بازگشت

نورد فيه رسالة شرح الثأر الذي الشيخ الفاضل البارع جعفر بن محمد بن نما


بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: حمد الله الذي جعل الحمد ثمنا لثوابه و نجاة يوم الوعيد من عقابه، و الصلاة علي محمد الذي شرفت الاماكن بذكره و عطرت المساكن بريا [1] نشره، و علي آله و أصحابه الذين عظم قدرهم بقدره و تابعوه في نهيه و أمره، فإني لما صنفت كتاب المقتل الذي سميته مثير الاحزان و منير سبل الاشجان، و جمعت فيه من طرائف الاخبار، و لطائف الآثار ما يربي علي الجوهر و النضار، سألني جماعة من الاصحاب أن اضيف إليه عمل الثار، و أشرح قضية المختار، فتارة اقدم و اخري احجم، و مرة اجنح جنوح الشامس، [2] و آونة أنفر نفور العذراء من يد اللامس، و أردهم عن عمله فرقا من التعرض لذكره و إظهار مخفي سره.

ثم كشفت قناع المراقبة في إجابة سؤالهم و الانقياد لمرامهم، و أظهرت ما كان في ضميري، و جعلت نشر فضيلته انيسي و سميري، لانه به خبت نار وجد سيد المرسلين، وقرة عين زين العابدين، و ما زال السلف يتباعدون عن زيارته و يتقاعدون عن إظهار فضيلته، تباعد الضب عن الماء، و الفرقد من الحصباء، و نسبوه إلي القول بإمامة محمد بن الحنفية، و رفضوا قبره، و جعلوا قربهم إلي الله هجره مع قربه (من الجامع) و إن قبته لكل من خرج من باب مسلم بن عقيل كالنجم اللامع، و عدلوا من العلم إلي التقليد، و نسوا ما فعل بأعداء المقتول الشهيد، و إنه جاهد في الله حق الجهاد، و بلغ من رضا زين العابدين عليه السلام غاية المراد، و رفضوا منقبته التي رقت حواشيها [3] و تفجرت ينابيع السعادة فيها.

و كان محمد بن الحنفية أكبر من زين العابدين سنا و يري تقديمه عليه فرضا و دينا و لا يتحرك حركة إلا بما يهواه، و لا ينطق إلا عن رضاه، و يتأمر له تأمر الرعية للوالي، و يفضله تفضيل السيد علي الخادم و الموالي، و تقلد محمد - رحمة الله عليه - أخذ الثأر إراحة لخاطره الشريف، من تحمل الاثقال، و الشد و الرحال [4] و يدل علي ذلك ما رويته عن أبي بحير [5] عالم الاهواز، و كان يقول بإمامة ابن الحنفية، قال:


حججت فلقيت إمامي و كنت يوما عنده فمر به غلام شاب فسلم عليه فقام فتلقاه و قبل ما بين عينيه و خاطبه بالسيادة و مضي الغلام و عاد محمد إلي مكانه، فقلت له: عند الله أحتسب عناي، فقال: و كيف ذاك؟ قلت: لانا نعتقد إنك الامام المفترض الطاعة تقوم تتلقي هذا الغلام، و تقول له: يا سيدي؟ فقال: نعم هو و الله إمامي، فقلت: و من هذا؟.

قال: علي ابن أخي الحسين، إعلم أني نازعته الامامة و نازعني، فقال لي: أ ترضي بالحجر الاسود حكما بيني و بينك؟ فقلت: و كيف نحتكم إلي حجر جماد؟ فقال: إن إماما لا يكلمه الجماد فليس بإمام، فاستحييت من ذلك، و قلت: بيني و بينك الحجر الاسود فقصدنا الحجر وصلي و صليت و تقدم إليه، و قال: أسألك بالذي أودعك مواثيق العباد لتشهد لهم بالموافاة إلا أخبرتنا من الامام منا فنطق - و الله - الحجر، و قال: يا محمد سلم الامر إلي ابن أخيك فهو أحق به منك، و هو إمامك و تحلحل [6] حتي ظننته يسقط، فأذعنت بإمامته، و دنت له بفرض طاعته، قال أبو بجير: فانصرفت من عنده و قد دنت بإمامة علي بن الحسين عليهما السلام و تركت القول بالكيسانية.

و روي عن أبي بصير أنه قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا و لا يشك أنه الامام حتي أتاه يوما فقال له: جعلت فداك إن لي حرمة و مودة فأسألك بحرمة (الله و) رسول الله و أمير المؤمنين إلا أخبرتني أنت الامام الذي فرض الله طاعته علي خلقه؟ قال: يا أبا خالد حلفتني بالعظيم، الامام علي ابن أخي، علي و عليك و علي كان مسلم.

فلما سمع أبو خالد قول محمد بن الحنفية جاء إلي علي بن الحسين عليهما السلام فاستأذن و دخل و قال له: مرحبا يا كنكر ما كنت لنا بزائر، ما بدا لك فينا؟ فخر أبو خالد ساجدا شاكرا لما سمع من زين العابدين عليه السلام، و قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتي عرفت إمامي، قال: و كيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟ قال: لانك دعوتني


باسمي الذي لا يعرفه سوي أمي، و كنت في عمياء من أمري، و لقد خدمت محمد بن الحنفية عمرا لا أشك أنه إمام حتي أقسمت عليه فأرشدني إليك و قال: هو الامام علي و عليك و علي كل مسلم ثم انصرف، و قد قال بامامة زين العابدين عليه السلام.

و قال قوم من الخوارج لمحمد بن الحنفية: لم غرربك في الحروب و لم يغرر بالحسن و الحسين؟ قال: لانهما عيناه و أنا يمينه، فهو يدفع بيمينه عن عينيه.

و روي العباس بن بكار قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن عكرمه، عن ابن عباس قال: لما كان يوم من أيام صفين دعا علي عليه السلام ابنه محمدا فقال: شد علي الميمنة فحمل (محمد) مع أصحابه فكشف ميمنة عسكر معاوية ثم رجع و قد جرح، فقال له: العطش فقام إليه عليه السلام فسقاه جرعة من ماء ثم صب الماء بين درعه و جلده فرأيت علق الدم يخرج من حلق الذرع ثم أمهله ساعة، ثم قال: شد في المسرة فحمل مع أصحابه علي ميسرة معاوية فكشفهم ثم رجع و به جراحه، و هو يقول: الماء الماء، فقام إليه ففعل مثل الاول ثم قال: شد في القلب، فكشفهم ثم رجع و قد أثقلته الجراحات و هو يبكي، فقام إليه فقبل ما بين عينيه و قال: (سررتني) فداك أبوكم لقد سررتني و الله يا بني، فما يبكيك أفرح أم جزع؟ فقال: كيف لا أبكي و قد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني الله تعالي، و كلما رجعت إليك لتمهلني فما أمهلتني، و هذان أخواي الحسن و الحسين ما تأمرهما بشيء؟ فقبل - عليه السلام - رأسه و قال: يا بني أنت ابني و هذان ابنا رسول الله صلي الله عليه و آله أفلا أصونهما؟ قال: بلي يا أباه جعلني الله فداك و فداهما.

و إذا كان ذلك رأيه فكيف يخرج عن طاعته و يعدل عن الاسلام بمخالفته مع علم محمد بن الحنفية أن زين العابدين عليه السلام ولي الدم و صاحب الثأر و المطالب بدماء الابرار، فنهض المختار نهوض الملك المطاع، و مد إلي أعداء الله يد طويلة الباع فهشم عظاما تغذت بالفجور، و قطع أعضاء نشأت علي الخمور، و حاز إلي فضيلة لم يرق إلي شعاف شرفها عربي و لا أعجمي، و أحرز منقبة لم يسبقه إليها هاشمي و كان إبراهيم بن مالك الاشتر مشاركا له في هذه البلوي، و صدقا علي الدعوي و لم يك إبراهيم شاكا في دينه، و لا ضالا في اعتقاده و يقينه، و الحكم فيهما واحدا و أنا أشرح بوار الفجار علي يد المختار، معتمدا قانون الأَمصار، و سميته ذوب النضار في شرح الثأر، و قد


وضعته علي أربع مراتب، و الله الموفق للصواب، المكافي يوم الحساب.

المرتبة الاولي في ذكر نسبه و طرف من أخباره: هو المختار بن أبي عبيدة بن مسعود بن عمير الثقفي و قال المرزباني ابن عمير بن عقدة بن عنزة: كنيته أبو إسحاق و كان أبو عبيدة والده يتنوق في طلب النساء فذكر له نساء قومه فأبي أن يتزوج منهن فأتاه آت في منامه فقال: تزوج دومة الحسناء الحومة [7] فما تسمع فيها للائم لومة، فأخبر أهله، فقالوا: قد أمرت، فتزوج دومة بنت وهب بن عمر بن معتب، فلما حملت بالمختار، قالت: رأيت في النوم قائلا يقول: أبشري بالولد أشبه شيء بالاسد إذ [8] الرجال في كبد فقاتلوا [9] علي بلد [10] كان له الحظ الاشد فلما وضعت أتاها ذلك الآتي، فقال لها: إنه قتل أن يتزعزع [11] ، و قبل أن يتشعشع، قليل الهلع، كثير التبع، يدان بما صنع، و ولدت لابي عبيدة: المختار و جبرا و أبا جبر وأبالحكم و أبا أمية، و كان مولده في عام الهجرة، و حضر مع أبيه وقعة قس الناطف [12] و هو ابن ثلاث عشرة سنة و كان يتفلت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمه، فنشأ مقداما شجاعا لا يتقي شيئا، و تعاطي معالي الامور، و كان ذا عقل وافر، و جواب حاضر، و خلال مأثورة، و نفس بالسخاء موفورة، و فطرة تدرك الاشياء بفراستها، و همة تعلو علي الفراقد بنفاستها، و حدس مصيب، وكف في الحروب مجيب، (قد) مارس التحارب فحنكته، و لابس الخطوب فهذيته.

و روي عن الاصبغ بن نباتة أنه قال: رأيت المختار علي فخذ أمير المؤمنين عليه السلام و هو يمسح رأسه و يقول: يا كيس يا كيس، فسمي كيسان و إليه عزي الكسانية كما عزي الواقفية إلي موسي بن جعفر عليهما السلام و الاسماعيلية إلي أخيه إسماعيل و غيرهم من الفرق.


و عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: لا تسبوا المختار، فإنه قتل قتلتنا و طلب ثأرنا، و زوج أراملنا، و قسم فينا المال علي العسرة.

و روي أنه دخل جماعة علي أبي جعفر الباقر عليه السلام و فيهم عبد الله بن شريك، قال: فقعدت بين يديه إذ دخل عليهم شيخ من أهل الكوفة، فتناول يده ليقبلها فمنعه، ثم قال: من أنت؟ قال: أنا أبو الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي، و كان متباعدا منه عليه السلام فمديده فأدناه حتي كاد يقعده في حجره بعد منعه يده.

فقال: أصلحك الله، إن الناس قد أكثروا في أبي، و القول و الله قولك، قال: و أي شيء يقولون؟ قال: يقولون: كذاب، و لا تأمرني بشيء إلا قبلته، فقال: سبحان الله، أخبرني أبي أن مهر أمي مما بعث به المختار إليه، أو لم يبن دورنا، و قتل قاتلنا، و طلب بثأرنا، فرحم الله أباك - و كررها ثلاثا - ما ترك لنا حقا عند أحد إلا طلبه.

و عن: أبي حمزة الثمالي قال: كنت أزور علي بن الحسين عليهما السلام في كل سنة مرة في وقت الحج، فأتيته سنة و إذا علي فخذه صبي فقام الصبي فوقع علي عتبة الباب فانشج فوثب إليه مهر و لا فجعل ينشف دمه و يقول: إني اعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة، قلت: بأبي أنت و أمي، وأي كناسة؟ قال: كناسة الكوفة، قلت: و يكون ذلك؟ قال: إي و الذي بعث محمدا بالحق، لئن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة و هو مقتول مدفون منبوش مسحوب مصلوب في الكناسة ثم ينزل فيحرق و يذري في البر، فقلت: جعلت فداك و ما اسم هذا الغلام؟ فقال: ابني زيد، ثم دمعت عيناه و قال: لاحدثنك بحديث ابني هذا بينا أنا ليلة ساجد و راكع ذهب بي النوم فرأيت كاني في الجنة وكأن رسول الله صلي الله عليه و آله و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قد زوجوني حوراء من حور العين فواقعتها و اغتسلت عند سدرة المنتهي و وليت، هتف بي هاتف، ليهنئك زيد.

فاستيقظت و تطهرت و صليت صلاة الفجر، فدق الباب رجل فخرجت إليه فإذا معه جارية ملفوف كمها علي يده، مخمرة بخمار، قلت: (ما) حاجتك؟ قال: أريد علي بن الحسين، قلت: أنا هو، قال: أنا رسول المختار بن أبي عبيدة الثقفي يقرؤك السلام و يقول: وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار، و هذه ستمأة


دينار فاستعن بها علي دهرك، و دفع إلي كتابا كتبت جوابه، و قلت: ما اسمك؟ قالت: حوراء فهيؤ و ها لي و بت بها عروسا فعلقت بهذا الغلام فأسميته زيدا و ستري ما قلت لك.

قال أبو حمزة الثمالي: فو الله لقد رأيت كل ما ذكره عليه السلام في زيد.

و روي عن عمر بن علي عليه السلام أن المختار أرسل إلي علي بن الحسين عليهما السلام عشرين ألف دينار، فقبلها و بني منها دار عقيل بن أبي طالب و دارهم التي هدمت، و كان المختار ذا مقول مشحوذ الغرار [13] مأمون العثار، إن نثر سجع، و إن نطقق برع، ثابت الجنان، مقدم الشجعان، ما حدس إلا أصاب، و لا تفرس قط خاب، و لو لم يكن كذلك لما قام بأدواب المخاخر، و رأس علي الامراء و العساكر.

و ولي علي عليه السلام عمه علي المدائن عاملا و المختار معه، فلما ولي المغيرة بن شعبة الكوفة من قبل معاوية - لعنه الله - رحل المختار إلي المدينة، و كان يجالس محمد ابن الحنفية و يأخذ عنه الاحاديث، فلما عاد إلي الكوفة ركب مع الغيرة يوما فمر بالسوق، فقال المغيرة: يا لها غارة و يا له جمعا، إني لاعلم كلمة لو نعق لها ناعق و لا ناعق لها لاتبعوه، و لا سيما الاعاجم الذين إذا القي إليهم الشيء قبلوه، فقال له المختار: و ما هي يا عم؟ قال: يستأدون بآل محمد صلي الله عليه و آله، فأغضي عليها المختار، و لم يزل ذلك في نفسه، ثم جعل يتكلم بفضل آل محمد صلي الله عليه و آله و ينشر مناقب علي و الحسن و الحسين عليهم السلام و يسير ذلك و يقول: إنهم أحق بالامر من كل أحد بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و يتوجع لهم مما نزل بهم.

ففي بعض الايام لقيه معبد بن خالد الجدلي جديلة قيس - فقال له: يا معبد إن أهل الكتب ذكروا أنهم يجدون رجلا من ثقيف يقتل الجبارين، و ينصر المظلومين، و يأخذ بثأر المستضعفين، و وصفوا صفته، فلم يذكروا صفة في الرجل إلا و هي في خصلتين: أنه شاب و قد جاوزت الستين، و إنه ردي البصر، و أنا أبصر من عقاب، فقال معبد: أما السن فإن ابن ستين، و سبعين عند أهل ذلك ذلك الزمان شاب، و أما بصرك فما


تدري ما يحدث الله فيه لعله يكل، قال: عسي، فلم يزل علي ذلك حتي مات معاوية، و ولي يزيد و وجه الحسين - عليه السلام - مسلم بن عقيل إلي الكوفة فأسكنه المختار داره و بايعه، فلما قتل مسلم رحمة الله عليه سعي بالمختار إلي عبيد الله بن زياد - لعنه الله - فأحضره، و قال له: يا ابن عبيدة أنت المبايع لاعدائنا؟ فشهد له عمرو بن حريث أنه لم يفعل، فقال عبيد الله: لو لا شهادة عمرو لقتلتك، و شتمه و ضربه بقضيب في يده فشتر عينه و حبسه و حبس أيضا عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب.

و كان في الحبس ميثم التمار - رحمه الله - فطلب عبد الله حديدة يزيل بها شعر بدنه، و قال: لا آمن ابن زياد يقتلني فأكون قد ألقيت ما علي من الشعر، فقال المختار: و الله لا يقتلك و لا يقتلني و لا يأتي عليك إلا قليل حتي تلي البصرة، فقال ميثم للمختار: و أنت تخرج ثائرا بدم الحسين عليه السلام فتقتل هذا الذي يريد قتلنا و تطأ بقدميك علي وجنتيه.

و لم يزل ذلك يتردد في صدره حتي قتل الحسين عليه السلام، كتب المختار إلي اخته صفية بنت أبي عبيدة و كانت زوجة عبد الله بن عمر تسأله مكاتبة يزيد بن معاوية، فكتب إليه، فقال يزيد: نشفع أبا عبد الرحمن، و كلمته هند بنت أبي سفيان في عبد الله ابن الحارث، و هي خالته، فكتب إلي عبيد الله فأطلقهما بعد أن أجل المختار ثلاثة أيام ليخرج من الكوفة، و إن تأخر عنها ضرب عنقه، فخرج هاربا نحو الحجاز جتي إذا صار بواقصة [14] لقي الصقعب بن زهير الازدي، فقال: يا أبا إسحاق مالي أري عينك علي هذه الحال؟ قال: فعل بي ذلك عبيد الله بن زياد، قتلني الله إن لم أقتله و اقطع أعضاءه و لاقتلن بالحسين عدد الذين قتلوا بيحيي بن زكريا و هم سبعون ألفا.

ثم قال: و الذي أنزل القرآن، و بين الفرقان، و شرع الاديان، و كره العصيان، لاقتلن العصاة من أزد عمان، و مذحج و همدان، و نهذ و خولان و بكر " و هران و تعل و تيهان [15] و عبس و دبيان [16] " و قبائل قيس عيلان [17] فضبا لا بن بنت نبي


الرحمن، نعم يا صقعب و حق السميع العليم، العلي العظيم، العدل الكريم، العزيز الحكيم، الرحمن الرحيم، لاعركن عرك الاديم بني كندة و سليم، و الاشراف من تميم، ثم سار إلي مكة.

قال ابن العرق: رأيت المختار أشتر العين، فسألته فقال: شترها ابن زياد يا بن العرق، إن الفتنة أردت و أبرقت، وكأن قد أينعت، و ألقت خطامها و خبطت و شمست، و هي رافعة ذيلها، و قائلة ويلها، بدجلة و حولها.

فلم يزل علي ذلك حتي مات يزد - لعنه الله - يوم الخميس لاربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول سنة ثلاث و ستين و قيل سنة أربع و عمره علي الخلاف فيه ثمان و ثلاثون سنة، و كانت مدة خلافته سنتين و ثمانية أشهر، و خلفت أحد عشر ولدا منهم أبو ليلي معاوية، و بويع له بالشام و خلع نفسه و قد ذكرت حديثه في المقتل و أخوه خالد امه بنت هاشم بن عتبة بن عبد شمس تزوجها مروان بن الحكم - لعنه الله - بعد يزيد - لعنه الله - و فيها قال الشاعر: أسلمي ام خالد رب ساع لقاعد و في تلك السنة بويع لعبدالله بن الزبير بالحجاز و لمرون بن الحكم بالشام و لعبيدالله بن زياد بالبصرة.

و أما أهل العراق فإنهم وقعوا في الحيرة و الاسف و الندم علي تركهم نصرة الحسين عليه السلام و كان عبيد الله بن الحر بن المجمع بن حزيم [18] الجعفي من أشراف أهل الكوفة و كان قد مشي إليه [19] الحسين عليه السلام و ندبه إلي الخروج معه فلم يفعل، ثم تداخله الندم حتي كادت نفسه تفيض فقال: فيا لك حسرة ما دمت حيا تردد بين حلقي و التراقي حسين حين يطلب بذل نصري علي أهل الضلالة و النفاق غداة يقول لي بالقصر قولا أتتركنا و تزمع بالفراق و لو أني اواسيه بنفسي لنلت كرامة يوم التلاق مع ابن المصطفي نفسي فداه تولي ثم ودع بانطلاق


فلو فلق التلهف قلب حي لهم اليوم قلبي بانفلاق فقد فاز الاولي نصروا حسينا و خاب الآخرون اولو [20] النفاق و لم يكن في العراق من يصلح للقتال و النجدة و البأس إلا قبائل العرب بالكوفة، فأول من نهض سليمان بن صرد الخزاعي و كان [ت] له صحبة مع النبي صلي الله عليه و آله و مع علي عليه السلام و المسيب بن نجبة الفزاري [21] و هو من كبار الشيعة و له صحبة مع علي عليه السلام، و عبد الله بن سعد بن نقيل الازدي و رفاعة بن شداد البحلي و عبد الله بن وأل التيمي من بني تيم اللات بن ثعلبة، و اجتمعوا في دار سليمان و معهم أناس من الشيعة، فبدأ سليمان بالكلام، فحمد الله و أثني عليه فقال: أما بعد: فقد ابتلينا بطول العمر، و التعرض للفتن، و نرغب إلي ربنا أن لا يجعلنا ممن يقول له " أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " [22] و قال علي عليه السلام: العمر الذي أعذر الله فيه ابن آدم ستون سنة و ليس فينا إلا من قد بلغها، و كنا مغرمين بتزكية أنفسنا، و مدح شيعتنا، حتي بلي الله خيارنا، فوجدنا كذابين في نصر ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و لا عذر دون أن تقتلوا قاتليه، فعسي ربنا أن يعفوعنا.

قال رفاعة بن شداد: قد هداك الله لا صوب القول، و دعوت إلي أرشد الامور جهاد الفاسقين، و إلي التوبة من الذنب، فمسموع منك، مستجاب لك، مقبول قولك، فإن رأيتم ولينا هذا الامر شيخ الشيعة صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله سليمان بن صرد، فقال المسيب بن نجبة [23] : أصبتم و وفقتم، و أنا أري الذي رأيتم، فاستعدوا للحرب.

و كتب سليمان كتابا إلي من كان بالمدائن من الشيعة من أهل الكوفة، و حمله مع عبد الله بن مالك الطائي إلي سعد بن حذيفة بن اليمان [24] يدعوهم إلي أخذ الثأر، فلما وقفوا علي الكتاب قالوا: رأينا مثل رأيهم، و كتب سعد بن حذيفة الجواب بذلك.


و كتب سليمان إلي المثني بن مخرمة يا لعبدي كتابا و بعثه مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد فكتب المثني الجواب: أما بعد: فقد قرأت كتابك و أقرأته إخوانك فحمدوا رأيك و استجابوا لك، فنحن موافوك إن شاء الله تعالي للاجل الذي ضربت، و السلام عليك و كتب في أسفل كتابه: تبصر كاني قد أتيتك معلما [25] علي أبلغ الهادي أجش هزيم طويل القرا نهد أشق مقلص ملح علي قاري اللجام رؤوم بكل فتي لا يملا الدرع نحره محش لنار الحرب أسوم أخي ثقة يبغي الاله بسعيه ضروب بنصل السيف أثيم و ذكر محمد بن جرير الطبري في تأريخه - أن أول ما ابتدأ به الشيعة من أمرهم سنة إحدي و ستين و هي السنة التي قتل فيها الحسين، فما زالوا في جمع آلة الحرب و الاستعداد للقتال، و دعاء الشيعة بعضهم لبعض في السر للطلب بدم الحسين عليه السلام حتي مات يزيد بن معاوية (- عليهما اللعنة و الهاوية -) و كان بين مقتل الحسين عليه السلام و هلاك يزيد (- لعنه الله -) ثلاث سنين و شهران و أربعة أيام، و كان أمير العراق عبيد الله (لعنه الله) و خليفته بالكوفة عمرو بن حريث المخزومي، و كان عبد الله ابن الزبير قبل موت يزيد يدعو الناس إلي طلب ثأر الحسين - عليه السلام - و أصحابه و يغزيهم بيزيد، و يوثبهم عليه، فلما مات يزيد أعرض عن ذلك القول، و بان أنه يطلب الملك لنفسه لا للثأر.

و ذكر المدائني عن رجاله أن المختار لما قدم علي عبد الله بن الزبير لم ير عنده ما يريد فقال: ذو مخاريق و ذو مندرحة و ركابي حيث وجهت ذلل لا تبيتن منزلا تكرهه و إذا زلت بك النعل فزل فخرج المختار من مكة متوجها إلي الكوفة فلقيه هاني بن أبي حية الوادعي [26] فسأله عن أهلها، فقال: لو كان لهم رجل يجمعهم علي شيء واحد لاكل الارض بهم،


فقال المختار: أنا و الله أجمعهم علي الحق و ألقي بهم ركبان الباطل و أقتل بهم كل جبار عنيد إن شاء الله، و لا قوة إلا بالله.

ثم سأله المختار عن سليمان بن صرد هل توجه لقتال المحلين؟ قال: لا، و لكنهم عازمون علي ذلك، ثم سار المختار حتي انتهي إلي نهر الحيرة و [هو] يوم الجمعة، فنزل و اغتسل و لبس ثيابه و تقلد سيفه، و ركب فرسه، و دخل الكوفة نهارا لا يمر علي مسجد القبائل و مجالس القوم و مجتمع المحال إلا وقف و سلم و قال: أبشروا بالفرج، فقد جئتكم بما تحبون، و أنا المسلط علي الفاسقين، و الطالب بدم أهل بيت نبي رب العالمين.

ثم دخل الجامع وصلي فيه، فرأي الناس ينظرون إليه، و يقول بعضهم لبعض: هذا المختار ما قدم إلا لامر، و نرجوا به الفرج، و خرج من الجامع، و نزل داره - و يعرف قديما بسالم بن المسيب - ثم بعث إلي وجوه الشيعة، و عرفهم أنه جاء من محمد بن الحنفية للطلب بدماء أهل البيت، و هذا أمر لكم فيه الشفاء، و قتل الاعداء، فقالوا: أنت موضع ذلك و أهله، أن الناس قد بايعوا سليمان بن صرد الخزاعي فهو شيخ الشيعة اليوم فلا تعجل في أمرك، فسكت المختار و أقام ينتظر ما يكون من أمر سليمان، و الشيعة حينئذ يريدون أمرهم سرا خوفا من عبد الملك بن مروان و من عبد الله بن الزبير و كان خوف الشيعة من أهل الكوفة أكثر، لان أكثرهم قتلة الحسين عليه السلام و صار المختار يفخذ الناس عن سليمان بر صرد و يدعوهم إلي نفسه، فأول من بايعه و ضرب علي يده عبيد بن عمر و إسماعيل بن كثير.

فقال عمر بن سعد و شبث بن ربعي لاهل الكوفة: إن المختار أشد عليكم، لان سليمان إنما خرج يقاتل عدوكم، و المختار إنما يريد أن يثب عليكم، فسيروا اليه واو ثقوه بالحديد، و خلدوه السجن، فما شعر حتي أحاطوا بداره و استخرجوه.

فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة لعبدالله بن يزيد: أوثقه كتافا و مشه حافيا، فقال له: لم أفعل هذا برجل لم يظهر لنا عداوة و لا حربا إنما أخذناه علي الظن، فأتي ببغلة له دهماء فركبها، و أدخلوه السجن، قال يحيي بن أبي عيسي: دخلت مع حميد بن مسلم الازدي إلي المختار، فسمعته يقول: أما و رب البحار، و النخل و الاشجار،


و المهامه القفار، و الملائكة الابرار، و المصطفين الاخيار، لاقتلن كل جبار بكل لدن خطار، و مهند بتار، في جموع من الانصار، ليسوا بميل و لا أغمار، و لا بعزل أشرار، حتي إذا أقمت عمود الدين، و رأيت صدع المسلمين، و أدركت ثأر النبيين، لم يكبر علي زوال الدنيا، و لم أحفل بالموت إذا أتي.

المرتبة الثانية: في ذكر رجال سليمان بن صرد و خروجه و مقتله لما أراد النهوض بعسكره من النخيلة [27] و هي العباسية مسهل شهر ربيع الآخر سنة خمس و ستين، و هي السنة التي أمر مروان بن الحكم أهل الشام بالبيعة من بعده لبنيه عبد الملك و عبد العزيز، و جعلهما وليي عهده، و فيها مات مروان بدمشق مستهل شهر رمضان، و كان عمره إحدي و ثمانين سنة، و كانت خلافته تسعة أشهر و كان عبيد الله - لعنه الله - بالعراق، فسار حتي نزل الجزيرة فأتاه الخبر بموت مروان - لعنه الله - و خرج سليمان بن صرد ليرحل فرأي عسكره فاستقله، فبعث حكيم بن منقذ الكندي و الوليد بن حصين [28] الكناني في جماعة و أمرهما بالنداء في الكوفة: يا آل ثاراث الحسين.

فسمع النداء رجل من كثير من الازد، و هو عبد الله بن حازم و عنده ابنته و إمرأته سهلة بنت سبرة، و كانت من أجمل النساء و أحبهم إليه، و لم يكن دخل في القوم فوثب إلي ثيابه فلبسها، و إلي سلاحه و فرسه، قالت له زوجته: ويحك أجننت؟ قال: لا و لكني سمعت داعي الله عز و جل فأنا مجيبه، و طالب بدم هذا الرجل حتي أموت، فقالت: إلي من تودع بيتك هذا؟ قال: إلي الله، أللهم إني أستودعك ولدي و أهلي، أللهم احفظني فيهم، و تب علي فيما فرطت في نصرة ابن بنت نبيك.

ثم نادوا: يا آل ثارات الحسين في الجامع، و الناس يصلون العشاء الآخرة فخرج جمع كثير إلي سليمان و كان معه ستة عشر ألفا مثبتة في ديوانه، فلم يصف منهم


سوي أربعة آلاف، و عزم علي المسير إلي الشام لمحاربة عبيد الله بن زياد - لعنه الله - فقال له عبد الله بن سعد: إن قتلة الحسين عليه السلام كلهم بالكوفة، (ف) منهم عمر بن سعد و رؤوس الارباع و أشراف القبائل، و ليس بالشام سوي عبيد الله بن زياد - لعنه الله - فلم يوافق إلا علي المسير.

فخرج عشية الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر كما ذكرنا فباتوا بدير الاعور، ثم سار فنزل علي أقساس [29] بني مالك علي شاطئ الفرات، ثم أصبحوا عند قبر الحسين عليه السلام فأقاموا يوما و ليلة يصلون و يستغفرون ثم ضجوا ضجة واحدة بالبكاء و العويل فلم ير يوم أكثر بكاء فيه [30] ، و ازدحموا عند الوداع علي قبره كالزحام علي الحجر الاسود و قام في تلك الحال وهب بن زمعة [31] الجعفي باكيا علي القبر و أنشد أبيات عبد الله [32] بن الحر الجعفي: تبيت النشاوي من أمية نوما و بالطف قتلي ما ينام حميمها و ما ضيع الاسلام إلا قبيلة تأمر نوكاها [33] و دام نعيمها و أضحت قناة الدين في كف ظالم إذا اعوج منها جانب لا يقيمها فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة و عيني تبكي لا يجف سجومها حياتي أو تلقي أمية خزية يذل لها حتي الممات قرومها و كان مع الناس عبد الله بن عوف الاحمر علي فرس كميت [34] يتأكل تأكلا و هو يقول: خرجن يلمعن بنا إرسالا عوابسا قد تحمل الابطالا نريد أن نلقي بها الاقيالا الفاسقين الغدر الضلالا و قد رفضن الاهل والاموالا [35] و الخفرات البيض و الحجالا


نرجوابه التحفة و النوا لا لنرضي المهيمن المفضالا فساروا حتي أتوا هيت، ثم خرجوا حتي انتهوا إلي قرقيسيا [36] و بلغهم أن أهل الشام في عدد كثير فساروا سيرا مغذا حتي وردوا عين الوردة عن يوم و ليلة ثم قام سليمان بن صرد، فوعظهم و ذكرهم الدار الآخرة و قال: إن قتلت فأميركم المسيب بن نجبة فإن اصيب المسيب فالأَمير عبد الله بن سعد بن نفيل، فإن اصيب فأخوه خالد بن سعد، فإن قتل خالد فالأَمير عبد الله بن وأل، فإن قتل ابن وأل فأميركم رفاعة بن شداد.

ثم بعث سليمان المسيب بن نجبة في أربعة آلاف فارس رائدا، و أن يشن عليهم الغارة، قال حميد بن مسلم: كنت معهم فسرنا يومنا كله و ليلتنا، حتي إذ كان السحر نزلنا و هو منا [37] ثم ركبنا و قد صلينا الصبح ففرق العسكر و بقي معه مائة فارس، فلقي أعرابيا فقال: كم بيننا و بين أدني القوم؟ فقال: ميل.

أقول: الميل أربعة آلاف ذراع و كل ثلاثة أميال فرسخ - و هذا عسكر شر حبيل ابن ذي الكلاع من قبل عبيد الله معه أربعة آلاف و من ورائهم حصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف، و من ورائهم الصلت بن ناحية [38] الغلابي في أربعة آلاف، و جمهور العسكر مع عبيد الله بن زياد بالرقة. [39] فساروا حتي أشرفوا علي عسكر الشام، فقال المسيب لاصحابه: كروا عليهم، فحمل (عليهم) عسكر العراق فانهزموا فقتل منهم خلق كثير و غنموا منهم غنيمة عظيمة و أمرهم المسيب بالعود فرجعوا إلي سليمان بن صرد، و وصل الخبر إلي عبيد الله فسرح إليهم الحصين بن نمير و أتبعه بالعساكر حتي نزل في عشرين ألفا، و عسكر العراق يومئذ ثلاثة آلاف و مائة لا غير.


ثم تهيأت العساكر للحرب، فكان علي ميمنة أهل الشام عبد الله بن الضحاك بن قيس الفهري، و علي ميسرتهم مخارق بن ربيعة الغنوي، و علي الجناح شر حبيل بن ذي الكلاع الحميري و في القلب الحصين بن نمير السكوني، ثم جعل أهل العراق علي ميمنتهم المسيب بن نجبة الفزاري، و علي ميسرتهم عبد الله بن سعد بن نفيل الازدي، و علي الجناح رفاعة بن شداد البجلي، و علي القلب الامير سليمان بن صرد الخزاعي و وقف العسكر فنادي أهل الشام: أدخلوا في طاعة عبد الملك بن مروان، و نادي أهل العراق: سلموا إلينا عبيد الله بن زياد و أن يخرج الناس من طاعة عبد الملك و آل الزبير، و يسلم الامر إلي أهل بيت نبينا صلي الله عليه و آله، فأبي الفريقان، و حمل بعضهم علي بعض و جعل سليمان بن صرد يحرضهم علي القتال و يبشرهم بكرامة الله، ثم كسر جفن سيفه و تقدم نحو أهل الشام و هو يقول: إليك ربي تبت من ذنوبي و قد علاني في الوري مشيبي فارحم عبيدا عرما [40] تكذيب و اغفر ذنوبي سيدي و حوبي [41] قال حميد بن مسلم: حملت ميمنتنا علي ميسرتهم، و حملت ميسرتنا علي ميمنتهم، و حمل سليمان في القلب فهزمناهم و ظفرنا بهم، و حجز الليل بيننا و بينهم ثم قاتلناهم في الغد و بعده حتي مضت ثلاثة أيام ثم أمرهم الحصين بن نمير لاهل الشام برمي النبل فأتت السهام كالشرار المتطاير فقتل سليمان بن صرد رحمه الله فلقد بذل في أهل الثأر مهجته، و أخلص لله توبته و قد قلت هذين البيتين، حيث مات مبرءا من العتب و الشين: قضي سليمان نحبه فغدا إلي جنان و رحمة الباري مضي حميدا في بذل مهجته و أخذه للحسين بالثار ثم أخذ الراية المسيب بن نجبة، فقاتل قتالا خرت له الاذقان، و أثر في ذلك الجيش الجم الطعان ثلاث مرات، و كان من أعظم الشجعان قتالا و أكرهم علي الاعداء نكالا و هو يقول:


قد علمت ميالة الذوائب واضحة الخدين و الترائب إني غداة الروع و التغالب أشجع من ذي لبدة مواثب قصاع أقران مخوف الجانب فلم يزل يكر عليهم فيفرون بين يديه حتي تكاثروا فقتلوه.

ثم أخذ الراية عبد الله بن سعد بن نفيل ثم حمل علي القوم و طعن و هو يقول: إرحم إلهي عبدك التوابا و لا تؤاخذه فقد أنابا و فارق الاهلين و الاحبابا يرجو بذاك الفوز والثوابا فلم يزل يقاتل حتي قتل.

ثم تقدم أخوه خالد بن سعد بالراية، و حرضهم علي القتال، و رغبهم في حميد المال، فقاتل أشد قتال، و نكل بهم أي نكل بهم أي نكال، حتي قتل.

و تقدم عبد الله بن وأل فأخذ الراية، و قاتل حتي قطعت يده اليسري ثم استند إلي أصحابه و يده تشخب دما، ثم كر عليهم و هو يقول: نفسي فداكم اذكروا الميثاقا و صابروهم و احذروا النفاقا لا كوفة نبغي و لا عرقا لابل نريد الموت والعتاقا و قاتل حتي قتل، فبينما هم كذلك اذ جاءتهم النجدة مع المثني بن مخزمة [42] العبدي من البصرة و من المدائن مع كثير بن عمرو الحنفي فاشتدت قلوب أهل العراق بهم، و اجتمعوا و كبروا و اشتد القتال، فتقدم رفاعة بن شداد نحو صفوف (أهل) الشام و هو يرتجز و يقول: يا رب اني تائب إليكا قد اتكلت سيدي عليكا قدما ارجي [43] الخير من يديكا فاجعل ثوابي أملي إليكا [44] قال عبد الله بن عوف الازدي: و اشتد القتال حتي بان في أهل العراق الضعف و القتلة، و تحدثوا في ترك القتال، فبعضهم يوافق، و بعضهم يقول: إن ولينا ركبنا السيف، فلا نمشي فرسخا حتي لا يبقي منا واحد، و إنما نقاتل حتي يأتي الليل


و نمضي.

ثم تقدم عبد الله بن عوف إلي الراية فرفعها، و اقتتلوا أشد قتال، فقتل جماعة من أهل العراق، و انفلت الجموع، و افترق الناس، و عاد العسكر حتي وصلوا قرقيسيا من جانب البر، و جاء سعد بن حذيفة إلي هيت [45] ، فلقيه الاعراب فأخبروه بما لقي الناس، ثم عاد أهل المدائن و أهل البصرة و أهل الكوفة إلي بلادهم، و المختار محبوس و كان يقول لاصحابه: عدوا لغارتكم هذه [46] أكثر من عشر و دون الشهر، ثم يجيئكم نباهتر، من طعن بتر، و ضرب هبر [47] ، و قتل جم، و أمرهم، فمن لها، أنا لها، لا تكذبن أنا لها، و كان المختار يأخذ أفعاله بالرجز و الفراسة و الخدع و حسن السياسة.

قال المرزباني في كتاب الشعراء: كان له غلام اسمه جبرئيل، و كان يقول: قال لي جبرئيل، و قلت لجبرئيل، فيتوهم الاعراب و أهل البوادي أنه جبرئيل عليه السلام فاستحوذ عليهم بذلك حتي انتظمت له الامور، و قام بإعزاز الدين و نصره، و كسر الباطل و قصره.

و لما قدم أصحاب سليمان بن صرد من الشام، كتب إليهم المختار من الحبس.

أما بعد: فان الله أعظم لكم الاجر، و حط عنكم الوزر، بمقارقة القاسطين، و جهاد المحلين، [48] إنكم لن تنفقوا نفقة و لم تقطعوا عقبة، و لم تخطوا خطوة إلا رفع الله لكم بها درجة، و كتب لكم حسنة، فابشروا فإني لو خرجت إليكم جردت [فيما] بين المشرق و المغرب من عدوكم بالسيف باذن الله، فجعلتهم ركاما، و قتلتهم فذا و تواما، فرحب الله لمن قارب و اهتدي، و لا يبعد الله إلا من عصي و أبي و السلام يا أهل الهدي.

فلما جاء كتابه وقف عليه جماعة من رؤوساء القبائل و أعاد و الجواب قرأنا كتابك و نحن حيث يسرك، فإن شئت أن نأتيك حتي نخرجك من الحبس فعلنا، فأخبره الرسول، فسر باجتماع الشيعة له و قال: - لا تفعلوا هذا فإني أخرج في أيامي هذه،


و كان المختار قد بعث إلي عبد الله بن عمر بن الخطاب: أما بعد فإني حبست مظلوما و ظن بي الولاة ظنونا كاذبة، فاكتب في [رحمك الله] إلي هذين الظالمين، و هما عبد الله بن يزيد، و إبراهيم بن محمد كتابا عسي الله أن يخلصني من أيديهما بلطفك و منك و السلام عليك.

فكتب إليهما ابن عمر: أما بعد، فقد علمتها الذي بيني و بين المختار من الصهر، و الذي بيني و بينكما من الود، فأقسمت عليكما لما خليتما سبيله، حين تنظر ان في كتابي هذا و السلام عليكما و رحمة الله و بركاته.

فلما قرأ الكتاب، طلبا من المختار كفلاء فأتاه جماعة من أشراف الكوفة، فاختارا منهم عشرة ضمنوه، و حلفاه أن لا يخرج عليهما، فإن هو خرج فعليه ألف بدنة [49] ينحرها لدي رتاج [50] الكعبة، و مماليكه كلهم أحرار، فخرج و جاء داره.

قال حميد بن مسلم: سمعت المختار يقول: قاتلهم الله ما أجهلهم و أحمقهم حيث يرون أني أفي لهم بأيمانهم هذه، أما حلفي بالله فانه ينبغي إذا حلفت يمينا و رأيت ما هو أولي منها أن أتركها و أعمل الاولي و اكفر عن يميني، و خروجي خير من كفي عنهم، و أما هدي [51] ألف بدنة فهو أهون علي من بصقة، و ما يهولني ثمن ألف بدنة، و أما عتق مماليكي فو الله لوددت أنه استتب لي أمري من أخذ الثأر، ثم لم أملك مملوكا أبدا.

و لما استقر في داره، اختلفت الشيعة إليه، و اجتمعت عليه، و اتفقوا علي الرضا به، و كان قد بويع له و هو في السجن، و لم يزل يكثرون و أمرهم يقوي و استقبلت حتي عزل عبد الله بن الزبير الواليين من قبله، و هما عبد الله بن زيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة المذكورين، و بعث عبد الله بن مطيع واليا علي الكوفة، و الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة علي البصرة، فدخل ابن مطيع إليها، و بعث المختار إلي أصحابه فجمهم


في الدور حوله، و أراد أن يثب [52] علي أهل الكوفة.

فجاء رجل من أصحابه من شبام [53] عظيم الشرف و هو عبد الرحمن بن شريح فلقي جماعة منهم سعد بن منقذ، و سعر بن أبي سعر الحنفي، و الاسود الكندي، و قدامة بن مالك الجشمي و قد اجتمعوا، فقالوا له: إن المختار يريد الخروج بنا للاخذ بالثأر و قد بايعناه، و لا نعلم أرسله إلينا محمد بن الحنفية أم لا؟ فانهضوا بنا إليه نخبره بما قدم به علينا، " فان رخص " [54] لنا أتبعناه و إن نهانا تركناه، فخرجوا و جاء و ا إلي ابن الحنفية فسألهم عن الناس فخبروه، و قالوا: لنا إليك حاجة قال: سر أم علانية، قلنا: بل سر، قال: رويدا إذن، ثم مكث قليلا و تنحي و دعانا، فبدأ عبد الرحمن بن شريح بحمد الله و الثناء عليه و قال: أما بعد فإنكم أهل بيت خصكم الله بالفضيلة و شرفكم بالنبوة، و عظم حقكم علي هذه الامة، و قد اصبتم بحسين عليه اسلام مصيبة عمت المسلمين، و قد قدم المختار يزعم أنه جاء من قبلكم و قد دعانا إلي إلي كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و الطلب بدماء أهل البيت فبايعناه علي ذلك، فإن أمرتنا باتباعه اتبعناه و إن نهيتنا اجتنباه.

فلما سمع كلامه و كلام غيره حمد الله و أثني عليه وصلي علي النبي صلي الله عليه و آله و قال: أماما ذكرتم مما خصنا الله فإن الفضل لله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم، و أما مصيبتنا بالحسين فذلك في الذكر الحكيم، و أما الطلب بدمائنا.

[55] قال جعفر بن نما مصنف هذا الكتاب: فقد رويت عن والدي رحمة الله عليه و أما مصيبتنا بالحسين، فذلك في الذكر الحكيم، و أما الطلب بدمائنا.

4 قال جعفر بن نما مصنف هذا الكتاب: فقد رويت عن ولدي رحمة الله عليه أنه قال لهم: قوموا بنا إلي إمامي و إمامكم علي بن الحسين، فلما دخل و دخلوا عليه أخبر (ه) خبرهم الذي جاءوا لاجله، قال: يا عم لو أن عبدا زنجيا تعصب لنا أهل البيت، لوجب علي الناس مؤازرته و قد وليتك هذا الامر فاصنع ما شئت، فخرجوا، و قد سمعوا كلامه و هم يقولون: أذن لنا زين العابدين عليه السلام و محمد بن الحنفية.

و كان المختار علم بخروجهم إلي محمد بن الحنفية، و كان يريد النهوض


بجماعة الشيعة قبل قدومهم، فلما تهيأ ذلك له، و كان يقول: إن نفيرا منكم تحيروا و ارتابوا، فإن هم أصابوا أقبلوا و أنابوا، و إن هم كبوا و هابوا و اعترضوا و انجابوا [56] فقد خسروا و خابوا، فدخل القادمون من عند محمد بن الحنفية فقال: ما وراءكم فقد فتنتم و ارتبتم؟ فقالوا: قد امرنا بنصرتك، فقال: أنا أبو إسحاق أجمعوا إلي الشيعة، فجمع به، كان قريبا، فقال: يا معشر الشيعة إن نفرا أحبوا أن يعلموا مصداق ما جئت به، فخرجوا إلي إمام الهدي و النجيب المرتضي و ابن المصطفي المجتبي - يعني زين العابدين عليه السلام - فعرفهم أني [57] ظهيره و رسوله و أمركم باتباعي و طاعتي و قال كلاما يرغبهم إلي الطاعة و الاستنفار [58] معه و أن يعلم الحاضر الغائب.

و عرفه قوم أن جماعة من أشراف الكوفة مجتمعون علي قتالك مع ابن مطيع، و متي جاء معنا إبراهيم بن الاشتر رجونا بإذن الله تعالي القوة علي عدونا فله عشيرة، فقال: ألقوه و عرفوا الاذن لنا في الطلب بدم الحسين عليه السلام و أهل بيته، فعرفوه، فقال: قد أجبتكم علي أن تولوني الامر، فقالوا له: أنت أهل، و لكن ليس إليه سبيل، هذا المختار قد جاءنا من قبل إمام الهدي و من نائبه محمد بن الحنفية و هو المأذون له في القتال فلم يجب، فانصرفوا و عرفوه المختار.

فبقي ثلاثا ثم إنه دعا جماعة من وجوه أصحابه، قال عامر الشعبي: و أنا و أبي فيهم، فسار المختار و هو أمامنا يقد [59] بنا بيوت الكوفة، لا يدري أين يريد حتي وقف علي باب إبراهيم، فأذن له و القيت الوسائد فجلسنا عليها و جلس المختار معه علي فراشه، و قال: هذا كتاب محمد ابن أمير المؤمنين يأمرك أن تنصرنا فإن فعلت (اغتبطت، و إن امتنعت) [60] فهذا الكتاب حجة عليك و سيغني الله محمدا و أهل بيته عنك، و كان المختار قد سلم الكتاب إلي الشعبي فلما تم كلامه، قال: ادفع [61] الكتاب إليه، ففض ختمه و هو كتاب طويل فيه، بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد المهدي إلي إبراهيم بن الاشتر، سلام عليك


قد بعثت إليك المختار و من ارتضيته لنفسي، و قد أمرته بقتال عدوي، و الطلب بدماء أهل بيتي فامض معه بنفسك و عشيرتك، و تمام الكتاب بما يرغب إبراهيم في ذلك.

فلما قرأ الكتاب قال: ما زال يكتب إلي اسمه و اسم أبيه فما باله و يقول في هذا الكتاب المهدي؟ قال المختار: ذاك زمان، قال إبراهيم: من يعلم أن هذا كتاب ابن الحنفية إلي؟ قال يزيد بن أنس و أحمر بن سقيط و عبد الله بن كامل و غيرهم: نحن نعلم و نشهد أنه كتاب محمد إليك، قال الشعبي: إلا أنا و أبي لا نعلم، و عند ذلك تأخر إبراهيم عن صدر الفراش و أجلس المختار عليه، و قال: أبسط يدك فبسط يده فيايعه، و دعا بفاكهة و شراب من عسل فأصبنا منه فأخرجنا معنا إبراهيم إلي أن دخل المختار داره.

فلما رجع أخذ بيدي قال: يا شعبي علمت أنك لا تشهد و لا أبوك أفتري هؤلاء شهداء علي حق؟ قلت: شهدوا علي ما رأيت و فيهم سادة القراء و مشيخة المصر و فرسان العرب، و ما يقول مثل هؤلاء إلا حقا.

و كان إبراهيم - رحمه الله - ظاهر الشجاعة، واري زناد الشهامة، نافذ حد الصرامة، مشمرا في محبة أهل البيت عن ساقيه، متلقيا راية النصح لهم بكلتا يديه، فجمع عشيرته و إخوانه و أهل مودته و أعوانه، و كان يتردد بهم إلي المختار عامة الليل، و معه حميد بن مسلم الازدي [62] حتي تصوب النجوم، و تنقض [63] الرجوم، و أجمع رأيهم أن يخرجوا يوم الخميس لاربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ست و ستين، و كان إياس بن مضارب صاحب شرطة عبد الله بن مطيع أمير الكوفة، فقال له: إن المختار خارج عليك لا محالة، فخذ حذرك، ثم خرج إياس مع الحرس، و بعث ولده راشدا إلي الكناسة، و جاء هو إلي السوق و أنفذ [64] ابن مطيع إلي الجبانات من شحنها بالرجال يحرسها من أهل الربية.

و خرج إبراهيم بعد المغرب إلي المختار و معه جماعة عليهم الدروع و فوقها الاقبية [65] و قد أحاط الشرط بالسوق و القصر، لقي إياس بن مضارب أصحاب إبراهيم


و هم متسلحون، فقال: ما هذا الجمعل؟ إن أمرك لمريب، و لا أتركك حتي آتي بك إلي الامير، فامتنع إبراهيم و وقع التشاجر بينهم، و مع إياس رجل من همدان اسمه أبا قطن قال له إبراهيم: ادن مني، لانه صديقه فظن أنه يريد أن يجعله شفيعه في تخلية القوم، و بيد أبي قطن رمح طويل فأخذه إبراهيم منه و طعن إياس [بن مضارب] في نحره فصرعه و أمرهم فاجتزوا رأسه و انهزم أصحابه و أقبل إبراهيم إلي المختار و عرفه ذلك فاستبشر و تفاءل بالنصر و الظفر، ثم أمر بإشعال النار في هرادي [66] القصب و بالنداء: يا لثارات [67] الحسين، و لبس درعه و سلاحه و هو يقول: قد علمت بيضاء حسناء الطل واضحة الخدين عجزاء الكفل إني غداة الروع مقدام بطل لا عاجز فيها و لا وغد فشل فأقبل الناس من كل ناحية و جاء عبد الله [68] بن الحر الجعفي في قومه و تقاتلوا قتالا عظيما، و شرد الناس من كان في الطرق و الجبانات من أصحاب السلاح و استشعروا الحذر، و تفرقوا في الازقة خوفا من إبراهيم و أشار شبث بن ربعي علي الامير ابن مطيع بالقتال.

فعلم المختار فخرج في أصحابه حتي نزل دير هند [69] مما يلي بستان زائدة في السبخة، ثم جاء أبو عثمان النهدي في جماعة أصحابه إلي الكوفة و نادوا: يا آل ثارات الحسين يا منصور أمت - و هذه علامة بينهم - يا أيها الحي المهتدون، ألا إن أمين آل محمد صلي الله عليه و آله قد خرج فنزل دير هند و بعثني إليكم داعيا و مبشرا فاخرجوا إليه رحمكم الله، فخرجوا من الدور يتداعون، و في هذا المعني قلت هذه الابيات متأسفا علي ما فات، كيف لم أكن من أصحاب الحسين عليه السلام في نصرته، و لا من أصحاب المختار و جماعته؟! و لما دعا المختار للثأر [70] أقبلت كتائب من أشياع آل محمد

في الاصل: الصياح.


و قد لبسوا فوق الدروع قلوبهم و خاضوا بحار الموت في كل مشهد هم نصروا سبط النبي و رهطه و دانوا بأخذ الثأر من كل ملحد ففازوا بجنات النعيم و طيبها و ذلك خير من لجين و عسجد و لو أنني يوم الهياج [71] لدي الوغي لا عملت [72] حد المشرفي المهند فوا أسفا إذ لم أكن من حماته فأقتل فيهم كل باغ و معتدي المرتبة الثالثة: في وصف الوقعة مع ابن مطيع قال الوالبي و حميد بن مسلم، و النعمان بن أبي الجعد: خرجنا مع المختار، فو الله ما انفجر الفجر حتي فرغ من تعبئة عسكره، فلما أصبح تقدم وصلي بنا الغداة فقرأ " و النازعات " و " عبس " فو الله ما سمعنا إماما أفصح لهجة منه، و نادي ابن مطيع في أصحابه، فلما جاءوا بعث شبث بن ربعي في ثلاثة آلاف، و راشد بن إياس في أربعة آلاف، و حجار بن أبجر العجلي في ثلاثة آلاف، و عكرمة بن ربعي و شداد بن أبجر، و عبد الرحمن بن سويد في ثلاثة آلاف، و تتابعت العساكر نحوا من عشرين ألفا فسمع المختار أصواتا مرتفعة، و ضجة ما بين بني سليم و سكة البريد فأمر بالستعلام ذلك فإذا هو شبث بن ربعي و معه خيل عظيمة و أتاه في الحال سعر بن أبي سعر الحنفي و هو ممن بايع المختار، يركض من قبل مراد، فلقي راشد بن إياس فأخبر المختار فأرسل إبراهيم بن الاشتر في تسعمائة فارس و ستمأة راجل و نعيم بن هبيرة في ثلاثمائة فارس و ستمأة راجل، و قدم المختار يزيد بن أنس في موضع مسجد شبث [73] في تسعمائة فقاتلوهم حتي أدخلوهم البيوت و قتل من الفريقين جمع، و قتل نعيم بن هبيرة، و جاء إبراهيم فلقي راشد بن إياس، و معه أربعة آلاف فارس فقال إبراهيم لاصحابه: لا يهولنكم كثرتهم فلرب فئة قليلة غلبت فئة كثيرة و الله مع الصابرين.

فاشتد قتالهم و بصر خزيمة بن نصر العبسي براشد و حمل عليه و طعنه فقتله، ثم


نادي خزيمة: قتلت راشدا و رب الكعبة، فانهزم القوم و انكسروا و أجلوا إجفال النعام و أطلوا عليهم كقطع الغمام [74] ، و استبشر أصحاب المختار، و حملوا علي خيل الكوفة فجعلوا صفو حياتهم كدرا، و ساقوهم حتي أو صلوهم إلي الموت زمرا، حتي أو صلوهم السكك، و أدخلوهم الجامع، و حصروا الامير ابن مطيع ثلاثا في القصر، و نزل المختار بعد هذه الوقعة جانب السوق، و ولي حصار القصر إبراهيم بن الاشتر.

فلما ضاق عليه و علي أصحابه الحصار و علموا أنه لا تعويل لهم علي مكر، و لا سبيل إلي مفر، أشاروا عليه أن يخرج ليلا في زي إمرأة و يستتر في بعض دور الكوفة ففعل و خرج حتي صار إلي دار أبي موسي الاشعري فآواه، [75] و أما هم فإنهم طلبوا الامان فآمنهم و خرجوا و بايعوه و صار يمنيهم و يستجر مودتهم و يحسن السيرة فيهم.

و لما خرج أصحاب ابن مطيع من القصر سكنه المختار ثم خرج إلي الجامع و أمر بالنداء: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس و رقي المنبر ثم قال: الحمد لله الذي وعد وليه النصر، وعدوه الخسر، وعدا مأتيا، و أمرا مفعولا، و قد خاب من افتري، أيها الناس مدت لنا غاية، و رفعت لنا راية، [76] فقيل في الراية ارفعوها و لا تضيعوها [77] ، و في الغاية خذوها و لا تدعوها، فسمعنا دعوة الداعي، و قبلنا قول الراعي، فكم من باغ و باغية، و قتل [ي] في الراعية، ألا فبعدا لمن طغي و بغي، و جحد و لغي، و كذب و تولي، ألا فهلموا عباد الله إلي بيعة الهدي، و جاهدة الاعداء و الذب عن الضعفاء من آل محمد المصطفي، و أنا المسلط علي المحلين [78] ، المطالب [79] بدم ابن نبي رب العالمين، أما و منشئ السحاب، الشديد العقاب، لانبشن قبر ابن شهاب المفتري الكذاب، المجرم المرتاب، و لا نفين الاحزاب إلي بلاد الاعراب، ثم و رب العالمين لاقتلن أعوان الظالمين، و بقايا القاسطين.

ثم قعد علي المنبر و وثب قائما و قال: أما و الذي جعلني بصيرا، و نور قلبي تنويرا، لاحرقن بالمصر دورا، و لأَنبشن بها قبورا، و لا شفين بها صدورا، و لاقتلن بها


جبارا كفورا، ملعونا غدورا، و عن قليل و رب الحرم، و البيت المحرم، و حق النون و القلم، ليرفعن لي علم من الكوفة إلي أضم، إلي أكناف ذي سلم، من العرب و العجم، ثم لاتخذون من بني تميم أكثر الخدم.

ثم نزل و دخل قصر الامارة و انعكف عليه الناس للبيعة فلم يزل باسطا يده حتي بايعه خلق من العرب و السادات و الموالي، و وجد في بيت المال بالكوفة تسعة آلاف ألف، فأعطي كل واحد من أصحابه الذين قاتل بهم في حصر ابن مطيع و هم ثلاثة آلاف و ثمانمأة رجل كل واحد منهم خمسمأة درهم، و ستة آلاف رجل من الذين أتوه [من] بعد حصار القصر مائتين مائتين.

و لما علم أن ابن مطيع في دار أبي موسي الاشعري، دعا عبد الله بن كامل الشاكري و دفع إليه عشرة آلاف درهم، و أمره بحملها إليه و أن يقول له: استعن بها علي سفرك فإني أعلم أنه ما منعك إلا ضيق يدك.

فأخذها و مضي إلي البصرة، و لم يمش إلي عبد الله بن الزبير حياء مما جري عليه من المختار، و استعمل علي شرطته عبد الله بن كامل، و علي حرسه كيسان أبا عمرة مولي عرينة [80] و عقد لعبدالله بن الحارث أخي الاشتر لامه علي أرمينية و لمحمد بن عطارد [81] علي آذربايجان و لعبد الرحمان بن سعيد بن قيس [82] علي الموصل و لسعيد بن حذيفة بن اليمان علي حلوان و لعمر بن السائب علي الري و همدان و فرق العمال بالجبال و البلاد، و كان يحكم بين الخصوم حتي إذا شغلته أموره فولي شريحا قاضيا، فلما سمع المختار أن عليا عليه السلام عزله أراد عزله فتمارض هو فعزله و ولاه عبد الله بن عتبة بن مسعود فمرض، فجعل مكانه عبد الله بن مالك الطائي قاضيا.

و كان مروان بن الحكم لما استقامت له الشام بالطاعة بعث جيشين أحدهما إلي الحجاز [83] و الآخر إلي العراق مع عبيد الله بن زياد - لعنه الله - لينهب الكوفة إذا ظفر بها ثلاثة أيام، فاجتاز بالجزيرة، عرض له أمر منعه من السير و عاملها من قبل ابن الزبير


قيس عيلان [84] ، فلم يزل عبيد الله مشغولا بذلك عن العراق، ثم قدم الموصل و عامل المختار عليها عبد الرحمن بن سعيد [85] بن قيس، فوجه عبيد الله إليه خيله و رجله فانحاز عبد الرحمن إلي تكريت، [86] و كتب إلي المختار يعرفه ذلك فكتب الجواب يصوب رأيه، و يحمد مشورته و أن لا يفارق مكانه حتي يأتيه أمره إن شاء الله.

ثم دعا المختار يزيد بن أنس و عرفه جلية الحال، و رغبه في النهوض بالخيل و الرجال و حكمه في تخيير من شاء من الابطال فتخير ثلاثة آلاف فارس ثم خرج من الكوفة و شيعه المختار إلي دير أبي موسي و أوصاه بشيء من أدوات الحرب و إن احتاج إلي مدد عرفه، فقال: اريثد لا تمدني إلا بدعائك كفي به مددا، ثم كتب المختار إلي عبد الرحمن بن سعيد بن قيس: " أما بعد، فخل بين يزيد و بين البلاد إن شاء الله و السلام عليك "، فسار حتي بلغ أرض الموصل فنزل بموضع يقال له: بافكي [87] ، و بلغ خبره إلي عبيد الله بن زياد و عرف عدتهم، فقال: أرسل إلي كل ألف ألفين و بعث ستة آلاف فارس فجاءوا و يزيد بن أنس مريض مدنف [88] فأركبوه حمارا مصريا و الرجالة يمسكونه يمينا و شمالا فيقف علي الارباع و يحثهم علي القتال، و يرغبهم في حميد المال، و قال: إن هلكت فأميركم ورقاء بن عازب الاسدي فإن هلك فأميركم عبد الله بن ضمرة العذري فإن هلك فأميركم سعر بن [أبي] سعر الحنفي، و وقع القتال بينهم في ذي الحجة يوم عرفة، سنة ست و ستين قبل شروق الشمس فلا يرتفع الضحي حتي هزمهم عسكر العراق، و أزالهم عن مأزق الحرب زوال السراب، و قشعوهم انقشاع الضباب، و آتوا يزيد بثلاثمائة أسير و قد أشفي علي الموت فأشار بيده أن اضربوا رقابهم فقتلوا جميعا.


ثم مات يزيد بن أنس فصلي عليه ورقاء بن عازب الاسدي و دفنه و اغتم عسكر العراق لموته فعزاهم ورقاء فيه، و عرفهم أن عبيد الله بن زياد في جمع كثير و لا طاقة لكم به، فقالوا: الرأي أن ننصرف في جوف الليل.

قال محمد بن جرير الطبري في تأريخه: كان مع عبيد الله (بن زياد لعنه الله) ثمانون ألفا من أهل الشام، ثم أتصل بالمختار و أهل الكوفة أرجاف الناس بيزيد بن أنس فظنوا أنه قتل و لم يعلموا كيف هلك؟ و استطلع المختار ذلك من عامله علي المدائن فأخبره بموته، و إن العسكر النصرف من هزيمة، و لا كسرة، فطاب قلب المختار، ثم ندب الناس.

قال المزرباني: و أمر إبراهيم بن الاشتر بالمسير إلي عبيد الله (بن زياد) فخرج في ألفين من مذحج و أسد، و ألفين من تميم و همدان، ألف و خمسمأة من قبائل المدينة و ألف و أربعمأة من كندة و ربيعة، و ألفين من الحمراء، و قيل خرج في اثني عشر ألفا، أربعة آلاف من القبائل و ثمانية آلاف من الحمراء، و شيع إبراهيم ماشيا، فقال: اركب (ي) رحمك الله، و قال المختار: إني لاحتسب الاجر في خطاي [89] معك، و أحب أن تتغبر قدماي في نصر آل محمد صلي الله عليه و آله و الطلب بدم الحسين عليه السلام ثم ودعه و انصرف، و بات إبراهيم بموضع يقال له: حمام أعين [90] ، ثم رحل حتي وافي ساباط المدائن.

فحينئذ توسم أهل الكوفة في المختار القلة و الضعف، فخرج أهل الكوفة عليه، و جاهروه بالعداوة، و لم يبق أحد ممن شرك في قتل الحسين، و كان مختفيا و ظهر و نقضوا بيعته، و سلوا عليه سيفا واحدا و اجتمعت القبائل عليه من بجيلة و الازد و كندة و شمر بن ذي الجوشن، فبعث المختار من ساعته رسولا إلي إبراهيم و هو بساباط [91] : " لا تضع كتابي حتي تعود بجميع من معك إلي " فلما جاءهم كتابه نادي بالرجوع فوصلوا


السير بالسري [92] ، و أرخوا الاعنة و جذبوا البري [93] ، و المختار يشغل أهل الكوفة بالتسويف [94] و الملاطفة حتي يرجع إبراهيم بعسكره فيكف عاديتهم و يقمع [95] شرتهم، و يحصد شوكتهم، و كان مع المختار أربعة آلاف فبغي عليه أهل الكوفة و بدأوه بالحر، فحاربه يومهم أجمع و بانوا علي ذلك فوافاهم إبراهيم في اليوم الثاني بخيله و رجله، و معه أهل النجدة و القوة.

فلما علموا قدومه افترقوا فرقتين ربيعة و مضر علي حدة، و اليمن علي حدة فخير المختار إبراهيم: إلي أي الفريقين [96] تسير، فقال: إلي أيهما أحببت، و كان المختار ذا عقل وافر، ورأي حاضر فأمره بالسير إلي مضر بالكناسة [97] ، و سار هو إلي اليمن [98] إلي جبانة السبيع [99] ، فبدأ بالقتال رفاعة بن شداد فقاتل الشديد البأس، القوي المراس، حتي قتل، و قاتل حميد بن مسلم و هو يقول: لاضربن عن أبي حكيم مفارق الاعبد و الحميم ثم انكسروا كسرة هائلة، و جاء البشير إلي المختار أنهم ولوا مدبرين، فمنهم من اختفي في بيته، و منهم من لحق بمصعب بن الزبير، و منهم من خرج إلي البادية ثم وضعت الحرب أوزارها، و حلت أزرارها، و محص القتل شرارها فأحصوا القتلي منهم، فكانوا ستمأة و أربعين رجلا ثم استخرج من دور الوادعيين خمسمأة أسير، كما ذكره الطبري و غيره، فجاءوا بهم إلي المختار، فعرضوهم عليه، فقال: كل من حضر منهم قتل الحسين عليه السلام فأعلموني به، فلا يؤتي بمن حضر قتله إلا قيل هذا فيضرب عنقه حتي قتل منهم مائتين و ثمانية و أربعين رجلا، و قتل أصحاب المختار جمعا كثيرا


بغير علمه، و أطلق الباقين، ثم علم المختار أن شمر بن ذي الجوشن - لعنه الله - خرج هاربا و معه نفر ممن شرك في قتل الحسين عليه السلام فأمر عبدا له أسود يقال له رزين، و قيل زربي، و معه عشرة - و كان شجاعا - يتبعه فيأتيه برأسه.

قال مسلم (بن حميد) بن عبد الله الضبابي: كنت مع شمر حين خزمنا المختار فدنا منا العبد قال شمر: اركضوا و تباعدوا لعل يطمع في فأمعنا في التباعد عنه، حتي لحقه العبد فحمل عليه فقتله، و مشي فنزل في جانب فرية اسمها الكلتانية [100] علي شاطئ نهر إلي جانب تل، ثم أخذ من القرية علجا [101] فضربه و دفع إليه كتابا و قال: عجل به إلي مصعب بن الزبير، و كان عنوانه للامير المصعب بن الزبير من شمر ابن ذي الجوشن، فمشي العلج حتي دخل قرية فيها أبو عمرة بعثه المختار إليها في أمر و معه خمسمأة فارس، قرأ [102] الكتاب رجل من أصحابه، و قرأ عنوانه فسأل عن شمر و أين هو؟ فأخبره أن بينهم و بينه ثلاثة فراسخ.

قال مسلم بن عبد الله: قلت لشمر: لو ارتحلت من هذا المكان فإنا نتخوف عليك، فقال: ويلكم أكل هذا الجزع من الكذاب؟ و الله لا برحت فيه ثلاثة أيام، فبينما نحن في أول النوم، أشرفت علينا الخيل من التل و أحاطوا بنا و هو عريان مؤتزرا بمنديل فانهزمنا و تركناه، فأخذ سيفه ودنا منهم، و هو يقول: نبهتموا ليثا هزبرا باسلا جهما محياه يدق الكاهلا لم يك يوما من [103] عدو ناكلا إلا كذا مقاتلا أو قاتلا فلم يك بأسرع أن سمعنا: قتل الخبيث، قتله أبو عمرة، و قتل أصحابه، ثم جئ بالرؤوس إلي المختار، خر ساجدا، و نصبت الرؤوس في رحبة الخذائين حذاء [104] .


الجامع.

و أنا الآن أذكر من قتله المختار من قتلة الحسين عليه اسلام.

ذكر الطبري في تأريخه أن المختار تجرد لقتلة الحسين عليه السلام و أهل بيته، و قال: اطلبوهم، فإنه لا يسوغ لي الطعام و الشراب، حتي أطهر الارض منهم، قال موسي ابن عامر: فأول من بدأ به الذين وطأ و الحسين عليه السلام بخيلهم، و أنا مهم علي ظهورهم، و ضرب سكك الحديد في أيديهم و أرجلهم، و أجري الخيل عليهم حتي قطعتهم و حرقهم بالنار ثم أخذ رجلين اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب و في سلبه، كانا في الجبانة فضرب أعناقهما، ثم أحرقهما بالنار، ثم أحضر مالك بن بشير فقتله في السوق.

و بعث أبا عمرة فأحاطوا بدار خولي بن يزيد الاصبحي، و هو حامل رأس الحسين عليه السلام إلي عبيد الله، فخرجت إمرأته إليهم و هي النوار [105] ابنة مالك كما ذكر الطبري في تأريخه، و قيل اسمها العيوف [106] ، و كانت محبة لاهل البيت عليهم السلام قالت: لا أدري أين هو؟ و أشارت بيدها إلي بيت الخلا، فوجدوه و علي رأسه قوصرة فأخذوه و قتلوه، ثم أمر بحرقه.

و بعث عبد الله بن كامل إلي حكيم بن الطفيل السنبسي و كان قد أخذ سلب العباس، و رماه بسهم فأخذوه قبل وصوله إلي المختار، و نصبوه هدفا و رموه بالسهام، و بعث إلي قاتل علي بن الحسين عليهما السلام و هو مرة بن منقذ العبدي و كان شيخا فأحاطوا بداره فخرج و بيده الرمح و هو علي فرس جواد، فطعن عبيد الله بن ناجية [107] الشبامي فصرعه، و لم تضره الطعنة و ضربه ابن كامل بالسيف فاتقاها بيده اليسري فأشرع فيها السيف و تمطرت به الفرس فأفلت، و لحق بمصعب و شلت يده بعد ذلك.

و أحضر زيد بن رقاد فرماه بالنبل و الحجارة و أحرقه، و هرب سنان بن أنس لعنه الله إلي البصرة فهدم داره ثم خرج من البصرة نحو القادسية، و كان عليه عيون فأخبروا المختار فأخذه بين العذيب و القادسية، فقطع أنامله ثم بديه و رجليه و أغلي زيتا


في قدر و رماه فيها.

و هرب عبد الله بن عقبة الغنوي إلي الجزيرة فهدم داره، و فيه و في حرملة بن الكاهل لعنه الله (و) قتل واحدا من أصحاب الحسين عليه السلام قال الشاعر: و عند غني قطرة من دمائنا و في أسد اخري تعد و تذكر حدث المنهال بن عمرو، قال: دخلت علي زين العابدين عليه السلام أودعه و أنا أريد الانصراف من مكة، فقال: يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل، و كان معي بشر ابن غالب الاسدي، فقال: ذلك من بني الحريش أحد بني موقد النار، هو حي بالكوفة فرفع يديه، و قال: أللهم (أذقه حر النار، أللهم أذقه حر الحديد [108] قال المنهال: و قدمت الكوفة و المختار بها فركبت إليه، فلقيته خارجا من داره فقال: يا منهال لم تشركنا في ولايتنا هذه؟ فعرفته أني كنت بمكة فمشي حتي أتي الكناس، و وقف كأنه ينتظر شيئا، فلم يلبث أن جاء قوم (ف) قالوا: أبشر أيها الامير فقد اخذ حرملة، فجئ به، فقال: لعنك الله، الحمد الله الذ أمكنني منك، الجزار، الجزار، فاتي بجزار فأمره بقطع يديه و رجليه، ثم قال: النار النار، فاتي بنار و قصب فأحرق.

فقلت: سبحان الله سبحان الله فقال: إن التسبيح لحسن، لم سبحت؟ فأخبرته (ب) دعاء زين العابدين عليه السلام فنزل عن دابته وصلي ركعتين، و أطال السجود و ركب و سار فحاذي داري، فعزمت عليه بالنزول و التحرم [109] بطعامي، فقال: إن علي بن الحسين عليهمالسلام دعا بدعوات فأجابها الله علي يدي، ثم تدعوني إلي الطعام، هذا يوم صوم شكر الله تعالي، فقلت: أحسن الله توفيقك.

و انهزم عبد الله بن عروة الخثعمي إلي مصعب فهدم داره و طلب عمرو بن صبيح الصيداوي فأتوه و هو علي سطحه بعد ما هدأت العيون، و سيفه تحت رأسه فأخذوه و سيفه، فقال: قبحك الله من سيف ما أبعدك علي قربك، فجيئ به إلي المختار، فلما كان من الغداة طعنوه بالرماح، حتي مات و أنفذ إلي محمد بن الاشعث ابن قيس و قد انهزم إلي قصر له في قرية إلي جنب القادسية، فقال: انطلق فإنك تجده


لاهيا متصديا [110] أو قائما متبلدا، أو خائفا متلددا، أو كامنا متعمدا، فأتني برأسه فأحاطوا بالقصر و له بابان، فخرج و مشي إلي مصعب، فهدم القصر و داره، و أخذ ما كان فيهما.

قال المرزباني: و أتوه بعبد الله بن اسيد الجهني و مالك بن هيثم [111] البدائي و حمل بن مالك المحاربي من القادسية فقال: يا أعداء الله، أين الحسين بن علي عليهما السلام؟ قالوا: أكرهنا علي الخروج، قال: فألا مننتم عليه و سقيتموه من الماء؟! و قال للبدائي: أنت (أخذت) برنسه؟ قال: لا، قال: بلي، و أمر بقطع يديه و رجليه، و الآخران ضرب أعناقهما.

و أتوه ببجدل بن سليم الكلبي و عرفوا أنه أخذ خاتمه، و قطع إصبعه، فأمر بقطع يديه و رجليه، فلم يزل ينزف [112] حتي مات، و أتوه برقاد بن مالك و عمر بن خالد و عبد الرحمن البجلي و عبد الله بن قيس الخولاني، فقال: يا قتلة الحسين [113] لقد أخذتم الورس في يوم نحس، و كان في رحل الحسين ورس فاقتسموه وقت نهب رحله فأخرجهم إلي السوق.

و كان أسماء بن خارجة الفزاري ممن سعي في قتل مسلم بن عقيل رحمة الله عليه، فقال المختار: أما و رب السماء و رب الضياء و الظلماء، لتنزلن نار من السماء دهماء حمراء سحماء، تحرق دار أسماء، فبلغ كلامه إليه، فقال: سجع أبو إسحاق، و ليس ههنا مقام بعد هذا، و خرج من داره هاربا إلي البادية فهدم داره و دور بني عمه.

و كان الشمر بن ذي الجوشن - لعنه الله - قد أخذ من الابل التي كانت تحت رحل الحسين عليه السلام فنحرها و قسم لحمها علي قوم من أهل الكوفة فأمر [114] المختار فأحصوا كل دار دخلها ذلك اللحم، فقتل أهلها و هدمها، و لم يزل المختار يتبع قتلة الحسين عليه السلام حتي قتل خلقا كثيرا، و هزم الباقين، فهدم دورهم و أنزلهم من المعاقل و الحصون، إلي المفاوز والصحون، قال: و قتلت العبيد مواليها، و جاءوا إلي المختار فأعتقهم، و كان العبد يسعي بمولاه فيقتله المختار حتي أن العبد يقول لسيده: احملني


علي عنقك فيحمله، و يدلي رجليه علي صدره إهانة له و لخوفه من سعايته به إلي المختار.

فيا لها منقبة حازها، و مثوبة أحرزها، فقد سر النبي بفعله، و إدخاله الفرح علي عترته و أهله، و قد قلت هذه الابيات مع كلال الخاطر، و قذي الناظر: سر النبي بأخذ الثأر من عصب باءوا بقتل الحسين الطاهر الشيم قوم غذوا بلبان البغض و يهم للمرتضي و بنيه سادة الامم حاز الفخار الفتي المختار إذقعدت عن نصره سائر الاعراب و العجم جادته من رحمة الجبار سارية تهمي علي قبره منهلة الديم المرتبة الرابعة في ذكر مقتل عمر بن سعد و عبيد الله بن زياد و من تابعه و كيفية قتالهم و النصر عليهم فلما خلا خاطره، و انجلي ناظره [115] ، اهتم بعمر بن سعد و ابنه حفص - عليهما اللعنة - حدث عمر بن الهيثم قال: كنت جالسا عن يمين المختار و الهيثم بن الاسود عن يساره فقال: و الله لاقتلن رجلا عظيم القدمين، غائر العينين، مشرف الحاجبين، يهمر [116] الارض برجله، يرضي قتله أهل السماء و الارض، فسمع الهيثم قوله و وقع في نفسه أنه أراد عمر بن سعد، فبعث ولده العريان فعرفه قول المختار، و كان عبد الله بن جعدة بن هبيرة أعز الناس علي المختار، قد أخذ لعمر أمانا حيث اختفي فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا أمان المختار بن أبي عبيدة الثقفي لعمر بن سعد بن أبي وقاص، إنك آمن بأمان الله علي نفسك و أهلك و مالك و ولدك، لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت و أطعت و لزمت منزلك، إلا أن تحدث حدثا، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله و شيعة آل محمد صلي الله عليه و آله فلا يعرض له إلا بسبيل خير و السلام " ثم شهد فيه جماعة.

قال الباقر عليه السلام: إنما قصد المختار - أن يحدث حدثا - هو أن يدخل بيت الخلاء، و بحدث، فظهر عمر إلي المختار فكان يدنيه و يكرمه و يجلسه معه علي سريره.


و علم أن قول المختار عنه، فعزم علي الخروج من الكوفة فأحضر رجلا من بني تيم اللات اسمه مالك و كان شجاعا و أعطاه أربع مائة دينار و قال: هذه معك لحوائجنا و خرجا، فلما كان عند حمام عمر أو نهر عبد الرحمن وقف و قال: أ تدري لم خرجت؟ قال: لا، قال: خفت المختار، فقال ابن دومة - يعني المختار - أضيق أستامن أن يقتلك، و إن هربت هدم دارك، و انتهب عيالك و مالك و خرب ضياعك و أنت أعز العرب، فاغتر بكلامه فرجعا علي الروحاء فدخلا الكوفة مع الغداة.

هذا قول المرزباني و قال غيره: إن المختار علم خروجه من الكوفة، فقال: و فينا له و غدر، و في عنقه سلسلة لو جهد أن ينطلق ما استطاع، فنام عمر علي الناقة فرجعت و هو لا يدري حتي ردته إلي الكوفة، فأرسل عمر ابنه إلي المختار قال له: أين أبوك؟ قال: في المنزل و لم يكونا يجتمعان عند المختار، و إذا حضر أحدهما غاب الآخر خوفا أن يجتمعنا فيقتلهما، فقال حفص: أبي يقول: أتفي لنا بالامان؟ قال: اجلس و طلب المختار أبا عمرة، و هو كيسان التمار فأسر إليه أن اقتل عمر بن سعد و إذا دخلت و رأيته يقول: يا غلام علي بطيلساني [117] فإنه يريد السيف فبادره و اقتله فلم يلبث أن جاء و معه رأسه.

فقال حفص: إنا لله و إنا إليه راجعون، فقال له: أتعرف هذا الرأس؟ قال: نعم، و لا خير في العيش بعده، فقال: إنك لا تعيش بعده فقال: و أمر بقتله و قال المختار: عمر بالحسين و حفص بعلي بن الحسين و لا سواء، و الله لاقتلن سبعين ألفا كما قتل بيحيي بن زكريا عليهما السلام.

و قيل: إنه قال: لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين عليه السلام.

و كان محمد بن الحنفية يعتب علي المختار لمجالسة عمر بن سعد و تأخير قتله فحمل الرأسين إلي مكة مع مسافر بن سعد الهمداني و ظبيان بن عمارة التميمي فبينا محمد بن الحنفية جالسا في نفر من الشيعة، و هو يعتب علي المختار، فما تم كلامه إلا


والرأسان عنده فخر ساجدا، و بسط كفيه، و قال: أللهم لا تنس هذا اليوم للمختار و أجزه عن أهل بيت نبيك محمد صلي الله عليه و آله خير الجزاء، فو الله ما علي المختار بعد هذا من عتب.

فلما قضي المختار من أعداء الله وطره و حاجته، و بلغ فيهم أمنيته، قال: لم يبق علي أعظم من عبيد الله بن زياد، فأحضر إبراهيم بن الاشتر، و أمره بالمسير إلي عبيد الله، فقال: إني خارج و لكني أكره خروج عبيد الله بن الحر معي، و أخاف أن يغدر بي وقت الجاجة، فقال له: أحسن إليه و املا عينه بالمال و أخاف إن أمرته بالقعود عنك فلا يطيب له، فخرج إبراهيم من الكوفة و معه عشرة آلاف فارس، و خرج المختار في تشييعه و قال: أللهم أنصر من صبر، و اخذل من كفر، و من عصي و فجر، و بايع و غدر، و علا و تجبر، فصار إلي سقر، لا تبقي و لا تذر، ليذوق العذاب الاكبر، ثم رجع و مضي إبراهيم و هو يرتجز و يقول: إنا و حق المرسلات عرفا حقا و حق العاصفات عصفا لنعسفن من بغانا عسفا حتي يسوم القوم منا خسفا زحفا إليهم لا نمل [118] الزحفا [119] حتي نلاقي بعد صف صفا و بعد ألف قاسطين ألفا نكشفهم لدي الهياج كشفا فسار إلي المدائن فأقام بها ثلاثا، و سار إلي تكريت فنزلها، و أمر بجباية خراجها، ففرقه و بعث إلي عبيد الله بن الحر بخمسة آلاف درهم فغضب فقال: أنت أخذت لنفسك عشرة آلاف درهم، و ما كان الحردون مالك فحلف إبراهيم إني ما أخذت زيادة عليك، ثم حمل إليه ما أخذه لنفسه فلم يرض، و خرج علي المختار و نقض عهده، و أغار علي سواد الكوفة، فنهب القري، و قتل العمال، و أخذ الاموال و مضي إلي البصرة إلي مصعب بن الزبير.

فلما علم المختار أرسل عبد الله بن كامل إلي داره فهدمها و إلي زوجته سلمي بنت خالد الجعفية حبسها، ثم ورد كتاب المختار إلي إبراهيم يحثه علي تعجيل القتال،


فطوي المراحل حتي نزل علي نهر الخازر [120] علي أربعة فراسخ من الموصل و عبيد الله بن زياد بها، قال عبد الله بن أبي عقب الديلمي: حدثني خليلي أنا نلقي أهل الشام علي نهر يقال له: الخازر فيكشفونا حتي نقول هي هي ثم نكر عليهم فنقتل أميرهم فابشروا و اصبروا فانكم لهم قاهرون.

فعلم عبيد الله بقدوم إبراهيم فرحل في ثلاثة و ثمانين ألفا حتي نزل قريبا من عسكر العراق و طلبهم أشد طلب، و جاءهم في جحفل لجب، و كان مع ابن الاشتر أقل من عشرين ألفا، و كان في عسكر الشام من أشراف بني سليم عمير بن الحباب، فراسله إبراهيم و وعده بالحباء و الاكرام، فجاء و معه ألف فارس من بني عمه و أقاربه، فصار مع عسكر العراق فأشار عليهم، بتعجيل القتال و ترك المطاولة، فلما كان في السحر صلوا بغلس [121] ، و عبأ إبراهيم أصحابه فجعل علي ميمنته سفيان بن يزيد الازدي و علي ميسرته علي بن مالك الجشمي و علي الخيل الطفيل بن لقيط النخعي و علي الرجالة مزاحم بن مالك السكوني، ثم زحفوا حتي أشرفوا علي أهل الشام و لم يظنو أنهم يقدمون عليهم لكثرتهم فبادروا إلي تعبئة عسكرهم فجعل عبيد الله علي ميمنته شرحبيل بن ذي الكلاع، و علي ميسرته ربيعة بن مخارق الغنوي و علي جناح ميسرته جميل بن عبد الله الغنمي [122] و في القلب الحصين بن نمير و وقف العسكران و التقي الجمعان فخرج ابن ضبعان الكلبي و نادي: يا شيعة المختار الكذاب يا شيعة ابن الاشتر المرتاب: أنا ابن ضبعان الكريم المفضل من عصبة يبرون من دين علي كذاك كانوا في الزمان الاول فخرج إليه الاحوص بن شداد الهمداني و هو يقول: أنا ابن شداد علي دين علي لست لعثمان بن اروي [123] بولي


لاصلين القوم فيمن يصطلي بحر نار الحرب حتي تنجلي فقال للشامي: ما اسمك؟ قال: منازل الابطال، قال له الاحوص: و أنا مقرب الآجال، ثم حمل عليه [و] ضربه فسقط قتيلا ثم نادي: هل من مبارز؟ فخرج إليه داود الدمشقي و هو يقول: أنا ابن من قاتل في صفينا قتال قرن لم يكن عبينا بل كان فيها بطلا جرونا [124] مجربا لدي [125] الوغي كمينا فأجابه الاحوص يقول: يا ابن الذي قاتل في صفينا و لم يكن في دينه غبينا كذبت قد كان بها [126] مغبونا مذبذبا في أمره مفتونا لا يعرف الحق و لا اليقينا بؤسا له لقد مضي ملعونا ثم التقيا فضربه الاحوص فقتله، ثم عاد إلي صفه و خرج الحصين بن نمير السكوني و هو يقول: يا قادة الكوفة أهل المنكر [127] و شيعة المختار و ابن الاشتر هل فيكم قوم كريم العنصري مهذب في قومه بمفخر يبرز نحوي قاصدا لا يمتري فخرج إليه شريك بن خزيم [128] التغلبي و هو يقول: يا قاتل الشيخ الكريم الازهري بكربلا يوم التقاء العسكر أعني حسينا ذالثنا و المفخر و ابن النبي الطاهر المطهر و ابن علي البطل المظفر هذا فخذها من هزبر فسور [129] ضربة قوم ربعي مضري فالتقيا بضربتين فجدله التغلبي صريعا فدخل علي أهل الشام من أهل العراق مدخل عظيم.


ثم تقدم إبراهيم و نادي: ألا يا شرطة الله ألا يا شيعة الحق ألا يا أنصار الدين قاتلوا المحلين [130] و أولاد القاسطين لا تطلبوا أثرا بعد عين هذا عبيد الله بن زياد قاتل الحسين 333 ثم حمل علي أهل الشام و ضرب فيهم بسيفه و هو يقول: قد علمت مذحج علما الخطل إني إذا القرن لقيني لا و كل و لا جزوع عندها و لا نكل أروع مقداما إذا النكس فشل أضرب في القوم إذا جاء الاجل و أعتلي رأس الطرماح البطل بالذكر البتار [131] حتي ينجدل و حمل أهل العراق معه و اختلطوا و تقدمت رايتهم و شبت فيهم نار الحرب و دهمهم العسكر بجنابحه و القلب، إلي أن صلوا بالايماء و التكبير صلاة الظهر و اشتغلوا بالقتال إلي أن تحلي [132] صدر الدجي بالانجم الازهر، و زحف عليهم عسكر العراق فرحا بالمصاع، و حرصا علي القراع، و وثوقا بما وعدهم الله به من النصر و حسن الدفاع و انقضوا عليهم انقضاض العقبان علي الرخم، و جالوا فيهم جولان السرحان علي الغنم، و عركوهم عرك الاديم، و دحوا [133] بهم إلي عذاب الجحيم و أذقوهم أسنة الرماح النازعة للمهج و الارواح فلم تزل الحرب قائمة و السيوف لاجسادهم منتهبة فولي عسكر الشام مكسورا، عليه ذلة الخائب الخجل و ارتياع الخائف الوجل، و عسكر العراق منصورا و علي وجوههم مسحة المسرور الثمل و تبعوهم إلي متون النجاد و بطون الوهاد و النبل ينزل عليهم كصيب العهاد.

[134] ثم انجلت الحرب و قد قتل أعيان أهل الشام، مثل الحصين بن نمير و شرحبيل بن ذي الكلاع [135] ، و ابن حوشب و غالب الباهلي و أبي أشرس بن عبد الله الذي كان علي خراسان، و حاز إبراهيم - رحمة الله عليه - فضيلة هذا الفتح، و عاقبة هذا المنح الذي انتشر في الاقطار، و دام دوام الاعصار، و لقد أحسن عبد الله بن الزبير الاسدي يمدح إبراهيم (بن) الاشتر فقال:


الله أعطاك المهابة و التقي و أحل بيتك في العديد الاكثر و أقر عينك يوم وقعة خازر و الخيل تعثر في القنا المتكسر من ظالمين كفتهم أيامهم تركوا لحاجلة و طير أعثر ما كان اجرأهم جزاهم ربهم يوم الحساب علي ارتكاب المنكر قال الرواة: رأينا إبراهيم بعد ما انكسر العسكر، و انكشف العثير [136] ، قوما منهم ثبتوا و صبروا و قاتلوا فلقطهم من صهوات الخيل، و قذفهم في لهوات الليل حتي صبغت الارض من دمائهم ثيابا حمرا و ملا الفجاج [137] ببأسه ذعرا، و تساقطت النسور علي النسور و أهوت العقبان علي أجسادهم و هي كالعقيق المنثور، و اصطلح علي أكل لحمهم الذئب و السبع، و السيد [138] و الضبع.

قال إبراهيم: و أقبل رجل أحمر في كبكبة يغري الناس كأنه بغل أقمر لا يدنو منه فارس إلا صرعه، و لا كمي إلا قطعه، فدنا قطعه، فدنا مني فضربت يده فأبنتها و سقط علي شاطئ الخازر، فشرقت يداه و غربت مني فضربت يده فأبنتها و سقط علي و جاء رجل نزع خفيه و ظنوا أنه ابن زياد من تحقيق فطلبوه فإذا هو علي ما وصف إبراهيم فاجتزوا رأسه، و احتفظوا طول الليل بجسده، فلما أصبحوا عرفه مهران مولي زياد، فلما رآه إبراهيم قال: الحمد لله الذي أجري قتله علي يدي و قتل في صفر.

و قال قوم من أصحاب الحديث: يوم عاشوراء و عمره دون الاربعين و قيل تسع و ثلاثون سنة.

و أصبح الناس فحووا ما كان و غنموا غنيمة عظيمة، و لقد أجاد أبو السفاح الزبيدي بمدحته إبراهيم و هجائه ابن زياد - لعنه الله - فقال: أتاكم غلام من عرانين [139] مذحج جرئ علي الاعداء نكول أتاه عبيد الله في شر [140] عصبة من الشام لما أرضيوا بقليل فلما التقي الجمعان في حومة الوغي و للموت فيهم ثم جر ذيول فأصبحت قد ودعت هندا و أصبحت مولهة ما وجدها بقليل


و أخلق بهند أن تساق سبية لها من أبي إسحاق شر خليل [141] تولي عبيد الله خوفا من الردي و خشية ماضي الشفرتين [142] صقيل جزي الله خيرا شرطة الله إنهم شفوا بعبد الله كل غليل يعني بقوله هند بنت أسماء بن خارجة زوجة عبيد الله لما قتل حملها عتبة أخوها إلي الكوفة، و بقوله أبي إسحاق هو المختار و هرب غلام لعبيدالله إلي الشام فسأله عبد الملك بن مروان عنه، قال: لما جال الناس تقدم فقاتل ثم قال: ائتني بجرة فيها ماء، فأتيته فشرب وصب الماء بين درعه و جسده وصب علي ناصية فرسه ثم حمل فهذا آخر عهدي به.

قال يزيد بن مفرغ يهجو ابن زياد: إن المنايا إذا حاولن طاغية هتكن عنه ستورا بعد أبواب إن الذي عاش غدارا بذمته و مات هزلا قتيل الله بالزاب ما شق جيب و لا ناحتك نائحة [143] و لا بكتك جياد عند أسلاب هلا جموع نزار إذ لقيتهم كنت امرءا من نزار مر تاب أو حمير كنت قيلا [144] من ذوي يمن إن المقاويل في ملك و أحباب و كان المختار قد سار من الكوفة يتطلع أحوال إبراهيم و استخلف في الكوفة السائب بن مالك، فنزل ساباط ثم دخل المدائن و رقي المنبر فحمد لله و أثني عليه و أمر الناس بالجد في النهوض إلي إبراهيم، قال الشعبي: كنت معه فأتته البشري بقتل عبيد الله و أصحابه، فكاد يطير فرحا، و رجع إلي الكوفة في الحال مسرورا بالظفر.

و ذكر أبو السائب عن أحمد بن بشير، عن مجالد، عن عامر أنه قال: الشيعة يتهموني ببغض علي عليه السلام و لقد رأيت في النوم بعد مقتل الحسين عليه السلام كأن رجالا نزلوا من السماء، عليهم ثياب خضر، معهم حراب يتبعون قتلة الحسين عليه السلام فما [145] لبثت أن خرج المختار فقتلهم.


و ذكر عمر بن شيبة [146] قال: حدثني أو أحمد الزبيري، عن عمه قال: قال أبو عمر [147] البزاز: كنت مع إبراهيم بن الاشتر لما لقي عبيد الله بن زياد - لعنه الله - بالخازر فعددنا القتلي بالقصب لكثرتهم، قيل كانوا سبعين ألفا، [قال:] و صلبه إبراهيم منكسا فكأني أنظر إلي خصييه كأنهما جعلان، و عن الشعبي أنه لم يقتل قط من أهل الشام بعد صفين مثل هذه الوقعة بالخازر.

و قال الشعبي: كانت يوم عاشوراء سنة سبع و ستين و بعث إبراهيم برأس عبيد الله بن زياد و رؤوس الرؤساء من أهل الشام و في آذانهم رقاع أسمائهم فقدموا عليه و هو يتغدي، فحمد الله تعالي علي الظفر فلما فرغ من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ثم رمي بها إلي غلامه، و قال: اغسلها فإني وضعتها علي وجه نجس كافر.

و عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني قال: وضعت الرؤوس عند السدة بالكوفة عليها ثوب أبيض فكشفنا عنها الثوب، وحية تتغلغل في رأس عبيد الله و نصبت الرؤوس في الرحبة، قال عامر: و رأيت الحية تدخل في منافذ رأسه و هو مصلوب مرارا.

ثم حمل المختار رأسه و رؤوس القواد إلي مكة مع عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي و عبد الرحمن بن شداد الجشمي و أنس بن مالك الاشعري، و قيل السائب ابن مالك، و معها ثلاثون ألف دينار إلي محمد بن الحنفية، و كتب معهم: " إني بعثت أنصاركم و شيعتكم إلي عدوكم فخرجوا محتسبين أسفين، فقتلوهم فالحمد لله الذي أدرك لكم الثأر، و أهلكهم في كل فج عميق، و غرقهم في كل بحر و شفي الله صدور قوم مؤمنين " فقدموا بالكتاب و الرؤوس عليه، فلما رآها خر ساجدا و دعا للمختار و قال: جزاه الله خير الجزاء، فقد أدرك لنا ثأرنا، و وجب حقه علي كل من ولده عبد المطلب بن هاشم أللهم و احفظ لابراهيم الاشتر و انصره علي الاعداء، و وفقه لما تحب و ترضي، و اغفر له في الآخرة و الاولي.

فبعث رأس عبيد الله إلي علي بن الحسين عليهما السلام فادخل عليه و هو يتغدي فسجد شكرا الله تعالي و قال: الحمد لله الذي أدرك لي ثأري عدوي، و جزي الله


المختار خيرا، أدخلت علي عبيد الله بن زياد و هو يتغدي و رأس أبي بين يديه، فقلت: أللهم لا تمتني حتي تريني رأس ابن زياد.

و قسم محمد المال في أهله و شيعته بمكة و المدينة علي أولاد المهاجرين و الانصار.

و روي المرزباني بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام أنه قال: ما اكتحلت هاشمية و لا اختضبت و لا رئي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتي قتل عبيد الله بن زياد، و عن عبد الله بن محمد بن أبي سعيد، عن أبي العيناء، عن يحيي بن (أبي) راشد، قال: قالت فاطمة بنت علي: ما تحنأت إمرأة منا و لا أجالت في عينها مرودا [148] و لا امتشطت حتي بعث المختار رأس عبيد الله بن زياد.

و روي أنه قتل ثمانية عشر ألفا ممن شرك في قتل الحسين عليه السلام أيام ولايته و كانت ثمانية عشر شهرا أولها أربع عشرة ليلة خلت من ربيع الاول سنة ست و ستين و آخرها النصف من شهر رمضان من سنة سبع و ستين و عمره سبع و ستون سنة.

قال جعفر بن نما مصنف هذا الثأر: أعلم أن كثيرا من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم علي معاني الالفاظ و لا روية تنقلهم من رقدة الغفلة إلي الاستيقاظ، و لو تدبروا أقوال الائمة في مدح المختار، لعلموا أنه من السابقين المجاهدين الذين مدحهم الله تعالي جل جلاله في كتابه المبين، و دعاء زين العابدين عليه السلام للمختار رحمه الله دليل واضح و برهان لائح [149] علي أنه عنده من المصطفين الاخيار و لو كان علي الطريقة المشكورة، و يعلم أنه مخالف له في اعتقاده، لما كان يدعو له دعاء لا يستجاب، و يقول فيه قولا لا يستطاب، و كان دعاؤه عليه السلام له عبثا، و الامام منزه عن ذلك، و قد أسلفنا من أقوال الائمة في مطاوي الكتاب تكرار مدحهم له و نهيهم عن ذمه، ما فيه غنية لذوي الابصار، و بغية لذوي الاعتبار، و إنما أعداؤه عملوا له مثالب ليبا عدوه من قلوب الشيعة كما عمل أعداء أمير المؤمنين له مساوئ، و هلك بها كثير ممن حاد عن محبته، و حال عن طاعته، فالولي له عليه السلام لم تغيره الاوهام و لا باحته تلك الاحلام، بل كشفت له عن فضله المكنون، و علمه المصون، فعمل في قضية المختار ما


عمل مع أبي الائمة الاطهار.

و قد وفيت بما وعدت من الاختصار و أتيت بالمعاني التي تضمنت حديث الثأر من حشو و لا إطالة، و لا سأم و لا ملالة، و أقسمت علي قارئيه و مستمعيه و علي كل ناظر فيه أن لا يخليني من إهداء الدعوات [إلي] و الاكثار من الترحم علي و أسأل الله أن يجعلني و إياهم ممن خلصت سريرته من وساوس الاوهام وصفت طويته من كدر الآثام و أن يباعدنا من الحسد المحبط للاعمال المؤدي إلي أقبح المال، و أن يحسن لي الخلافة علي الاهل و الآل، و يذهب الغل عن القلوب، و يوفق لمراضي علام الغيوب، فانه أسمع سميع، و أكرم مجيب، و الحمد لله رب العالمين و صلواته علي سيد المرسلين محمد و آله الطاهرين. [150] إيضاح: " الشعاف " رؤوس الجبال " و تنوق في الامر " بالغ و تجود.

قوله " قبل أن يتزعزع " كذا فيما عندنا من الكتاب بالزائين المعجمتين.

يقال " تزعزع " أي تحرك، و الزعازع الشدائد من الدهر، و لعل الاظهر أنه بالمهملتين من قولهم ترعرع الصبي إذا تحرك و نشأ، و يقال " تشعشع الشهر " إذا بقي منه قليل و هو أيضا يحتمل أن يكون بالمهملتين يقال " تسعسع الشهر " أي ذهب أكثره و تسعسع حاله انحطت، و تقول حنكت الفرس إذا جعلت في فيه الرسن و حنكت الصبي و حنكته إذا مضغت تمرا أو غيره ثم دلكته بحنكه، و يقال حنكته السن و أحنكته إذا أحكمته التجارب و الامور ذكره الجوهري، و قال: رجل مقول أي لسن كثير القول، و المقول اللسان انتهي.

" و الغرار " بالكسر حد السيف و غيره، و تقول استأديت الامير علي فلان فآداني عليه بمعني استعديته فأعداني عليه، و آديته أعنته، و يقال " عركه " أي دلكه و حكه حتي عفاه، و أرعد تهدد و توعد كأبرق، و شمس الفرس منع ظهره " و المغرم " بضم الميم الراء المولع بالشيء و الهوادي أول رعيل من الخيل، و يقال: جششت الشيء أي دققته و كسرته، و فرس أجش الصوت (أي) غليظه " و الهزيم " بمعني الهازم


" و هزيم الرعد " صوته، و القر أ الظهر، و فرس نهد أي جسيم مشرف، و فرس أشق طويل، و فرس مقلص بكسر اللام أي مشرف مشمر طويل القوائم، و قوله قاري اللجام لعل معناه جاذبه و مانعه عن الجري إلي العدو، و العدو، و الرؤم المحب و المعني محب الحرب الحريص عليه قوله: " بكل فتي " أي أتيتك مع كل فتي، و قوله: " لا يملا الدرع نحره " كناية عن عدم احتياجه إلي لبس الدرع لشجاعته، و يقال: حششت " النار أي " [151] أو قدتها، و المحش بكسر الميم ما تحرك به النار من حديد، و منه قيل للرجل الشجاع نعم محش الكتيبة، و المخراق: الرجل الحسن الجسم و المتصرف في الامور، و المنديل يلف ليضرب به و هو مخراق حرب أي صاحب حروب.

قوله: " يفخذ الناس " أي يدعوهم إلي نفسه فخذا فخذا و قبيلة قبيلة مخذلا عن سليمان، و اللدن اللين من كل شيء، و خطر الرجل بسيفه و رمحه: رفعه مرة و وضعه اخري، و الرمح اهتز فهو خطار، و هند السيف: شحذه، و البتر: القطع، و الميل: جمع أميل و هو الكسل الذي لا يحسن الركوب و الفروسية، و الاغمار: جمع غمر بالضم و هو الجاهل الغر الذي لم يجرب الامور.

و العزل: بالضم جمع الاعزل و هو الذي لا سلاح معه، و يقال: رأب الصدع إذا شعبه و رأب الشيء إذا جمعه و شده برفق، و سجم الدمع سجوما: سأل، و عين سجوم، و القرم: السيد، و لمع بالشيء: ذهب، و الرسل محركة: القطيع من كل شيء و الجمع إرسال، و الاقيال: جمع قيل، و هو أحد ملوك حمير دون الملك الاعظم.

و الخفرة: بكسر الفآء الكثيرة الحياء، و أغذ في السير: أسرع، و التهويم و التهوم: هز الرأس من النعاس، و قصعت الرجل قصعا صغرته و حقرته، و قصعت هامته إذا ضربتها ببسط كفك، و الهتر: بالكسر العجب و الداهية، و ضرب هبر أي قاطع، [و] يقال: حيا لله طللك أي شخصك، و الوغد: الدني الذي يخدم بطعام بطنه.

و قال الجزري: فيه كان شعارنايا منصور أمت أمر بالموت، و المراد به التفاؤل بالنصر بعد الامر بالاماتة مع حصول الغرض للشعار فانهم جعلوا هذه الكلمة علامة


بينهم يتعارفون لاجل ظلمة الليل انتهي.

و اللجين مصغر الفضة، و العسجد: الذهب، و أجفل القوم: هربوا مسرعين، أطل عليه: أشرف و إضم كعنب جبل، و الوادي الذي فيه مدينة الرسول صلي الله عليه و آله عند المدينة يسمي القناة، و من أعلا منها عند السد الشظاة ثم ما كان أسفل من ذلك يسمي إضما، و المأزق: المضيق، و منه سمي موضوع الحرب مأزقا، و البري: بالضم جمع برة، و هي حلقة من صفر تجعل في لحم أنف البعير، و المراس بالكسر: الشدة و الممارسة و المعالجة، و القوصرة: بالتشديد و قد يخفف: وعاء للتمر، و تمطرت الطير: أسرعت في هويها، و الخيل جاءت يسبق بعضها بعضا.

و الجحفل: الجيش، و يقال جيش لجب أي ذو جلبة و كثرة، [و] المطاولة: المماطلة، و الغبين: الضعيف الرأي، و جرن جرونا: تعود الامر و مرن، و الكمين: كأمير القوم يكمنون [ه] في الحرب، و الهزبر: الاسد و كذا القسور، و الحظل: الفاسد، المضطرب، و الوكل: بالتحريك العاجز، و النكل: الجبان، و الاروع من الرجال: الذي يعجبك حسنه، و النعكس: بالكسر الرجل الشعيف، و الطرماح: كسنمار العالي النسب المشهور، و الذكر: أيبس الحديد و أجوده، و المصاع: المجالدة [152] و المضاربة، و الثمل: السكران، و أصيب: السحاب و الانصباب، و العهاد: بالكسر جمع العهد و هو المطر بعد المطر، و الخازر: نهر بين الموصل و إربل، والحاجلة: الابل التي ضربت سوقها فمشت علي بعض قوائمها، و حجل الطائر: إذا نزا في مشيته كذلك، و الا عثر:، و طائر طويل العنق، و العثير: بكسر العين و سكون الثاء الغبار، و الصهوة موضع [153] اللبد من ظهر الفرس.

قوله: علي النسور أي الذين كانوا في الحرب كالنسور، و يحتمل أن يكون بالثاء المثلثة من النثر بمعني التفرق، و السيد: بالكسر الاسد و الذئب، و يقال قري البعير العلف في شدقه أي جمعه، و قري البلاد تتبعها يخرج من أرض إلي أرض، و القمرة: لون إلي الخضرة، و الكمي كغني [154] الشجاع، أو لابس السلاح و يقال: باحته الود أي خالصه.



پاورقي

[1] في البحار: برباء، و في خ: برياح.و ريا: الريح الطيبة.

[2] الشامس من الخيل: الذي استعصي علي راکبه و منع ظهره.

(مجمع البحرين ج 4 ص 80).

[3] جواسيها / خ.

[4] في البحار: و الترحال، و في خ / و الارتحال.

[5] في البحار: عن أبي بجير.

[6] تحلحل عن مکانه: تحرک و تزحزح.

[7] الخوضة / خ.

[8] في البحار: إذا.

[9] في البحار: تقاتلوا.

[10] لبد / خ.

[11] بترعرع / خ.

[12] قس الناطف: موضع قريب من الکوفة، علي شاطئ الفرات الشرقي، و به کان وقعة لهم علي الفرس.

و في الاصل: قيس الناطف، و هو تصحيف.

(مراصد الاطلاع ج 3 ص 1092).

[13] القرار / خ.

[14] واقصة: منزل بطريق مکة بعد القرعاء نحو مکة و قبل العقبة.(معجم البلدان ج 5 ص 354).

[15] في البحار: و هزان و ثعل و نبهان.

[16] في البحار: و ذبيان و في خ: زيبان.

[17] في خ: غيلان.

[18] في البحار: حريم.

[19] في البحار: إلي.

[20] في الاصل: إلي.

[21] في احدي النسخ: المسيب بن نجية الضرائري، و في الاخري: المسيب بن نجية الضراري.

[22] فاطر: 37.

[23] في الاصل: نجية.

[24] اليماني / خ.

[25] معلنا / خ.

[26] الوادعي / خ.

[27] النخيلة: تصغير نخلة، موضع قرب الکوفة علي سمت الشام (مراصد الاطلاع ج 3 ص 1366).

[28] في الاصل: عصين.

[29] اقتناس / خ، و اقساس بني مالک: قرية بالکوفة و کورة [يقال لها] أقساس مالک، منسوبة إلي مالک بن عبد هند بن لجم.

(مراصد الاطلاع ج 1 ص 104).

[30] منه / خ.

[31] و فعة / خ.

[32] في البحار: عبيد الله.

[33] نوکاها: احمقها.

[34] الکميت: لون بين السواد و الحمرة يکون في الخيل و الابل، يستوي فيه المذکر و المؤنث.(لسان العرب ج 2 ص 81).

[35] العيالا / خ.

[36] في البحار واحدي نسخ الاصل: قرقيسا، و في الاخري قرسيسا، و ما أثبتناه هو الارجح.قرقيسياء: بلد علي الخابور عند مصبه، و هي علي الفرات، جانب منها علي الخابور و جانب علي الفرات، فوق رحبة مالک بن طوق.(مراصد الاطلاع ج 3 ص 1080).

[37] هوم: نام قليلا، هز الرأس من النعاس.

[38] في البحار: ناجية.

[39] الرقة: مدينة مشهورة علي الفرات من جانبها الشرقي، في بلاد الشام.

(مراصد الاطلاع ج 2 ص 626).

[40] عرم: إتهم بما لم يجن.

[41] الحوب: الاثم.

[42] في البحار: مخرمة.

[43] قديما ارجو / خ.

[44] لديکا / خ.

[45] هيت: بالکسر، و آخره تاء مثناة، سميت بإسم بانيها، و هو هيت بن البندي.

و يقال البلندي: بلدة علي الفرات فوق الانبار (مراصد الاطلاع ج 3 ص 1468).

[46] في الاصل و البحار: هذا.

[47] هتر / خ.

[48] في الاصل: المخلين.

[49] البدنة: الناقة أو البقرة المسمنة.

[50] الرتاج: الباب العظيم، و قيل: هو الباب المغلق.(لسان العرب ج 2 ص 279).

[51] الهدي: هو ما يهدي إلي البيت الحرام من النعم لتنحر، فأطلق علي جميع الابل و إن لم تکن هديا.

(النهاية لا بن الاثير ج 5 ص 254).

[52] في نسختي الاصل: يبث.

[53] شبام: بکسر أوله: جبل عظيم بصنعاء.

(مراصد الاطلاع ج 2).

[54] و خص / خ.

[55] هکذا في البحار و نسختي الاصل.

[56] يخابوا / خ.

[57] إلي / خ.

[58] في احدي النسخ: الاستغفار، و في الاخري: الاستنقاذ و ما أثبتناه من البحار.

[59] يتعد / خ.و يقد: يقطع.

[60] اغتطبت و ان اقنعت / خ.

[61] في البحار: ارفع.

[62] الازود / خ.

[63] و تنقص / خ.

[64] أنفد / خ.

[65] الاقية / خ.

[66] هرادي القصب: أصفره و يابسه.

[67] في البحار: يا آل ثارات.

[68] في البحار: عبيد الله.

[69] نهد / خ.

ديرهند الصغري: بالحيرة، يقارب خطة بني عبد الله بن دارم بالکوفة، مما يلي الخندق.

و هند هذه بنت النعمان بن المنذر المعروفة بالحرقة.

(مراصد الاطلاع ج 2 ص 579).

[70] في احدي النسخ: بالثأر، و في الاخري: الثأر.

[71] في الاصل: الصياح.

[72] لا حملت / خ.

[73] شيث / خ.

[74] الحمام / خ.

[75] في البحار: فاووه.

[76] آية / خ.

[77] تضعوها / خ.

[78] المخلين / خ.

[79] الطالب / خ.

[80] في احدي النسخ: عربية و في الاخري: عرنية.

[81] عطار / خ.

[82] في الاصل: عميس.

[83] في الاصل: المختار.

[84] غيلان / خ.

[85] في الاصل: سعد.

[86] تکريت: بفتح التاء، و العامة تکسرها: بلد مشهور، بين بغداد و الموصل، و بينها و بين بغداد ثلاثون فرسخا في غربي دجلة، و لهقلعة حصينة أحد جوانبها دجلة.(مراصد الاطلاع ج 1 ص 268).

[87] في احدي النسخ: يأتل و في الاخري: يأتلي، و بافکي: ناحية بالموصل في أرض نينوي (مراصد الاطلاع ج 1 ص 155).

[88] مدنف: براه المرض حتي أشفي علي الموت (لسان العرب ج 9 ص 107).

[89] خطائي / خ.

[90] حمام أعين: بتشديد الميم: موضع بالکوفة، منسوب إلي أعين مولي سعد بن أبي وقاص (مراصد الاطلاع ج 1 ص 423 ".

[91] ساباط: (ساباط کسري) قرية کانت قريبا من المدائن (مراصد الاطلاع ج 2 ص 680).

[92] بالسير / خ.

[93] في البحار: البري.

[94] التسويف: المطل.

[95] يقي / خ.

[96] في البحار: الفرقتين.

[97] الکناسة: بالضم: محلة بالکوفة مشهورة (مراصد الاطلاع ج 3 ص 1180).

[98] إلي اليمن: أي إلي القبائل اليمنية القاطنة في الکوفة.

[99] جبانة: بالفتح، ثم التشديد.

و الجبال في الاصل: الصحراء.

و أهل الکوفة يسمون المقبرة جبانة.

و بالکوفة محال تسمي بها: فمنها " جبانة السبيع " (مراصد الاطلاع ج 1 ص 310).

[100] في الاصل: الکلبانية و هو تصحيف و الصحيح " الکلتاني " قرية ما بين السوس و الصيمرة، و بها قتل شمر بن ذي الجوشن المشارک في قتل الحسين عليه السلام.(مراصد الاطلاع ج 3 ص 1174).

[101] العلج: بالکسر فالسکون: الرجل الضخم من کفار العجم، و بعضهم يطلقه علي الکفار مطلقا.(مجمع البحرين ج 2 ص 319).

[102] فرأي / خ.

[103] في الاصل: عن.

[104] خلا / خ.

[105] النعار / خ.

[106] في الاصل: العيوق.

و ما أثبتناه هو الارجح (راجع تأريخ الطبري ج 4 ص 531).

[107] في الاصل: ناحية.

[108] أللهم أذقه حر النار ثلاثة / خ.

[109] التحريم / خ.

[110] في الاصل: متصيدا.

[111] في البحار: الهشيم.

[112] في خ: ينزو: و هي بمعني ينزف.

[113] الصالحين / خ.

[114] فأخذ / خ.

[115] ظاهره / خ.

[116] في الاصل: يهمز.

[117] الطيلسان: ثوب يحيط بالبدن ينسج للبس خال عن التفصيل و الخياطة، و هو من لباس العجم.(مجمع البحرين ج 4 / 82).

[118] نحل / خ.

[119] في البحار: الرجفا.

[120] نهر الخازر: نهر بين إربل و الموصل.

(مراصد الاطلاع ج 1).

[121] الغلس: الظلمة.

[122] الغنوي / خ.

[123] في الاصل: اردي.

[124] جرن: تمرن عليه.

[125] تجربا / خ.

[126] به / خ.

[127] المکر / خ.

[128] حزيم / خ.

[129] القسور: القوي الشجاع.

[130] المخلين / خ.

[131] في احدي النسخ: التبارک، و في الاخري: البتاز،.

[132] تجلي / خ.

[133] في الاصل: و رحوا.

[134] کصيب العهاد: أول مطر الربيع.

[135] شراحيل بن ذي الکلاغ / خ.

[136] الغبر / خ، و العثير: الغبار.

[137] الفجاج الطريق الواسع بين جبلين.

[138] السيد: الذئب، الاسد.

[139] غرانين القوم: سادتهم و أشرافهم.

[140] / خ.

[141] في البحار: سر حليل.

[142] ماضي: قاطع، و الشفرة: حد السيف.

[143] في البحار: ناحية.

[144] قبلا / خ.

[145] في البحار: فلما.

[146] في البحر: شبة.

[147] عمرو / خ.

[148] المرود: الميل الذي يکتحل به.

(النهاية لا بن الاثير ج 4 / 321).

[149] لائح: ظاهر.

[150] البحار: 45 / 346.

[151] التي / خ.

[152] المجادلة / خ.

[153] في الاصل: مع.

[154] الغني / خ.