بازگشت

هيهات منا الذلة يابي الله لنا ذلك و رسوله والمومنون


وخطب الإمام الحسين (ع) خطبته الثانية فيمن جاء لقتاله، حيث ركب فرسه وأخذ مصحفاً ونشره علي رأسه، ووقف بإزاء القوم وقال: "يا قوم، إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدي رسول الله (ص)" [1] .

ثم استشهدهم علي نفسه المقدسة وما عليه من سيف النبي (ص) ودرعه وعمامته، فأجابوه. بالتصديق، فسألهم عما أقدمهم علي قتله، فقالوا: طاعة للأمير عبيد الله بن زياد. فقال (ع): "تبّاً لكم أيتها الجماعة وترحاً! أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها علي عدونا وعدوكم؟ فأصبحتم ألباً لأعدائكم علي أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاّ لكم الويلات! تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبي، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها، فسحقاً لكم يا عبيد الأمة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرّفي الكلم، وعصبة الإثم، ونفثة الشيطان ومطفئي السنن! ويحكم! أهؤلاء تعضدون، وعنا تتخاذلون؟ أجل والله، غدر فيكم قديم، وشجت عليه أصولكم، وتأزّرت فروعكم، فكنتم أخبث ثمر، شجيً للناظر، وأكلة للغاصب.

ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام. ألا وإني زاحف بهذه الأسرة علي قلة العدد وخذلان الناصر.

أما والله لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يُركب الفرس، حتي تدور بكم دور الرحي، وتقلق بكم قلق المحور. عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله (فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون)، (إني توكّلت علي الله ربّي وربكم ما من دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي علي صراط مستقيم)". [2] .

ثم رفع يديه نحو السماء وقال: "اللّهم أحبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مُصبِرة، فإنهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك المصير. [3] .

والله لا يدع أحداً منهم إلاّ انتقم لي منه، قتلة بقتلة، وضربة بضربة، وإنه لينتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي". [4] .


پاورقي

[1] تذکرة الخواص: 143.

[2] تاريخ ابن عساکر 4: 334. ومقتل الخوارزمي 2: 7 واللهوف: 54.

[3] اللهوف: 56 ط. صيدا، ومقتل الخوارزمي 2: 7.

[4] مقتل العوالم: 84.