بازگشت

الماساوية المروعة لواقعة كربلاءعنصراساسي في تحقيق مصلحة الاسلام العليا


لقد كان للصورة المأساوية التي تميّزت بها واقعة الطف الدامية في كل وقائعها ومفرداتها، دور مرسوم وأثر بليغ شاءه الله سبحانه لتتحقق للإمام الحسين (ع) أهدافه الإلهية من خلال نهضته الكبري، والمتصفّح لكتب التاريخ التي تسرد تفاصيل واقعة الطف الأليمة سيهتز ضميره ويعتريه الحزن والألم الشديد، بل تجري دمعته مع كل مفردة من مفردات الواقعة المأساوية، منذ حركة الإمام الحسين (ع) بأهل بيته وأصحابه من مكّة المكرمة، حتي استشهاده علي أرض كربلاء المقدسة، وسبي نسائه وأطفاله فيما بعد، وفي الوقت نفسه يستعر غضباً وغيضاً علي الطاغية يزيد وابن زياد وعمّالهما من قتلة الإمام الحسين (ع) لشدة قسوتهم وظلمهم الذي لا حدّ له في طريقة مواجهة الإمام (ع)، وقتله وقتل أهل بيته وأصحابه وسبي نساء عترة الرسول (ص) وأطفالهم.

ولقد فعلت هذه المأساة فعلها في تأجيج عواطف المسلمين، خصوصاً أهل الكوفة وغيرها في حواضر العراق والحجاز، وخلقت الأرضية الواسعة لأيّة مبادرة تعبوية لمواجهة الخلافة الأموية، وكسر هيبتها، وفضح تستّرها بستار الخلافة الإسلامية، ولهذا نجد أن مرحلة المواجهة والجهاد العنيد لهذا الخط المنحرف قد بدأت منذ أن بدأت النهضة الحسينية الكبري، واشتدت بعد استشهاده (ع)، وكلها تنادي بشعار الرضا من آل محمد (ع)، وهو شعار الإمام الحسين (ع) الشهير، الذي أطلقه في نهضته حيث قال: "رضا الله رضانا أهل البيت".

ولم أجد أبلغ من وصف الإمام الحسن (ع) لمسأة الإمام الحسين (ع)، فقد روي أبو عبد الله الصادق (ع) أن الحسين دخل علي أخيه الحسن (ع) في مرضه الذي استشهد فيه، فلما رأي ما به بكي، فقال له الحسن: "ما يبكيك يا أبا عبد الله"؟ قال: "أبكي لما صُنع بك". فقال الحسن (ع): "إن الذي يؤتي إليّ سمّ يدس إليّ فأقُتل به ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألفاً يدّعون أنهم من أمّة جدنا محمد، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون علي قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شيء حتي الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار". [1] .

ولم يقف الأثر التعبوي للنهضة الحسينية عند حدٍّ مقطعي من مسيرة الأمّة، بل تواصل بنمو نوعي وكمّي مطّرد عبر العصور، حتي إننا نستطيع القول: إن من أبرز الأدلّة الواقعية علي الأثر الدائم لهذه النهضة الخالدة في أعماق المسلمين، وتحقيقها للهدف الشامل في تقويم المصلحة الإسلامية العليا علي مستوي الرسالة والأمّة جمعاء، هو هذا الإجماع المطلق في جميع العصور علي تأييدها والتفاعل مع معطياتها، والإدانة المطلقة ليزيد بن معاوية موقفاً ومنهجاً، فهذه كتب الحديث والتاريخ والسِيَر لكل المذاهب والفِرَق الإسلامية تجمع علي ذلك، وهذه كتب المحدّثين من إسلاميّين وغير إسلاميّين، ممن تناول قيام الإمام الحسين (ع) ونهضته بالدرس والتحليل، تُجمع علي ذلك أيضاً، حتي لقد جاء علي لسان أحدهم، وهو الزعيم الهندي المعروف (غاندي) قوله:

"لقد عرف الحسين كيف يكون مظلوماً فينتصر".

عن مجلة رسالة الثقلين، العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، رجب - رمضان 1418 ه / 1997 م


پاورقي

[1] أمالي الصدوق: 101، المجلس 24.