بازگشت

نحن اهل بيت محمد اولي بولاية هذا الامر


فقد جاء أن الحسين (ع) بعد خروجه من مكة سار حتي نزل في شراف، وعند السحر أمر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا، وفي نصف النهار سمع رجلاً من أصحابه يكبّر، فقال الحسين: "لم كبرت"؟ قال: رأيت النخل، فأنكر من معه أن يكون بهذا الموضع نخل وإنما هو أسنّة الرماح وآذان الخيل، فقال الحسين: "وأنا أراه ذلك"، ثم سألهم عن ملجاً يلجأون إليه، فقالوا: هذا ذو حسم [1] عن يسارك فهو كما تريد فسبق إليه الحسين وضرب أبنيته. وطلع عليهم الحر الرياحي [2] مع ألف فارس، بعثه ابن زياد ليحبس الحسين (ع) عن الرجوع إلي المدينة أينما يجده، أو يقدم به الكوفة، فلما رأي سيد الشهداء (ع) ما بالقوم من العطش، أمر أصحابه أن يسقوهم ويرشفوا الخيل، فسقوهم وخيولهم عن آخرهم.

وكان علي بن الطعان المحاربي مع الحر، فجاء آخرهم وقد أضرّ به العطش، فقال له الحسين (ع): "أنخ الرواية"، وهي الجمل بلغة الحجاز فلم يفهم مراده فقال له: "أنخ الجمل". ولما أراد أن يشرب جعل الماء يسيل من السقاء، فقال له ريحانة الرسول: "أخنث السقاء". فلم يدر ما يصنع لشدة العطش، فقام (ع) بنفسه وعطف السقاء حتي ارتوي وسقي فرسه.

ثم إن الحسين (ع) استقبلهم فحمد الله وأثني عليه وقال: "إنها معذرة إلي الله عزّ وجلّ وإليكم، وإني لم آتكم حتي أتتني كتبكم، وقدمت بها عليّ رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام، ولعل الله أن يجمعنا بك علي الهدي، فإن كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن به من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلي المكان الذي جئت منه إليكم".

فسكتوا جميعاً. وأذّن الحجاج بن مسروق الجعفي لصلاة الظهر، فقال الحسين للحر: "أتصلي بأصحابك"؟ قال: لا، بل نصلّي جميعاً بصلاتك، فصلّي بهم الحسين (ع).

وبعد أن فرغ من الصلاة أقبل عليهم فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي النبي محمد (ص) وقال: "أيها الناس، إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضي لله، ونحن أهل بيت محمد (ص)، أولي بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن علي غير ما أتتني به كتبكم، انصرفت عنكم". فقال الحر: ما أدري ما هذه الكتب التي تذكرها؟ فأمر الحسين عقبة بن سمعان فأخرج خرجين مملوّين كتباً. قال الحر: إني لست من هؤلاء، وإني أُمرت ألاّ أفارقك إذا لقيتك حتي أُقدمك الكوفة علي ابن زياد. فقال الحسين: "الموت أدني إليك من ذلك، وأمر أصحابه بالركوب، وركبت النساء فحال بينهم وبين الانصراف إلي المدينة". [3] .


پاورقي

[1] حسم (بضم الحاء المهملة وفتح السين بعدها ميم): جبل کان النعمان بن المنذر يصطاد به.

[2] في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 215: الحر بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب الردف بن هرمي بن رياح يربوع، وقيل لعتاب الردف لأن الملوک يردفونه.

[3] إرشاد المفيد. وابن شهرآشوب في المناقب 2: 193.