بازگشت

لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل و لا افر فرار العبيد


عندما أقبل عمر بن سعد نحو الحسين (ع) في ثلاثين ألفاً، دعا الإمام الحسين (ع) براحلته فركبها، ونادي بصوت عال سمعه جلهم: "أيها الناس، اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتي أعظكم بما هو حق لكم عليّ، وحتي أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليّ سبيل، وإن لم تقبلوا منّي العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم: (فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون). (إن وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّي الصالحين)".

ثم قال: "الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته، والشقي من فتنته، فلا تغرّنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخّيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم علي أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنّبكم رحمته، فنعم الربّ ربنا وبئس العبيد أنتم! أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد (ص)، ثم إنكم زحفتم إلي ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد استخوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتّباً لكم ولما تريدون! إنا لله وإنا إليه راجعون. هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين. [1] .

أيها الناس أنسبوني من أنا، ثم ارجعوا إلي أنفسكم وعاتبوها، وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيّكم، وابن وصيّه وابن عمّه وأول المؤمنين بالله، والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟ أوليس جعفر الطيار عمّي؟ أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدّقتموني بما أقول - وهو الحق - فو الله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه، وإن كذّبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي"؟!

ثم قال الحسين (ع): "فإن كنتم في شك من هذا القول، أفتشكّون أني ابن بنت نبيّكم؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم! أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص جراحة"؟ فأخذوا لا يكلمونه، فنادي: "يا شبث بن ربعي، ويا حجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أن أقدم قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب، وإنما تقدم علي جند لك مجنّدة"؟ فقالوا: لم نفعل.

قال: "سبحان الله! بلي والله لقد فعلتم. ثم قال: أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلي مأمني من الأرض"، فقال له قيس ابن الأشعث: أو لا تنزل علي حكم بني عمك؟ فإنهم لن يروك إلاّ ما تحب، ولن يصل إليك منهم مكروه.

فقال الحسين (ع): "أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله، لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد. عباد الله، إني عذت بربّي وربكم أن ترجمون. أعوذ بربّي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب".

ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها. [2] .


پاورقي

[1] مقتل محمد بن أبي طالب.

[2] تاريخ الطبري 3: 319.