بازگشت

فيما وقع من خروج أهل البيت من الكوفة إلي الشام و منه إلي المدينة


1 - أمالي الصدوق: في حديث أبي نعيم، عن حاجب [1] عبيد الله بن زياد لعنه الله المتقدم صدره في الباب المتقدم، قال: - بعد ما ذكرنا عنه في الباب السابق - فأمر ابن زياد بردهم إلي السجن و بعث البشائر إلي النواحي بقتل الحسين عليه السلام، ثم أمر بالسبايا و رأس الحسين عليه السلام فحملوا إلي الشام، فلقد حدثني جماعة كانوا خرجوا في تلك الصحبة أنهم كانوا يسمعون بالليالي نوح الجن علي الحسين عليه السلام إلي الصباح، و قالوا: فلما دخلنا دمشق ادخل بالنساء و السبايا بالنهار مكشقات الوجوه، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء، فمن أنتم؟ فقالت سكينة ابنة الحسين عليه السلام: نحن سبايا (من) آل محمد صلي الله عليه و آله، فأقيموا علي درج المسجد حيث يقام السبايا


و فيهم علي بن الحسين عليهما السلام و هو يومئذ فتي شاب، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم: الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم، و قطع قرن الفتنة، فلم يأل عن شتمهم، فلما انقضي كلامه.

قال له علي بن الحسين عليها السلام: أما قرأت كتاب الله عز و جل؟ قال: نعم، قال (له): أما قرأت هذه الآية: " قل لا اسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي [2] "؟ قال: بلي، قال: فنحن أولئك، ثم قال: أما قرأت " و آت ذا القربي حقه " [3] ؟ قال: بلي، قال: فنحن هم، (قال:) فهل قرأت هذه الآية " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا " [4] ؟ قال: بلي، قال: فنحن هم، فرفع الشامي يده إلي السماء، ثم قال: أللهم إني أتوب إليك - ثلاث مرات - أللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد صلي الله عليه و آله و من قتلة أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم.

ثم ادخل نساء الحسين عليه السلام علي يزيد بن معاوية، فصحن نساء آل يزيد و بنات معاوية و أهله، و ولولن و أقمن المآتم، و وضع رأس الحسين عليه السلام، بين يديه، فقالت سكينة: (و الله) ما رأيت أقسي قلبا من يزيد، و لا رأيت كافرا و لا مشركا شرا منه، و لا أجفي منه، و أقبل يقول و ينظر إلي الرأس: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل ثم أمر برأس الحسين عليه السلام فنصب علي باب مسجد دمشق، فروي عن فاطمة بنت علي عليهما السلام أنها قالت: لما اجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رق لنا [5] أول شيء و ألطفنا، ثم إن رجلا من أهل الشام أحمر قام إليه، فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية، يعنيني، [6] و كنت جارية وضيئة، فارعبت و فزعت [7] و ظننت أنه يفعل ذلك، فأخذت بثياب اختي و هي أكبر مني و أعقل، فقالت: كذبت و الله و لعنت، ما ذاك لك و لانه، فغضب يزيد و قال: بل كذبت و الله لو شئت لفعلته، قالت: لا و الله


ما جعل الله ذلك له إلا أن تخرج من ملتنا، و تدين بغير ديننا، فغضب يزيد، ثم قال: إياي تستقبلين بهذا؟ إنما خرج من الدين أبوك و أخوك، فقالت: بدين الله و (ب) دين أبي وأخي وجدي اهتديت أنت وجدك و أبوك، قال: كذبت يا عدوة الله، قالت: أمير يشتم ظالما و يقهر بسلطانه؟ قالت: فكأنه لعنه الله استحيا فسكت، فأعاد الشامي، فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية، فقال له: اعزب! وهب الله لك حتفا قاضيا [8] توضيح [9] : قال علي بن إبراهيم في تفسير " ذلك و من عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله " [10] ، فهو رسول الله صلي الله عليه و آله لما أخرجته قريش من مكة، و هرب منهم إلي الغار، و طلبوه ليقتلوه، فعاقبهم الله يوم بدر، و قتل عتبة، و شيبة، و الوليد، و أبو جهل، و حنظلة بن أبي سفيان و غيرهم، فلما قبض رسول الله صلي الله عليه و آله طلب بدمائهم فقتل الحسين عليه السلام و آل محمد صلي الله عليه و آله بغيا و عدوانا، و هو قول يزيد حين تمثل بهذا الشعر: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع [11] الخزرج من وقع الاسل [لاهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل] [12] لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل و كذاك الشيخ أوصاني به فاتبعت الشيخ فيما قد سأل [قد قتلنا القرم من ساداتهم و عدلناه ببدر فاعتدل] [13] و قال الشاعر في مثل ذلك شعر: يقول و الرأس مطروح يقلبه يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر حتي يقيسوا قياسا لا يقاس به أيام بدر و كان الوزن بالقدر فقال الله تعالي: " و من عاقب " يعني رسول الله صلي الله عليه و آله " بمثل ما عوقب


به " [يعني] حين [14] أرادوا أن يقتلوه " ثم بغي عليه لينصرنه الله " [يعني] بالقائم عليه السلام من ولده [15] انتهي.

و قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في جملة أبيات ذكرها عن ابن الزبعري أنه قالها لوصف يوم احد: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل حين حطت بقباء [16] بركها و استحر [17] القتل في عبد الاشل ثم قال: كثير من الناس يعتقدون أن هذا البيت ليزيد بن معاوية، و قال من أكره التصريح باسمه: هذا البيت ليزيد، فقلت له: إنما قال [ه] يزيد متمثلا لما حمل إليه رأس الحسين عليه السلام، و هو لا بن الزبعري، فلم تسكن نفسه إلي ذلك، حتي أو ضحته له، فقلت: ألا تراه قال: " جزع الخزرج من وقع الاسل " و الحسين عليه السلام لم تحارب عنه الخزرج، و كان يليق أن يقول: " جزع بني هاشم من وقع الاسل "، فقال بعض من كان حاضرا: لعله قال [ه] يوم الحرة، فقلت: المنقول أنه أنشده لما حمل إليه رأس الحسين عليه السلام، و المنقول أنه شعر ابن الزبعري و لا يجوز أن يترك المنقول إلي ما ليس بمنقول [18] .

2 - الخرائج و الجرائح: أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء، عن محمد بن عبد الله ابن عمر الخاني، عن أبي القاسم بكراد [19] بن الطيب بن شمعون، عن أبي بكر بن أحمد ابن يعقوب، عن أحمد بن عبد الرحمن، عن سعد، عن الحسن بن عمر، عن سليمان بن مهران الاعمش، قال: بينما أنا في الطواف بالموسم إذ رأيت رجلا يدعو و هو يقول: أللهم اغفر لي و أنا أعلم أنك لا تغفر [20] ، قال: فارتعدت [21] لذلك و دنوت منه و قلت: يا هذا أنت في حرم الله حرم رسوله، و هذه أيام حرم في شهر عظيم، فلم تيأس من المغفرة؟ قال: يا هذا ذنبي عظيم، قلت: أعظم من جبل تهامة؟ قال: نعم، قلت: يوازن الجبال


الرواسي؟ قال: نعم، فإن شئت أخبرتك، قلت: أخبرني، قال: أخرج بنا عن الحرم، فخرجنا منه.

فقال لي: أنا أحد من كان في العسكر الميشوم عسكر عمر بن سعد لعنه الله حين قتل الحسين عليه السلام، و كنت أحد الاربعين الذين حملوا الرأس إلي يزيد من الكوفة، فلما حملناه علي طريق الشام نزلنا علي دير النصاري، و كان الرأس معنا مركوزا علي رمح، و معه الاحراس، فوضعنا الطعام و جلسنا لنأكل، فإذا بكف في حائط الدير تكتب: أترجو امة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب قال: فجزعنا من ذلك جزعا شديدا، و أهوي بعضنا إلي الكف ليأخذها فغابت، ثم عاد أصحابي إلي الطعام، فإذا الكف قد عادت تكتب: فلا و الله ليس لهم شفيع و هم يوم القيامة في العذاب فقام أصحابنا إليها فغابت ثم عادوا إلي الطعام، فعادت تكتب: و قد قتلوا الحسين بحكم جور و خالف حكمهم حكم الكتاب فامتنعت من [22] الطعام و ما هنأني أكله، ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأي نورا ساطعا من فوق الرأس، فأشرف فرأي عسكرا، فقال الراهب للحراس: من أين جئتم؟ قالوا: من العراق، حاربنا الحسين - عليه السلام -، فقال الراهب: ابن فاطمة بنت نبيكم و ابن ابن عم نبيكم؟ قالوا: نعم، قال: تبالكم، و الله لو كان لعيسي بن مريم ابن لحملناه علي أحداقنا، و لكن لي إليكم حاجة، قالوا: و ما هي؟ قال: قولوا لرئيسكم: عندي عشرة آلاف دينار [23] ورثتها من آبائي [ل] يأخذها مني و يعطيني الرأس يكون عندي إلي وقت الرحيل، فإذا رحل رددته إليه، فأخبروا عمر بن سعد بذلك، فقال: خذوا منه الدنانير و أعطوه إلي وقت الرحيل فجاءوا إلي الراهب، فقالوا: هات المال حتي نعطيك الرأس، فأدلي إليهم جرابين، في كل جراب خمسة آلاف


دينار [24] ، فدعا عمر بالناقد و الوزان، فانتقدها و وزنها و دفعها إلي خازن له [25] ، و أمر أن يعطي الرأس.

فأخذ الراهب الرأس، فغسله و نظفه و حشاه بمسك و كافور كان عنده، ثم جعله في حريرة و وضعه في حجره، و لم يزل ينوح و يبكي حتي نادوه و طلبوا منه الرأس، فقال: يا رأس و الله لا أملك إلا نفسي، فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك محمد أني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله، أسلمت علي يديك و أنا مولاك، و قال لهم: إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة و أعطيه الرأس، فدنا [26] عمر بن سعد (منه) فقال: سألتك بالله و بحق محمد أن لا تعود إلي ما كنت تفعله بهذا الرأس و لا تخرج هذا الرأس من هذا الصندوق، فقال له: أفعل فأعطاه [27] الرأس و نزل من الدير يلحق ببعض الجبال يعبد الله.

و مضي عمر بن سعد ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الاول، فلما دنا من دمشق قال لاصحابه: أنزلوا و طلب من خازنه [28] الجرابين فاحضرا [29] بين يديه، فنظر إلي خاتمه، ثم أمر بفتحهما [30] ، فإذا الدنانير قد تحولت خزفة فنظروا في سكتها فإذا علي جانبها مكتوب " و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون " [31] و علي الجانب [32] الآخر [مكتوب] " و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " [33] فقال: إنا لله و إنا إليه راجعون، خسرت الدنيا و الآخرة.

ثم قال لغلمانه: اطرحوها في النهر فطرحت و رحل [34] إلي دمشق من الغد، و ادخل الرأس إلي يزيد و ابتدر قاتل الحسين عليه السلام إلي يزيد فقال: املا ركابي فضة و ذهبا إني قتلت الملك المحجبا


قتلت خير الناس اما و أبا فأمر يزيد بقتله، و قال: إن علمت أن حسينا [35] خير الناس اما و أبا فلم قتلته؟ فجعل الرأس في طست و هو ينظر إلي أسنانه (و هو) يقول: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل فأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا [36] يا يزيد لا تشل و جزيناهم ببدر مثلها و بأحد يوم احد فاعتدل لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل فدخل عليه زيد بن أرقم ورأي الرأس في الطست و هو يضرب بالقضيب علي أسنانه، فقال: كف عن ثناياه، فطالما رأيت النبي صلي الله عليه و آله يقبلها، فقال يزيد: لو لا أنك شيخ كبير خرفت لقتلتك، و دخل عليه رأس اليهود فقال: ما هذا الرأس؟، فقال: رأس خارجي، قال: و من هو؟ قال: الحسين قال: ابن من؟ قال: ابن علي، قال: و من أمه؟ قال: فاطمة، قال: و من فاطمة؟، قال: بنت محمد قال: نبيكم؟ قال: نعم، قال: لا جزاكم الله خيرا، بالامس كان نبيكم و اليوم قتلتم ابن بنته، ويحك إن بيني و بين داود النبي نيفا و ثلاثين أبا، فإذا رأتني اليهود كفرت إلي، ثم مال إلي الطست و قبل الرأس و قال: أشهد أن لا إله إلا الله و أن جدك محمدا رسول الله و خرج فأمر يزيد بقتله.

و أمر فادخل الرأس القبة التي بإزاء القبة [37] التي يشرب فيها، و وكلنا بالرأس، و كل ذلك كان في قلبي فلم يحملني النوم في تلك القبة [38] ، فلما دخل الليل وكلنا أيضا بالرأس، فلما مضي وهن من الليل سمعت دويا من السماء، فإذا مناد ينادي: يا آدم اهبط، فهبط أبو البشر و معه [خلق] كثير من الملائكة، ثم سمعت مناديا ينادي [39] : يا


إبراهيم اهبط، فهبط و معه (خلق) كثير من الملائكة، ثم سمعت مناديا ينادي: يا موسي اهبط، فهبط و معه كثير من الملائكة، ثم سمعت مناد ينادي: يا عيسي اهبط، فهبط و معه كثير من الملائكة، ثم سمعت دويا عظيما و مناد ينادي: يا محمد اهبط فهبط و معه خلق كثير من الملائكة، فأحدق الملائكة بالقبة.

ثم إن النبي صلي الله عليه و آله دخل القبة و أخذ الرأس منها - و في رواية أن محمدا قعد تحت الرأس، فانحني الرمح و وقع الرأس في حجر رسول الله صلي الله عليه و آله - فأخذه و جاء به إلي آدم، فقال: يا أبي آدم ما تري ما فعلت أمتي بولدي من بعدي؟ فاقشعر لذلك جلدي، ثم قام جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمد أنا صاحب الزلزال [40] ، فأمرني لازلزل بهم الارض، و أصيح بهم صيحة واحدة يهلكون فيها، فقال: لا، فقال: يا محمد دعني و هؤلاء الاربعين الموكلين بالرأس، قال: فدونك، فجعل ينفخ بواحد واحد [41] فدنا مني، فقال: تسمع و تري، فقال النبي صلي الله عليه و آله دعوه دعوه لا يغفر الله له، فتركني و أخذوا الرأس و ولوا، فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر، و لحق عمر بن سعد بالري، فما لحق بسلطانه و محق الله عمره، فاهلك في الطريق.

فقال سليمان الاعمش [42] : قلت للرجل تنح عني لا تحرقني بنارك، و وليت و لا أدري بعد ذلك ما خبره [43] .

توضيح: التكفير أن يخضع الانسان لغيره كما يكفر العلج للدهاقين، يضع يده علي صدره و يتطأمن له، و الوهن نحو نصف من الليل، قوله: " تسمع وتري " كأنه كلام علي سبيل التهديد، أي وقفت ههنا و تنظر و تسمع؟ أو المعني أنك كنت في العسكر و إن لم تفعل شيئا فكنت تسمع و اعيتهم وتري ما يفعل بهم.

3 - الاحتجاج: روي شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم و غيره من الناس أنه لما دخل علي بن الحسين عليهما السلام و حرمه علي يزيد لعنه الله، جئ [44] برأس الحسين


عليه السلام و وضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده و هو يقول: [لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل] [45] ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل لاهلوا و استهلوا فرحا و لقالوا يا يزيد لا تشل فجزيناهم [46] ببدر مثلها و أقمنا مثل بدر فاعتدل لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل فقامت [إليه] زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام و امها فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و قالت: الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي جدي سيد المرسلين، صدق الله سبحانه كذلك يقول: " ثم كان عاقبة الذين اساؤا السوأي ان كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزؤن ". [47] .

أ ظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الارض، و ضيقت علينا آفاق السماء فأصبحنا لك في إسار، نساق إليك سوقا في قطار، و أنت علينا ذو اقتدار، أن بنا من الله هوانا، و عليك منه كرامة و امتنانا؟ و أن ذلك لعظم خطرك، و جلالة قدرك، فشمخت بأنفك، و نظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحا، و تنفض مذر ويك مرحا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، و الامور لديك [48] متسقة، و حين صفي لك ملكنا، و خلص لك سلطاننا، فمهلا مهلا لا تطش جهلا، أنسيت قول الله عز و جل: " و لا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إنما و لهم عذاب مهين ". [49] .

أمن العدل يا ابن الطلقاء نخديرك حرائرك [و إمائك] ، و سوقك بنات رسول


الله صلي الله عليه و آله سبايا؟ قد هتكت ستورهن، و أبديت وجوههن، يحدوبهن الاعداء من بلد إلي بلد، و يستشرفهن أهل المناقل، و يبرزن لاهل المناهل، و يتصفح وجوههن القريب و البعيد، و الغائب و الشهيد، و الشريف و الوضيع، و الدني و الرفيع، ليس معهن من رجالهن ولي، و لا من حماتهن حمي، عتوا منك علي الله، و جحودا لرسول الله صلي الله عليه و آله، و دفعا لما جاء به من عند الله.

و لا غر و منك، و لا عجب من فعلك، وأني يرتجي مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء، و نبت لحمه بدماء اسعداء، و نصب الحرب لسيد الانبياء، و جمع الاحزاب، و شهر الحراب، وهز السيوف في وجه رسول الله صلي الله عليه و آله، أشد العرب لله جحودا، و أنكرهم له رسولا، و أظهرهم له عدوانا، و أعتاهم علي الرب كفرا و طغيانا.

ألا إنها نتيجة [50] خلال الكفر، و ضب يجرجر في الصدر لقتلي يوم بدر، فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفا و شنآنا و احنا و أضغانا، يظهر [51] كفره برسوله، و يفصح ذلك بلسانه، و هو يقول فرحا بقتل ولده، و سبي ذريته متحوب و لا مستعظم: لاهلوا و استهلوا فرحا و لقالوا يا يزيد لا تشل منحنيا [52] علي ثنايا أبي عبد الله عليه السلام - و كان مقبل رسول الله صلي الله عليه و آله ينكتها بمخصرته، قد التمع السرور بوجهه، لعمري لقد نكأت [53] القرحة، و استأصلت الشأفة بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة، و ابن يعسوب العرب، و شمس آل عبد المطلب، و هتفت بأشياخك، و تقربت بدمه إلي الكفرة من أسلافك، ثم صرخت [54] بندائك، و لعمري قد ناديتهم لو شهدوك و وشيكا تشهدهم، و يشهدوك و لتؤد يمينك كما زعمت شلت بك عن مرفقها [وجدت] ، و أحببت امك لم تحملك، و أباك لم يلدك، [55] حين تصير إلي سخط الله و مخاصمك و مخاصم أبيك رسول الله صلي الله عليه و آله.


أللهم خذبحقنا، و انتقم من ظالمنا، و احلل عضبك بمن [56] سفك (من) دمائنا، و نقض ذمامنا [57] ، و قتل حماتنا، و هتك عنا سدولنا.

و فعلت فعلتك التي فعلت، و ما فريت إلا جلدك، و ما جززت إلا لحمك، و سترد علي رسول الله صلي الله عليه و آله بما تحملت من [دم] ذريته، و انتهكت من حرمته، و سفكت من دماء عترته و لحمته، حيث يجمع به شملهم، ويلم به شعثهم، و ينتقم من ظالمهم، و يأخذ لهم بحقهم من أعدائهم، فلا يستفزنك الفرح بقتله [58] ، " و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله " [59] ، و حسبك بالله وليا و حاكما، و برسول الله خصيما، و بجبرئيل ظهيرا، و سيعلم من بوأك و مكنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلا، و أنكم [60] شر مكانا و أضل سبيلا.

و ما استصغاري قدرك، و لا استعظامي تقريعك، توهما لانتجاع الخطاب فيك، بعد أن تركت عيون المسلمين به عبري، و صدورهم عند ذكره حري، فتلك قلوب قاسية، و نفوس طاغية، و أجسام محشوة بسخط الله و لعنة الرسول، قد عشش فيه الشيطان و فرخ، و من هناك مثلك ما درج و نهض، فالعجب كل العجب لقتل الاتقياء، و أسباط الانبياء، و سليل الاوصياء، بأيدي الطلقاء الخبيثة، و نسل العهرة الفجرة، تنطف أكفهم من دمائنا، و تتحلب أفواههم من لحومنا، و للجثث [61] الزاكية علي الجبوب [62] الضاحية، تنتابها العواسل، و تعفرها [أمهات] الفراعل [63] فلئن اتخذتنا مغنما، لتجدبنا [64] وشيكا مغرما حين لا تجد إلا ما قدمت يداك و ما الله بظلام للعبيد، و إلي الله المشتكي و المعول، و إليه الملجأ و المؤمل.

ثم كد كيدك و اجهد جهدك فو [الله] الذي شرفنا بالوحي و الكتاب،


و النبوة و الانتجاب [65] ، لا تدرك أمدنا، و لا تبلغ غايتنا، و لا تمحو ذكرنا، و لا يرحض عنك عارنا، و هل رأيك إلا فند، و أيامك إلا عدد، و جمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعن (الله) الظالم العادي.

و الحمد لله الذي حكم لاوليائه بالسعادة، و ختم لاصفيائه [66] ببلوغ الارادة [67] ، نقلهم إلي الرحمة و الرأفة، و الرضوان و المغفرة، و لم يشق بهم غيرك، و لا ابتلي بهم سواك، و نسأله أن يكمل لهم الاجر، و يجزل لهم الثواب و الذخر، و سأله حسن الخلافة، و جميل الانابة، إنه رحيم ودود.

يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون الموت علي النوائح ثم أمر بردهم [68] .

توضيح: قال الجزري: في حديث الحسن " يضرب أسدريه " أي عطفيه و منكبيه يضرب بيده عليهما، و روي بالزاء و الصاد بدل السين بمعني واحد، و هذه الاحرف الثلاثة تتعاقب مع الدال، و قال في باب الصاد: في حديث الحسن " يضرب أصدريه " أي منكبيه، و قال في باب الميم و الذال: في حديث الحسن " ما تشاء أن تري أحدهم ينفض مذرويه " المذروان جانبا الاليتين و لا واحد لهما، و قيل: هما طرفا كل شيء، و أراد بهما الحسن فرعي المنكبين، يقال: جاء فلان ينفض مذرويه، إذا جاء باغيا يتهدد، و كذلك إذا جاء فارغا في شغل و الميم زائدة.

و قال الفيروزآبادي: الاصدران عرقان تحت الصدغين، و جاء يضرب أصدريه أي فارغا، و قال في المذروين: بكسر الميم نحوا مما مر.

و يقال: " لا غرو " أي ليس بعجب، و الضب الحقد الكامن في الصدر، و في بعض النسخ مكان " شنفا و شنآنا " " سيفا وسنانا "، و فلان يتحوب من كذا أي يتأثم، و التحوب أيضا التوجع و التحزن، و السديل ما اسبل علي الهودج، و الجمع


السدول.

قولها رضي الله عنها: " فتلك " إشارة إلي أعوانه و أنصاره، و في بعض النسخ " قبلك " بكسر القاف و فتح الباء أي عندك أو بفتح القاف و سكون الباء إشارة إلي آبائه لعنهم الله.

قولها: " ما درج " كلمة ما زائدة كما في قوله تعالي: " فبما رحمة من الله " [69] أي بإعانة هؤلاء درجت و مشيت و قمت، أو في حجور هؤلاء الاشقياء ربيت، و منهم تفرعت، و الجبوب بضم الجيم و الباء الارض الغليظة، و يقال: وجه الارض، و في بعض النسخ بالنون فعلي الاول الضاحية من قولهم: مكان ضاح أي بارز، و علي الثاني من قولهم: ضحيت للشمس أي برزت، و إنما أوردت بعض الروايات مكررا لكثرة اختلافها.

4 - الاحتجاج: روي ثقات الرواة و عدولهم (أنه) لما ادخل علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في جملة من حمل إلي الشام سبايا من أولاد الحسين بن علي عليهم السلام و أهاليه علي يزيد لعنه الله، قال له: يا علي الحمد لله الذي قتل أباك، قال [علي] عليه السلام: قتل أبي الناس، قال يزيد: الحمد لله الذي قتله فكفانيه، قال (علي) عليه السلام: علي من قتل أبي لعنة الله، أ فتراني لعنت الله عز و جل؟ قال يزيد: يا علي اصعد المنبر فأعلم الناس حال الفتنة، و ما رزق الله أمير المؤمنين من الظفر! فقال علي ابن الحسين عليهما السلام: ما أعرفني بما تريد، فصعد المنبر فحمد الله و أثني عليه وصلي علي رسول الله صلي الله عليه و آله، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا ابن مكة و مني، أنا ابن المروة و الصفا، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن من لا يخفي، أنا ابن من علا فاستعلي، فجاز سدرة المنتهي، و كان من ربه مكان قاب قوسين أو أدني.

فضج أهل الشام بالبكاء حتي خشي يزيد أن يرجل من مقعده، فقال للمؤذن: أذن، فلما قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، جلس علي بن الحسين عليهما السلام علي


المنبر، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله (و) أشهد أن محمدا رسول الله، بكي علي بن الحسين عليهما السلام، ثم التفت إلي يزيد فقال: يا يزيد هذا أبوك أم أبي؟ قال: بل أبوك، فانزل.

فنزل فأخذ [ب] ناحية المسجد، فلقيه مكحول صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله فقال له: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟ قال: أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبنائهم و يستحيون نسائهم، و في ذلكم بلاء من ربكم عظيم.

فلما انصرف يزيد إلي منزله دعا بعلي بن الحسين عليهما السلام و قال: يا علي أ تصارع ابني خالدا؟ قال عليه السلام: [و] ما تصنع بمصارعتي إياه؟ أعطني سكينا و أعطه سكينا، فليقتل أقوانا أضعفنا، فضمه يزيد إلي صدره، ثم قال: لا تلد الحية إلا الحية، أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب.

ثم قال له علي بن الحسين عليهما السلام: يا يزيد بلغني أنك تريد قتلي، فإن كنت لابد قاتلي، فوجه مع هؤلاء النسوة من يردهن [70] إلي حرم رسول الله صلي الله عليه و آله.

فقال له يزيد لعنه الله: لا يردهن [71] غيرك، لعن الله ابن مرجانة، فو الله ما أمرته بقتل أبيك، و لو كنت متوليا لقتاله ما قتلتة، ثم أحسن جائزته، و حمله و النساء إلي المدينة [72] .

5 - الاحتجاج: عن ديلم بن عمر قال: كنت بالشام حتي اتي بسبايا آل محمد صلي الله عليه و آله فأقيموا علي باب المسجد حيث تقام السبايا، و فيهم علي بن الحسين عليهما السلام فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام، فقال: الحمد لله الذي قتلكم، و أهلككم، و قطع قرن [73] الفتنة، و لم يأل عن [74] سبهم و شتمهم، فلما انقضي كلامه.

قال له علي بن الحسين عليهما السلام: إني قد أنصت لك حتي فرغت من منطقك، و أظهرت ما في نفسك من العدواة و البغضاء، فأنصت لي كما أنصت لك، فقال له، هات، قال علي عليه السلام: أما قرأت كتاب الله عز و جل؟ فقال: نعم، قال [له] : اما قرأت هذه


الآية " قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربي " [75] ؟ قال: بلي، فقال له علي عليه السلام: فنحن أولئك، فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقا خاصة دون المسلمين؟ فقال: لا، قال علي بن الحسين عليهما السلام: أما قرأت هذه الآية " و آت ذا القربي حقه " [76] ؟ قال: نعم قال علي بن الحسين عليهما السلام: فنحن أولئك الذين أمر الله عز و جل نبيه أن يؤتيهم حقهم، فقال الشامي: إنكم لانتم هم؟ فقال علي عليه السلام: نعم، فهل قرأت هذه الآية " و اعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه و للرسول و لذي القربي " [77] ؟ فقال له الشامي: نعم، [78] فقال علي عليه السلام: فنحن ذو القربي، فهل تجد لنا في سورة الاحزاب حقا خاصة دون المسلمين؟ فقال: لا (و الله)، قال علي عليه السلام: أما قرأت هذه الآية " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا "؟ [79] قال: فرفع الشامي يده إلي السماء، ثم قال: أللهم إني أتوب إليك ثلاث مرات، أللهم إني أتوب إليك من عدواة آل محمد، و من قتل أهل بيت محمد [80] صلي الله عليه و آله، و لقد قرأت القرآن منذ دهر فما شعرت بها قبل اليوم.

[81] .

6 - المناقب لا بن شهرآشوب: في كتاب الاحمر قال الاوزاعي: لما اتي بعلي ابن الحسين عليهما السلام و رأس أبيه إلي يزيد بالشام، قال لخطيب بليغ: خذبيد هذا الغلام فأت به [إلي] المنبر و أخبر الناس بسوء رأي أبيه وجده و فراقهم الحق، و بغيهم علينا، قال: فلم يدع شيئا من المساوي إلا ذكره فيهم، فلما نزل قام علي بن الحسين عليهما السلام، فحمد لله بمحامد شريفة وصلي علي النبي صلاة بليغة موجزة، ثم قال: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا اعرفه نفسي، أنا ابن مكة و مني، أنا ابن مروة [82] و الصفا، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن من لا يخفي، أنا ابن من علا فاستعلي، فجاز سدرة المنتهي، و كان من ربه كقاب قوسين أو أدني، أنا ابن


من صلي بملائكة السماء مثني مثني، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلي المسجد الاقصي، أنا ابن علي المرتضي، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبري، أنا ابن المقتول ظلما، أنا ابن المجزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتي قضي، أنا ابن طريح كربلا، أنا ابن مسلوب العمامة و الرداء، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن من ناحت عليه الجن في الارض و الطير في الهواء، أنا ابن من رأسه علي السنان يهدي، أنا ابن من حرمه من العراق إلي الشام تسبي.

أيها الناس إن الله تعالي و له الحمد ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن، حيث جعل راية الهدي و العدل و التقي فينا، و جعل راية الضلال و الردي في غيرنا، فضلنا أهل البيت بست خصال: فضلنا بالعلم، و الحلم، و الشجاعة، و السماحة، و المحبة، و المحلة في قلوب المؤمنين، و آتانا ما لم يؤت أحدا من العالمين من قبلنا، فينا مختلف الملائكة و تنزيل الكتب [83] .

قال: فلم يفرغ حتي قال المؤذن: الله أكبر، فقال علي عليه السلام؟ نعم لا شئ أكبر من الله [84] فقال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال علي عليه السلام: أشهد بما تشهد به، فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله، قال علي عليه السلام: يا يزيد هذا جدي أو جدك؟ فإن قلت جدك فقد كذبت، و إن قلت جدي فلم قتلت أبي و سبيت حرمه و سبيتني؟ ثم قال: معاشر الناس هل فيكم من أبوه وجده رسول الله صلي الله عليه و آله؟ فعلت الاصوات بالبكاء، فقام إليه رجل من شيعته يقال له المنهال بن عمرو الطائي، و في رواية: مكحول صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله، فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ فقال: ويحك كيف أمسيت؟ أمسينا [85] فيكم كهيئة بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم، و يستحيون نساءهم، الآية [86] ، و أمست العرب تفتخر علي العجم بأن محمدا صلي الله عليه و آله منها، و أمست قريش تفتخر علي العرب بأن محمدا صلي الله عليه و آله منها، و أمسي آل


محمد صلي الله عليه و آله مقهورين مخذولين، فإلي الله نشكو كثرة عدونا، و تفرق ذات بيننا، و تظاهر الاعداء علينا [87] .

كتاب النسب: عن يحيي بن الحسن، قال يزيد لعلي بن الحسين عليهما السلام: وا عجبا لابيك سمي عليا و عليا! فقال: إن أبي أحب أباه فسمي باسمه مرارا.

تأريخي الطبري و البلاذري: إن يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسين عليهما السلام: أ تصارع هذا؟ يعني خالدا ابنه، قال: و ما تصنع بمصارعتي إياه؟ أعطني سكينا و أعطه سكينا، ثم اقاتله، فقال يزيد: " شنشنة أعرفها من أخزم " [88] .

هذا العصا من العصية [89] هل تلد الحية إلا الحية و في كتاب الاحمر قال: أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب.

و روي أنه قال لزينب عليها السلام: تكلمي، فقالت: هو المتكلم، فأنشد [90] السجاد عليه السلام: لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم و أن نكف الاذي عنكم و تؤذونا و الله يعلم أنا لا نحبكم و لا نلومكم أن لا تحبونا فقال: صدقت يا غلام و لكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين و الحمد لله الذي قتلهما و سفك دماءهما، فقال عليه السلام: لم تزل النبوة و الامرة لآبائي و إجدادي من قبل أن تولد.

قال المدائني: لما انتسب السجاد إلي النبي صلي الله عليه و آله قال يزيد لجلوازه: أدخله


في هذا البستان و اقتله و ادفنه فيه، فدخل به إلي البستان، و جعل يحفر و السجاد يصلي، فلما هم بقتله ضربته يد من الهواء فخر لوجهه و شهق و دهش، فرآه خالد بن يزيد و ليس لوجهه بقية، فانقلب إلي أبيه وقص عليه فأمر بدفن الجلواز في الحفرة و إطلاقه.

و موضع حبس زين العابدين عليه السلام هو اليوم مسجد [91] .

7 - الخرائج و الجرائح: عن المنهال بن عمرو قال: أنا و الله رأيت رأس الحسين عليه السلام حين حمل و أنا بدمشق و بين يديه رجل يقرأ الكهف حتي بلغ قوله تعالي " ام حسبت ان اصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا [92] " فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ذلق، فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي [93] .

8 - المحاسن: الحسن بن ظريف، عن أبيه، عن الحسين بن زيد [94] ، عن عمر ابن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام لبسن [95] نساء بني هاشم السواد و المسوح، و كن لا يشتكين من حر و لا برد، و كان علي بن الحسين عليهما السلام يعمل لهن الطعام للمأتم [96] .

الائمة: علي بن الحسين صلوات الله عليهما 9 - بصائر الدرجات: محمد بن الحسين، عن صفوان، عن داود بن فرقد قال: ذكر قتل الحسين عليه السلام و أمر علي بن الحسين عليهما السلام لما أن حمل إلي الشام فدفعنا [97] إلي السجن، فقال أصحابي: ما أحسن بنيان هذا الجدار! فتراطن [98] أهل الروم [99] بينهم، فقالوا: ما في هؤلاء صاحب دم إن كان إلا ذلك، يعنوني، فمكثنا يومين ثم دعانا و أطلق عنا [100] .


توضيح: قوله: " فدفعنا " من كلام علي بن الحسين عليهما السلام و قد حذف صدر الخبر، قوله: " صاحب دم " أي طالب دم المقتول أو من يريد يزيد قتله.

الصادق، عن أبيه، عن زين العابدين عليهم السلام 10 - إقبال الاعمال للسيد ابن طاووس " ره ": رأيت في كتاب المصابيح بإسناده إلي جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: قال لي أبي محمد بن علي عليهما السلام: سألت أبي علي بن الحسين عليهما السلام عن حمل يزيد له، فقال عليه السلام: حملني علي بعير يظلع [101] بغير وطاء، و رأس الحسين عليه السلام علي علم، و نسوتنا خلفي علي بغال فأكف، و الفارطة خلفنا و حولنا بالرماح، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح، حتي إذا دخلنا دمشق صاح صائح: يا أهل الشام هؤلاء سبايا أهل البيت الملعون [102] .

توضيح: قوله " فأكف " أي أميل و أشرف علي السقوط، و الاظهر " واكفة " أي كانت البغال باكاف أي برذعة [103] من سرج، و فرط سبق، و في الامر قصر به وضيعه و عليه، (و) في القول أسرف، و فرط القوم تقدمهم إلي الورد لاصلاح الحوض، و الفرط بضمتين الظلم و الاعتداء، و الامر المجاوز فيه الحد، و لعل فيه أيضا تصحيف.

11 - قرب الاسناد: اليقطيني، عن القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: لما قدم علي يزيد بذراري الحسين عليه السلام ادخل بهن نهارا، مكشفات وجوههن [104] ، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبيا أحسن من هؤلاء، فمن أنتم؟ فقالت سكينة بنت الحسين عليه السلام: نحن سبايا آل محمد صلي الله عليه و آله.

[105] وحده 12 - بصائر الدرجات: أحمد بن محمد، عن الاهوازي و البرقي، عن النضر، عن يحيي الحلبي، (عن عمران الحلبي،) [106] عن محمد الحلبي، قال: سمعت أبا عبد الله


عليه السلام يقول: لما اتي بعلي بن الحسين عليهما السلام يزيد بن معاوية - عليهما لعائن الله - و من معه جعلوه في بيت، فقال بعضهم: إنما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا، فراطن [107] الحرس فقالوا: أنظروا إلي هؤلاء يخافون أن تقع عليهم البيت و إنما يخرجون غدا فيقتلون.

قال علي بن الحسين عليهما السلام: لم يكن فينا أحد يحسن الرطانة غيري، و الرطانة عند أهل المدينة: الرومية.

[108] 13 - أمالي الطوسي: أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن فضال، عن العباس بن عامر، عن أبي عمارة، عن عبد الله بن طلحة [109] ، عن عبد الله بن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما قدم علي بن الحسين عليهما السلام و قد قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهم، استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله [و] قال: يا علي بن الحسين من غلب؟ و هو يغطي [110] رأسه و هو [في] المحمل قال: فقال له علي ابن الحسين صلوات الله عيهما: إذا أردت أن تعلم من غلب و دخل وقت الصلاة، فأذن ثم أقم [111] .

14 - تفسير علي بن إبراهيم: قال الصادق عليه السلام: لما ادخل علي بن الحسين عليهما السلام علي يزيد لعنه الله نظر إليه، ثم قال له: يا علي بن الحسين " و ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " [112] فقال علي بن الحسين عليهما السلام: كلا ما هذه فينا نزلت، و إنما نزلت فينا " ما أصاب من مصيبة في الارض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبراها ان ذلك علي الله يسير لكيلا تاسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما اتيكم " [113] فنحن الذين لانأسي عن ما فاتنا من أمر الدنيا


و لا نفرح بما أوتينا [114] .

15 - و منه: قال الصادق عليه السلام: لما ادخل رأس الحسين بن علي عليهما السلام علي يزيد لعنه الله و ادخل عليه علي بن الحسين عليهما السلام و بنات أمير المؤمنين عليه السلام، (و) كان علي بن الحسين عليهما السلام مقيدا مغلولا، فقال يزيد: يا علي بن الحسين الحمد لله الذي قتل أباك، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: لعنة الله علي من قتل أبي [115] ، قال: فغضب يزيد و أمر بضرب عنقه، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: فإذا قتلتني، فبنات رسول الله صلي الله عليه و آله من يردهم إلي منازلهم، و ليس لهم محرم غيري؟ فقال: أنت تردهم إلي منازلهم، ثم دعا بمبرد، فأقبل يبرد، فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده.

ثم قال له: يا علي بن الحسين أ تدري ما الذي أريد بذلك؟ قال: بلي، تريد أن لا يكون لاحد علي منة غيرك، فقال يزيد: هذا و الله ما أردت، ثم قال يزيد: يا علي بن الحسين " و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " فقال علي بن الحسين عليهما السلام: كلا ما هذه فينا نزلت، إنما نزلت فينا " ما أصاب من مصيبة في الارض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها " فنحن الذين لا نأسي علي ما فاتنا و لا نفرح بما آتانا منها [116] .

الرضا عليه السلام 16 - عيون أخبار الرضا: ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن الفضل قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لما حمل رأس الحسين عليه السلام إلي الشام آمر يزيد لعنه الله فوضع و نصب عليه مائده، فأقبل هو و أصحابه يأكلون و يشربون الفقاع، فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طست تحت سريره، و بسط عليه رقعة الشطرنج و جلس يزيد لعنه الله يلعب بالشطرنج و يذكر الحسين عليه السلام و أباه وجده (رسول الله) صلوات الله عليهم،


و يستهزئ (عليهم) بذكرهم، فمتي قمر صاحبه تناول الفقاع فشربه ثلاث مرات، ثم صب فضلته مما يلي [117] الطست من الارض.

فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع و اللعب بالشطرنج، و من نظر إلي الفقاع أو إلي الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام و ليلعن يزيد و آل زياد [118] ، يمحو الله بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم [119] .

و منه: تميم القرشي، عن أبيه، عن أحمد الانصاري، عن الهروي، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: أول من اتخذ له الفقاع في الاسلام بالشام يزيد بن معاوية لعنة الله عليه، فاحضر و هو علي المائدة، و قد نصبها علي رأس الحسين عليه السلام فجعل يشربه و يسقي أصحابه و يقول: اشربوا فهذا شراب مبارك، (و) من بركته أنا [120] أول ما تناولناه و رأس عدونا بين أيدينا، و مائدتنا منصوبة عليه، و نحن نأكل و نفوسنا ساكنة، و قلوبنا مطمئنة.

فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع، فإنه [من] شراب أعدائنا [121] .

الرواة 17 - دعوات الراوندي: و روي أنه لما حمل علي بن الحسين عليهما السلام إلي يزيد لعنه الله هم بضرب عنقه، فوقف [ه] بين يديه و هو يكلمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله، و علي بن الحسين عليهما السلام يجيبه حسب ما يكلمه، و في يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه و هو يتكلم، فقال له يزيد: اكلمك و أنت تجيبني و تدير أصابعك بسبحة في يدك، فكيف يجوز ذلك؟ فقال: حدثني أبي عن جدي أنه كان إذا صلي الغداة و انفتل


لا يتكلم حتي يأخذ (ب) سبحة بين يديه، فيقول: أللهم إني أصبحت اسبحك و امجدك و أحمدك و اهللك بعدد ما ادير به سبحتي، و يأخذ البسحة و يديرها، و هو يتكلم بما يريد من أن يتكلم بالتسبيح، و ذكر أن ذلك محتسب [122] له و هو حرز إلي أن يأوي إلي فراشه، فإذا آوي إلي فراشه قال مثل ذلك القول و وضع سبحته تحت رأسه، فهي [123] محسوبة له من الوقت إلي الوقت، ففعلت هذا اقتداء بجدي.

فقال له يزيد: لا [124] أكلم أحدا منكم إلا و يجيبني بما بعوذبه، و عفا عنه و وصله و أمر بإطلاقه.

[125] قال بعض الافاضل: نقلا من خط الشهيد (ره) قال: لما جئ برؤوس الشهداء والسبيا من آل محمد صلي الله عليه و آله أنشد يزيد لعنه الله: لما بدت تلك الرؤوس و أشرقت تلك الشموس علي ربي جيرون صاح الغراب فقلت صح أولا تصح فلقد قضيت من النبي ديوني [126] .

18 - المناقب القديم: و روي أنه لما حمل رأسه إلي الشام جن عليهم الليل، فنزلوا عند رجل من اليهود، فلما شربوا و سكروا قالوا: عندنا رأس الحسين، فقال: أروه لي، فأروه، و هو في الصندوق يسطع منه النور نحو السماء، فتعجب منه اليهود [ي] فاستودعه منهم، و قال للرأس: اشفع لي عند جدك، فأنطق الله الرأس، فقال: إنما شفاعتي للمحمديين، و لست بمحمدي، فجمع اليهودي أقرباءه، ثم أخذ الرأس و وضعه في طست وصب عليه ماء الورد، و طرح فيه الكافور و المسك و العنبر، ثم قال لاولاده و أقربائه: هذا رأس ابن بنت محمد صلي الله عليه و آله.

ثم قال: يا لهفاه حيث لم أجد جدك محمد صلي الله عليه و آله فاسلم علي يديه، (ثم قال:) يا لهفاه حيث لم أجدك حيا فاسلم علي يديك و اقاتل بين يديك، فلو أسلمت الآن [أ] تشفع لي يوم القيامة؟ فأنطق الله الرأس، فقال بلسان فصيح: إن أسلمت فأنا


لك شفيع، قاله ثلاث مرات و سكت، فأسلم الرجل و أقر باؤه.

و لعل هذا اليهودي كان راهب قنسرين [127] لانه أسلم بسبب رأس الحسين عليه السلام، و جاء ذكره في الاشعار، و أورده الجوهري الجرجاني في مرثية الحسين عليه السلام [128] .

و في بعض مؤلفات الاصحاب: مرسلا أن نصرانيا أتي رسولا من ملك الروم إلي يزيد لعنه الله، و قد حضر في مجلسه الذي اتي إليه فيه برأس الحسين عليه السلام، فلما رأي النصراني رأس الحسين عليه السلام بكي و صاح و ناح حتي ابتلت لحيته بالدموع، ثم قال: أعلم يا يزيد أني دخلت المدينة تاجرا في أيام حياة النبي صلي الله عليه و قد أردت أن آتيه بهدية، فسألت من أصحابه أي شيء احب إليه من الهدايا؟ فقالوا: الطيب أحب إليه من كل شيء، و إن له رغبة فيه.

قال: فحملت من المسك فارتين، و قدرا من العنبر الاشهب، وجئت بها إليه و هو يومئذ في بيت زوجته ام سلمة رضي الله عنها، فلما شاهدت جماله ازداد [ل] عيني من لقائه نورا ساطعا، و زادني منه سرور [129] ، و قد تعلق قلبي بمحبته، فسلمت عليه و وضعت العطر بين يديه، فقال: ما هذا؟ قلت: هدية محقرة أتيت بها إلي حضرتك فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: اسمي عبد الشمس، فقال لي: بدل اسمك فأنا اسميك عبد الوهاب، إن قبلت مني الاسلام قبلت منك الهدية، قال: فنظرته و تاملته، فعلمت أنه نبي و هو النبي الذي أخبرنا عنه عيسي عليه السلام حيث قال: " إني مبشرلكم برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد "، فاعتقدت ذلك و أسلمت علي يده في تلك الساعة، و رجعت إلي الروم و أنا اخفي الاسلام، ولي مدة من السنين و أنا مسلم مع خمس من البنين و أربع


من البنات، و أنا اليوم وزير ملك الروم و ليس لاحد من النصاري إطلاع علي حالنا.

و اعلم يا يزيد أني يوم كنت في حضرة النبي صلي الله عليه و آله و هو في بيت ام سلمة رأيت هذا العزيز الذي رأسه وضع بين يديك مهينا حقيرا قد دخل علي جده من باب الحجرة و النبي صلي الله عليه و آله فاتح باعه ليتناوله و هو يقول: مرحبا بك يا حبيبي، حتي أنه تناوله و أجلسه في حجره، و جعل يقبل شفتيه، و يرشف ثناياه و هو يقول: بعد عن رحمة الله من قتلك، لعن الله من قتلك يا حسين و أعان علي قتلك، و النبي صلي الله عليه و آله مع ذلك يبكي.

فلما كان اليوم الثاني كنت مع النبي صلي الله عليه و آله في مسجده إذ أتاه الحسين عليه السلام مع أخيه الحسن عليه السلام و قال: يا جداه قد تصارعت مع أخي الحسن و لم يغلب أحدنا الآخر، و إنما نريد أن نعلم أينا أشد قوة من الآخر، فقال لهما النبي صلي الله عليه و آله: حبيبي يا مهجتي إن التصارع لا يليق بكما، و لكن اذهبا فتكاتبا، فمن كان خطه أحسن كذلك تكون قوته أكثر، قال: فمضيا و كتب كل واحد منهما سطرا و أتيا إلي جدهما النبي صلي الله عليه و آله فأعطياه اللوح ليقضي بينهما، فنظر النبي صلي الله عليه و آله إليهما ساعة و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما، فقال لهما: يا حبيبي إني نبي أمي لا أعرف الخط، اذهبا إلي أبيكما ليحكم بينكما و ينظر أيكما أحسن خطا.

قال: فمضيا إليه و قام النبي صلي الله عليه و آله أيضا معهما، و دخلوا جميعا إلي منزل فاطمة عليها السلام فما كان إلا ساعة و إذا النبي صلي الله عليه و آله مقبل و سلمان الفارسي معه، و كان بيني و بين سلمان صداقة و مودة، فسألته كيف حكم أبوهما، وخط أيهما أحسن؟ قال سلمان رضوان الله عليه: إن النبي صلي الله عليه و آله لم يجبهما بشيء لانه تأمل أمرهما و قال: لو قلت: خط الحسن أحسن كان يغتم الحسين عليه السلام، و لو قلت: خطا الحسين عليه السلام أحسن كان يغتم الحسن عليه السلام، فوجههما إلي أبيهما.

فقلت يا سلمان: بحق الصداقة و الاخوة التي بيني و بينك، و بحق دين الاسلام إلا ما أخبرتني، كيف حكم أبوهما بينهما؟ فقال: لما أتيا إلي أبيهما و تأمل حالهما رق لهما، و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما قال لهما: أمضيا إلي أمكما فهي تحكم بينكما، فأتيا إلي أمهما، عرضا عليها ما كتبا في اللوح، و قالا: يا أماه إن جدنا أمرنا أن نتكاتب فكل من كان خطه


أحسن تكون [130] قوته أكثر، فتكاتبنا و جئنا إليه، فوجهنا إلي أبينا، فلم يحكم بيننا و وجهنا إليك، فتفكرت فاطمة عليها السلام بأن جدهما و أباهما ما أراد اكسر خاطرهما، أنا ماذا أصنع؟ و كيف أحكم بينهما؟ فقالت لهما: ياقرتي عيني إني أقطع قلادتي علي رأسكما فأيكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطه أحسن و تكون قوته أكثر، قال: و كان في قلادتها سبع لؤلؤات، ثم إنها قامت فقطعت قلادتها علي رأسهما، فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات، و التقط الحسين عليه السلام ثلاث لؤلؤات و بقيت الاخري، فأراد كل منهما تناولها، فأمر الله تعالي جبرئيل عليه السلام بنزوله إلي الارض و أن يضرب بجناحيه تلك اللؤلؤة و يقدها نصفين، فأخذ كل منهما نصفا.

فانظر يا يزيد كيف رسول الله صلي الله عليه و آله لم يدخل علي أحدهما ألم ترجيح الكتابة، و لم يرد كسر قلبهما، و كذلك أمير المؤمنين و فاطمة عليهما السلام؟ و كذلك رب العزة لم يرد كسر قلبهما بل أمر من قسم اللؤلؤة بينهما لجبر قلبهما، و أنت هكذا تفعل بإبن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله؟ اف لك و لدينك يا يزيد.

ثم إن النصراني نهض إلي رأس الحسين عليه السلام و احتضنه و جعل يقبله و هو يبكي و يقول: يا حسين اشهد لي عند جدك محمد المصطفي، و عند أبيك علي المرتضي، و عند امك فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين [131] .

و قال في الكتاب المذكور: و نقل أن سكينة بنت الحسين عليه السلام قالت: يا يزيد رأيت البارحة رؤيا إن سمعتها مني قصصتها عليك، فقال يزيد: هاتي ما رأيتي، قالت: بينما أنا ساهرة و قد كللت من البكاء بعد أن صليت و دعوت الله تعالي بدعوات، فلما رقدت عيني رأيت أبواب السماء قد تفتحت و إذا أنا بنور ساطع من السماء إلي الارض، و إذا أنا بوصائف من وصائف الجنة، و إذا أنا بروضة خضراء، و في تلك الروضة قصر، و إذا أنا بخمس مشايخ يدخلون إلي ذلك القصر و عندهم وصيف.

فقلت: يا وصيف أخبرني لمن هذا القصر؟ فقال: هذا لابيك الحسين عليه السلام أعطاه الله ثوابا لصبره، فقلت: و من هذه المشايخ؟ فقال: أما الاول فآدم أبو البشر، و أما


الثاني فنوح نبي الله، و أما الثالث فإبراهيم خليل الرحمان، و أما الرابع فموسي الكليم، فقلت له: و من الخامس الذي أراه قابضا علي لحيته باكيا حزينا من بينهم؟ فقال لي: يا سكينة أما تعرفيه؟ فقلت: لا، فقال: هذا جدك رسول الله صلي الله عليه و آله، فقلت له: إلي أين يريدون؟ فقال: إلي أبيك الحسين عليه السلام، فقلت: و الله لالحقن جدي و اخبرنه بما جري علينا، فسبقني و لم ألحقه.

فبينما أنا متفكرة و إذا بجدي علي بن أبي طالب عليه السلام، و بيده سيفه، و هو واقف، فناديته: يا جداه قتل و الله ابنك من بعدك، فبكي و ضمني إلي صدره، و قال: يا بنية صبرا و الله المستعان، ثم إنه مضي و لم أعلم إلي أين، فبقيت متعجبة كيف لم أعلم به، فبينما أنا كذلك إذا بباب قد فتح من السماء، و إذا بالملائكة يصعدون و ينزلون علي رأس أبي، قال: فلما سمع يزيد ذلك لطم علي وجهه و بكي و قال: مالي و لقتل الحسين؟ [132] .

و في رواية اخري: إن سكينة قالت: ثم أقبل علي رجل دري اللون قمري الوجه، حزين القلب، فقلت للوصيف: من هذا؟ فقال: جدك رسول الله صلي الله عليه و آله، فدنوت منه و قلت له: يا جداه قتلت و الله رجالنا، و سفكت و الله دماؤنا، و هتكت و الله حريمنا، و حملنا علي الاقتاب من وطاء نساق إلي يزيد، فأخذني إليه و ضمني إلي صدره، ثم أقبل علي آدم و نوح و إبراهيم و موسي عليهم السلام، ثم قال لهم: ما ترون إلي ما صنعت أمتي بولدي من بعدي؟ ثم قال الوصيف: يا سكينة اخفضي صوتك فقد أبكيتي رسول الله صلي الله عليه و آله، ثم أخذ الوصيف بيدي فأدخلني القصر، و إذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقهن [133] و زاد في نورهن، و بينهن إمرأة عظيمة الخلقة، ناشرة شعرها، و عليها ثياب سود، و بيدها قميص مضمخ بالدم، و إذا قامت يقمن معها، و إذا جلست يجلسن معها، فقلت للوصيف: ما هؤلاء النسوة اللاتي قد عظم الله خلقهن [134] ؟ فقال: يا سكينة هذه حواء ام البشر، و هذه مريم ابنة عمران، و هذه خديجة بنت خويلد، و هذه هاجر، و هذه سارة، و هذه التي


بيدها القميص المضمخ و إذا قامت يقمن معها و إذا جلست يجلسن معها هي جدتك فاطمة الزهراء عليها السلام.

فدنوت منها و قلت لها: يا جدتاه قتل و الله أبي و اوتمت علي صغر سني، فضمتني إلي صدرها و بكت (بكاء) شديدا، و بكين النسوة كلهن و قلن لها: يا فاطمة يحكم الله بينك و بين يزيد يوم فصل القضاء.

ثم إن يزيد تركها و لم يعبأ بقولها.

قال: و نقل عن هند زوجة يزيد قالت: كنت أخذت مضجعي فرأيت بابا من السماء و قد فتحت، و الملائكة ينزلون كتائب كتائب إلي رأس الحسين عليه السلام، و هم يقولون: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله، فبينما أنا كذلك إذ نظرت إلي سحابة قد نزلت من السماء، و فيها رجال كثيرون، و فيهم رجل دري اللون، قمري الوجه، فأقبل يسعي حتي انكب علي ثنايا الحسين عليه السلام يقبلها و هو يقول: ولدي قتلوك أ تراهم ما عرفوك، و من شرب الماء منعوك، يا ولدي أنا جدك رسول الله، و هذا أبوك علي المرتضي، و هذا أخوك الحسن، و هذا عمك جعفر، و هذا عقيل، و هذان حمرة و العباس، ثم جعل يعدد أهل بيت واحدا بعد واحد.

قالت هند: فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة، و إذا بنور قد انتشر علي رأس الحسين عليه السلام فجعلت أطلب يزيد، و هو قد دخل إلي بيت مظلم و قد دار وجهه إلي الحائط و هو يقول: مالي و للحسين؟ و قد وقعت عليه الهمومات، فقصصت عليه المنام هو منكس الرأس.

قال: فلما أصبح استدعي بحرم رسول الله صلي الله عليه و آله فقال لهن: أيما أحب إليكن: المقام عندي أو الرجوع إلي المدينة و لكم الجائزة السنية؟ قالوا: نحب أولا أن ننوح علي الحسين عليه السلام، قال: افعلوا ما بدا لكم، ثم اخليت لهن الحجر و البيوت في دمشق، و لم تبق هاشمية و لا قرشية إلا و لبست السواد علي الحسين عليه السلام، و ندبوه علي ما نقل سبعة أيام.

فلما كان اليوم الثامن دعاهن يزيد و عرض عليهن المقام، فأبين و أرادوا الرجوع إلي المدينة، فأحضر لهم المحامل و زينها، و أمر بالانطاع الابريسم، وصب عليها الاموال، و قال: يا ام كلثوم خذوا هذه الاموال عوض ما أصابكم، فقالت ام كلثوم: يا


يزيد ما أقل حياءك و أصلب وجهك؟ تقتل أخي و أهل بيتي و تعطيني عوضهم؟ ثم قال: و أما ام كلثوم فحين توجهت إلي المدينة جعلت تبكي و تقول: مدينة جدنا لا تقبلينا فبالحسرات و الاحزان جئنا ألا فاخبر رسول الله عنا بأنا قد فجعنا في أبينا [135] و أن رجالنا بالطف صرعي بلارؤوس، و قد ذبحوا البنينا و أخبر جدنا أنا أسرنا و بعد الاسر يا جدا سبينا و رهطك يا رسول الله أضحوا عرايا بالطفوف مسلبينا و قد ذبحوا الحسين و لم يراعوا جنابك يا رسول الله فينا فلو نظرت عيونك للاساري علي أقتاب [136] الجمال محملينا رسول الله، بعد الصون صارت عيون الناس ناظرة إلينا و كنت تحوطنا حتي تولت عيونك، ثأرت الاعدا علينا أ فاطم لو نظرت إلي السبايا بناتك في البلاد مشتتينا أ فاطم لو نظرت إلي الحياري و لو أبصرت زين العابدينا أ فاطم لو رأيتينا سهاري و من سهر الليالي قد عمينا أ فاطم مالقيتي من عداك و لا قيراط مما قد لقينا فلو دامت حياتك لم تزالي إلي يوم القيامة تندبينا و عرج بالبقيع وقف و ناد أ [يا] ابن حبيب رب العالمينا و قل يا عم يا حسن المزكي عيال أخيك أضحوا ضائعينا أيا عماه إن أخاك أضحي بعيدا عنك بالرمضا رهينا بلا رأس تنوح عليه جهرا طيور و الوحوش الموحشينا و لو عاينت يا مولاي ساقوا حريما لا يجدن لهم معينا علي متن النياق بلا وطاء و شاهدت العيال مكشفينا


مدينة جدنا لا تقبلينا فبالحسرات و الاحزان جئنا خرجنا منك بالاهلين جمعا رجعنا لا رجال و لا بنينا و كنا في الخروج بجمع شمل رجعنا حاسرين مسلبينا و كنا في أمان الله جهرا رجعنا بالقطيعة خائفينا و مولانا الحسين لنا أنيس رجعنا و الحسين به رهينا فنحن الضائعات بلاكفيل و نحن النائحات علي أخينا و نحن السائرات علي المطايا نشال علي جمال المبغضينا و نحن بنات يس و طه و نحن الباكيات علي أبينا و نحن الطاهرات [137] بلا خفاء و نحن المخلصون المصطفونا و نحن الصابرات علي البلايا و نحن الصادقون الناصحونا ألا يا جدنا قتلوا حسينا و لم يرعوا جناب الله فينا ألا يا جدنا بلغت عدانا مناها و اشتفي الاعداء فينا لقد هتكوا النساء و حملوها علي الاقتاب قهرا أجمعينا و زينب أخرجوها من خباها و فاطم والهة تبدي الانينا سكينة تشتكي من حر وجد تنادي: الغوث رب العالمينا وزين العابدين بقيد ذل و راموا قتله أهل الخؤونا فبعدهم علي الدنيا تراب فكأس الموت فيها قد سقينا و هذي قصتي مع شرح حالي ألا يا سامعون ابكوا علينا قال الراوي: و أما زينب فأخذت بعضادتي باب المسجد و نادت: يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين عليه السلام، و هي مع ذلك لا تجف لها عبرة، و لا تفتر من البكاء و النحيب، و كلما نظرت إلي علي بن الحسين عليهما السلام تجدد حزنها و زاد وجدها [138] .


الكتب: 19 - قال السيد ابن طاووس قدس الله سره في كتاب " اللهوف " - بعد ما نقلنا عنه في الباب السابق من كتاب ابن زياد إلي يزيد و بشارته إياه بقتل الحسين عليه السلام -: و أما يزيد بن معاوية فإنه لما وصل كتاب عبيد الله (إليه) و وقف عليه، أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسين عليه السلام و رؤوس من قتل معه، و حمل أثقاله و نسائه و عياله، فاستدعي ابن زياد بمحفر [139] بن ثعلبة العائذي، فسلم إليه الرؤوس و النساء، فسار بهم (محفر) [140] إلي الشام كما يسار [ب] سبايا الكفار، يتصفح وجوههن أهل الاقطار [141] .

و قال المفيد (ره): دفع ابن زياد - لعنه الله - رأس الحسين عليه السلام إلي زحر [142] بن قيس و دفع إليه رؤوس أصحابه و سرحه إلي يزيد بن معاوية، و أنفذ معه أبي بردة بن عوف الازدي، و طارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة حتي وردوا بها علي يزيد بدمشق [143] .

و قال صاحب المناقب: روي أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن ابن لهيعة، عن ابن أبي قبيل، قال: لما قتل الحسين عليه السلام بعث برأسه إلي يزيد، فنزلوا في أول مرحلة، فجعلوا يشربون و يتبجحون بالرأس فيما بينهم، فخرجت عليهم كف من الحائط معها قلم من حديد فكتبت أسطر بدم: أترجوا امة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب [144] و قال صاحب المناقب و السيد، و اللفظ لصاحب المناقب: روي ابن لهيعة و غيره حديثا أخذنا منه موضع الحاجة، قال: كنت أطوف بالبيت فإذا أنا برجل يقول: أللهم اغفر لي و ما أراك فاعلا! فقلت له: يا عبد الله اتق الله و لا تقل مثل هذا، فإن


ذنوبك لو كانت مثل قطر الامطار، و ورق الاشجار، فاستغفرت الله غفرها لك، فإنه غفور رحيم، قال: فقال لي: تعال حتي أخبرك بقصتي، فأتيته.

فقال: أعلم أننا كنا خمسين نفرا ممن سار مع رأس الحسين عليه السلام إلي الشام، و كنا إذا أمسينا وضعنا [145] الرأس في تابوت و شربنا الخمر حول التابوت، فشرب أصحابي ليلة حتي سكروا و لم أشرب معهم، فلما جن الليل سمعت رعدا و رأيت برقا، فإذا أبواب السماء قد فتحت و نزل آدم، و نوح، و إبراهيم، و إسماعيل، و إسحاق، و نبينا محمد صلي الله عليه و آله و معهم جبرئيل و خلق من الملائكة، فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمه إلي نفسه و قبله، ثم كذلك فعل الانبياء كلهم، و بكي النبي صلي الله عليه و آله علي رأس الحسين عليه السلام فعزاه الانبياء، فقال له جبرئيل: يا محمد إن الله تعالي أمرني أن اطيعك في امتك، فإن أمرتني زلزلت بهم الارض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط، فقال النبي صلي الله عليه و آله: لا يا جبرئيل، فإن لهم معي موقفا بين يدي الله يوم القيامة.

قال: ثم صلوا عليه، ثم أتي قوم من الملائكة و قالوا: إن الله تبارك و تعالي أمرنا بقتل الخمسين، فقال لهم [146] النبي صلي الله عليه و آله: شأنكم بهم فجعلوا بضربون بالحربات، ثم قصدني واحد منهم بحربة [147] ليضربني، فقلت: الامان الامان يا رسول الله، فقال: اذهب فلا غفر الله لك، فلما أصبحت رأيت أصحابي كلهم جاثمين رمادا [148] .

ثم قال صاحب المناقب: و بإسنادي إلي أبي عبد الله الحدادي عن أبي جعفر الهندواني بإسناده في هذا الحديث فيه زيادة عند قوله: ليحمله إلي يزيد، قال: كل من قتله جفت يده.

و فيه إذ سمعت صوت برق لم أسمع مثله، فقيل: قد أقبل محمد صلي الله عليه و آله قسمعت (صوت) صهيل الخيل، و قعقعة السلاح، مع جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و الكروبيين و الروحانيين و المقربين عليهم السلام، و فيه: فشكي النبي صلي الله عليه و آله إلي الملائكة و النبيين، و قال: قتلوا ولدي وقرة عيني، وكلهم قبل الرأس و ضمة إلي صدره


و لباقي يقرب بعضها من بعض.

أقول: و في بعض الكتب أنهم لما قربوا من بعلبك كتبوا إلي صاحبها فأمر بالرايات فنشرت، و خرج الصبيان يتلقونهم علي نحو من ستة أميال، فقالت ام كلثوم: أباد الله كثرتكم، و سلط عليكم من يقتلكم، ثم بكي علي بن الحسين عليهما السلام و قال: [و] هو الزمان فلا تفني عجائبه من الكرام و ما تهدأ مصائبه فليت شعري إلي كم ذاتجاذبنا فنونه و ترانا لم نجاذبه يسري بنا فوق أقتاب بلاوطأ و سائق [149] العيس يحمي عنه غاربه كأننا من أساري الروم بينهم كأن ما قاله المختار كاذبه كفرتم برسول الله ويحكم فكنتم مثل من ضلت مذاهبه [150] ثم قال السيد " ره ": و سار القوم برأس الحسين عليه السلام و نسائه و الاسري من رجاله، فلما قربوا من دمشق دنت ام كلثوم من شمر و كان في [151] جملتهم، فقالت (له): لي إليك حاجة، فقال: ما حاجتك؟ فقالت: إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة، و تقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل و ينحونا عنها، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا و نحن في هذه الحال، فأمر في جواب سؤالها أن يجعل الرؤوس علي الرماح في أوساط المحامل بغيا منه و كفرا، و سلك بهم بين النظارة علي تلك الصفة حتي أتي بهم باب دمشق، فوقفوا علي درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي [152] .

و روي صاحب المناقب بإسناده عن زيد، عن آبائه، أن سهل بن سعد قال: خرجت إلي بيت المقدس حتي توسطت الشام، فإذا أنا بمدينه مطردة الانهار، كثيرة الاشجار، قد علقوا الستور و الحجب و الديباج و هم فرحون مستبشرون، و عندهم نساء يلعبن بالدفوف و الطبول، فقلت في نفسي: لا نري لاهل الشام عيدا لا نعرفه نحن، فرأيت قوم يتحدثون، فقلت: يا قوم لكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟ قالوا: يا شيخ نراك غريبا [153] ؟ فقلت: أنا سهل بن سعد قد رأيت محمد ا صلي الله عليه و آله، قالوا: يا سهل ما أعجبك


السماء لا تمطر دما و الارض لا تنخسف بأهلها؟ قلت: و لم ذاك؟ قالوا: هذا رأس الحسين عليه السلام عترة محمد صلي الله عليه و آله يهدي من أرض العراق فقلت: وا عجباه، يهدي رأس الحسين عليه السلام و الناس يفرحون؟ قلت: من أي باب يدخل؟ فأشاروا إلي باب يقال له باب الساعات.

قال: فبينا أنا كذلك حتي رأيت الرايات يتلو بعضها بعضا، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان، عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله صلي الله عليه و آله، فإذا أنا من ورائه رأيت نسوة علي جمال بغير وطاء، فدنوت من أولاهم، فقلت: يا جارية، من أنت؟ فقالت: أنا سكينة بنت الحسين عليه السلام، فقلت لها: ألك حاجة إلي؟ فأنا سهل ابن سعد ممن رأي جدك و سمعت حديثه، قالت: يا سهل [154] قل لصاحب هذا الرأس أن يقدم الرأس أمامنا حتي يشتغل الناس بالنظر إليه و لا ينظروا إلي حرم رسول الله صلي الله عليه و آله.

قال سهل: فدنوت من صاحب الرأس فقلت له: هل لك أن تقضي حاجتي و تأخذ مني أربعمائة دينار؟ قال: ما هي؟ قلت: تقدم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك، فدفعت إليه ما وعدته.

و وضع الرأس في حقة، و دخلوا علي يزيد فدخلت معهم، و كان يزيد جالسا علي السرير و علي رأسه تاج مكلل بالدر و الياقوت، و حوله كثير من مشايخ قريش، فلما دخل صاحب الرأس و هو يقول: أوقر ركابي فضة و ذهبا أنا قتلت السيد المحجبا قتلت خير الناس اما و أبا و خيرهم إذ ينسبون النسبا قال: لو علمت أنه خير الناس (اما و أبا) لم قتلته؟ قال: رجوت الجائزة منك، فأمر بضرب عنقه، فجز رأسه، و وضع رأس الحسين عليه السلام علي طبق من ذهب و هو يقول: كيف رأيت يا حسين؟ [155] .


ثم قال السيد " ره ": فروي أن بعض فضلاء التابعين لما شاهد رأس الحسين [156] عليه السلام بالشام أخفي نفسه شهرا من جميع أصحابه، فلما وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك، فقال: ألا ترون ما نزل بنا؟ ثم أنشأ يقول: جاؤا برأسك يا ابن بنت محمد مترملا بدمائه ترميلا [157] قتلوك عطشانا و لما يرقبوا [158] في قتلك التأويل و التنزيلا و يكبرون بأن قتلت و إنما قتلوا بك التكبير و التهليلا قال: و جاء شيخ فدنا من نساء الحسين عليه السلام و عياله و هم أقيموا علي درج باب المسجد [159] ، فقال: الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم، و أراح البلاد من [160] رجالكم، و أمكن أمير المؤمنين منكم، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: فهل عرفت هذه الآية " قل لآ أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربي " [161] ؟ قال الشيخ: [نعم] قد قرأت ذلك، فقال له علي عليه السلام: فنحن القربي يا شيخ [فهل قرأت في بني إسرائيل " و آت ذا القربي حقه " [162] فقال الشيخ: قد قرأت، فقال علي بن الحسين: فنحن القربي يا شيخ،] [163] فهل قرأت هذه الآية " و اعلموا انما غنمتم من شيء فان الله خمسه و للرسول و لذي القربي " [164] ؟ قال: نعم، قال علي عليه السلام: فنحن القربي يا شيخ، و هل قرأت هذه الآية " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا " [165] ؟ قال الشيخ: قد قرأت [ذلك] ، قال علي عليه السلام: فنحن أهل البيت الذين خصصنا [166] بآية الطهارة يا شيخ.

قال: فبقي [167] الشيخ ساكتا نادما علي ما تكلم به، و قال: بالله إنكم هن؟ فقال علي بن الحسين عليهما السلام تالله إنا لنحن هم، من شك، و حق جدنا رسول الله


صلي الله عليه و آله إنا لنحن هم، فبكي الشيخ و رمي عمامته، و رفع رأسه إلي السماء، و قال: أللهم إني أبرأ [168] إليك من عدو آل محمد صلي الله عليه و آله من الجن و الانس، ثم قال: هل لي من توبة؟ [169] فقال له: نعم إن تبت تاب الله عليك و أنت معنا، فقال: أنا تائب، فبلغ (ذلك) يزيد بن معاوية حديث الشيخ، فأمر به، فقتل [170] .

و قال المفيد و ابن نما: روي عبد الله بن ربيعة الحميري قال: أنا لعند يزيد ابن معاوية بدمشق إذ أقبل زجر [171] بن قيس حتي دخل عليه، فقال له يزيد: ويلك ما وراءك؟ و ما عندك؟ قال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله و نصره، ورد علينا الحسين ابن علي في ثمانية عشر [رجلا] من أهل بيته، و ستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا علي حكم الامير عبيد الله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال علي الاستسلام، فعدونا [172] عليهم مع شروق الشمس، فأحطنا بهم من كل ناحية حتي إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم، جعلوا يهربون إلي وزر، و يلوذون منا بالآكام و الحفر لو إذا كما لاذ الحمام من الصقر، فو الله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزر جزور، أو نومة قائل، حتي أتينا علي آخرهم، فهاتيك أجسادهم مجردة، و ثيابهم مرملة [173] ، و خدودهم معفرة، تصهرهم الشمس و تسفي عليهم الرياح، [و] زوارهم الرخم و العقبان.

فأطرق يزيد هنيئة، ثم رفع رأسه و قال: قد كنت أرضي من طاعتكم بدون قتل الحسين، أما لو كنت [174] صاحبه لعفوت عنه.

ثم إن عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين عليه السلام أمر فتيانه و صبيانه و نساءه فجهزوا، و أمر بعلي بن الحسين فغل بغل في عنقه، ثم سرح بهم في أثر الرؤوس مع محفر [175] بن ثعلبة العائذي و شمر بن ذي الجوشن لعنه الله، فانطلقوا بهم حتي لحقوا


بالقوم الذين معهم الرؤوس [176] ، و لم يكن علي بن الحسين يكلم أحدا من القوم [الذين معهم الرأس] في الطريق كلمة واحدة حتي بلغوا، فلما انتهوا إلي باب يزيد لعنه الله، رفع محفر بن ثعلبة صوته، فقال: هذا محفر بن ثعلبة أتي أمير المؤمنين بالفجرة اللئام، فأجاب علي بن الحسين: " ما ولدت ام محفر أشر [177] و ألام " و زاد في المناقب " و لكن قبح الله ابن مرجانة " [178] .

قال في المناقب: و كان عبد الرحمن بن الحكم قاعدا في مجلس يزيد - لعنه الله - و أنشد: لهام بجنب الطف أدني قرابة من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل سمية أمسي نسلها عدد الحصي و بنت رسول الله ليست بذي نسل قال يزيد: نعم، فلعن الله ابن مرجانة إذ أقدم علي قتل [179] الحسين بن فاطمة، لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلا أعطيته إياها، و لدفعت عنه الحتف بكل ما استطعت، و لو بهلاك بعض ولدي، و لكن قضي الله أمرا فلم يكن له مرد.

و في رواية أن يزيد أسر إلي عبد الرحمن و قال: سبحان الله أفي هذا الموضع؟ [أ] ما يسعك السكوت؟ [180] و قال المفيد: و لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد لعنه الله و فيها رأس الحسين عليه السلام، قال يزيد لعنه الله: نفلق هاما من أناس أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما فقال يحيي بن الحكم ما مرد ذكره، فضرب يزيد علي [181] صدر يحيي يده و قال: أسكت [182] .


ثم أقبل علي أهل مجلسه، فقال: إن هذا كان يفخر علي، و يقول: " أبي خير من أب يزيد، و أمي خير من امه، وجدي خير من جده، و أنا خير منه، فهذا الذي قتله ".

فأما قوله: بأن أبي خير من أب يزيد، فلقد حاج أبي أباه فقضي الله لابي علي أبيه، و أما قوله: بأن أمي خير من ام يزيد، فلعمري لقد صدق فإن فاطمة بنت رسول الله خير من أمي، و أما قوله: جدي خير من جده، فليس لاحد يؤمن بالله و اليوم الآخر يقول: بأنه خير من محمد، و أما قوله: بأنه خير مني، فلعله لم يقرأ هذه الآية " قل أللهم مالك الملك تؤتي الملك " الآية.

[183] و قال ابن نما: نقلت من تأريخ دمشق عن ربيعة بن عمرو الجرشي، قال: أنا عند يزيد لعنه الله إذ سمعت صوت محفر يقول: هذا محفر بن ثعلبة أتي أمير المؤمنين باللئام الفجرة، فأجابه يزيد لعنه الله: ما ولدت ام محفر أشر و ألام [184] .

و قال السيد: ثم ادخل ثقل الحسين عليه السلام و نساؤه و من تخلف من أهله علي يزيد لعنه الله و هم مقرنون في الحبال، فلما وقفوا بين يديه و هم علي تلك الحال، قال له علي بن الحسين عليه السلام: أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله صلي الله عليه و آله لو رانا علي هذه الحالة [185] ؟ فأمر يزيد بالحبال فقطعت، ثم وضع رأس الحسين بين يديه و أجلس النساء خلفه لئلا ينظرن [186] إليه، فرآه علي بن الحسين عليهما السلام فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا [187] .

و قال ابن نما: قال علي بن الحسين: أدخلنا علي يزيد لعنه الله و نحن اثنا عشر رجلا مغللون، فلما وقفنا بين يديه قلت: أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله صلي الله عليه و آله لو رآنا علي هذه الحالة؟ و قالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام: يا يزيد بنات رسول الله سبايا؟ فبكي الناس و بكي أهل داره، حتي علت الاصوات، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: فقلت و أنا مغلول: أتأذن لي في الكلام؟ فقال: قل و لا تقول هجرا، فقال: لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر، ما ظنك برسول الله صلي الله عليه و آله لو رآني في الغل؟ فقال لمن حوله: حلوه.


حدث عبد الملك بن مروان: لما اتي يزيد لعنه الله برأس الحسين قال: لو كان بينك و بين ابن مرجانة قرابة لاعطاك ما سألت، ثم أنشد يزيد لعنه الله: نفلق هاما من رجال أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما قال علي بن الحسين عليهما السلام: " ما أصاب من مصيبة في الارض و لآ في أنفسكم الا في كتاب من قبل ان نبراها ان ذلك علي الله يسير " [188] ثم قالوا: و أما زينب فإنها لما رأته أهوت إلي جيبها فشقته، ثم نادت بصوت حزين تفزع القلوب: يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يا ابن مكة و مني! يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء! يا ابن بنت المصطفي! قال: فأبكت و الله كل من كان في المجلس، و يزيد لعنه الله ساكت.

ثم جعلت إمرأة من بني هاشم في دار يزيد تندب علي الحسين عليه السلام و تنادي: وا حبيباه! يا سيد أهل بيتاه! يا بن محمداه! يا ربيع الارامل واليتام! يا قتيل أولاد الادعياء! قال: فأبكت كل من سمعها.

ثم دعا يزيد لعنه الله بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام، فأقبل [عليه] أبو برزة الاسلمي، و قال: ويحك يا يزيد أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة؟ أشهد لقد رأيت النبي يرشف ثناياه و ثنايا أخيه الحسن و يقول: أنتما سيدا شباب أهل الجنة، فقتل الله قاتلكما [و لعنه] وأعد له جهنم و ساءت مصيرا، قال: فغضب يزيد و أمر بإخراجه فاخرج سحبا، قال: و جعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعري: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل لاهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل أقول: و زاد محمد بن أبي طالب: لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل و في المناقب: " لست من عتبة إن لم أنتقم " [189] قال السيد و غيره: فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت:


الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي رسوله و آله أجمعين، صدق الله كذلك [يقول:] " ثم كان عاقبة الذين اساؤا السوأي ان كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزؤن " [190] أ ظننت [191] يا يزيد حيث [192] أخذت علينا أقطار الارض و آفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الاساري، أن بنا علي الله هوانا و بك عليه كرامة؟ و إن ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك، و نظرت في عطفك، جذلان مسرورا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، و الامور متسقة، و حين صفا لك [193] ملكنا و سلطاننا، مهلا مهلا، أنسيت قول الله تعالي " و لا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين "؟. [194] .

أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماءك، و سوقك بنات رسول لله صلي الله عليه و آله سبايا، قد هتكت ستورهن، و أبديت وجوههن، تحدو بهن الاعداء من بلد إلي بلد، و يستشرفهن أهل المناهل و المناقل و يتصفح وجوههن القريب و البعيد، و الدني و الشريف، ليس معهن من رجالهن ولي، و لا من حماتهن حمي؟ و كيف يرتجي مراقبة من لفظ فوه أكباد الازكياء، و نبت لحمه بدماء الشهداء؟ و كيف يستبطئ في بغضنا [195] أهل البيت من نظر إلينا بالشنف و الشنآن، و الاحن و الاضغان؟ ثم تقول متأثم و لا مستعظم: و أهلوا [196] و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل منتحيا علي ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة، تنكتها بمخصرتك، و كيف لا تقول ذلك؟ و لقد نكأت القرحة و استأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد صلي الله عليه و آله و نجوم الارض من آل عبد المطلب، و تهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم، فلتردن وشيكا موردهم، و لتودن أنك شللت و بكمت، و لم يكن قلت ما قلت و فعلت ما فعلت.

" أللهم خذ [لنا] بحقنا، و انتقم من ظالمنا [197] ، و أحلل غضبك بمن سفك دماءنا، و قتل حماتنا ".


فو الله ما فريت إلا جلدك، و لا جززت [198] إلا لحمك، و لتردن علي رسول الله صلي الله عليه و آله بما تحملت من سفك دماء ذريته، و انتهكت من حرمته في عترته و لحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، و يأخذ بحقهم، " و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون " [199] ، [و] حسبك بالله حاكما، و بحمد صلي الله و عليه و آله خصيما، و بجبرئيل ظهيرا، و سيعلم من سوي لك [200] و مكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلا، و أيكم شر مكانا و أضعف جندا.

و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لاستصغر قدرك، و أستعظم تقريعك و أستكبر [201] توبيخك، لكن العيون عبري، و الصدور حري، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بخرب الشيطان الطلقاء، فهذه الايدي تنطف من دمائنا، و الافواه تتحلب من لحومنا، و تلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، و تعفرها [202] أمهات الفراعل، و لئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت [يداك] و ما ربك بظلام للعبيد، فإلي الله المشتكي و عليه المعول، فكد كيدك واسع سعيك، و ناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، و لا تمبت وحينا، و لا تدرك أمدنا، و لا ترحض عنك عارها، و هل رأيك إلا فند، و أيامك إلا عدد، و جمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله علي الظالمين.

فالحمد لله الذي ختم لاولنا بالسعادة [و المغفرة] ، و لآخرنا بالشهادة و الرحمة، و نسأل الله أن يكمل لهم الثواب، و يوجب لهم المزيد، و يحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود [و] حسبنا الله و نعم الوكيل.

فقال يزيد لعنه الله: يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون الموت علي النوائح قال: ثم استشار أهل الشام فيما يصنع بهم، فقالوا: " لا تتخذ [ن] من كلب سوء جروا " [203] ، فقال له النعمان بن بشير: أنظر ما كان الرسول يصنعه بهم فاصنعه بهم [204] .


و قال المفيد " ره ": ثم قال لعلي بن الحسين عليهما السلام: يا ابن الحسين أبوك قطع رحمي، و جهل، و نازعني (في) سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: " ما أصاب من مصيبة في الارض و لآ في أنفسكم الا في كتاب من قبل ان نبراها ان ذلك علي الله يسير " [205] ، فقال يزيد لابنه خالد: اردد عليه! فلم يدر خالد ما يرد عليه، فقال له يزيد قل: " و ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفوا عن كثير". [206] .

و قال صاحب المناقب بعد ذلك: فقال علي بن الحسين عليهما السلام: يا ابن معاوية و هند و صخر لم تزل النبوة و الامرة لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد، و لقد كان جدي علي بن أبي طالب عليه السلام في يوم بدر واحد و الاحزاب في يده راية رسول الله صلي الله عليه و آله و أبوك وجدك في أيديهما رايات [207] الكفار، ثم جعل علي بن الحسين عليهما السلام يقول: ماذا تقولون إذ قال النبي لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم؟ بعترتي و بأهلي عند [208] مفتقدي منهم أساري و منهم ضرجوا بدم ثم قال علي بن الحسين عليهما السلام: ويلك يا يزيد إنك لو تدري ماذا صنعت؟ و ما الذي ارتكبت من أبي و أهل بيتي وأخي و عمومتي إذا لهربت في الجبال، و افترشت الرماد، و دعوت بالويل و الثبور، أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة و علي منصوبا علي باب مدينتكم و هو وديعة رسول الله صلي الله عليه و آله فيكم، فابشر بالخزي و الندامة غدا إذا جمع الناس ليوم القيامة [209] .

و قال المفيد " ره ": ثم دعا بالنساء و الصبيان فاجلسوا بين يديه، فرأي هيئة قبيحة، فقال قبح الله ابن مرجانة لو كانت بينكم و بينه قرابة و رحم ما فعل هذا بكم و لا بعث بكم علي هذه الحالة [210] .

فقالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام: و لما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا، فقام إليه رجل من [أهل] الشام أحمر، فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية - يعنيني -


و كنت جارية وضيئة، فارعدت و ظننت أن ذلك جائز ذلك جائز لهم، فأخذت بثيات عمتي زينب، و كانت تعلم أن ذلك لا يكون.

و في رواية السيد: قلت: او تمت و استخدم [211] ؟ فقالت عمتي للشامي: كذبت و الله و لؤمت [212] ، و الله ما ذلك لك و لا له، فغضب يزيد و قال: كذبت و الله إن ذلك لي و لو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلا و الله ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا، و تدين بغيرها، فاستطار يزيد لعنه الله غضبا، و قال: إياي تستقبلين بهذا؟ إنما خرج من الدين أبوك و أخوك، قالت زينب عليها السلام: بدين الله و دين أبي و دين أخي اهتديت أنت و أبوك وجدك إن كنت مسلما، قال: كذبت يا عدوة الله، قالت [له] : أنت أمير تشتم ظالما و تقهر بسلطانك [213] ، فكأنه استحيا و سكت، و عاد الشامي، فقال: هب لي هذه الجارية، فقال له يزيد: اعزب، وهب الله لك حتفا قاضيا [214] .

و في بعض الكتب: قالت ام كلثوم للشامي: أسكت يا لكع الرجال، قطع الله لسانك، و أعمي عينيك، و أيبس يديك، و جعل النار مثواك، إن أولاد الانبياء لا يكونون خدمة لاولاد الادعياء، قال: فو الله ما استتم كلامها حتي أجاب الله دعاءها في ذلك الرجل، فقالت: الحمد لله الذي عجل لك العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، فهذا جزاء من يتعرض لحرم رسول الله صلي الله عليه و آله.

و في رواية السيد " ره ": فقال الشامي: من هذه الجارية؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين، و تلك زينب بنت علي بن أبي طالب، فقال الشامي: الحسين بن فاطمة و علي بن أبي طالب عليهم السلام؟! قال: نعم، فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد، [أ] تقتل عترة نبيك و تسبي ذريته! و الله ما توهمت إلا أنهم [من] سبي الروم، فقال يزيد: و الله لا لحقنك بهم، ثم أمر به فضرب عنقه.

قال السيد: و دعا يزيد بالخطيب [215] و أمره أن يصعد المنبر فيذم الحسين عليه السلام و أباه صلوات الله عليهما، فصعد و بالغ في ذم أبي الحسين أمير المؤمنين و الحسين الشهيد صلوات الله عليهما و المدح لمعاوية و يزيد، فصاح به علي بن الحسين عليهما السلام: ويلك أيها الخطيب [216] اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار.


و لقد أحسن ابن سنان الخفاجي في وصف أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: أعلي المنابر تعلنون بسبه و بسيفه نصبت لكم أعوادها [217] ؟ و قال صاحب المناقب و غيره: روي أن يزيد لعنه الله أمر بمنبر و خطيب ليخبر الناس بمساوئ الحسين و علي عليهما السلام و ما فعلا، فصعد الخطيب المنبر، فحمد الله و أثني عليه، ثم أكثر الوقيعة في علي و الحسين عليهما السلام، و أطنب في تقريظ معاوية و يزيد لعنهما الله، فذكرهما بكل جميل، قال: فصاح بن علي بن الحسين صلوات الله عليهما: ويلك يا أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوأ مقعدك من النار.

ثم قال علي بن الحسين عليهما السلام: يا يزيد ائذن لي حتي أصعد هذه الاعواد فأتكلم [218] بكلمات لله فيهن رضا، و لهؤلاء الجلساء فيهن أجر و ثواب، قال: فأبي يزيد عليه ذلك، فقال الناس: يا أمير المؤمنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا [219] ، فقال: إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي و بفضيحة آل أبي سفيان، فقيل له: يا أمير المؤمنين و ما قدر ما يحسن هذا؟ فقال: إنه من أهل بيت قدر زقوا العلم زقا.

قال: فلم يزالوا به حتي أذن له، فصعد المنبر فحمد الله و أثني عليه ثم خطب خطبة أبكي منها العيون، واو جل منها القلوب، ثم قال: أيها الناس أعطينا ستا و فضلنا بسبع، أعطينا العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبة في قلوب المؤمنين، و فضلنا بأن منا النبي المختار محمدا، و منا الصديق، و منا الطيار، و منا أسد الله و أسد رسوله، و منا سبطا هذه الامة، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي.

أيها الناس أنا ابن مكة و مني، أنا ابن زمزم و الصفا، أنا ابن من حمل الركن [220] بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر و ارتدي، أنا ابن خير من انتعل و احتفي، أنا ابن خير من طاف وسعي، أنا ابن خير من حج و لبي، أنا ابن من حمل علي البراق في الهواء، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلي المسجد الاقصي، أنا ابن من بلغ به جبرئيل عليه السلام إلي سدرة المنتهي، أنا ابن من دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني، أنا ابن من صلي بملائكة السماء، أنا ابن من أوحي إليه الجليل ما أوحي، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن علي المرتضي، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتي قالوا: لا إله


إلا الله.

أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله بسيفين، و طعن برمحين، و هاجر الهجرتين، و بايع البيعتين، و قاتل ببدر و حنين، و لم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن صالح المؤمنين، و وارث النبيين، و قامع الملحدين، و يعسوب المسلمين، و نور المجاهدين، وزين العابدين، و تاج البكائين، و أصبر الصابرين، و أفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين، أنا ابن المؤيد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، و قاتل المارقين و الناكثين و لقاسطين، و المجاهد أعداءه الناصبين، و أفخر من مشي من قريش أجمعين، و أول من أجاب و استجاب لله و لرسوله من المؤمنين، و أول السابقين، و قاصم المعتدين، و مبيد المشركين، و سهم من مرامي الله علي المنافقين، و لسان حكمة العابدين، و ناصر دين الله، و ولي أمر الله، و بستان حكمة الله، و عيبة علمه.

سمح، سخي، بهي، بهلول، زكي، أبطحي، رضي، مقدام، همام، صابر، صوام، مهذب، قوام، قاطع الاصلاب، و مفرق الاحزاب، أربطهم عنانا، و أثبتهم جنانا، و أمضاهم عزيمة، و أشدهم شكيمة، أسد باسل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الاسنة، و قربت الاعنة، طحن الرحا، و يذروهم فيها ذرو الريح الهشيم، ليث الحجا، و كبش العراق، مكي مدني، خيفي، عقبي، بدري احدي، شجري، مهاجري، من العرب سيدها، و من الوغي ليثها، وارث المشعرين، و أبو السبطين: الحسن و الحسين، ذاك جدي علي بن أبي طالب عليه السلام.

ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء، فلم يزل يقول: أنا أنا، حتي ضج الناس بالبكاء و النحيب، و خشي يزيد لعنه الله أن يكون فتنة فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام، فلما قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر قال علي عليه السلام: لا شيء أكبر من الله، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال علي بن الحسين عليهما السلام: شهد بها شعري و بشري و لحمي و دمي، فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله التفت من فوق المنبر إلي يزيد فقال: محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت و كفرت، و إن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته؟ قال: و فرغ


المؤذن من الاذان و الاقامة و تقدم يزيد فصلي صلاة الظهر.

قال: و روي أنه كان في مجلس يزيد هذا حبر من أحبار اليهود، فقال: من هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟ قال: هو علي بن الحسين، قال: فمن الحسين؟ قال: ابن علي بن أبي طالب، قال: فمن امه؟ قال: امه فاطمة بنت محمد فقال الحبر: يا سبحان الله! فهذا ابن بنت نبيكم قتلتموه في هذه السرعة؟ بئسما خلفتموه في ذريته، و الله لو ترك فينا موسي بن عمران سبطا من صلبه لظننا أنا كنا نعبده من دون ربنا، و إنكم [221] إنما فارقكم نبيكم بالامس، فوثبتم علي ابنه فقتلتموه؟ سوأة لكم من امة.

قال: فأمر به يزيد - لعنه الله -، فوجئ في حلقه ثلاثا، فقام الحبر و هو يقول: إن شئتم فاضربوني، و إن شئتم فاقتلوني أو فذروني [222] ، فإني أجد في التوراة أن من قتل ذرية نبي لا يزال [223] ملعونا أبدا ما بقي، فإذا مات يصليه الله نار جهنم [224] .

و روي الصدوق في الامالي: عن ما جيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن نصر بن مزاحم، عن لوط بن يحيي، عن الحارث بن كعب، عن فاطمة بنت علي عليه السلام قالت: ثم إن يزيد - لعنه الله - أمر بنساء الحسين عليه السلام، فحبسن مع علي بن الحسين عليهما السلام في محبس لا يكنهم من حر و لا قر، حتي تقشرت وجوههم، و لم يرفع من بيت [225] المقدس حجر علي [226] وجه الارض إلا وجد تحته دم عبيط، و أبصر الناس الشمس علي الحيطان حمراء، كأنها الملاحف المعصفرة إلي أن خرج علي بن الحسين عليهم السلام بالنسوة ورد رأس الحسين عليه السلام إلي كربلاء [227] .

و قال ابن نما: و رأت سكينة في منامها و هي بدمشق كأن خمسة نجب من نور قد أقبلت، و علي كل نجيب شيخ، و الملائكة محدقة بهم، و معهم وصيف يمشي، فمضي النجب و أقبل الوصيف إلي و قرب مني و قال: يا سكينة إن جدك يسلم عليك، فقلت: و علي رسول الله السلام، [يا رسول] من أنت؟ قال: وصيف من


وصائف الجنة، فقلت: من هؤلاء المشيخة الذين جاءوا علي النجب؟ قال: الاول آدم صفوة الله، و الثاني إبراهيم خليل الله، و الثالث موسي كليم الله، و الرابع عيسي رونح الله، فقلت: من هذا القابض علي لحيته يسقط مرة و يقوم اخري؟ فقال: جدك رسول الله صلي الله عليه و آله، فقلت: و أين هم قاصدون؟ قال: إلي أبيك الحسين عليه السلام.

فأقبلت أسعي في طلبه لاعرفه ما صنع بنا الظالمون بعده، فبينما أنا كذلك إذ أقبلت خمسة هوادج من نور في كل هودج إمرأة، فقلت: من هذه النسوة المقبلات؟ قال الاولي حواء ام البشر، الثانية آسية بنت مزاحم، و الثالثة مريم ابنة عمران، و الرابعة خديجة بنت خويلد، فقلت: من الخامسة الواضعة يدها علي رأسها تسقط مرة و تقوم اخري؟ فقال: جدتك فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله ام أبيك، فقلت: و الله لاخبرنها ما صنع بنا، فلحقتها و وقفت بين يديها أبكي و أقول: يا أماه [228] جحدوا و الله حقنا، يا أماه بددوا و الله شملنا، يا أماه استباحوا و الله حريمنا، يا أماه قتلوا و الله الحسين أبانا.

فقالت: كفي صوتك يا سكينة فقد أحرقت [229] كبدي، و قطعت نياط قلبي، هذا قميص أبيك الحسين عليه السلام معي لا يفارقني حتي ألقي الله به، ثم انتبهت و أردت كتمان ذلك المنام، و حدثت به أهلي فشاع بين الناس [230] .

و قال السيد: و قالت سكينة: فلما كان اليوم الرابع من مقامنا، رأيت في المنام [رؤيا] ، و ذكرت مناما طويلا تقول في آخره: و رأيت إمرأة راكبة في هودج، و يدها موضوعة علي رأسها، فسألت عنها، فقيل لي: هذه فاطمة بنت محمد ام أبيك، فقلت: و الله لانطلقن إليها و لا خبرنها بما صنع بنا، فسعيت مبادرة نحوها حتي لحقت بها، فوقفت بين يديها أبكي و أقول: يا أماه جحدوا و الله حقنا، يا أماه بددوا و الله شملنا، يا أماه الستباحوا و الله حريمنا، يا أماه قتلوا و الله الحسين عليه السلام أبانا، فقالت لي: كفي صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبي، هذا قميص أبيك الحسين عليه السلام لا يفارقني حتي ألقي الله [به] .


و قال السيد و ابن نما: و روي ابن لهيعة، عن أبي الاسود محمد بن عبد الرحمن قال: لقيني رأس الجالوت، فقال: و الله إن بيني و بين داود لسبعين [231] أبا، و إن اليهود تلقاني فتعظمني! و أنتم ليس بينكم و بين ابن [بنت] نبيكم إلا أب واحد قتلتموه [232] .

و روي عن زين العابدين عليه السلام أنه لما اتي برأس الحسين عليه السلام إلي يزيد كان يتخذ مجالس الشراب و يأتي برأس الحسين عليه السلام و يضعه بين يديه و يشرب عليه، فحضر في مجلسه ذات يوم رسول ملك الروم، و كان من أشراف الروم و عظمائهم، فقال: يا ملك العرب هذا رأس من؟ فقال له يزيد: مالك و لهذا الرأس؟ فقال: إني إذا رجعت إلي ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس و صاحبه، حتي يشاركك في الفرح و السرور، فقال له يزيد: هذا رأس الحسين بن علي ابن أبي طالب، فقال الرومي: و من امه؟ فقال: فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله فقال النصراني: اف لك و لدينك، لي دين أحسن من دينك [233] إن أبي من حوافد داود عليه السلام و بيني و بينه آباء [234] كثيرة، و النصاري يعظموني و يأخذون من تراب قدمي، تبركا بأني [235] من حوافد داود عليه السلام، و أنتم تقتلون ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و ما بينه و بين نبيكم [236] إلا ام واحدة، فأي دين دينكم؟ ثم قال ليزيد: هل سمعت حديث كنيسة الحافر؟ فقال له: قل حتي أسمع، فقال: بين عمان و الصين بحر مسيرة سنة ليس فيها عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين [فرسخا] ما علي وجه الارض بلدة أكبر منها، و منها يحمل الكافور و الياقوت، [و] أشجارهم العود و العنبر، و هي في أيدي النصاري، لا ملك لاحد من الملوك فيها سواهم، و في تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر، في محرابها حقة [من] ذهب معلقة، فيها حافر يقولون: إن هذا حافر حمار كان يركبه عيسي


عليه السلام، و قد زينوا حول الحقة بالذهب و الديباج، يقصدها في كل عام عالم من النصاري، و يطوفون حولها و يقبلونها و يرفعون حوائجهم إلي الله تبارك و تعالي [عندها] ، هذا شأنهم و دأبهم بحافر حمار يزعمون أن حافر حمار كان يركبه عيسي عليه السلام نبيهم، و أنتم تقتلون ابن بنت نبيكم؟ فلا بارك الله تعالي فيكم في دينكم.

فقال يزيد: اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده، فلما أحس النصراني بذلك قال له: [أ] تريد أن تقتلني؟ قال: نعم، قال: أعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول لي: يا نصراني أنت من أهل الجنة! فتعجبت من كلامه، و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله، ثم وثب إلي رأس الحسين عليه السلام فضمه إلي صدره، و جعل يقبله و يبكي حتي قتل [237] .

و قال ابن شهرآشوب: و سمع أيضا صوته بدمشق يقول: " لا قوة إلا بالله " و سمع أيضا يقول [238] : " ان أصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا " [239] ، فقال زيد ابن أرقم: أمرك أعجب يا ابن رسول الله [240] .

و قال صاحب المناقب: و ذكر أبو مخنف و غيره أن يزيد لعنه الله أمر بأن يصلب رأس الحسين عليه السلام علي باب داره، و أمر بأهل بيت الحسين عليه السلام أن يدخلوا داره، فلما دخلت النسوة دار يزيد لم يبق من آل معاوية و لا أبي سفيان أحد إلا استقبلهن بالبكاء و الصراخ و النياحة علي الحسين عليه السلام، و ألقين ما عليهن من الثياب و الحلي و أقمن المآتم عليه ثلاثة أيام.

و خرجت هند بنت عبد الله بن عار بن كريز إمرأة يزيد - و كانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السلام - حتي شقت الستر [241] و هي حاسرة، فوثبت إلي يزيد و هو في مجلس عام، فقالت: يا يزيد أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله مصلوب علي فناء بأبي؟ فوثب إليها يزيد فغطاها، و قال: نعم، فاعولي عليه يا هند و أبكي علي ابن بنت


رسول الله صلي الله عليه و آله و صريخة قريش، عجل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله، قتله الله.

ثم إن يزيد لعنه الله أنزلهم في داره الخاصة، فما كان يتغدي و لا يتعشي حتي يحضر علي بن الحسين عليهما السلام. [242] .

و قال السيد و غيره: و خرج زين العابدين عليه السلام يوما يمشي في أسواق دمشق فاستقبله المنهال بن عمرو، فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ قال: أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم، يا منهال أمست العرب تفتخر علي العجم بأن محمدا عربي، و أمست قريش تفتخر علي سائر العرب بأن محمدا منها، و أمسينا معشر أهل بيته و نحن مغصوبون مقتولون مشردودن، فإنا لله و إنا إليه راجعون مما أمسينا فيه يا منهال.

و لله در مهيار [243] حيث قال: يعظمون له أعواد منبره و تحت أرجلهم أولاده وضعوا بأي حكم بنوه يتبعونكم و فخركم أنكم صحب له تبع قال: و دعا يزيد يوما بعلي بن الحسين عليهما السلام و عمرو بن الحسن عليه السلام و كان عمرو صغيرا يقال ان عمره أحد عشرة سنة، فقال له: أ تصارع هذا؟ - يعني ابنه خالد - فقال له عمرو: لا و لكن أعطني سكينا و أعطه سكينا ثم اقاتله، قال يزيد: " شنشنة أعرفها من أخزم "، " هل تلد الحية إلا الحية ".

و قال لعلي بن الحسين عليهما السلام: اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن، فقال [له] : الاولي: أن تريني وجه سيدي و أبي و مولاي الحسين عليه السلام فأتزود منه و أنظر إليه و أودعه، و الثانية: أن ترد علينا ما اخذ منا، و الثالثة: إن كنت عزمت علي قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلي حرم جدهن، فقال: أما وجه أبيك فلن [244] تراه أبدا، و أما قتلك فقد عفوت عنك، و أما النساء فلا يردهن [245] إلي المدينة


غيرك، أما ما اخذ منكم فأنا اعوضكم عنه [246] أضعاف قيمته، فقال عليه السلام: أما مالك فما [247] نريده، و هو موفر عليك، و إنما طلبت ما اخذ منا لان فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله و مقنعتها و قلادتها و فميصها، فأمر برد ذلك و زاد عليه [248] مائتي دينار، فأخذها زين العابدين عليه السلام و فرقها في الفقراء و المساكين، ثم أمر برد الاساري و سبايا البتول [249] إلي أوطانهم بمدينه الرسول صلي الله عليه و آله [250] .

قال ابن نما: و أما الرأس الشريف اختلف الناس فيه، إلي آخر ما سيأتي من كلامه و كلام السيد و كلام صاحب المناقب في الباب الاتي إن شاء الله تعالي.

[251] ثم قال المفيد و صاحب المناقب - و اللفظ لصاحب المناقب -: و روي أن يزيد عرض عليهم المقام بدمشق فأبوا ذلك و قالوا: بل ردنا إلي المدينة فإنها مهاجر جدنا، فقال للنعمان بن بشير صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله: جهز هؤلاء بما يصلحهم و أبعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا خيرا [و أبعث معهم خيلا] و أعوانا، ثم كساهم و حباهم و فرض لهم الارزاق و الانزال.

ثم دعا بعلي بن الحسين عليهما السلام، فقال له: لعن الله ابن مرجانة أما و الله لو كنت صاحبه ما سألني خلة إلا أعطيتها إياه، و لدفعت عنه الحتف بكل ما قدرت عليه، و لو بهلاك بعض ولدي، و لكن قضي الله ما رأيت، فكاتبني و أنه إلي كل حاجة تكون لك، ثم أوصي بهم الرسول.

فخرج بهم الرسول يسايرهم فيكون أمامهم، فإذا نزلوا تنحي عنهم و تفرق هو و أصحابه كهيئة الحرس، ثم ينزل بهم حيث أراد أحدهم الوضوء، و يعرض عليهم حوائجهم، و يلاطفهم حتي دخلوا المدينة.

قال الحارث بن كعب: قالت [لي] فاطمة بنت علي عليه السلام: قلت لاختي زينب: قد وجب علينا حق هذا لحسن صحبته لنا، فهل لك أن نصله [252] ؟ قالت:


فقالت: و الله ما لنا ما نصله به إلا أن نعطيه حلينا، فأخذت سواري و دملجي و سوار اختي و دملجها فبعثنا بها إليه و اعتذرنا من قلتها، و قلنا: هذا بعض جزائك لحسن صحبتك إيانا، فقال: لو كان الذي صنعت للدنيا كان في دون هذا رضاي، و لكن و الله ما فعلته إلا لله و قرابتكم من رسول الله صلي الله عليه و آله.

[253] ثم قال السيد: و لما رجعت نساء الحسين عليه السلام و عياله من الشام و بلغوا إلي العراق، قالوا للدليل: مر بنا علي طريق كربلاء، فوصلوا موضع المصرع، فوجدوا جابر ابن عبد الله الانصاري - رحمة الله عليه - و جماعة من بني هاشم و رجالا [254] من آل رسول الله صلي الله عليه و آله و قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام، فوافوا في وقت واحد، و تلاقوا بالبكاء و الحزن و للطم، و أقاموا المآتم المقرحة للاكباد، و اجتمع إليهم نساء ذلك السواد، و أقاموا علي ذلك أياما.

فروي عن أبي حباب الكلبي قال: حدثنا الجصاصون، قالوا: كنا نخرج إلي الجبانة في الليل عند مقتل الحسين عليه السلام، فنسمع الجن ينوحون عليه فيقولون: مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود أبواه من عليا [255] قريش وجده خير الجدود قال: ثم انفصوا من كربلاء طالبين المدينة.

قال بشير بن حذلم [256] : فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين عليهما السلام، فحط رحله، و ضرب فسطاطه، و أنزل نساءه، و قال: يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعرا، فهل تقدر علي شيء منه؟ قلت: بلي يا بن رسول الله إني لشاعر، قال: فادخل المدينة، فلما بلغت مسجد النبي صلي الله عليه و آله رفعت صوتي بالبكاء و أنشأت أقول: يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار الجسم منه بكربلاء مضرج و الرأس منه علي القناة يدار


قال: ثم قلت: هذا علي بن الحسين مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم، و نزلوا بفنائكم، و أنا رسوله إليكم، اعرفكم مكانه.

[قال:] فما بقيت في المدينة مخدرة و لا محجبة إلا برزن من خدورهن، مكشوفة شعورهن، مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل و الثبور، فلم أرباكيا أكثر من ذلك اليوم، و لا يوما أمر علي المسلمين منه، و سمعت جارية تنوح علي الحسين عليه السلام فتقول: نعي سيدي ناع نعاه فأوجعا و أمرضني ناع نعاه فأفجعا فعيني جودا بالدموع و أسكبا وجودا بدمع بعد دمعكما معا علي من دهي عرش الجليل فزعزعا فأصبح هذا المجد و الدين أجدعا علي ابن نبي الله و ابن وصيه و إن كان عنا شاحط الدار أشسعا [257] ثم قالت: أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد الله عليه السلام، و خدشت منا قروحا لما تندمل، فمن أنت رحمك الله؟ فقلت: أنا بشير بن حذلم [258] وجهني مولاي علي ابن الحسن عليهما السلام و هو نازل في موضع كذا و كذا مع عيال أبي عبد الله عليه السلام و نسائه، قال: فتركوني مكاني و بادروا [259] .

فضربت فرسي حتي رجعت إليهم، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق و المواضع، فنزلت عن فرسي و تخطيت [260] رقاب الناس حتي قربت من باب الفسطاط و كان علي بن الحسين عليهما السلام داخلا و معه خرقة يمسح بها دموعه، و خلفه خادم معه كرسي، فوضعه له و جلس عليه و هو لا يتمالك من العبرة، و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء، و حنين الجواري و النساء، و الناس من كل ناحية يعزونه، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة، فأومأ بيده أن اسكتوا فسكنت [261] فورتهم، فقال عليه السلام:


الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين بارئ الخلائق أجمعين، الذي بعد فارتفع في السماوات العلي، و قرب فشهد النجوي، نحمده علي عظائم الامور، و فجائع الدهور، و ألم الفجائع، و مضاضة اللواذع، و جليل الرزء، و عظيم المصائب الفاضعة، الكاظة الفادحة الجائحة [262] .

أيها الناس [263] إن الله - و له الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة، و ثلمة في الاسلام عظيمة، قتل أبو عبد الله و عترته، و سبي نساؤه و صبيته، و داروا برأسه في البلدان، من فوق عامل [264] السنان، و هذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله؟ أم أية عين منكم تحبس دمعها، و تضن عن انهمالها؟! فلقد بكت السبع الشداد لقتله، و بكت البحار بأمواجها، و السماوات بأركانها، و الارض بأرجائها، و الاشجار بأغصانها، و الحيتان، و لجج البحار، و الملائكة المقربون و أهل السماوات أجمعون.

[يا] أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أي فؤاد لا يحن إليه؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام [و لا يصم] ؟ أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين [و] شاسعين عن الامصار، كأنا أولاد ترك و كابل، من جرم اجتر مناه، و لا مكروه ارتكبناه، و لا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الاولين، إن هذا إلا اختلاق، و الله لو أن النبي صلي الله عليه و آله تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما ازدادوا علي ما فعلوا بنا، فإنا لله و إنا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، و أوجعها، و أفجعها، و أكظها، و أفظها [265] ، و أمرها، و أفدحها، فعند الله نحتسب فيما أصابنا، و ما بلغ بنا، [266] إنه عزيز ذو انتقام.

قال: فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان، و كان زمنا، فاعتذر إليه صلوات


الله عليه بما عنده من زمانة رجليه، فأجابه بقبول معذرته و حسن الظن فيه، و شكر له، و ترحم علي أبيه [267] .

ثم قال السيد: روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: إن زين العابدين عليه السلام بكي علي أبيه أربعين سنة، صائما نهاره قائما ليله، فإذا حضر الافطار جاء [ه] غلامه بطعامه و شرابه، فيضعه بين يديه، فيقول: كل يا مولاي، فيقول: قتل ابن رسول الله صلي الله عليه و آله جائعا، قتل ابن رسول الله صلي الله عليه و آله عطشانا، فلا يزال يكرر ذلك و يبكي حتي يبل طعامه من دموعه، ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتي لحق بالله عز و جل.

و حدث مولي له أنه عليه السلام برز يوما إلي الصحراء، قال: فتبعته فوجدته قد سجد علي حجارة خشنة، فوقفت و أنا أسمع شهيقه و بكاءه، و أحصيت عليه ألف مرة [يقول:] لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله تعبدا ورقا، لا إله إلا الله إيمانا و صدقا [268] ، ثم رفع رأسه من السجود و إن لحيته و وجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه، فقلت: يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي، و لبكائك أن يقل؟! فقال لي: ويحك، إن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام كان نبيا ابن نبي، كان له اثنا عشر ابنا، فغيب الله سبحانه واحدا منهم، فشاب رأسه من الحزن، و احدودب ظهره من الغم، و ذهب بصره من البكاء و ابنه حي في دار الدنيا، و أنا فقدت أبي وأخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعي مقتولين، فكيف ينقضي حزني و يقل بكائي؟.

[269] توضيح: [270] قوله: - لعنه الله - " تصهرهم الشمس " أي تذيبهم، و المخصرة بكسر الميم كالسوط، و كلما اختصر الانسان بيده فأمسكه من عصا و نحوها، و الاسل الرمح، و شمخ الرجل بأنفه تكبر، و عطفا الرجل بالكسر جانباه، و النظر في العطف كناية عن الخيلاء، و الجذل بالتحريك الفرح، و قد جذل بالكسر يجذل فهو جذلان.

و قولها: " يحدو بهن " أي يسوقهن سوقا شديدا، و استشرف الشيء: رفع بصره ينظر إليه، و المنقل الطريق في الجبل، و المنقلة المرحلة من مراحل السفر، قولها عليها السلام:


" و كيف يستبطئ في بغضنا " أي لا يطلب منه الابطاء و التأخير في البغض، و الشنف بالتحريك البغض و التنكر، و الاحن بكسر الهمزة و فتح الحاء جمع الاحنة بالكسر و هي الحقد، والانتحاء الاعتماد و الميل، و انتحيت لفلان أي عرضت له، و أنحيت علي حلقه السكين أي عرضت، و نكأت القرحة قشرتها.

و قال الفيروز آبادي: الشأفة قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوي فتذهب، و إذا قطعت مات صاحبها، و الاصل، و استأصل الله شأفته أذهبه كما تذهب تلك القرحة، أو معناه أزاله من أصله، انتهي، و يقال: خرج وشيكا أي سريعا، و الفري القطع.

قولها: و " لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك " يحتمل أن يكون مخاطبتك مرفوعا بالفاعلية، أي إن أو قعت علي مخاطبتك البلايا، فلا أبالي و لا أعظم قدرك، أو يكون منصوبا بالمفعولية، أي إن أو قعتني دواهي الزمان إلي حال إحتجت إلي مخاطبتك فلست معظمة لقدرك.

قولها: " تنطف " بكسر الطاء و ضمها أي تقطر، و قال الفيروز آبادي: " تحلب عينه وفوه " أي سألا، و العواسل الذئاب السريعة العدو، قولها: " و تعفوها أمهات الفراعل " من قولهم: عفت الريح المنزل أي درسته أو من قولهم: فلان تعفوه الاضياف أي تأتيه كثيرا، و في بعض النسخ: تعفرها أي تلطخها بالتراب عند الاكل، و في بعضها بالقاف من العقر بمعني الجرح، و منه كلب عقور، و الفرعل بالضم ولد الضبع، في رواية السيد: أمهات الفراعل، و هو أظهر، " و الفند " بالتحريك الكذب و ضعف الرأي، و البهلول من الرجال الضحاك، و ربط العنان كناية عن ترك المحارم و ملازمة الشريعة في جميع الامور، و فلان شديد الشكيمة: إذا كان شديد النفس أنفا أبيا، و وجأته بالسكين ضربته.

و النياط بالكسر عرق علق به القلب من الوتين، فإذا قطع مات صاحبه، و الشنشنة الخلق و الطبيعة، الشحط البعد، و الشاسع البعيد، و اللواذع المصائب المحرقة الموجعة و يقال: كظني هذا الامر أي جهدني من الكرب، و الجائحة الشدة التي تستأصل المال و غيره، و قال الجوهري: عامل الرمح ما يلي السنان.



پاورقي

[1] في الاصل: صاحب.

[2] الشوري: 23.

[3] الاسراء: 26.

[4] الاحزاب: 33.

[5] علينا / خ.

[6] في المصدر: تعينني.

[7] في البحار: و فرقت، أي خفت و فزعت.

[8] ص 140 ح 3 و البحار: 45 / 154 ح 3.

[9] ليس التوضيح لما تقدم، بل التوضيع للآية من علي بن إبراهيم.

[10] الحج: 60.

[11] في البحار: وقعة.

[12] ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

[13] ما بين المعقوفين من المصدر و البحار.

[14] في بعض نسخ المصدر: حسين عليه السلام.

[15] تفسير القمي ص 442 و البحار: 45 / 167 ح 12.

[16] في الاصل: بفناء.

[17] أي اشتد، و في الاصل: و استجر.

[18] شرح نهج البلاغة: 14 / 280 و البحار: 45 / 156.

[19] بکر ار / خ، و في المصدر: بکران.

[20] في المصدر: لا تفعل.

[21] في المصدر: فارتعت.

[22] في المصدر: عن.

[23] في البحار وإحدي نسختي الاصل: درهم.

[24] في البحار وإحدي نسختي الاصل: درهم کما تقدم.

[25] في المصدر: جارية له.

[26] في الاصل: فدعا.

[27] في المصدر: فأعطاهم.

[28] في المصدر و البحار: الجارية.

[29] في الاصل و البحار: فاحضرت.

[30] في البحار: أن يفتح، و في المصدر: أن يفتحهما.

[31] إبراهيم: 42.

[32] في المصدر: الوجه.

[33] الشعراء: 227.

[34] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: و دخل.

[35] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: حين علمت أنه.

[36] في المصدر: و لقالوا.

[37] في المصدر: المجلس.

[38] في المصدر: السنة.

[39] في المصدر: ثم سمعت دويا کالأَول فإذا مناد ينادي.

[40] في المصدر و البحار: الزلازل.

[41] في المصدر: بواحد واحد فيهلک.

[42] في الاصل: سليمان بن الاعمش.

[43] المخطوط ص 298 ح 75 و البحار: 45 / 184 ح 31.

[44] في الاصل و المصدر: وجئ.

[45] ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

[46] في المصدر: فجزيناه.

[47] الروم: 10.

[48] في الاصل: إليک.

[49] آل عمران: 178.

[50] قبيحة / خ.

[51] في الاصل يظهره.

[52] في البحار وإحدي نسختي الاصل: منتحيا.

[53] يقال نکأت القرحة أنکؤها، إذا قشرتها.

" النهاية ج 1 ص 117 ".

[54] صرحت / خ.

[55] في المصدر: و إياک لم يلد، أو حين.

[56] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: علي من.

[57] في المصدر: ذمارنا.

[58] في المصدر: بقتلهم.

[59] آل عمران: 169 - 170.

[60] في المصدر: و أيکم.

[61] في المصدر: تلک الجئت.

[62] في الاصل و المصدر: الجيوب.

[63] أي ولد الضبع، و في المصدر: الفواعل.

[64] في الاصل و البحار: لتتخذنا.

[65] في المصدر: و الانتخاب.

[66] في البحار: لاوصيائه.

[67] في المصدر: و ختم لاصفيائه بالشهادة.

[68] 2 / 34 و البحار: 45 / 157 ح 5.

[69] آل عمران: 159.

[70] في المصدر: يؤديهن - لا يؤديهن.

[71] في المصدر: يؤديهن - لا يؤديهن.

[72] 2 / 38 و البحار: 45 / 161 ح 6.

[73] في المصدر: قرون.

[74] في الاصل: علي.

[75] الشوري: 23.

[76] الاسراء: 26.

[77] الانفال: 41.

[78] في المصدر و البحار واحدي نسختي الاصل: بلي.

[79] الاحزاب: 33.

[80] في المصدر: و أبرأ إليک ممن قتل أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله.

[81] 2 / 33 و البحار: 45 / 166 ح 9.

[82] في الاصل و البحار: المروة.

[83] الکتاب / خ.

[84] في المصدر و البحار: فقال علي عليه السلام: الله أکبر کبيرا.

[85] في الاصل: أمسيت.

[86] اقتباس من سورة البقرة، آية: 49.

[87] 3 / 305 و البحار: 45 / 174 ح 22.

[88] قال الميداني في مجمع الامثال ج 1 ص 361 تحت الرقم 1933: " شنشنة أعرفها من أخزم " قال ابن الکلبي: إن الشعر لابي أخزم الطائي، و هو جد أبي حاتم أوجد جده، و کان له ابن يقال له أخزم، و قيل: کان عاقا، فمات و ترک بنين فوثبوا يوما علي جدهم أبي أخزم فأدموه فقال: إن بني ضرجوني: بالدم شنشنة أعرفها من أخزم.

يعني أن هؤلاء أشهوا أباهم في العقوق، و الشنشنة: الطبيعة و العادة، يضرب في قرب الشبه.

[89] مثل أصله " إن العصا من العصية "، راجع مجمع الامثال للميداني ج 1 ص 15 تحت الرقم 32، و في المصدر و البحار: " هذا من العصا عصية ".

[90] فقال / خ.

[91] 3 / 309 و البحار: 45 / 175.

[92] الکهف: 9.

[93] المطوط 298 ح 74 و البحار: 45 / 188 ح 32.

[94] في الاصل: الحسين بن يزيد.

[95] في البحار: لبس و في احدي نسخ الاصل: لبست.

[96] 2 / 420 ح 195 و البحار: 45 / 188 ح 33.

[97] في المصدر: فرفعنا.

[98] في المصدر: فطراطن.

[99] في نسخة من الاصل: العراق / خ، و في اخري: الروم و العراق.

[100] ص 339 ح 6 و البحار: 45 / 177 ح 26.

[101] يطبع / خ، و في البحار: يطلع.

[102] ص 583 و البحار: 45 / 154 ح 2.

[103] في الاصل: برزعة.

[104] في المصدر: وجوههم.

[105] ص 14 و البحار: 45 / 169 ح 15.

[106] ما بين القوسين ليس في المصدر.

[107] الرطانة: بفتح الراء و کسرها، و التراطن: کلام لا يفهمه الجمهور، و إنما هو مواضعة بين اثنين أو جماعة، و العرب تخص بها غالبا کلام العجم.

" النهاية ج 2 ص 233 ".

[108] ص 337 ح 1 و البحار: 45 / 177 ح 25.

[109] في المصدر: عبيد الله بن طلحة.

[110] في المصدر: مغطي.

[111] 2 / 289 و البحار: 45 / 177 ح 27.

[112] الشوري: 30.

[113] الحديد: 22 - 23.

[114] ص 603 و البحار: 45 / 168 ح 13.

[115] في المصدر: لعن الله من قتل أبي، أفتري ألعن ربي؟.

[116] تفسير القمي ص 665 و البحار: 45 / 168 ح 14.

[117] في المصدر: علي ما يلي.

[118] في الاصل: و آل يزيد.

[119] عيون أخبار الرضا: 2 / 21 ح 50 و البحار: 45 / 176 ح 23، و رواه الصدوق في الفقية: 4 / 419 ح 5915.

[120] في المصدر: و لو لم إلا أنا.

[121] 2 / 22 ح 51 و البحار: 45 / 176 ح 24.

[122] محسوب / خ.

[123] في الاصل: فهو.

[124] في البحار: لست.

[125] ص 61 ح 152 و البحار: 45 / 200 ح 41.

[126] البحار: 45 / 199 ح 40.

[127] قنسرين: بکسر أوله و فتح ثانيه و تشديده، و قد کسره قوم، ثم سين مهملة: مدينة بينها و بين حلب مرحلة، کانت عامرة بأهلها، فلما غلب الروم علي حلب في سنة إحدي و خمسين و ثلثمأة خاف أهل قنسرين وجلوا عنها و تفرقوا في البلاد، و لم يبق بها إلا خان تنزله القوافل." مراصد الاطلاع ج 3 ص 1126 ".

[128] البحار: 45 / 172 ح 20.

[129] في الاصل: بسرور.

[130] في الاصل: کان.

[131] البحار: 45 / 189 ح 36.

[132] البحار: 45 / 194.

[133] في البحار: خلقهن.

[134] في البحار: خلقهن.

[135] أخينا / خ.

[136] هکذا و الظاهر أنها تصحيف " قتب "، حتي يستقيم الوزن.

[137] الظاهرات / خ.

[138] البحار: 45 / 195.

[139] في الاصل: بمحضر، و في البحار: بمخفر.

[140] ما بين القوسين ليس في البحار، و في الاصل: محضر.

[141] اللهوف ص 71 و البحار: 45 / 124.

[142] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: زجر.

[143] إرشاد المفيد ص 275 و البحار: 45 / 124.

[144] البحار: 45 / 125.

[145] دفعنا / خ.

[146] في الاصل: له.

[147] في البحار: بحربته.

[148] اللهوف ص 72 و البحار: 45 / 125.

[149] في البحار: و سابق.

[150] البحار: 45 / 126.

[151] في المصدر: من.

[152] اللهوف ص 73 و البحار: 45 / 127.

[153] في البحار: أعرابيا.

[154] في البحار: يا سعد.

[155] البحار: 45 / 127، و ذکره الخوارزمي في مقتل الحسين ج 2 ص 60.

[156] في الاصل و البحار: شهد برأس الحسين عليه السلام.

[157] في الاصل و البحار: قتلوا جهارا عامدين رسولا.

[158] في المصدر: و لم يترقبوا.

[159] في المصدر: و هم في ذلک الموضع.

[160] في المصدر: عن.

[161] الشوري: 23.

[162] الاسراء: 26.

[163] ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

[164] الانفال: 41.

[165] الاحزاب: 33.

[166] في المصدر: خصنا الله.

[167] فبکي / خ.

[168] في المصدر: إنا نبرا.

[169] في الاصل: ثم قال لي هل من توبة.

[170] اللهوف ص 73 و البحار: 45 / 129.

[171] في البحار: زحر.

[172] في الاصل: فغدونا.

[173] في المصدر: مزملة.

[174] في المصدر: أني.

[175] في الاصل: محضر، و في البحار: مخفر، و کذا الذي يلي.

[176] في المصدر و البحار: الرأس.

[177] في الاصل: أشد.

[178] إرشاد المفيد ص 275 و مثير الحزان ص 98 و البحار: 45 / 129.

[179] مثل / خ و البحار.

[180] البحار: 45 / 130 6 - في المصدر: رجال.

[181] في المصدر: في.

[182] إرشاد المفيد ص 276 و البحار: 45 / 131.

[183] آل عمران: 26.

[184] مثير الاحزان ص 98 و البحار: 45 / 131.

[185] في المصدر: الصفة.

[186] في الاصل: ينظرون.

[187] اللهوف ص 74 و البحار: 45 / 131.

[188] الحديد: 22.

[189] مثير الاحزان ص 98 - 101 و البحار: 45 / 132.

[190] الروم: 10.

[191] في الاصل: تقول: أظننت.

[192] حين / خ.

[193] في المصدر: خفالک.

[194] آل عمران: 178.

[195] في المصدر: بغضاء.

[196] في المصدر: لاهلوا.

[197] في المصدر: ممن ظلمنا.

[198] في المصدر: و لا حززت.

[199] آل عمران: 169.

[200] في المصدر: سول لک.

[201] في المصدر: و أستکثر.

[202] في البحار: و تعفوها.

[203] مثل أصله " لا تقتن من کلب سوء جروا "، راجع مجمع الامثال ج 2 ص 226 تحت الرقم 3555.

[204] اللهوف ص 76 و البحار: 45 / 133.

[205] الحديد: 22.

[206] إرشاد المفيد ص 276 و البحار: 45 / 135، و الآية من سورة الشوري: 30.

[207] راية / خ.

[208] بعد / خ.

[209] البحار 45 / 135.

[210] في الاصل و البحار: علي هذا.

[211] اللهوف ص 78.

[212] في البحار: و لومت.

[213] في البحار: لسلطانک.

[214] إرشاد المفيد ص 276 و البحار 45 / 136.

[215] في الاصل و البحار: الخاطب.

[216] في الاصل و البحار: الخاطب.

[217] اللهوف ص 78 و البحار: 45 / 137.

[218] في الاصل: فأکلم.

[219] الزکاة / خ.

[220] الزکاة / خ.

[221] في البحار: و أنتم.

[222] تذروني / خ.

[223] لم يزل / خ.

[224] البحار: 45 / 137.

[225] في المصدر و البحار: ببيت.

[226] في المصدر: عن.

[227] أمالي الصدوق ص 142 ح 4 و البحار: 45 / 140.

[228] في البحار واحدي نسختي الاصل: يا أمتاه، و کذا التي تلي.

[229] أقرحت / خ.

[230] مثير الاحزان ص 104 و البحار: 45 / 140.

[231] تسعين / خ.

[232] في اللهوف: قتلتم ولده.

[233] في اللهوف: دينکم.

[234] في اللهوف: مدة.

[235] في اللهوف و البحار: بأبي.

[236] في اللهوف: و ما بينه و بينکم.

[237] اللهوف ص 79 و مثير الاحزان ص 103 و البحار: 45 / 141.

[238] في المصدر و البحار: يقرأ.

[239] الکهف: 9.

[240] مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 218 و البحار: 45 / 304.

[241] في الاصل: الستور.

[242] البحار: 45 / 142، و ذکره الخوارزمي في مقتل الحسين ج 2 ص 73.

[243] في الاصل: مهياز.

[244] في اللهوف: فلا.

[245] في البحار وإحدي نسختي الاصل: فما يؤديهن.

[246] في الاصل: منه.

[247] في اللهوف: فلا.

[248] في اللهوف: و زاد فيه من عنده.

[249] في اللهوف: الحسين.

[250] اللهوف ص 89 و البحار: 45 / 143.

[251] مثير الاحزان ص 70106.

[252] في البحار وإحدي نسختي الاصل: تصله.

[253] البحار: 45 / 145.

[254] في البحار: و رجلا.

[255] في المصدر: أعلي.

[256] في الاصل: بشير بن جذلم.

[257] في المصدر: أشعثا، و يقال: " رجل شاسع الدار " أي بعيدها.

[258] في الاصل: بشير بن جذلم.

[259] في المصدر: و بادروني.

[260] في الاصل: و تخطأت.

[261] فسکت / خ.

[262] الجائحة: کل مصيبة عظيمة و فتنة مبيرة " النهاية ج 1 ص 312 ".

[263] في المصدر: القوم.

[264] في المصدر: عالي.

[265] في المصدر: و أفظعها.

[266] في المصدر: و أبلغ بنا.

[267] اللهوف ص 82 و البحار: 45 / 146.

[268] في الاصل: و تصديقا.

[269] اللهوف ص 87 و البحار: 45 / 149.

[270] البحار: 45 / 152.