 من الهجرة وكان عمره حينذاك خمسة وسبعين عاماً، كان يزيد في حوران، فأخذ الضحّاك بن قيس أكفانه ورقي

المنبر فأخبر الناس بهلاك معاوية وقال: هذه أكفانه فنحن مدرجوه فيها، ومدخلوه قبره، ومُخَلّون بينه وبين عَمَلِه، ثم هو البرزخ الي يوم القيامة، فمن كان منكم يريد ان يشهد [جنازته] فليحضر.

وقد اتخذ معاوية من بطانة السوء ممن لا يمتّون الي الإسلام بصلة، مثل سرجون الرومي مشاوراً له واميناً لسره وكاتباً له وغيرهم ممن لا حاجة لذكرهم للإختصار امثال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، كما اتخذ من المنحرفين الذين ولاَّهم علي رقاب المسلمين من ولاة السوء يعيثون الفساد في أهم الأقاليم والحواضر الإسلامية، أمثال عمرو بن سعيد بن زياد علي مكة وزياد ابن أبيه ومن بعده النعمان بن بشير علي الكوفة، وعبيدالله بن زياد علي البصرة ومروان بن الحكم ومن بعده الوليد بن عتبة بن أبي سفيان علي المدينة، وكتب يزيد إلي عمّال أبيه في البلدان يخبرهم بهلاك معاوية ويقرهم علي أعمالهم.

وكتب الي عامله علي المدينة خاصة كتاباً هذا نصّه، أما بعد [2] .

فان معاوية كان عبداً من عباد الله أكرمه واستخلصه ومكّن له ثم قبضه الي روحه وريحانه وعقابه، عاش بقدر ومات بأجل وقد عهد اليَّ وأوصاني بالحذر من آل أبي تراب لجرأتهم علي سفك الدماء وقد علمت يا وليد أن الله تبارك وتعالي منتقم للمظلوم عثمان بآل أبي سفيان لأنهم أنصار الحق وطلاب العدل، فاذا ورد كتابي هذا فخذ البيعة علي أهل المدينة، ثم أَرفق الكتاب بصحيفة «سريّة» صغيرة فيها، خذ الحسين، وعبدالله بن عمر، وعبدالرحمن بن أبي بكر، وعبدالله بن الزبير، بالبيعة أخذاً شديداً ومن أبي فاضرب عنقه وابعث برأسه إليَّ.

فبعث الوليد بن عتبة الي الإمام الحسين (عليه السلام) وعبدالله بن الزبير في ذلك الوقت من الليل فوجدهما يتعبدان في مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأبلغهما الرسول بطلب أمير المدينة واستدعائهما، رجاء أن يغتنم الفرصة بمبايعتهما قبل الناس، فارتاب ابن الزبير من هذه الدعوة التي لم تكن في الوقت الذي يجلس فيه للناس [3] ، وظن أنّ هناك أمراً هامّاً وخطيراً، فاستشار الإمام الحسين (عليه السلام) فقال يغلب علي الظن أنّ معاوية هلك وجاء البريد يخبره ويريد منا البيعة ليزيد، وأَيَّد ذلك بما رآه في المنام عليه السلام من إشتعال النيران في دار معاوية وان منبره منكوس [4] .

وَوَضَّح لابن الزبير ما عزم عليه من ملاقاة الوالي الوليد في ذلك الوقت فأشار عليه بالترك حذار الغيلة، فعرّفه الإمام القدرة علي الامتناع [5] وصار إليه الحسين في ثلاثين [6] من مواليه وأهل بيته وشيعته شاكين بالسلاح ليكونوا علي الباب فيمنعوه إذا علا صوته [7] ، وكان بيده قضيب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال لأصحابه إني داخل فان دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا عليَّ بأجمعكم وإلاّ فلا تبرحوا حتي أخرج، فدخل وسلّم ومروان جالس عنده، وقال الإمام الصلة خير من القطيعة أصلح الله ذات البين وجلس، فلم يجيباه بشيء، فاقرأه الوليد الكتاب ونعي إليه معاوية ودعاه الي بيعة يزيد فاسترجع الإمام بقوله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم، وقال: أمّا ما سألتني من البيعة ليزيد، فإنّ مثلي لا يعطي البيعة سرّاً ولا اراك تجتزي بها مني سرّاً دون أن تُظهِرها علي رؤوس الناس، فَدَعْوتُهُمْ الي البيعةِ دعوتَنا معهم فكان أمراً واحداً، فقال له الوليد: أجل فانصرف علي إسم الله حتي تأتينا مع جماعة الناس، وكان الوليد يحب العافية ولا يريد أن يورط نفسه مع بني هاشم وخاصّة مع الإمام الحسين (عليه السلام) ، فقال له مروان: والله لَئِنْ فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه علي مثلها أبداً حتي تكثر القتلي بينكم وبينهم، إحبس الرجل ولا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه، فوثب عند ذلك الإمام الحسين (عليه السلام) فقال: يابن الزرقاء [8] أنت تقتلني أم هو كذبت والله وأثِمْت، ثم قال: إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة ومهبط الوحي بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل شارب الخمور، وقاتل النفس المحرّمة معلن الفسق، ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة، ثم خرج فمر بأصحابه فخرجوا معه حتي أتي منزله، وفي رواية قصد مرقد جدّه الطاهر صلّي الله عليه وآله وسلّم لزيارته والشكوي إليه مما لاقاه من العنت والظلم وما سيلاقيه فسطع له نور من القبر [9] .

فقال: السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك الذي خَلّفتني في أمتك عليهم يا نبي الله أنهم خذلوني ولم يحفظوني وهذه شكواي اليك حتي ألقاك ولم يزل راكعاً وساجداً حتي الصباح وقال:

اللّهم انّ هذا قبر نبيّك صلّي الله عليه وآله وسلّم، وانا ابن بنت نبيّك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إني أحب المعروف، وأنكر المنكر وإني أسألك ياذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه إلاّ اخترت من أمري ما هو لك رضي ولرسولك رضي وللمؤمنين رضي [10] .


پاورقي

[1] کما ذکرنا ذلک في موسوعة المصطفي والعترة (ج6) .

[2] البداية والنهاية لابن کثير: ج8 ص143، مقتل الخوارزمي: ج1 ص178، المقرم في مقتل الحسين: ص126.

[3] ابن عساکر: ج4 ص327، والطبري: ج6 ص189.

[4] مقتل الخوارزمي: ج1 ص182 فصل 8 طبع النجف، ومقتل الحسين عليه السلام للسيد المقرم: 129، مثير الأحزان لابن نما: ص10.

[5] ابن الأثير: ج3 ص6.

[6] اللهوف للسيد رضي الدين بن طاووس.

[7] مقتل الخوارزمي: ج1 ص182 فصل 8.

[8] الزرقاء بنت وهب کانت جدّه مروان ومن البغايا المومسات ومن ذوات الاعلام ذکرها سبط بن الجوزي في تذکرة الخواص: ص229 طبع ايران، والآداب السلطانية: ص88، وفي الکامل لابن الأثير: ج4 ص70، وفي تاريخ ابن عساکر: ج7 ص407، وفي أنساب الأشراف للبلاذري: ج5 ص129، ومن تاريخ الطبري: ج8 ص16 کلٌّ منهم يذکر ذلک بلفظ متقارب يدلّه علي معني واحد کما ذکرنا، راجع کتاب مقتل الحسين عليه السلام للسيد المقرّم: ص130 ـ 131 هامش.

[9] أمالي الصدوق: ص93 مجلس 30.

[10] مقتل العوالم: ص54، والبحار: ج10 ص172، وهامش مقتل الحسين عليه السلام للسيد المقرّم: ص132.