بازگشت

تمهيد


إن للحسين (ع) موقعاً رسالياً تميّز به عن سائر أئمة أهل البيت (ع)، وجعل منه رمزاً خالداً لكل مظلوم يصحر بظلامته عبر التاريخ، وصرخة حق تدوّي في وجه الظالمين إلي يوم الدين. وليس جزاقاً قول رسول الله (ص) في حقّه (ع) إن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، فعن أبي عبدالله (ع) قال: "كان النبي (ص) في بيت أم سلمة فقال لها: لا يدخل عليَّ أحد، فجاء الحسين (ع) وهو طفل، فما ملكت معه شيئاً حتي دخل علي النبي، فدخلت أم سلمة علي إثره فإذا الحسين علي صدره، وإذا النبي يبكي، وإذا في يده شيء يقلّبه. فقال النبي: يا أم سلمة، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها فضعيه عندك، فإذا صارت دماً فقد قتل حبيبي، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، سل الله أن يدفع ذلك عنه؟ قال: قد فعلت فأوحي الله عزّ وجلّ إليّ أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، وأن له شيعة يشفعون فيشفَّعون، وأن المهدي من ولده، فطوبي لمن كان من أولياء الحسين وشيعته، هم والله الفائزون يوم القيامة". [1] .

وهو الذي نزل الوحي بتسميته حسيناً، فقد روي أنه عندما زُفّت البشري لرسول الله (ص) بولادة الإمام الحسين (ع)، في اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك في السنة الرابعة من الهجرة، أسرع (ص) إلي دار الزهراء (س) فقال لأسماء بنت عمير: "يا أسماء، هاتي ابني"، فحملته إليه، وقد لُفّ في خرقة بيضاء، فاستبشر (ص) وضمَّه إليه وأذَّن في أُذنه اليمني وأقام في اليسري، ثم وضعه في حجره وبكي، فقالت أسماء: فداك أبي وأُمّي، ممَّ بكاؤك؟ قال (ص): "من ابني هذا". قالت: إنه ولد الساعة. قال (ص): "يا أسماء، تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي". ثم قال: "يا أسماء، لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادته".

ثم قال (ص) لعلي (ع): "أي شيء سمّيت ابني"؟ فأجابه علي (ع): ماكنت لأسبقك باسمه يا رسول الله. فنزل جبرئيل (ع) علي رسول الله (ص) حاملاً اسم الوليد المبارك، قال لعلي (ع): "سمّه حسيناً". [2] .

وتتوالي بيانات رسول الله (ص) في وصف مقام الإمام الحسين (ع)، وموقعه الرفيع من الرسالة والرسول، منها:

عن يعلي بن مرة، قال: قال رسول الله (ص): "حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله مَن

أحبّ حسيناً، حسينٌ سبط من الأسباط". [3] .

وعن سلمان الفارسي، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: "الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار علي وجهه". [4] .

وعن البرّاء بن عازب، قال: رأيت رسول الله (ص) حاملاً الحسين بن علي علي عاتقه وهو يقول: "اللهم إني أحبّه فأحبّه". [5] .

وعن أبي جعفر (ع) قال: كان رسول الله (ص) إذا دخل الحسين (ع) اجتذبه إليه، ثم يقول لأمير المؤمنين (ع): "أمسكه"، ثم يقع عليه فيقبّله ويبكي، فيقول: يا أبه، لم تبكي؟ فيقول: "يا بنيَّ، اُقّبل موضع السيوف منك وأبكي". قال يا أبه، وأُقتل؟ قال: "إي والله، وأبوك وأخوك وأنت". قال: يا أبه، فمصارعنا شتّي؟ قال: "نعم، يا بني"، قال: فمن يزورنا من أُمتك؟ قال: "لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلاّ الصديقون من أُمّتي". [6] .

وقال: "لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك". قالت فاطمة الزهراء (ع): يا أبت، أي شيء تقول؟ قال: "يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذي والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء، يتهادون إلي القتل، وكأني أنظر إلي معسكرهم، وإلي موضع رحالهم وتربتهم". قالت: يا أبه، وأين هذا الموضع الذي تصف؟ قال: "موضع يقال له كربلا، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلي الأُمة، ويخرج عليهم شرار أُمتّي، لو أن أحدهم شُفّع له في السموات والأرضين ما شفّعوا فيه، وهم المخلّدون في النار". قالت: يا أبه، فيقتل؟ قال: "نعم يا بنتاه، وما قُتل قتلته أحد كان قبله، ويبكيه السموات والأرضون، والملائكة، والوحش، والنباتات، والبحار، والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي علي الأرض متنفس، ويأتيه قوم من محبّينا ليس في الأرض أعلم بالله، ولا أقوم بحقّنا منهم، وليس علي ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم، أولئك مصابيح في ظلمات الجور، وهم الشفعاء، وهم واردون حوضي غداً، أعرفهم إذا وردوا عليَّ بسيماهم، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا، وهم قوّام الأرض، وبهم ينزل الغيث". فقالت الزهراء (س): يا أبه، إنا لله، وبكت، فقال لها: "يا بنتاه، إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة، يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها، قتله أهون من ميتة، ومن كتب عليه القتل، خرج إلي مضجعه، ومن لم يقتل فسوف يموت. يا فاطمة بنت محمّد، أما تحبّين أن تأمرين غداً بأمر فتُطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون ابنك

من حملة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار، يأمر النار فتطيعه، يخرج منها ما يشاء؟ ويترك من يشاء. أما ترضين أن تنظرين إلي الملائكة علي أرجاء السماء ينظرون إليك وإلي ما تأمرين به، وينظرون إلي بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله؟ فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجّته علي الخلائق، وأُمرت النار أن تطيعه؟. أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك، وتأسف عليه كل شيء؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان الله، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلي بيت الله واعتمر، ولم يخلُ من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتي يفارق الدنيا"؟ قالت: يا أبه، سلّمت، ورضيت، وتوكلت علي الله، فمسح علي قلبها ومسح عينيها، وقال: "إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقرُّ عيناك، ويفرح قلبك". [7] .

وعن ابن عباس قال: لما اشتد برسول الله (ص) مرضه الذي مات فيه، ضمّ الحسين (ع) إلي صدره يُسيل من عرقه عليه، وهو يجود بنفسه، ويقول: "مالي وليزيد لا بارك الله فيه؟ اللهم العن يزيد". ثم غُشي عليه طويلاً، وأفاق وجعل يقبّل الحسين وعيناه تذرفان، ويقول: "أما إنَّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزّ وجلّ". [8] .

ومن هنا ندرك كيف أن رسول الله (ص) كان يهيّيء ولده الحسين (ع) لدور رسالي فريد، ويوحي به ويؤكّده، ليحفظ له رسالته من الانحراف والضياع لذا نجد أن سيرة سيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، هي من أبرز مصاديق وحدة الهدف في تحقيق وحفظ مصلحة الإسلام العليا، التي اتّسمت بها أدوار أئمة أهل البيت (ع)، علي رغم تنوّعها في الطريقة وتباينها الظاهري في المواقف، وقد تمثّل في سيرة الإمام الحسين (ع) مبدأ حفظ مصلحة الإسلام العليا في أربعة مواقف كبري، شملت عهد إمامة أبيه (ع) وعهد إمامة أخيه الحسن (ع) وعهد إمامته (ع).


پاورقي

[1] البحار 44: 225، ح 5.

[2] الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: 217. الطبري، دخائر العقبي في مناقب ذوي القربي 119. الخوارزمي، مقتل الحسين 1: 87 و 88.

[3] الفيروز آبادي، فضائل الخمسة 3: 262. صحيح الترمذي 2: 307.

[4] الطبرسي، إعلام الوري: 219.

[5] ابن الصباغ المالکي، الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة (ع): 171.

[6] البحار 44: 261، ح 14.

[7] البحار 44: 264 و 265، ح 22.

[8] المصدر نفسه 266، ح 24.