بازگشت

معركة عين الوردة


تقدم سليمان مع رفاقه في عمق الجزيرة، ونصائح الامير الكلابي لازالت تتردد في أسماعه. فهذا الرجل (زفر) خبر المنطقة جيداً وأكسبته الحرب مهارة عسكرية وتجربة واسعة، فضلاً عما أظهره من تودد ظاهر وتعاطف ملموس ازاء التوابين وقضيتهم. لقد كان لكلماته وقعها المؤثر في نفوس هؤلاء الذين استجابوا لنصيحته وساروا في اتجاه عين الوردة حسب الخطة التي رسمها لهم، حتي اذا وصلوها واستراحوا قليلاً [1] من مشاق الطريق أخذ سليمان في تنظيم المقاتلين ووضع خطط الاشتباك مع الجيش الاموي الذي أخذ يقترب من المعسكر. وكانت أهم معالم التكتيك الذي اتبعته القيادة، تقسيم المقاتلين الي مجموعات صغيرة [2] مهمتها القيام بهجمات صاعقة علي طلائع وأطراف الجيش الاموي، للتأثير علي العناصر المقاتلة فيه.


وبعد أن استكمل سليمان هذه الترتيبات العامة. وقف بين رفاقه خطيباً، ليضعهم نفسياً في أجواء المعركة التي دنت ساعتها. وكانت بمثابة تحليل لفكرة الخروج والغاية الاساسية التي انطلقوا في سبيلها وهي التوبة والغفران [3] ، وتوضيح لمفهوم الحرب مستقي من تشريع علي، الامام ورأس الحزب الشيعي، الذي وضع مفاهيمه المثالية الاولي. كما أشار فيها الي موضوع القيادة وانتقالها - اذا أصيب - الي نائبه المسيّب ومنه الي عبد الله بن سعد فعبد الله بن وال حتي آخر الخمسة القياديين، رفاعة بن شداد [4] وأخيراً فان هذه الخطبة كانت انعكاساً صادقاً لاخلاقية القيادة التوابية، المترفعة والمتمسكة بالمثل العليا حتي في ساحات القتال: «... فقد أتاكم الله بعدوكم الذي دأبتم في المسير اليه آناء الليل والنهار تريدون فيما تظهرون التوبة النصوح ولقاء الله معذرين. فقد جاءوكم بل جئتموهم انتم في دارهم وحيزهم. فاذا ألقيتموهم فاصدقوهم واصبروا ان الله مع الصابرين... لا تقتلوا مدبراً ولا تجهزوا علي جريح ولا تقتلوا أسيراً من أهل دعوتكم الا ان يقاتلكم بعد أن تأسروه أو يكون من قتلة اخواننا بالطّف [5] رحمة الله


عليهم، فان هذه كانت سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في أهل الدعوة...» [6] .

وفي هذا الوقت كانت طلائع الجيش الضخم الذي أعده مروان بن الحكم تشق طريقها نحو قرقيسيا بقيادة عبيد الله بن زياد. وكانت مهمة هذا الجيش تصفية جيوب المعارضة في العراق والمشرق ضد النظام الاموي الذي انتقلت فيه السيادة الي المروانيين، وانتقل معها ولاء ابن زياد الذي ظل خادماً أميناً ومخلصاً لهذا النظام، مستعداً لتنفيذ أصعب المهمات في سبيله، بمقدار حرصه علي استمرارية مصالحه الخاصة. وقد ساعدت خبرة هذا القائد الطويلة في شؤون العراق، علي أن يكون الرجل الاكثر جدارة للقيام بهذه المهمة التي كان سائراً الي تنفيذها بملء الثقة. ولكنها ثقة كانت في غير محلها هذه المرة، فالتغييرات السياسية والعسكرية التي شهدتها الارض العراقية حينئذ فاقت تصوراته، وفاته أن هذه المهمة كانت آخر مهامه في خدمة النظام الاموي، بسقوطه صريعاً علي نفس الارض التي كانت لفترة مسرح عملياته الدموية الرهيبة.


وفي الطريق الي العراق تسربت معلومات الي الجيش الاموي عن تحركات التوابين باتجاه (عين الوردة) فحوّل ابن زياد خط سيره نحو تجمعاتهم ليكونوا أول فريسة له. ولكن تطورات جديدة حدثت في دمشق حينذاك، كان يمكن ان تؤدي الي ارتباك في هذا الجيش، حين تناقلت الاخبار موت الخليفة مروان وتعيين ابنه عبد الملك [7] ، الا ان ذلك لم يترك أي انعكاس في صفوف الجند، أو يحدث أي تعديل في خطط الحملة، ذلك أن الخليفة الجديد سارع الي تأكيد أوامر الخلافة باستئناف المهمة التي أوكلت الي هذه الحملة واقرار قائدها في منصبه. وبدوره كان ابن زياد اكثر تجاوباً مع سيده فأرسل اليه بيعته بالخلافة ومعه جميع عناصر الجند في الحملة.

لم يكن سوي أيام لحسم الموقف الذي أخذ في التأزم، كلما اقترب الجيش الاموي من معسكر التوابين في (عين الوردة)، حيث كان ترقب مثير من جانب هؤلاء الذين وجدوا في اعدائهم تفوقاً عددياً ظاهراً وامكانيات عسكرية مذهلة، بالمقارنة مع جنودهم القلائل وامكانياتهم المحدودة. والواقع ان الصورة كما بدت عشية الالتحام في


المعركة الفاصلة، غير واضحة تماماً. فهناك قوي غير متكافئة ستخوض حرباً هي بالنتيجة غير متكافئة. فالتوابون كما أشرنا قبلاً، لم يطرأ علي وضعهم العسكري أي تحسن، وانما افتقدوا بعض العناصر القتالية، فانخفض عددهم الي ما يزيد علي الثلاثة آلاف مقاتل بقليل. وعلي العكس من ذلك كان جيش الامويين متفوقاً بصورة ملحوظة، حيث تشير بعض التقديرات الي انه جاوز العشرين الفاً [8] وهناك تقديرات أخري لا شك انها احتوت علي كثير من المبالغة أشارت الي انه بلغ الستين ألفاً [9] ولابد ان الرقم الاول هو الاقرب الي الحقيقة، وكانت عناصره موزعة، وفقاً للنظام الحربي التقليدي، الي خمسة ألوية: مقدمة ومؤخرة وقلب وجناحين. وكان علي كل لواء قائد من القواد الخمسة الذين مر ذكرهم. وعقدت القيادة العامة طبعاً لامير الحملة عبيد الله بن زياد. اما التوابون فقد شكلوا خطاً واحداً للتصدي بقيادة سليمان، يعاونه عبد الله بن سعد بن نفيل علي الميمنة والمسيب بن نجبه علي الميسرة [10] .


ووصل الجيش الاموي أخيراً، وما لبث أن أخذ مواقعه في مواجهة معسكر التوابين في (عين الوردة) وبدأت استعداداته تتم في اطار من السرعة المتناهية لبدء عملية الالتحام فوراً، والتخلص من هؤلاء الذين عرقلوا مسيرة الجيش وأعاقوا مهمته بعض الوقت. ولكن اللقاء بين المتحاربين في (عين الوردة) تأخر قليلاً، ولعل ذلك يعود الي ان الجنود الامويين لم يكونوا قد استكملوا ترتيباتهم العسكرية بشكل نهائي، كما يعود الي محاولات القائد الاموي مفاوضة زعيم التوابين لحمله علي الاستسلام والاعتراف بخلافة عبد الملك. وقد قبل سليمان بالمحاورة مع أعدائه وقدم اليهم شروطه للقبول بعدم القتال [11] ، لكنها كانت شروط تعجيزية وغير مقبولة أصلاً لدي الامويين فقط طلب اليهم تسليمه عبيد الله بن زياد (ابن مرجانة حسب تعبيره) وقتله الحسين، والانضمام الي صفوف شيعة آل البيت [12] .

وكان من البديهي أن يرفض القائد الاموي شروط


زعيم التوابين المستحيلة، وكان معني ذلك ان الحرب أصبحت وشيكة الوقوع. وكانت قد وقعت فعلاً واتخذت شكل مناوشات، حقق خلالها التوابون نجاحات أولية علي جانب كبير من الاهمية. فقد أرسل سليمان نائبه المسيّب بن نجبه علي رأس اربعمائة فارس [13] نحو معسكر الامويين حين علم بتحرك جيش اموي نحو (عين الوردة) بقيادة شرحبيل بن ذي الكلاع والحصين بن نمير السكوني [14] فأوقع المسيب هزيمة قاسية بالجيش الاموي، افقدته الكثير من القتلي [15] علي الرغم من التفاوت العددي الكبير بين كل من القوتين. وهذا عائد بدون ريب من ناحية الي نجاح مخطط التوابين في الحرب الصاعقة، ومستوي الحماس الملتهب الذي بلغ حداً كبيراً. ومن ناحية أخري الي تفكك الجبهة الاموية واختلاف شرحبيل والحصين علي القيادة العليا [16] .

وكانت هذه الهزيمة بمثابة تصعيد عنيف للموقف من


جانب الامويين الذين بادروا بارسال أحد القائدين المهزومين (الحصين بن نمير) الي (عين الوردة) ومعه اثني عشر الفاً من الجنود حيث أصبح وجهاً لوجه مع التوابين.. وكان ذلك ايذاناً بوقوع الحرب فعلياً [17] حين اندفع التوابون من مواقعهم بقيادة سليمان بن صُرد التحموا مع قوات الحصين الاموية التي تفوقهم كثيراً في العدد، وذلك في يوم الاربعاء في الثاني والعشرين من جمادي الاولي سنة 65 هجري /4 كانون الثاني 685 م بعد خمسة أيام من نزولهم في (عين الوردة) [18] .

ويظهر من سير الاشتباكات الاولية أن وضع التوابين - برغم قلتهم العددية - كان معززاً، ومعنوياتهم في ارتفاع دائم، أما الحماس فقد بلغ حداً لا يوصف، وكانت تستثيره نداءات سليمان في صخب المعركة فتزيده التهاباً وتأججاً: «يا شيعة آل محمد، يا من يطلبوا بدم الشهيد ابن فاطمة، ابشروا بكرامة الله عز وجل، فوالله ما بينكم ودخول الجنة والراحة من هذه الدنيا الا فراق الانفس والتوبة والوفاء بالعهد» [19] .


«التوبة والوفاء بالعهد» تلك الصرخة التي أطلقها سليمان في المعركة والشعار الذي طرحه التوابون منذ سنوات طويلة وقاسية، اقترن الآن بالفعل وحانت ساعة تنفيذه. لقد دخلوا حرب التكفير عن الذنب بأهداف مثالية وقلوب تطفح بالايمان، عبّروا عنها ابان المعركة بتكسير أغمدة السيوف [20] والتقدم الي القتال بشجاعة خارقة وحماس منقطع النظير.

دارت المعارك رهيبة، وبلغت في أيامها الثلاثة التالية (وهو الوقت الذي استغرقته الحرب) مرحلة من التصعيد غير متوقعة. فعلي جبهة التوابين الدافقة بالحيوية والنشاط، كانت تحركات المقاتلين تتم في سرعة عجيبة، والوحدات الانتحارية الصاعقة كانت تحقق نجاحات مذهلة علي أطراف ومقدمات الجيش الاموي، الامر الذي أحدث ارتباكات في صفوفه وأفقده كثيراً من عناصره المقاتلة. ففي اليوم الاولللمعارك الجدية دار قتال ضاري بين الطرفين حسمه التوابون بهجوم عنيف علي طرفي الجيش الاموي فتراجع مهزوماً، تاركاً وراءه الكثير من القتلي والجرحي [21] وقد تركت هذه الهزيمة صدي استياء


عميق عند القائد العام عبيد الله بن زياد وأفقدته السيطرة علي أعصابه، حين صب جام غضبه وقذف بشتائمه أحد قواده (شرحبيل بن ذي الكلاع) متهماً اياه بالتخاذل والتقصير [22] .

واستؤنف القتال الضاري في اليوم الثاني. وكان وضع الجيش الاموي قد أصبح أكثر تعزيزاً، بحيث ان التوازن العسكري اختل الي حد كبير وانعدم التكافؤ بين القوتين المتحاربتين بشكل ظاهر. غير ان الروح النضالية المغامرة التي تميزت بها أعمال التوابين، وذلك التسابق الجموح نحو الاستشهاد، نسف كل قواعد التوازن. فقد كان صمودهم بطولياً ورائعاً طوال يوم مثير، أثخن فيه الفريقان قتلاً وجراحاً [23] ، ولم تكن نتيجته علي ما يبدو حاسمة لاي منهما، حتي كان اليوم الثالث [24] وهو الاكثر اثارة في معارك (عين الوردة) حين أطبق الجيش الاموي بكل امكانياته علي التوابين الذين اصبحوا في قلة قليلة بعد أن أفقدتهم اشتباكات اليوم السابق جزءاً كبيراً من مقاتليهم. وقد وجدوا أنفسهم في هذا اليوم محاطين من كل جانب بقوات مكثفة من أعدائهم، انقضّت عليهم


بمنتهي العنف والشراسة. ولكن التوابين، للحقيقة، لم يتخاذلوا ولم يتخلوا مطلقاً عن ايمانهم بالقضية التي يناضلون في سبيلها، وانما ظلوا متماسكين في جبهة واحدة متراصة ويقاتلون قتالاً بطولياً مستميتاً [25] ، حتي أن هجماتهم الانتحارية أوقفت بعض الوقت الجنود الامويين عن التقدم، وجعلتهم يتحاشون الالتحام المباشر معهم، فاعتمدوا النبال كسلاح رئيسي [26] وتمكنوا بذلك من انزال خسائر جسيمة في صفوف التوابين، مما أدي الي سيطرتهم أخيراً علي زمام الموقف.

وكان سليمان ذلك الرجل الاسطوري، يتقدم رفاقه المناضلين، بخطي ثابتة نحو قدره الذي اختاره عن قناعة وايمان. وفي وسط المعمعة كان صوته يخترق الآذان مردداً: «عباد الله من أراد البكور الي ربه والتوبة من ذنبه والوفاء بعهده فاليّ» [27] وكانت هذه الكلمات آخر ما وردده القائد التوابي وهو يشق بسيفه صفوف الامويين بكل جرأة ورباطة جأش. ولعله عاش في تلك اللحظات لذة الانتقام وحلم الشهادة الذي أوشك أن


يتحقق. وحدث ذلك فعلاً عندما أدركه سهم ألقي به يزيد بن الحصين، فأوقعه قتيلاً وكان له من العمر ثلاثاً وتسعين سنة [28] ومن غرائب المصادفات ان تكون نهاية زعيم التوابين - الذي قام بثورته للانتقام من النظام الاموي عبر ممثله والمسؤول الاول عن مقتل الحسين، يزيد بن معاوية - علي يد يزيد آخر هو ابن الحصين بن نمير السكوني أحد أركان هذا النظام البارزين، وكأن ذلك جاء ليوحي بأن معركة الانتقام التي يخوضها الحزب الشيعي لم تنته بعد، وستبعث من جديد، ولكن مع وجوه أخري وبأبعاد مختلفة.

بعد مقتل سليمان، تسلم راية القيادة نائبه المسيّب بن نجبه الذي أثبت انه لا يختلف عن مستوي سليمان في جرأته المتطرفة وفي ايمانه العظيم، وقد وصفه أحد الذين شاركوا في (عين الوردة) بقوله: «ما رأيت أشجع منه انساناً قط، ولا من العصابة التي كان فيهم، ولقد رأيته يقاتل قتالاً شديداً ما ظننت ان رجلاً واحداً يقدر أن يبلي مثل ما أبلي، ولا ينكأ في عدوه مثل ما نكأ» [29] وقد سقط المسيّب بدوره صريعاً في المعركة [30] بعد جهود


مستميتة، وتبعه بقية القواد وعدد كبير من المقاتلين، باستثناء رفاعة بن شداد الذي اعترف بالهزيمة وأدرك عدم جدوي القتال، وكانت القيادة قد انتقلت اليه فأصدر أوامره سراً الي البقية الباقية من التوابين بالانسحاب والتراجع. غير أن الاستجابة لم تكن جماعية، لان فئة، قدّر عددها نحو مائة وثلاثين مقاتلاً، رفضت فكرة الانسحاب، وأصرت علي الاستشهاد، فظلت تقاتل حتي أبيدت بكاملها [31] اما الباقون فقد انسحبوا تحت جنح الظلام ممتثلين لاوامر القائد العام. وكانت عملية الانسحاب مدروسة ومنظمة الي حد كبير، ذلك ان رفاعة كان قد أمر بتشكيل فرقة من سبعين فارس، مهمتهاً تغطية الانسحاب واشغال العدو، كما أمر بتهديم الجسور والقناطر وراء المقاتلين لاعاقة أي ملاحقة قد يقوم بها الامويون.

تمت عملية التراجع بنجاح تام، وابتعد التوابون المنسحبون عن ميدان المعركة، واصبحوا في منأي عن مطاردة الجيش الاموي المنتصر الذي استنكف عن محاولة اللحاق بهم [32] وفي طريق العودة الي الكوفة عاودتهم ذكريات القتال في (عين الوردة) ورجعت اليهم من جديد عقدة الشعور بالذنب، ففكروا بالرجوع والسير علي خطي


رفاقهم الذين وهبهم الله نعمة الشهادة. ولكن رفاعة تمكن بعد صعوبة من اقناعهم بالتخلي عن هذه الفكرة ومتابعة الانسحاب الي الكوفة [33] .

ولم تقتصر متاعب الانسحاب علي التمرد والاصرار علي الرجوع الي ساحة القتال، وانما كانت مشاق الرحلة تفوق حدود الاحتمال، وتضفي عليها مسألة الجرحي [34] وفقدان بعضهم في الطريق، ظلالاً مأساوية قاتمة. وقد حاول زفر بن الحارث الكلابي مواساتهم والتخفيف عنهم عند وصولهم الي (قرقيسيا)، فأرسل اليهم المواد الغذائية، والاطباء لمداواة الجرحي، عارضاً عليهم الاقامة ما شاءوا في مدينته. فأقاموا فيها ثلاثة أيام [35] انصرفوا بعدها متبعين نفس الطريق الذي حملهم الي (عين الوردة) حتي اذا بلغوا (هيت) تفجرت أحزانهم من جديد بلقاء اخوانهم من جماعة المدائن بقيادة سعد بن حذيفة بن اليمان، وهم في طريقهم الي ساحة القتال [36] ، فكان مجيئهم متأخراً وفي غير محله. ولكنهم سجلوا علي أية حال موقف التضامن


السياسي والعقائدي مع رفاقهم التوابين من أجل الغفران والتكفير عن الذنب. كان اللقاء حزيناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، لم يخفف بعض حدته الا افتراقهم، عائدين كل الي مدينته، وقد غمره أسي عميق وحمل في قلبه صورة لن تنسي من الفجيعة.

تابعت فلول التوابين بعد ذلك رحلة العودة الي الكوفة، وكانت أخبار المعارك الانتحارية والبطولات الخارقة التي شهدتها (عين الوردة)، قد بلغت أسماع الكوفيين فهزتهم اعجاباً، كما أن بعضهم آلمه أن تتهاوي تلك النخبة من الحزب الشيعي وتضيع جهودها هباء في غمار حرب غير متكافئة. فلما بلغوا مشارف المدينة، هرع لمواساتهم جمهور من الكوفيين، كان بينهم الامير الزبيري عبد الله بن يزيد الانصاري الذي استقبل قائدهم رفاعة معزياً ومشجعاً، ومشيداً كذلك بالدور البطولي الذي قام به التوابون في مسيرتهم النضالية الرائعة ضد (قوي الطغيان) و(زمرة الجوار) [37] .

وفي الكوفة، اتصل بهم المختار من السجن معزياً: «ابشروا فقد قضيتم ما عليكم وبقي ما علينا، ولن يفوتنا منهم من بقي ان شاء الله» [38] وكتب الي زعيمهم رفاعة


مبشراً بالنصر القريب، ومعاهداً علي اكمال المسيرة التي بدأها سليمان ورفاقه وان كان لا يفوته ان يغمز من قناة هذا الاخير بوصفه انه ليس بالرجل الذي يمكن ان يتحقق علي يديه النصر وانما هو - أي المختار - القادر علي حمل راية الحزب الشيعي وتنفيذ مخططاته الثأرية وتصفية كل من شارك في مأساة كربلاء، نظاماً كان أم اشخاصاً: «أما بعد فمرحباً بالعصبة الذين عظم الله لهم الاجر ورضي فعلهم حين قتلوا، اما ورب البيت ما خطا خاط منكم خطوة ولا ربا ربوة الا كان ثواب الله أعظم من الدنيا، ان سليمان قضي ما عليه وتوفاه الله وجعل روحه مع أرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون، اني أنا الامير المأمور والامين المأمون وقاتل الجبارين والمنتقم من أعداء الدين المقيد من الاوتار، فأعدوا واستعدوا وابشروا. أدعوكم الي كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدم أهل البيت والدفع عن الضعفاء وجهاد المحلين» [39] .



پاورقي

[1] ابن الاثير الخ: 8/253.

[2] الفتوح لابن الاعثم الکوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

[3] الطبري: 7/74.

[4] الطبري: 7/74.

[5] المکان الذي استشهد فيه الحسين ورفاقه في کربلاء.

[6] الطبري: 7/74، ابن الاثير: 4/76.

[7] 3 رمضان سنة 65 هجري. تاريخ خليفة 1/331.

[8] الفتوح لابن الاعثم الکوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

[9] تاريخ خليفة 1/331.

[10] الطبري: 7/75.

[11] ثابت الراوي: العراق في العصر الاموي 170.

[12] البلاذري: انساب الاشراف 5/217. الفتوح لابن الاعثم الکوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

[13] جاء في البداية والنهاية: خمسمائة فارس، ابن کثير: 8/253.

[14] الطبري: 7/75، ابن الاثير 4/76.

[15] الطبري: 7/75، ابن الاثير: 4/76.

[16] الطبري: 7/75، ابن الاثير: 4/76.

[17] ابن کثير: 8/254.

[18] فلهوزن: الخوارج والشيعة 195.

[19] الفتوح لابن الاعتم الکوفي. نسخة اسطنبول. (مخطوطة).

[20] الطبري: 7/76.

[21] قدر عدد الجيش الاموي الذي اشترک باثني عشر الفاً، کان علي رأسه الحصين بن نمير السکوني. ابن الاثير: 8/254.

[22] الطبري: 7/76.

[23] الطبري: 7/76.

[24] المسعودي: مروج الذهب 3/94.

[25] الجمعة في 24 جمادي الاول 65 هجري / 6 کانون الثاني 685 م. المسعودي: مروج الذهب: 3/94.

[26] جون جلوب: امبراطورية العرب 135.

[27] الطبري: 7/76.

[28] ابن کثير: 8/255.

[29] الطبري: 7/76 - 77.

[30] ابن کثير: 8/254.

[31] جون جلوب: امبراطورية العرب 136.

[32] ابن کثير: 8/254.

[33] جون جلوب: امبراطورية العرب 136.

[34] الفتوح لابن الاعثم الکوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

[35] الطبري: 7/80.

[36] ابن الاثير: 4/78.

[37] الفتوح لابن الاعثم الکوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

[38] الفتوح لابن الاعثم الکوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

[39] ابن الاثير: 4/78.