بازگشت

ولاية العهد


اكمل معاوية مخطّطه في الاستيلاء علي الخلافة بقتله الإمام الحسن (ع) بعد ان دس ّ له السم عن طريق زوجته جعدة بنت الاشعث بعدان اغراها معاوية بالزواج من يزيد، فاستشهد مظلوماً بعد ان فتك السم ّببدنه الشريف .

وسعي معاوية بعد استشهاد الإمام الحسن (ع) لتحويل الخلافة إلي ملك بني اُمية ، ينتقل من الآباء إلي الابناء متحدّياً للنظام الإسلامي ،ومخالفاً للمذاهب الإسلامية من السنّة والشيعة ؛ حيث اتفقت جميعهاعلي بطلان الملكية في الإسلام .

وتنقل المصادر التاريخية ان اول من طرح فكرة ولاية العهد علي معاوية هو المغيرة بن شعبة المعروف في دهائه وغدره ، حرصاً منه في البقاء علي ولاية الكوفة عندما كان اميراً عليها، فلمّا طلب منه معاوية ان يقدم إليه وقد عزل عن ولاية هذه المدينة ، تاخّر في القدوم ، ولمّا ساله معاوية عن سبب تاخّره ، قال المغيرة : كنت امهّد لبيعة ابنك يزيد في الكوفة ، فرحّب معاوية بهذه الفكرة ، وطلب من المغيرة الرجوع إلي عمله ، وان يستمر في تنفيذ فكرته ، فارسل عندما رجع إلي الكوفة وفداإلي معاوية واعطاهم ثلاثين الف درهم علي ان يبايعوا ليزيد.

وشجّع هذا الوفد زيادة نشاط معاوية لاخذ البيعة لابنه يزيد، فارسل إلي مروان بن الحكم في المدينة ، وزياد بن ابيه في البصرة ، وباقي الولاة في البلدان الإسلامية يحثّهم علي إرسال الوفود لمبايعة يزيد، فقدم وفدالمدينة برئاسة محمّد بن عمرو، و وفد البصرة بقيادة الاحنف بن قيس ،وارسل المغيرة وفدا ثانياً بزعامة الضحّاك بن قيس الفهري ، وقد بايعت الوفود، بالخلافة ليزيد من بعد وفاة ابيه .

واستخدم معاوية الترغيب والترهيب في تثبيت ولاية العهد حيث الدرهم و الدينار للموالف ، والسيف والعقوبة للمخالف ، وساعدت التغيّرات التي ابتدعها معاوية في النظام المالي الإسلامي علي نجاح الشق ّ الاوّل من سلاحه ، فقد جمع الاموال وصبّها في خزانته بدلاً من بيت مال المسلمين و ممّا احدثه معاوية ما ياتي :

1 ـ جعل الصوافي وهي الاراضي الواسعة والتي بقيت بدون مالك عندما فتح المسلمون العراق و بلاد الشام ـ والتي كان موردها يرجع إلي عامّة المسلمين خالصة له .

2 ـ استصفي معاوية لنفسه الضياع وهي : الاراضي التي كانت للملوك قبل الفتح الإسلامي فجعلها له ولاهل بيته ، و وزّع عليهم قسماً منها؛فكان اوّل خليفة له الاراضي في كافة البلاد الإسلامية .

3 ـ امر معاوية الفاتحين الإسلاميين ان يعزلوا له الذهب والفضة خالصة له ، ويوزّعوا الباقي علي الفاتحين ، مخالفاً اوامر الشريعة الإسلامية ، و التي تنص ّ علي ان يكون خمس الفتوحات لبيت مال المسلمين ، و الباقي يوزّع علي الفاتحين .

4 ـ فرض معاوية زيادة الجزية علي غير المسلمين ؛ فقد كتب إلي عامله علي مصر ان يزيد علي كل ّ قطبي قيراطاً في سبيل زيادة ماله الخاص ، فعندما انتصر المسلمون في إحدي المعارك طلب من قائدهم ان يصفّي له الذهب والفضة ، فرفض هذا و اعلمه انّه سيطبّق ما قرّرته الشريعة الإسلامية في هذا المجال ، فعزل الخمس و وزّع الباقي علي الفاتحين .

5 ـ جعل معاوية دية المُعاهِد لنفسه بعد ان كانت لبيت مال المسلمين ، فقد فرض علي بني مخزوم دية ابن اثال وقدّرها اثني عشرالف درهم ، فاخذ نصفها و جعل النصف الآخر لبيت مال المسلمين ،واستمرّ الامر من بعده هكذا حتي عهد عمر بن عبدالعزيز، الذي قصرهذه الدية علي حصّة بيت المال فقط .

وساعد تراكم الاموال في خزانة معاوية علي إعطائه المرونة في استخدام الترغيب في إرضاء خصومه المعارضين لمبايعة يزيد، و دفعهم إلي مبايعته تحت إغراء الاموال ، وخاصة الذين كان لهم هوي في بني اُمية .

وامّا الذين رفضوا الاستسلام امام الإغراءت المالية ، فقد استعمل معهم الترهيب وهو الشق ّ الثاني من سياسته ، فلمّا صعد يزيد بن المقنع العذري الموالي لبني اُمية ـ وهو شديد التعصّب لمذهبهم ـ ليعلن عن سياسة معاوية الإرهابية ، حيث قال :

هذا اميرالمؤمنين ـ واشار إلي معاوية ـ فإن هلك فهذا ـ واشار إلي يزيد ـ ومن ابي فهذا، ـ واشار إلي سيفه ـ فلمّا انهي كلامه حتي مدحه معاوية بانه سيد الخطباء.

واثمرت هذه السياسة مع اشراف مكة ، فقد اجبرهم معاوية ان يبايعوا ليزيد وإلاّ تعرضوا للقتل ، فعندما دخل مكة ، امر صاحب حرسه ان يقيم حرساً علي كل ّ رجل من اشرافها في المسجد الحرام ، وامره ان يقتل كل ّ من يراجعه او يردّ عليه بيعة يزيد، فما كان من الاشراف ـتحت هذاالضغط ـ إلاّ ان يبايعوا، وبايع بعدهم عامّة الناس ، و ضرب معاوية رواحله و رجع إلي الشام .

وفي هذه السياسة الإرهابية يقول احد الشعراء المعاصرين لمعاوية :



فإن تاتوا برملة او بهند

نبايعها امير مؤمنينا



إذا مات كسري قام كسري

بنوه بعده متناسقينا



حشينا الغيظ حتي لو سقينا

دماء بني اُمية ما سقينا



وفشلت كل ّ محاولات معاوية وحزبه الاُموي من المعاصرين له في زمانه و من المؤيّدين لحزبه في العصر الحاضر في إخفاء الشريعة الإسلامية علي بيعة ولاية العهد، فقد اتّفقت كل ّ المذاهب الإسلامية علي بطلان بيعة يزيد لانها حصلت بالإكراه والجبر.

وقد لاقت البيعة ليزيد ومنذ اللحظات الاُولي لإعلانها صيحات من المعارضة و الرفض ، فقد اعترض عبدالرحمن بن ابي بكر، علي مروان ابن الحكم ؛ و هو يحاول تثبيت بيعة يزيد لانها من حرص معاوية علي وحدة المسلمين .

فلمّا قال مروان بن الحكم : إن ّ اميرالمؤمنين ـ يعني معاوية ـ قد اختار لكم فلم يال ، وقد استخلف ابنه يزيد بعده قام عبدالرحمن بن ابي بكرفقال : كذبت و الله يا مروان ، وكذب معاوية ، والخيار لاُمة محمد (ص)،ولكنكم تريدون ان تجعلوها هرقلية كلّما مات هرقل قام هرقل ...».

وحدث ما حذّر منه عبدالرحمن ، فلمّا مات معاوية قام مكانه يزيد،ولما مات يزيد قام مكانه ابنه معاوية ، حتي تنازل عنها، فاستولي عليهامروان بن الحكم و من بعده اولاده ، وهكذا.

و تبقي ولاية وصمة عار في تاريخ الإسلام الشريف ، الذي بُني علي احترام حقوق الإنسان ، ورفض كل ّ انواع التسلّط والجبر علي رقاب الناس .

لقد خالف معاوية اوامر رسول الله (ص) عندما رفض خلافة الإمام علي (ع)، وجهّز الجيوش لمحاربته حتي يحتفظ لنفسه بولاية الشام ، ثم مهّد الاُمور لابنه يزيد ليعتدي ظلماً و عدواناً علي ريحانة رسول الله (ص)والخليفه الشرعي المنصّب من قبل الله سبحانه و تعالي .