بازگشت

لا بيعة ليزيد (شارب الخمور و قاتل النفس المحرمة والمعلن بالفسق)


فقد جاء في كتب التاريخ أن معاوية لما هلك بدمشق في منتصف رجب سنة ستين هجرية، وكان ابنه يزيد في حوران، قام الضحاك بن قيس بتكفينه ثم صلي عليه ودفنه بمقابر باب الصغير، وأرسل البريد إلي يزيد يعزّيه بأبيه، ويطلب منه الإسراع في القدوم ليأخذ بيعة مجدّدة من الناس، [1] فسار يزيد إلي دمشق فوصلها بعد ثلاثة أيام من دفن معاوية، وأقبل الناس عليه يهنّئونه بالخلافة ويعزّونه بوفاة أبيه، فقال يزيد:... أبشروا يا اهل الشام، فإن الخير لم يزل فيكم، وستكون بيني وبين أهل العراق ملحمة، وذلك أنّي رأيت في منامي منذ ثلاث ليال كأن بيني وبين أهل العراق نهراً يطّرد بالدم جرياً شديداً، وجعلت أجهد نفسي لأجوزه فلم أقدر حتي جازه بين يدي عبيد الله بن زياد وأنا أنظر إليه.

فصاح أهل الشام: إمض بنا حيث شئت. معك سيوفنا التي عرفها أهل العراق في صفين، فجزاهم خيراً وفرّق فيهم أموالاً جزيلة.

وكتب إلي العمال في البلدان يخبرهم بهلاك أبيه وأقرّهم علي عملهم، وضم العراقين إلي عبيد الله بن زياد بعد أن أشار عليه بذلك سرجون مولي معاوية، وكتب إلي الوليد بن عتبة وكان علي المدينة: أما بعد، فإن معاوية كان عبداً من عباد الله، أكرمه واستخلصه ومكّن له، ثم قبضه إلي روحه وريحانه ورحمته. عاش بقدر ومات بأجل، وقد كان عهد إليّ وأوصاني بالحذر من آل أبي تراب لجرأتهم علي سفك الدماء، وقد علمت يا وليد أن الله تبارك وتعالي منتقم للمظلوم عثمان من آل أبي سفيان لأنهم أنصار الحق وطلاب العدل، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة علي أهل المدينة.

ثم أرفق الكتاب بصحيفة صغيرة فيها: خذ الحسين وعبدالله بن عمر وعبدالرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً، ومن أبي فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه. [2] .

وقام العامل بهذه المهمة، فبعث إلي الحسين (ع) وابن الزبير في منتصف الليل رجاء أن يغتنم الفرصة بمبايعتهما قبل الناس، فوجدهما رسوله عبد الرحمن بن عمرو بن عثمان بن عفان [3] في مسجد النبي (ص)، فارتاب ابن الزبير من هذه الدعوة التي لم تكن في الوقت الذي يجلس فيه للناس. [4] .

واتّضح لابن الزبير ما عزم عليه الحسين من ملاقاة الوالي في ذلك الوقت، فأشار عليه بالترك حذار الغيلة، فعرّفه الحسين (ع) القدرة علي الامتناع [5] ، وصار إليه الحسين (ع) في ثلاثين [6] من مواليه وأهل بيته وشيعته شاكّين السلاح، ليكونوا علي الباب فيمنعوه إذا علا صوته [7] ، وبيده قضيب رسول الله (ص)، ولما استقر المجلس بأبي عبد الله (ع) نعي الوليد إليه معاوية، ثم عرض عليه البيعة ليزيد، فقال (ع): مثلي لا يبايع سراً. فإذا دعوت الناس إلي البيعة دعوتنا معهم فكان أمراً واحداً. [8] .

فاقتنع الوليد بكلامه، ولكن مروان ابتدر قائلاً: إنْ فارقكالساعة ولم يبايع لم تقدر منه علي مثلها حتي تكثر القتلي بينكم، ولكن احبس الرجل حتي يبايع أو تضرب عنقه. فقال الحسين: "يابن الزرقاء [9] ، أنت تقتلني أم هو؟ كذبت وأثمت". [10] .

ثم أقبل علي الوليد وقال: "أيها الأمير، إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل شارب الخمور وقاتل النفس المحرمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أَيُّنا أحق بالخلافة". [11] .

فأغلظ الوليد في كلامه وارتفعت الأصوات، فهجم تسعة عشر رجلاً قد انتضوا خناجرهم وأخرجوا الحسين (ع) إلي منزله قهراً [12] ، فقال مروان للوليد: عصيتني! فو الله لا يمكنك علي مثلها. قال الوليد: (ويح غيرك) يا مروان! اخترت لي ما فيه هلاك ديني. أقتل حسيناً أن قال لا أبايع؟! والله لا أظن امرئاً يحاسب بدم الحسين إلاّ خفيف الميزان يوم القيامة [13] ، ولا ينظر الله إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم. [14] .


پاورقي

[1] راجع ابن کثير الدمشقي، البداية والنهاية 8: 145.

[2] مقتل الخوارزمي 1 178 - 180 ط. النجف.

[3] تاريخ ابن عساکر 4: 327.

[4] تاريخ الطبري 3: 270.

[5] الکامل لابن الأثير 4: 15.

[6] اللهوف للسيد رضي الدين بن طاووس.

[7] مقتل الخوارزمي 1: 183، الفصل 8.

[8] تاريخ الطبري 3: 270.

[9] في تذکرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 229، طبع ايران، والآداب السلطانية للفخري: 88، أنّ جدّة مروان کانت من البغايا، وفي کامل ابن الأثير 4: 75، أن الناس کانوا يعيّرون ولد عبد الملک بن مروان بالزرقاء بنت موهب، لأنها من المومسات ومن ذوات الرايات.

[10] تاريخ الطبري وکامل ابن الأثير والإرشاد وإعلام الوري.

[11] مثير الأحزان لابن نما الحلّي من أعلام القرن السادس.

[12] مناقب ابن شهر آشوب 2: 208.

[13] تاريخ الطبري 3: 270.

[14] اللهوف: 14.