بازگشت

فيما وقع من دخول أهل البيت الكوفة إلي خروجهم منا إلي الشام


1 - الاحتجاج: عن حذيم بن شريك الاسدي قال: لما أتي علي بن الحسين زين العابدين عليهم السلام بالنسوة من كربلاء، و كان مريضا، و إذا نساء أهل الكوفة ينتد بن مشققات الجيوب، و الرجال معهن يبكون، فقال زين العابدين عليه السلام بصوت ضئيل و قد نهكته العلة: إن هؤلاء يبكون [علينا] ، فمن قتلنا غيرهم؟ فأومأت زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام إلي الناس بالسكوت.

قال حذيم الاسدي: فلم أر و الله خفرة أنطق منها، كأنها [1] تنطق و تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام، و قد أشارت إلي الناس بأن انصتوا، فارتدت الانفاس


و سكنت الاجراس.

ثم قالت بعد حمد الله تعالي و الصلاة علي رسوله صلي الله عليه و آله: أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل [2] و الغدر [3] ، ألا فلا رقأت العبرة، و لا هدأت الزفرة، إنما مثلكم [ك] مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، هل فيكم إلا الصلف و العجب، و الشنف [4] و الكذب، و ملق و غمز الاعداء، كمرعي [5] علي دمنة، أو كفضة [6] علي ملحودة، ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون.

أ تبكون [علي أخي] ؟ (اي) أجل و الله فابكوا، فإنكم و الله أحق [7] بالبكاء، فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا، فقد بليتم بعارها، و منيتم بشنارها، و لن ترحضوها أبدا، وأني ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، و معدن الرسالة، و سيد شباب أهل الجنة، و ملاذ حربكم، و معاذ حزبكم، و مقر سلمكم، و آسي كلمكم، و مفرع نازلتكم، و المرجع إليه عند مقالتكم [8] ، و مدره حججكم، و منار محجتكم، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم، و ساء ما تزرون، ليوم بعثكم، فتعسا تعسا و نكسا نكسا! لقد خاب السعي، و تبت الايدي، و خسرت الصفقة، و بؤتم بغضب من الله، و ضربت عليكم الذلة و المسكنة.

أ تدرون ويلكم أي كبد لمحمد صلي الله عليه و آله فريتم [9] ؟ وأي عهد نكثتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي حرمة له هتكتم؟ وأي دم له سفكتم؟ لقد جئتم إدا تكاد السماوات يتفطرن منه، و تنشق الارض و تخر الجبال هذا! لقد جئتم بها شوهاء، [صلعاء، عنقاء، سوداء، فقماء] [10] خرقاء [ك] طلاع الارض و [ملء] السماء، أفعجبتم أن تمطر [11] السماء دما؟ و لعذاب الآخرة أخزي و هم لا ينصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه


عز و جل من لا يحفزه [12] البدار و لا يخشي [13] عليه فوت الثأر، كلا إن ربك لنا و لهم لبالمرصاد، ثم أنشأت تقول: ماذا تقولون إذ قال النبي لكم ماذا صنعتم و أنتم آخر الامم؟ بأهل بيتي و أولادي و مكرمتي [14] منهم أساري و منهم ضرجوا بدم؟ ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي إني لاخشي عليكم أن يحل بكم مثل العذاب الذي أودي علي إرم ثم ولت عنهم.

قال حذيم: فرأيت الناس حياري قد ردوا أيديهم في أفواههم، فالتفت إلي شيخ إلي [15] جانبي يبكي و قد اخضلت لحيته بالبكاء، و يده مرفوعة إلي السماء و هو يقول: بأبي و أمي كهولهم خير الكهول، [و نساؤهم خير النساء،] و شبابهم خير شباب، و نسلهم نسل كريم، و فضلهم فضل عظيم، ثم أنشد شعرا: كهولهم خير الكهول و نسلهم [16] إذا عد نسل لا يبور و لا يخزي فقال علي بن الحسين عليهما السلام: يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار، و أنت بحمد الله عالمة معلمة، فهمة مفهمة، إن البكاء و الحنين لا يرد ان من قد أباده الدهر، فسكتت، ثم نزل عليه السلام و ضرب فسطاطه، و أنزل نساءه و دخل الفسطاط [17] .

إيضاح: قولها " و آسي كلمكم " الآسي الطبيب، و الكلم الجراحة.

و قال الجوهري: " النكس " بالضم عود المرض بعد النقه، و قد نكس الرجل نكسا، يقال:


تعسا له و نكسا، و قد يفتح ههنا للازدواج، أو لانه لغة.

و في أكثر النسخ هنا " من لا يحفزه " بالحاء المهلة و الزاء المعجمة، يقال: حفزه أي دفعه من خلفه يحفزه بالكسر حفزا، و الليل يحفز النهار أي يسوقه.

قولها: " أودي " في أكثر النسخ بالدال المهملة، يقال: " أودي " أي هلك، و أودي به الموت أي ذهب، فكأن علي هنا بمعني الباء و في بعضها بالراء من أوري الزند إذا أخرج منه النار.

2 - مجالس المفيد و مجالس الطوسي: المفيد، عن محمد بن عمران، عن أحمد بن محمد الجوهري، عن محمد بن مهران، عن موسي بن عبد الرحمن، عن عمر بن عبد الواحد، عن إسماعيل بن راشد، عن حذلم بن ستير [18] قال: قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدي و ستين عند منصرف علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة من كربلاء و معهم الاجناد يحيطون بهم، و قد خرج الناس للنظر إليهم، فلما اقبل بهم علي الجمال بغير وطاء، جعل نساء الكوفة يبكين و يندبن، فسمعت علي بن الحسين عليهما السلام و هو يقول بصوت ضئيل، و قد نهكته العلة، و في عنقه الجامعة، و يده مغلولة إلي عنقه: إن هؤلاء النسوة يبكين، فمن قتلنا؟.

قال: و رأيت زينب بنت علي عليها السلام، و لم أرخفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام قال: و قد أو مأت إلي الناس أن اسكتوا، فارتدت الانفاس و سكنت الاصوات، فقالت: الحمد لله و الصلاة علي أبي رسول الله صلي الله عليه و آله.

أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل و اخذل، فلا رقأت العبرة، و لا هدأت الرنة، فإنما مثلكم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا و هل فيكم ألا الصلف و السرف [19] ، خوارون في اللقاء، عاجزون عن الاعداء، ناكثون للبيعة، مضيعون للذمة، فبئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون.


أتبكون؟ اي و الله فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا، فلقد فزتم بعارها و شنارها، و لن تغسلوا دنسها عنكم أبدا، فسليل خاتم الرسالة، و سيد شباب أهل الجنة، و ملا ذخيرتكم، و مفزع نازلتكم، و أمارة محجتكم، و مدرجة حجتكم خذلتم، و له قتلتم، ألا ساء ما تزرون، فتعسا و نكسا، و لقد خاب السعي، و تبت الايدي، و خسرت الصفقة، و بؤتم بغضب من الله، و ضربت عليكم الذلة و المسكنة.

ويلكم أ تدرون أي كبد لمحمد صلي الله عليه و آله فريتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي كريمة له أصبتم؟ لقد جئتم شيئا إذا، تكاد السماوات يتفطرن منه، و تنشق الارض، و تخر الجبال هدا، و لقد أتيتم بها خرقاء [20] شوهاء طلاع الارض و السماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دما؟ و لعذاب الاخرة أخزي، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يعجزه [21] البدار، و لا يخاف عليه فوت الثأر، كلا إن ربك لبالمرصاد.

قال: ثم سكتت، فرأيت الناس حياري قد ردوا أيديهم في أفواههم، و رأيت شيخا و قد بكي حتي اخضلت لحيته و هو يقول: كهولهم خير الكهول و نسلهم إذا عد نسل لا يخيب و لا يخزي [22] أقول: في بعض الكتب المعتبرة: روي مرسلا عن مسلم الجصاص، قال: دعاني ابن زياد عليه اللعنة لاصلاح دار الامارة بالكوفة، فبينا أنا أجصص الابواب و إذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت علي خادم كان معنا، فقلت: مالي أري الكوفة تضج؟ قال: الساعة أتو ا برأس خارجي خرج علي يزيد، فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي عليه السلام، قال: فتركت الخادم حتي خرج و لطمت وجهي حتي خشيت علي عيني أن تذهبا، و غسلت يدي من الجص و خرجت من ظهر القصر و أتيت إلي الكناس.

فبينما أنا واقف و الناس يتوقعون وصول السبايا و الرؤوس إذ قد أقبلت نحو


أربعين شقة تحمل علي أربعين جملا فيها الحرم و النساء و أولاد فاطمة، و إذا بعلي بن الحسين عليهما السلام علي بعير بغير وطاء، و أوداجه تشخب دما، و هو مع ذلك يبكي و يقول: يا امة السوء لا سقيا لربعكم يا امة لم نراع جدنا فينا لو أننا و رسول الله يجمعنا يوم القيامة ما كنتم تقولونا تسيرونا علي الاقتاب عارية كأننا لم نشيد فيكم دينا بني أمية ما هذا الوقوف علي تلك المصائب لا تلبون داعينا تصفقون علينا كفكم فرحا و أنتم في فجاج الارض تسبونا أ ليس جدي رسول الله ويلكم أهدي البرية من سبل المضلينا يا وقعة الطف قد أورثتني حزنا و الله يهتك أستار المسيئينا قال: و صار أهل الكوفة يناولون يناولون الاطفال الذين علي المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز، فصاحت بهم ام كلثوم و قالت: يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام، و صارت تأخذ ذلك من أيدي الاطفال و أفواههم و ترمي به إلي الارض، قال: كل ذلك و الناس يبكون علي ما أصابهم.

ثم إن ام كلثوم أطلعت رأسها من المحمل و قالت لهم: صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم، و تبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا و بينكم الله يوم فصل القضاء، فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت، و إذاهم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام و هو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله صلي الله عليه و آله و لحيته كسواد السبج [23] قد اتصل بها [24] الخضاب، و وجهه داره قمر طالع و المرح [25] تلعب بها يمينا و شمالا، فالتفتت زينب عليها السلام فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل، حتي رأينا الدم يخرج من تحت قناعها و أمأت إليه بخرقة و جعلت تقول: يا هلالا لما استتم كمالا غاله خسفه فأبدا غروبا


ماتو همت يا شقيق فؤادي كان هذا مقدرا مكتوبا يا أخي فاطم الصغيرة كلمها فقد كاد قلبها أن يذوبا يا أخي قلبك الشفيق علينا ماله قد قسي و صار صليبا؟ يا أخي لو تري عليا لدي الاسر مع اليتم لا يطيق وجوبا كلما أوجعوه بالضرب نادا ك بذل ييض [26] دمعا سكوبا يا أخي ضمه إليك و قربه و سكن فؤاده المرعوبا ما أذل اليتيم حين ينادي بأبيه، و لا يراه مجيبا [27] توضيح: قولها " لا يطيق وجوبا " أي لزوما بالارض و سكونا أو عملا يواجب علي هيئة الاختيار.

3 - أمالي الطوسي: أبو عمرو، عن ابن عقدة، عن أحمد بن الحسين بن عبد الملك، عن إسماعيل بن عامر، عن الحكم بن محمد بن القاسم، قال: حدثني أبي، عن أبيه أنه حضر عبيد الله بن زياد حين اتي برأس الحسين عليه السلام، فجعل ينكت بقضيب ثناياه و يقول: إنه كان لحسن الثغر [28] ، فقال له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك، فطال ما رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله يلثم موضعه، قال: إنك شيخ قد خرفت، فقام زيد يجر ثيابه، ثم عرضوا عليه فأمر بضرب عنق علي بن الحسين عليهما السلام، فقال له [علي] : إن كان بينك و بين هؤلاء النساء رحم فأرسل معهن من يؤديهن [29] ، فقال: نؤديهن أنت، و كأنه أستحيا، و صرف الله عز و جل عن علي بن الحسين عليهما السلام القتل.

قال أبو القاسم بن محمد: ما رأيت منظرا قط أفضع [30] من إلقاء رأس الحسين عليه السلام بين يديه و هو ينكته. [31] .

4 - أمالي الطوسي: بالاسناد المتقدم، عن الحكم بن محمد، عن أبي إسحاق السبيعي، أن زيد بن أرقم خرج من عنده يومئذ و هو يقول: أما و الله لقد سمعت رسول


الله صلي الله عليه و آله: يقول: أللهم إني أستودعكه و صالح المؤمنين، فكيف حفظكم لوديعة رسول الله صلي الله تعالي عليه؟ [32] .

5 - أمالي الصدوق: الطالقاني، عن الجلودي، عن الجوهري، عن أحمد بن محمد بن يزيد، عن أبي نعيم، قال: حدثني جاجب عبيد الله بن زياد أنه لما جيئ برأس الحسين عليه السلام أمر فوضع بين يديه في طست من ذهب، و جعل يضرب بقضيب في يده علي ثناياه و يقول: لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله، فقال رجل من القوم: مه فإني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله: يلثم تضع قضيبك! فقال: يوم بيوم بدر، ثم أمر بعلي بن الحسين عليهما السلام فغل و حمل مع النسوة و السبايا إلي السجن، و كنت معهم، فما مررنا بزقاق إلا وجدناه ملاء رجال و نساء يضربون وجوههم و يبكون، فحسبوا في السجن و طبق عليهم.

ثم إن ابن زياد لعنه الله دعا بعلي ابن الحسين عليهما السلام و النسوة و أحضر رأس الحسين عليه السلام، و كانت زينب ابنة علي عليهما السلام فيهم، فقال ابن زياد: الحمد الله الذي فضحكم و قتلكم و أكذب أحاديثكم، فقالت زينب عليها السلام: الحمد الله الذي أكرمنا بمحمد صلي الله عليه و آله و طهرنا تطهيرا، إنما يفضح الله الفاسق، و يكذب الفاجر، قال: كيف رأيت صنع الله بكم أهل البيت؟ قالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلي مضاجعهم، و سيجمع الله بينك و بينهم فتتحاكمون عنده، فغضب ابن زياد لعنه الله عليها، و هم بها، فسكن منه عمرو بن حريث.

فقالت زينب عليها السلام: يا بن زياد حسبك ما ارتكبت منا فلقد قتلت رجالنا، و قطعت أصلنا، و أبحت حريمنا، و سبيت نساءنا و ذرارينا، فإن كان ذلك للاستشفاء فقد استشفيت [33] ، فأمر ابن زياد بردهم إلي السجن، و بعث البشائر إلي النواحي بقتل الحسين عليه السلام، ثم أمر بالسبايا و رأس الحسين عليه السلام فحملوا إلي الشام إلي آخر ما سيأتي في الباب الآتي. [34] .


مجالس المفيد: المرزباني، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن عليل، عن عبد الكريم بن محمد، عن علي بن سلمة، عن محمد بن فخار، عن عبد الله بن عامر قال: لما أتي نعي الحسين عليه السلام إلي المدينة خرجت أسماء بنت عقيل بن أبي طالب - رضي الله عنها - في جماعة من نسائها حتي انتهت إلي قبر رسول الله صلي الله عليه و آله فلاذت به، و شهقت عنده، ثم التفتت إلي المهاجرين و الانصار و هي تقول: ماذا تقولون إن قال النبي لكم يوم الحساب و صدق القول مسموع خذلتم عترتي أو كنتم غيبا و الحق عند ولي الامر مجموع أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما منكم له اليوم عند الله مشفوع ما كان عند غداة الطف إذ حضروا تلك المنايا و لا عنهن مدفوع قال: فما رأينا باكيا و لا باكية أكثر مما رأينا (في) ذلك اليوم [35] .

7 - الطرائف: من مسند أحمد بن حنبل بإسناده إلي سهل، قال: قالت أم سلمة زوجة النبي صلي الله عليه و آله حين جاء نعي الحسين بن علي عليهما السلام: لعنت أهل العراق و قالت: قتلوه قتلهم الله، غروه و أذلوه لعنهم الله، فإني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و قد جاءته فاطمة عليها السلام عشية [36] ببرمة [37] قد صنعت فيها عصيدة، تحملها في طبق حتي وضعتها بين يديه، فقال لها: أين ابن عمك؟ قالت: هو في البيت قال: اذهبي فادعيه و ائتيني بإبنيه، قالت: فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما بيد، و علي يمشي بأثرها [38] حتي دخلوا علي رسول الله صلي الله عليه و آله فأجلسهما في حجره و جلس علي عن يمينه و جلست فاطمة عن يساره.

قالت ام سلمة: فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا [39] ، فلفه رسول الله صلي الله عليه و آله و أخذ طرفي الكساء، و ألوي بيده اليمني إلي ربه عز و جل، و قال: أللهم


هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، قلت: يا رسول الله ألست من أهلك [40] ؟ قال: بلي، قالت: فأدخلني في الكساء بعد ما قضي دعاءه لا بن عمه [علي] و ابنته فاطمة و ابنيهما.

[41] الائمة: الباقر عليهم السلام.

8 - التهذيب: محمد بن يحيي، عن الحسن بن علي بن عبد الله، عن عبيس ابن هشام، عن سالم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه السلام، مسجد الاشعث، و مسجد جرير، و مسجد سماك، و مسجد شبث بن ربعي لعنهم الله [42] .

الكتب: قال السيد ابن طاووس " ره " في كتاب اللهوف - و بعد ما ذكرنا عنه في الباب السابق -: و سار ابن سعد بالسبي المشار إليه فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن، قال: فأشرفت إمرأة من الكوفيات فقالت: من أي الاساري أنتن؟ فقلن: نحن أساري (من) آل محمد صلي الله عليه و آله فنزلت من سطحها و جمعت ملاء و ازرا و مقانع، فأعطتهن فتغطين، قال: و كان مع النساء علي بن الحسين عليهما السلام قد نهكته العلة، و الحسن بن الحسن المثني و كان قد واسي عمه و إمامه في الصبر علي [ضرب السيوف و طعن] الرماح و إنما أرتث و قد اثخن بالجراح، و كان معهم أيضا زيد و عمرو ولدا الحسن السبط عليه السلام.

فجعل أهل الكوفة ينوحون و يبكون، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: أتنوحون و تبكون من أجلنا؟ فمن قتلنا؟ قال بشير بن حزيم الاسدي: و نظرت إلي زينب بنت علي عليهما السلام يومئذ و لم أر و الله خفرة قط أنطق منها كأنها [43] تفرغ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب


عليه السلام و قد أومأت إلي الناس بأن انصتوا [44] ، فارتدت الانفاس و سكنت الاجراس، ثم قالت: الحمد الله و الصلاة علي أبي محمد و آله الطيبين الاخيار.

أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل و الغدر أ تبكون؟ فلا رقأت الدمعة، [45] و لا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا و هل فيكم إلا الصلف و النطف، [و الصدر الشنف] و ملق الاماء، و غمز الاعداء، أو كمرعي علي دمنة، أو كفضة علي ملحودة، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون.

أ تبكون و تنتجون؟ إي و الله فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها و شنارها، و لن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأني ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، [46] ، [و معدن الرسالة،] و سيد شباب أهل الجنة، و ملاذ خيرتكم، و مفرع نازلتكم، و منار حجتكم، و مدره سنتكم، ألا ساء ما تزرون، و بعدا لكم و سحقا، فلقد خاب السعي، و تبت الايدي، و خسرت الصفقة، و بؤتم بغضب من الله، و ضربت عليكم الذلة و المسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة [أ تدرون] أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي حرمة له أنتهكتم؟ لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء - و في بعضها: خرقاء شوهاء - كطلاع الارض، و ملاء السماء، أفعجبتم أن فطرت [47] السماء دما و لعذاب الاخرة أخزي و أنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يحفزه البدار و لا يخاف فوت الثأر و إن ربكم لبالمرصاد.

قال: فو الله لقد رأيت الناس [يومئذ] حياري يبكون، و قد وضعوا أيديهم في أفواههم، و رأيت شيخا واقفا إلي جنبي يبكي حتي اخضلت لحيته، و هو يقول: بأبي أنتم و أمي كهولكم خيرا لكهول، و شبابكم خير الشباب، و نساؤكم خير النساء، و نسلكم خير نسل لا يخزي و لا يبزي.

في المصدر: بساطا لنا علي المثابة في المدينة.


و روي زيد بن موسي قال: حدثني أبي، عن جدي عليهم السلام قال: خطبت فاطمة الصغري، بعد أن ردت [48] من كربلاء، فقالت: الحمد لله عدد الرمل و الحصي، وزنة العرش إلي الثري، أحمده و اومن به و أتوكل عليه، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أن ولده [49] ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل و لا ترات.

أللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب و أن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب عليه السلام المسلوب حقه، المقتول من ذنب، كما قتل ولده بالامس في بيت من بيوت الله تعالي فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعسا لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته، و لا عند مماته، حتي قبضته إليك، محمود النقيبة، طيب العريكة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم يأخذه أللهم فيك لومة لائم و لا عذل عاذل، هديته يا رب للاسلام صغيرا، و حمدت مناقبه كبيرا، و لم يزل ناصحا لك و لرسولك حتي قبضته إليك زاهدا في الدنيا، حريص عليها، راغبا في الآخرة، مجاهدا لك في سبيلك، رضيته فاخترته و هديته إلي صراط مستقيم.

أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر و الغدر و الخيلاء، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم و ابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسنا و جعل علمه عندنا، و فهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، و وعاء فهمه و حكمته، حجته في الارض لبلاده و لعباده [50] ، أكرمنا الله بكرامته، و فضلنا بنبيه محمد صلي الله عليه و آله علي كثير ممن خلق تفضيلا بينا، فكذبتمونا و كفرتمونا، و رأيتم قتالنا حلالا، و أموالنا نهبا، كأنا أولاد ترك أو كابل، كما قتلتم جدنا بالامس و سيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم، قرت لذلك عيونكم، و فرحت قلوبكم، افتراء منكم علي الله، و مكرا مكرتم و الله خير الماكرين، فلا تدعونكم أنفسكم إلي الجذل بما أصبتم من دمائنا، و نالت أيديكم من أموالنا، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة، و الرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك علي الله يسير،


لكيلا تأسوا علي ما فاتكم، و لا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يجب كل مختال فخور.

تبالكم فانتظروا اللعنة و العذاب، وكأن قد حل بكم، و تواترت من السماء نقمات فتسحتكم [51] بما كسبتم، و يذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الاليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لعنة الله علي الظالمين.

ويلكم أ تدرون أية يد طاعنتنا منكم؟ و آية نفس نزعت إلي قتالنا؟ أم بآية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟ [و الله] قست قلوبكم، و غلظت أكبادكم، و طبع علي أفئدتكم، و ختم علي سمعكم و بصركم، و سول لكم الشيطان و أملي لكم، و جعل علي بصركم [52] غشاوة، فأنتم لا تهتدون.

تبا لكم يا أهل الكوفة أي ترات لرسول الله صلي الله عليه و آله قبلكم، و ذحول له لديكم؟ بما عند تم [53] بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي، و بنيه عترة النبي الطاهرين الاخيار، و افتخر بذلك مفتخر (من الظالمين) فقال: نحن قتلنا عليا و بني علي بسيوف هندية و رماح و سبينا نساءهم سبي ترك و نطحناهم فأي نطاح بفيك أيها القائل الكثكث، و لك الاثلب، افتخرت بقتل قوم زكاهم الله و طهرهم [الله] و أذهب عنهم الرجس، فاكظم واقع كما أقعي أبوك، و إنما لكل امرئ [ما كسب و] ما قدمت يداه، حسد تمونا ويلا لكم علي ما فضلنا الله عليكم.

فما ذنبا إن جاش دهرا بحورنا و بحرك ساج لا يواري الدعا مصا ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم، و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

قال: فارتفعت الاصوات بالبكاء [و النحيب] ، و قالوا: حسبك يا ابنة الطيبين، فقد أحرقت قلوبنا، و أنضجت نحورنا، و أضرمت أجوافنا، فسكتت عليها و علي أبيها وجدتها السلام.

[54] .


أقول: ذكر في الاحتجاج هذه الخطبة بهذا الاسناد [55] ، و لنرجع إلي كلام السيد.

قال: و خطبت أم كلثوم بنت علي عليه السلام في ذلك اليوم من وراء كلتها، رافعة صوتها بالبكاء، فقالت: يا أهل الكوفة سوأة لكم ما (با) لكم خذلتم حسينا و قتلموه، و انتهبتم أمواله و ورثتموه، و سبيتم نساءه و نكبتموه، فتبا لكم و سحقا.

ويلكم أ تدرون أي دواه دهتكم؟ وأي وزر علي ظهوركم حملتم؟ وأي دماء سفكتموها؟ وأي كريمة أصبتموها؟ وأي صبية سلبتموها؟ وأي أموال انتهبتموها؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي، و نزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إن حزب الله هم الفائزون، و حزب الشيطان هم الخاسرون، ثم قالت: قتلتم أخي صبرا فويل لامكم ستجزون نارا حرها يتوقد سفكتم دماء حرم الله سفكهما و حرمها القرآن ثم محمد ألا فابشروا بالنار إنكم غدا لفي سقر حقا يقينا تخلدوا و إني لابكي في حياتي علي أخي علي خير من بعد النبي سيولد بدمع غزير مستهل مكفكف علي الخد مني ذائبا [56] ليس يجمد قال: فضج الناس بالبكاء و الحنين و النوح، و نشر (ن) النساء شعورهن، و وضعن التراب علي رؤوسهن، و خمشن وجوههن، وضر بن خدودهن، و دعون بالويل و الثبور، و بكي الرجال، فلم يرباكية و باك أكثر من ذلك اليوم.

ثم إن زين العابدين عليه السلام أومأ إلي الناس أن اسكتوا فسكتوا، فقام قائما فحمد الله و أثني عليه و ذكر النبي وصلي عليه، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا [أعرفه بنفسئ أنا] علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من ذحل و لا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه، و سلب نعيمه [57] ، و انتهب ماله، و سبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا و كفي بذلك فخرا.


أيها الناس، ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم إلي أبي و خدعتموه، و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة، فقاتلتموه و خذلتموه؟ فتبا (لكم) لما قدمتم لانفسكم، و سوأة لرأيكم، بآية عين تنظرون إلي رسول الله صلي الله عليه و آله إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، و انتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي؟.

قال: فارتفعت أصوات الناس [58] (بالبكاء) من كل ناحية، و يقول بعضهم لبعض: هلكتم و ما تعلمون، فقال عليه السلام: رحم الله امرءا قبل نصيحتي، و حفظ وصيتي في الله و في رسوله و أهل بيته، فإن لنا في رسول الله صلي الله عليه و آله اسوة حسنة، فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك، زاهدين فيك، و لا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنا حرب لحربك، و سلم لسلمك، لنأخذن يزيد و نبرأ ممن ظلمك و ظلمنا، فقال عليه السلام: هيهات هيهات أيها الغدرة المكره حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم، أ تريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلي آبائي من قبل؟ كلا و رب الراقصات، فإن الجرح لما يندمل، قتل أبي صلوات الله عليه بالامس و أهل بيته معه، و لم ينسني [59] ثكل رسول الله صلي الله عليه و آله و ثكل أبي و بني أبي، و و جده بين لهاتي، و مرارته بين حناجري و حلقي، و غصصه يجري في فراش صدري، و مسألتي أن لا تكونوا لنا و لا علينا، ثم قال: لا غرو أن قتل الحسين و شيخه قد كان خيرا من حسين و أكرما فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي اصيب حسين كان ذلك أعظما قتيل بشط النهر روحي فداؤه جزاء الذي أرداه نار جهنما [60] أقول: روي في الاحتجاج هكذا، قال حذيم بن بشير: خرج زين العابدين عليه السلام إلي الناس و أومأ إليهم أن اسكتوا فسكتوا إلي آخر الخبر [61] .

قال السيد: ثم قال عليه السلام: رضينا منكم رأسا برأس فلا يوم لنا و لا [يوم] علينا.


ثم قال السيد: ثم إن ابن زياد جلس في القصر للناس، و إذن إذنا عاما، و جيئ برأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه، و ادخل نساء الحسين عليه السلام و صبيانه إليه، فجلست زينب بنت علي عليهما السلام متنكرة، فسأل عنها، فقيل: هذه زينب بنت علي، فأقبل عليها [62] فقال: الحمد لله الذي فضحكم و أكذب احدوثتكم، فقال: إنما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا، فقال ابن زياد لعنه الله: كيف رأيت صنع الله بأخيك و أهل بيتك؟ فقالت: ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلي مضاجعهم، و سيجمع [الله] بينك و بينهم فتحاج و تخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا ابن مرجانة.

قال: فغضب [ابن زياد] و كأنه هم بها، فقال له عمرو بن حريث: إنها إمرأة و المرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، فقال لها ابن زياد: لقد شفي الله [قلبي] من طاغيتك الحسين - عليه السلام - و العصاة المرأة من أهل بيتك، فقالت: لعمري لقد قتلت كهلي، و قطعت فرعي، و اجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت، فقال ابن زياد: هذه سجاعة! و لعمري لقد كان أبوك سجاعا شاعرا، فقالت: يا ابن زياد ما للمرأة و السجاعة.

[63] و قال ابن نما: و إن لي عن السجاعة لشغلا و إني لاعجب ممن يشتفي بقتل أئمته، و يعلم أنهم منتقمون منه في آخرته.

[64] و قال المفيد (ره): فوضع الرأس بين يديه ينظر إليه و يتبسم، و بيده قضيب يضرب به ثناياه، و كان إلي جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله و هو شيخ كبير، فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال [له] : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فو الله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله صلي الله عليه و آله عليهما ما لا أحصيه يقبلهما، ثم انتحب باكيا، فقال له ابن زياد: أبكي الله عينيك، أ تبكي لفتح الله؟ و الله لو لا أنك شيخ كبير قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض زيد بن أرقم من بين


يديه و صار إلي منزله. [65] .

و قال محمد بن أبي طالب: ثم رفع صوته يبكي و خرج و هو يقول: ملك عبد حرا، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة و أمرتم ابن مرجانة، حتي يقتل خياركم، و يستعبد أشراركم، رضيتم بالذل فبعدا لمن رضي [66] .

و قال المفيد (ره): و ادخل عيال الحسين بن علي عليهما السلام علي ابن زياد، فدخلت زينب اخت الحسين عليه السلام في جملتهم متنكرة، و عليها أرذل ثيابها، و مضت حتي جلست ناحية [من القصر] ، و حفت بها إماؤها، فقال ابن زياد لعنه الله: من هذه التي انحازت فجلست ناحية و معها نساؤها؟ فلم تجبه زينب، فأعاد القول ثانية و ثالثة يسأل عنها، فقالت له بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله، فأقبل عليها ابن زياد و قال [لها] : الحمد الله الذي فضحكم و قتلكم و أكذب احدوثتكم، فقالت [زينب] : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلي الله عليه و آله، و طهرنا من الرجس تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق إلي آخر ما مر. [67] .

و قال السيد و ابن نما: ثم التفت ابن زياد لعنه الله إلي علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: من هذا؟ فقيل: علي بن الحسين، فقال: أ ليس قد قتل الله علي بن الحسين؟ فقال علي عليه السلام: قد كان لي أخ يسمي [68] علي بن الحسين عليه السلام قتله الناس، فقال: بل الله قتله، فقال علي عليه السلام: (الله يتوفي الانفس حين موتها و التي لم تمت في منامها " [69] ، فقال ابن زياد لعنه الله: و لك جرأة علي جوابي؟ اذهبوا به فاضربوا عنقه، فسمعت [70] عمته زينب، فقالت: يا ابن زياد إنك لم تبق منا أحدا، عزمت علي قتله فاقتلني معه [71] .

و قال المفيد و ابن نما: فتعلقت به زينب عمته و قالت: يا ابن زياد حسبك من دمائنا، و اعتنقته، و قالت: و الله لا افارقه فإن قتلته فاقتلني معه، فنظر ابن زياد إليها


و إليه ساعة، ثم قال: عجبا للرحم و الله إني لاظنها ودت أني قتلتها معه، دعوه فإني أراه لمابه [72] .

و قال السيد: فقال علي لعمته: اسكتي يا عمة حتي اكلمه، ثم أقبل فقال: أ بالقتل تهددني يا ابن زياد؟ أما علمت أن القتل لنا عادة و كرامتنا الشهادة؟ ثم أمر ابن زياد لعنه الله بعلي بن الحسين عليهما السلام و أهله فحملوا إلي دار جنب [73] المسجد الاعظم، فقالت زينب بنت علي: لا يدخلن علينا عربية إلا ام ولد أو مملوكة فإنهن سبين و قد [74] سبينا [75] .

و قال ابن نما: رويت أن أنس بن مالك قال: شهدت عبيد الله بن زياد و هو ينكت بقضيب علي أسنان الحسين عليه السلام و (هو) يقول: إنه كان حسن الثغر، فقلت: أم و الله لاسوءنك، لقد رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله يقبل موضع قضيبك من فيه.

و عن سعيد بن معاذ و عمرو بن سهل أنهما حضرا عبيد الله يضرب بقضيبه أنف الحسين عليه السلام و عينيه و يطعن في فمه، فقال زيد بن أرقم: ارفع قضيبك، إني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله واضعا شفتيه علي موضع قضيبك، ثم انتحب باكيا، فقال له: أبكي الله عينيك عدو الله لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك، فقال زيد: لاحدثنك حديثا هو أغلط عليك من هذا: رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله أقعد حسنا علي فخذه اليمني و حسينا علي فخذه اليسري، فوضع يده علي يا فوخ كل واحد منهما و قال: أللهم إني أستودعك إياهما و صالح المؤمنين، فكيف كان وديعتك لرسول الله صلي الله عليه و آله.

و قال: [و] لما اجتمع عبيد الله بن زياد و عمر بن سعد عليهما اللعنة بعد قتل الحسين عليه السلام قال عبيد الله لعمر: ائتني بالكتاب الذي كتبته إليك في معني قتل الحسين - عليه السلام - و مناجزته، فقال: ضاع، فقال: لتجيئنني به أتراك معتذرا في عجائز قريش؟ (ف) قال عمر: و الله لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو استشارني بها أبي سعد كنت قد أديت حقه، فقال عثمان بن زياد أخو عبيد الله: صدق و الله لوددت أنه ليس


من بني رجل إلا و في أنفه خزامة إلي يوم القيامة و أن حسينا يقتل، قال عمر بن سعد: و الله ما رجع أحد بشر مما رجعت، أطعت عبيد الله، و عصيت الله، و قطعت الرحم [76] .

و قال السيد: ثم أمر ابن زياد برأس الحسين عليه السلام فطيف به في سكك الكوفة، و يحق لي أن أتمثل ههنا بأبيات لبعض ذوي العقول يرثي بها قتيلا من آل الرسول صلي الله عليه و آله، فقال: رأس ابن بنت محمد و وصيه للناظرين علي قناة يرفع و المسلمون بمنظر و بمسمع لا منكر منهم و لا متفجع كحلت بمنظرك العيون عماية و أصم رزؤك كل اذن تسمع ما روضة إلا تمنت أنها لك حفرة و لخط قبرك مضجع أيقظت أجفانا و كنت لها كري و أنمت عينا لم تكن بك تهجع [77] و قال ابن شهر اشوب: و روي أبو مخنف، عن الشعبي أنه صلب رأس الحسين عليه السلام بالصيارف في الكوفة، فتنحنح الرأس و قرأ سورة الكهف إلي قوله: " إنهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدي " [78] فلم يزدهم ذلك إلا ضلالا.

و في أثر: أنهم لما صلبوا رأسه عليه السلام علي الشجر سمع منه " و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " [79] .

قال: ثم إن ابن زياد صعد المنبر فحمد الله و أثني عليه، و قال في بعض كلامه: الحمد لله الذي أظهر الحق و أهله، و نصر أمير المؤمنين و أشياعه، و قتل الكذاب ابن الكذاب، فما زاد علي هذا الكلام شيئا حتي قام إليه عبد الله بن عفيف الازدي و كان من خيار الشيعة و زهادها، و كانت عينه اليسري ذهبت في يوم الجمل و الاخري في يوم صفين، و كان يلازم المسجد الاعظم فيصلي فيه إلي الليل، فقال: يا ابن مرجانة [80] إن


الكذاب ابن الكذاب أنت و أبوك، و من استعملك و أبوه، يا عدو الله أ تقتلون أبناء النبيين، و تتكلمون بهذا الكلام علي منابر المؤمنين؟ قال: فغضب ابن زياد، ثم قال: من هذا المتكلم؟ فقال: أنا المتكلم يا عدو الله، (أ) تقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنهم الرجس، و تزعم أنك علي دين الاسلام؟ وا غوثاه أين أولاد المهاجرين و الانصار لينتقموا [81] من طاغيتك اللعين ابن اللعين علي لسان محمد رسول رب العالمين.

قال: فازداد غضب ابن زياد حتي انتفخت أوداجه و قال: علي به، فبادر [82] إليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه، فقامت الاشراف من الازد من بني عمه فخلصوه من أيدي الجلاوزة و أخرجوه من باب المسجد و انطلقوا به إلي منزله، فقال ابن زياد: اذهبوا إلي هذا الاعمي، أعمي الازد، أعمي الله قلبه كما أعمي عينيه [83] ، فائتوني به، فانطلقوا [إليه] ، فلما بلغ ذلك الازد اجتمعوا و اجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم.

قال: و بلغ ذلك إلي ابن زياد فجمع قبالئل مضر و ضمهم إلي محمد بن الاشعث، و أمرهم بقتال القوم، قال: فاقتتلوا قتالا شديدا حتي قتل بينهم جماعة من العرب، قال: و وصل أصحاب ابن زياد إلي دار عبد الله بن عفيف، فكسروا الباب و اقتحموا عليه، فصاحت ابنته أتاك القوم من حيث تحذر، فقال: لا عليك ناوليني سيفي، فناولته إياه فجعل يذب عن نفسه و يقول: أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر عفيف شيخي و ابن ام عامر كم دارع من جمعكم و حاسر و بطل جدلته مغاور [84] قال: و جعلت ابنته تقول: يا أبت ليتني كنت رجلا اخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة، قال: و جعل القوم يدورون عليه من كل جهة و هو يذب عن نفسه فلم يقدر عليه أحد، و كلما جاؤا من جهة قالت (ابنته): يا أبت قد


جاؤوك من جهة كذا حتي تكاثروا عليه و أحاطوا به، فقالت بنته: و اذلاه يحاط بأبي و ليس له ناصر يستعين به، فجعل يدير سيفه، و يقول: أقسم لو يفسح [85] لي عن بصري ضاق عليكم موردي و مصدري قال: فما زالوا به حتي أخذوه، ثم حمل فادخل علي ابن زياد فلما رآه قال: الحمد لله الذي أخزاك، فقال له عبد الله بن عفيف: يا عدوا الله! و بما ذا أخزاني الله؟ و الله لو فرج [86] لي عن بصري ضاق عليك موردي و مصدري فقال ابن زياد: يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان.

؟ فقال: يا عبد بني علاج يا ابن مرجانة - و شتمه - و أنت ما و عثمان؟ إن أساء أم أحسن، و أصلح أم أفسد؟ و الله تعالي ولي خلقه يقضي بينهم و بين عثمان بالعدل و الحق، و لكن سلني عن أبيك و عنك و عن يزيد و أبيه، فقال ابن زياد: و الله لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت [غصة بعد عصة] ، فقال عبد الله بن عفيف: الحمد لله رب العالمين، أما إني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة [من] قبل أن تلدك امك، و سألت الله أن يجعل ذلك علي يدي ألعن خلقه و أبغضهم إليه، فلما كف بصري يئست من الشهادة، و الآن [ف] الحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها، و عرفني الاجابة منه في قديم دعائي.

فقال ابن زياد: اضربوا عنقه، فضرب عنقه و صلب في السبخة.

و قال المفيد: فلما أخذته الجلاوزة نادي شعار الازد، فاجتمع منهم سبعمأة، فانتزعوه من الجلاوزة، فلما كان الليل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته، فضرب عنقه و صلبه في السبخة رحمة الله عليه [87] .

و قال ابن نما: ثم دعا جندب بن عبد الله الازدي و كان شيخا فقال: يا عدوا الله ألست صاحب أبي تراب؟ قال: بلي لا اعتذر منه، قال: ما أراني إلا متقربا إلي الله بدمك، فقال: إذا لا يقربك الله منه بل يباعدك، قال: شيخ قد ذهب عقله، و خلي سبيله.

[88] .


ثم قال المفيد (ره): و لما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين عليه السلام فديربه في سكك الكوفة [كلها] و قبائلها.

فروي عن زيد بن أرقم أنه قال: [89] مر به علي و هو علي رمح، و أنا في غرفة لي، فلما حاذاني سمعته يقرأ [90] " ام حسبت ان اصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا " [91] فقف [92] و الله شعري علي و ناديت: رأسك [و الله] يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله أعجب و أعجب.

[93] و قال السيد: و كتب عبيد الله بن زياد إلي يزيد بن معاوية يخبره بقتل الحسين عليه السلام و خبر أهل بيته، و كتب أيضا إلي عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك [94] .

و قال المفيد: و لما أنفذ ابن زياد برأس الحسين عليه السلام إلي يزيد تقدم إلي عبد الملك بن أبي الحارث السلمي، فقال: انطلق حتي تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فبشره بقتل الحسين، قال عبد الملك: فركبت راحلتي و سرت نحو المدينة فلقيني رجل من قريش، فقال: ما الخبر؟ فقلت: الخبر عند الامير تسمعه، قال: إنا لله و إنا إليه راجعون، قتل و الله الحسين عليه السلام، فلما دخلت علي عمرو بن سعيد، قال: ما وراءك؟ فقلت ما يسر [95] الامير، قتل الحسين بن علي، فقال: أخرج فناد بقتله، فناديت، فلم أسو الله واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم علي الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله.

ثم دخلت علي عمرو بن سعيد، فلما رآني تبسم إلي ضاحكا ثم أنشأ متمثلا بقول عمرو بن معدي كرب: عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الارنب


ثم قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان، ثم صعد المنبر فأعلم الناس بقتل الحسين عليه السلام و دعا ليزيد و نزل.

[96] و قال صاحب المناقب: قال في خطبته: إنها لدمة بلدمة و صدمة بصدمة، كم (من) خطبة بعد خطبة، و موعظة بعد موعظة، حكمة بالغة فما تغن النذر، و الله لوددت أن رأسه في بدنه، و روحه في جسده، أحيانا كان يسبنا و نمدحه، و يقطعنا و نصله، كعادتنا و عادته، و لم يكن من أمره ما كان، و لكن كيف نصنع بمن سل سيفه يريد قتلنا إلا أن ندفعه عن أنفسنا.

فقام عبد الله بن السائب فقال: لو كانت فاطمة حية فرأت رأس الحسين عليه السلام لبكت عليه، فجبهه عمرو بن سعيد و قال: نحن أحق بفاطمة منك، أبوها عمنا، و زوجها أخونا و ابنها ابننا [97] ، لو كانت فاطمة حيه لبكت عينها، و حرت كبدها، و مالا مت من قتله، و دفعه عن نفسه.

[98] ثم قال المفيد: فدخل بعض موالي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام فنعي إليه ابنيه، فاسترجع، فقال أبو السلاسل مولي عبد الله: هذا ما لقينا من الحسين بن علي فحذفه [99] عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال: يا ابن اللخناء [100] أ للحسين تقول هذا؟ و الله لو شهدته لاحببت أن لا افارقه حتي اقتل معه، و الله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما و يعزي عن المصائب بهما، إنهما اصيبا مع أخي و ابن عمي مواسيين له، صابرين معه.

ثم أقبل علي جلسائه فقال: الحمد لله، عز علي مصرع الحسين [101] عليه السلام، إن لا أكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولداي، فخرجت ام لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين عليه السلام حاسرة و معها أخواتها ام هانئ و أسماء و رملة و زينب بنات عقيل تبكي قتلاها بالطف و هي تقول:


ماذا تقولون إذ [102] قال النبي لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم؟ بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي منهم أساري و قتلي [103] ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي فلما كان الليل في ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين عليه السلام بالمدينة، سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي يسمعون صوته و لا يرون شخصه: أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي و مرسل و قبيل قد لعنتم علي لسان ابن داود و موسي و صاحب الانجيل [104] و قال ابن نما: و روي أن يزيد بن معاوية لعنهما الله بعث بمقتل الحسين عليه السلام إلي المدينة محرز بن حريث بن مسعود الكلبي من بني عدي بن حباب و رجلا من بهرا [105] و كانا من أفاضل أهل الشام، فلما قدما خرجت إمرأة من بنات عبد المطلب - قيل: هي زينب بنت عقيل - ناشرة شعرها، واضعة كمها علي رأسها، تتلقاهم و هي تبكي (و تقول:) " ماذا تقولون إذ قال النبي لكم " إلي آخره.

و قال شهر بن حوشب: بينما أنا عند ام سلمة إذ دخلت صارخة تصرخ و قالت: قتل الحسين عليه السلام، قالت ام سلمة: فعلوها ملا الله قبورهم نارا.

و نقلت من تأريخ البلاذري أنه لما وافي رأس الحسين عليه السلام المدينة سمعت الواعية من كل جانب، فقال مروان بن الحكم: ضربت منهم رؤوس ضربة [106] أثبتت أوتاد ملك فاستقر


ثم أخذ ينكت وجهه بقضيب و يقول: يا حبذا بردك في اليدين و لونك الاحمر في الخدين كأنه بات بمجسدين [107] شفيت منك النفس يا حسين و مما انفرد به النطنزي في الخصائص، عن أبي ربيعة، عن أبي قبيل، قيل: سمع في الهواء بالمدينة قائل (يقول): يا من يقول بفضل آل محمد بلغ رسالتنا بغير تواني قتلت شرار بني أمية سيدا خير البرية ماجدا ذا شأن ابن المفضل في السماء و أرضها سبط النبي و هادم الاوثان بكت المشارق و المغارب بعد ما بكت الانام له بكل لسان [108] إيضاح: قال الجوهري: ارتث فلان، هو افتعل علي ما لم يسم فاعله أي حمل من المعركه رثيثا أي جريحا و به رمق و قال: الخفر بالتحريك شدة الحياء، و جارية خفرة و متخفرة، و قال: فرعت الجبل صعدته، و فرعت الجبل صعدت، و يقال: بئسما أفرعت به أي ابتدأت.

أقول: في بعض النسخ تفرغ بالغين المعجمة من الا فراغ بمعني السكب و هو أظهر، و الختل الخدعة، و في الاحتجاج [109] : الختر، و هو أيضا بالتحريك الغدر.

قولها عليها السلام " كمثل التي " إشارة إلي قوله تعالي " و لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا " [110] قال الطبرسي (ره): أي لا تكونوا كالمرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار و فتل للمغزل، و هي إمرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلي انتصاف النهار، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن، و لا تزال ذلك دأبها، و قيل: إنه مثل ضربه الله، شبه فيه حال ناقض العهد بمن كان كذلك، " أنكاثا " جمع نكث، و هو الغزل من


الصوف و الشعر، يبرم ثم ينكث و ينقض ليغزل ثانية، " تتخذون ايمانكم دخلا بينكم " أي دغلا و خيانة و مكرا.

و قال الخليل: الصلف مجاوزة قدر الظرف [111] و الا دعاء فوق ذلك تكبرا و النطف بالتحريك التلطخ بالعيب، و في الاحتجاج: بعد الصلف " و العجب و الشنف و الكذب " و الشنف بالتحريك: البغض و التنكر، و الدمنة بالكسر ما تدمنه الابل و الغنم بأبوالها و أبعارها أي تلبده في مرابضها، فربما نبت فيها النبات، شبهتهم تارة بذلك النبات في دناءة أصلهم، و عدم الانتفاع بهم، مع حسن ظاهرهم و خبث باطنهم، و اخري بفضة تزين بها القبور في أنهم كالاموات زينوا أنفسهم بلباس الاحياء و لا ينتفع بهم الاحياء [112] ، و لا يرجي منهم الكرم و الوفاء.

قولها: " بعارها " الضمير راجع إلي الامة أو الازمنة، و في الاحتجاج: " أجل و الله فابكوا فإنكم و الله أحق بالبكاء، فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا، فقد بليتم بعارها و منيتم بشنارها " و الشنار العيب، و رحضه كمنعه غسله كأرحضه، و المدره بالكسر زعيم القوم و خطيبهم و المتكلم عنهم و الذي يرجعون إلي رأيه، و تبت الايدي أي خسرت أو هلكت، و الايدي إما مجاز للانفس أو بمعناها.

و الفري: القطع، و في بعض نسخ الروايات: " فرثتم " بالثاء المثلثة، قال في النهاية: في حديث ام كلثوم بنت علي عليه السلام لاهل الكوفة: أ تدرون أي كبد فرثتم لرسول الله صلي الله عليه و آله؟ الفرث تفتيت الكبد بالغم و الاذي، و الصلعاء الداهية القبيحة، قال الجزري: في حديث عائشة إنها قالت لمعاوية حين ادعي زيادا " ركبت الصليعا " أي الداهية و الامر الشديد أو السوءة الشنيعة البارزة المكشوفة انتهي.

و العنقاء بالقات الداهية، و في بعض النسخ بالفاء من العنف، و الفقماء من قولهم: تفاقم الامر أي عظم، و الخرق ضد الرفق، و الشوهاء القبيحة، و الضمير في قولها " جئتم بها " راجع إلي الفعلة القبيحة، و القضية الشنيعة التي أتوبها، و الكلام مبني علي التجريد، و طلاع الارض بالكسر ملؤها، و الحفز الحث و الاعجال.


قولها: " لا يبزي " أي لا يغلب و لا يقهر، و الذحل الحقد و العداوة، يقال: طلب بذحله أي بثأره، و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه: وتره يتره وترا و ترة.

قولها عليها السلام: " في بيت " متعلق بالمقتول، لان أمير المؤمنين عليه السلام قتل في المسجد و سائر الاوصاف بعد ذلك نعوت له، و التعس الهلاك، و الضيم الظلم، و النقيبة النفس، و العريكة الطبيعة، و العذل الملامة، و الجذل بالتحريك الفرح، و سحته و أسحته أي استأصله، و نزع اليه (أي) اشتاق، و في بعض النسخ فزعت أي لجأت.

و قال الجوهري: الكثكث، و الكثكث فتات الحجارة و التراب مثل الاثلب و الاثلب، و يقال: بفيه الكثكث، و قال: كظم غيضه كظما اجترعه، و الكظوم السكوت، و كظم البعير بكظم كظوما إذا أمسك عن الجرة و قال: أقعي الكلب إذا جلس علي أسته مفترشا رجليه، و ناصبا يديه، و قد جاء النهي عن الاقعاء في الصلاة، و قال الشاعر: فأقع كما أقعي أبوك علي أسته رأي أن ريما فوقه لا يعادله و قال: جاش الوادي زخر و امتد جدا، و قال: سجا يسجو سجوا سكن و دام، و قوله تعالي: " و اليل إذا سجي " [113] أي إذا دام و سكن، و منه البحر الساجي.

قال الاعشي: فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم و بحرك ساج لا يواري الدعامصا و قال: الدعموص دويبة تغوص في الماء و الجمع الدعا ميص والدعامص أيضا، ثم ذكر بيت الاعشي، و الكلة بالكسر الستر الرقيق، و الصبية جمع الصبي.

و قال الجزري فيه: إنه نهي عن قتل شيء من الدواب صبرا، هو أن يمسك شيء من ذوات الروح حيا ثم يرمي بشيء حتي يموت و كل من قتل في معركة و لا حرب و لا خطاء فإنه مقتول صبرا، قوله: " و لم ينسني " كأنه علي سبيل القلب، و فيه


لطف أو المعني لم يتركني، و اللهاة: اللحمة في أقصي الفم، و الفراش بالفتح ما يبس بعد الماء من الطين علي الارض، و بالكسر ما يفرش، و موقع اللسان في قعر الفم.

قولها " لا يطيق وجوبا " أي لزوما بالارض و سكونا، أو عملا بواجب علي هيئة الاختيار، و يقال: طعنه فجدله أي رماه بالارض و رجل مغاور بضم الميم أي مقاتل، و هو صفة لقوله " بطل " أو حال عنه بالاضافة إلي ياء المتكلم، و ضرجه بدم أي لطخه، و يقال: قف شعري أي قام من الفزع، و قال الجوهري: اللدم صوت الحجر أو الشيء يقع بالارض و ليس بالصوت الشديد، و في الحديث و الله لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتي تخرج فتصاد، ثم يسمي الضرب لدما، و لدمت المرأة وجهها ضربته، و التدام النساء ضربهن صدورهن في النياحة، و اللدم بالتحريك الحرم في القرابات، و القبيل الكفيل و العريف، و الجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتي أي كل قبيل من قبائل الملائكة.


پاورقي

[1] في البحار وإحدي نسختي الاصل: کأنما.

[2] في البحار وإحدي نسختي الاصل: الختر.

[3] في المصدر: و الخذل.

[4] يقال: شنف له شنفا إذا أبغضه " النهاية ج 2 ص 505 ".

[5] في المصدر: أو کمرعي.

[6] في البحار: کقصة.

[7] في المصدر: أحري.

[8] في المصدر: مقاتلتکم.

[9] في المصدر: فرثتم.

[10] ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

[11] في البحار وإحدي نسختي الاصل: أن لم تمطر.

[12] في الاصل: لا يغفره.

[13] في الاصل: و لا يخاف.

[14] في المصدر: و تکرمتي.

[15] في المصدر: في.

[16] في المصدر: و نسلکم.

[17] 2 / 29 و البحار: 45 / 162 ح 7.

[18] في الاصل: " جزام بن ستير "، و في أمالي الطوسي: " حذلم بن کثير ".

[19] هکذا في الاصل و البحار، و في أمالي المفيد: الصلف النطف، و الصدر الشنف، و في أمالي الطوسي: الصلف الظلف، و الضرم الشرف.

[20] في البحار وإحدي نسختي الاصل: خرماء.

[21] في أمالي المفيد: لا يحفزه، و في أمالي الطوسي: لا يخفره.

[22] أمالي المفيد ص 320 ح 8 و أمالي الطوسي: 1 / 90 و البحار: 45 / 164 ح 8.

[23] السبج: معرب شبي، للقميص بالفارسية.

و قيل هو ثوب صوف أسود.

" النهاية ج 2 ص 331 "، و في نسختي الاصل: الشج، الشيخ، و هو تصحيف.

[24] في البحار: انتصل منها.

[25] في الاصل: و الريح.

[26] في البحار: يغيض.

[27] البحار: 45 / 114.

[28] الشفة / خ.

[29] في الاصل: يردبهن، تردبهن.

[30] في المصدر: أفزع.

[31] 1 / 257 و البحار: 45 / 167 ح 10.

[32] 1 / 258 و البحار: 45 / 167 ح 11.

[33] في المصدر و البحار: للاشتفاء فقد اشتفيت.

[34] ص 140 ح 3 و البحار: 45 / 154 ح 3.

[35] ص 138 ح 5 و البحار: 45 / 188 ح 34.

[36] في المصدر: غدوة.

[37] البرمة: القدر مطلقا، و جمعها برام، و هي في الاصل المتخذه من الحجر المعروف بالحجاز و اليمن.

" النهاية ج 1 ص 121 ".

[38] في المصدر: في أثرهم.

[39] في المصدر: بساطا لنا علي المثابة في المدينة.

[40] أهل بيتک / خ.

[41] الطرائف ص 126 ح 194 و مسند أحمد بن حنبل: 6 / 298 و البحار: 45 / 198 ح 38.

[42] التهذيب: 3 / 250 ح 7 و البحار: 45 / 189 ح 35، و رواه في الکافي: 3 / 490 ح 3.

[43] في البحار: کأنما.

[44] في المصدر و البحار: أن اسکتوا.

[45] العبرة / خ.

[46] في الاصل و البحار: الانبياء.

[47] في المصدر: مطرت.

[48] في المصدر: وردت.

[49] في المصدر: أولاده.

[50] في المصدر: و حجته علي الارض في بلاده لعباده.

[51] اي تهلککم و تستأصلکم.

[52] في المصدر: أبصارکم.

[53] اعتديتم / خ، و في المصدر: صنعتم.

[54] اللهوف ص 61 و البحار: 45 / 107.

[55] الاحتجاج: 2 / 27.

[56] في المصدر: دائما.

[57] في المصدر: انتهکت حرمته و سلبت نعمته.

[58] في المصدر: فارتفعت الاصوات.

[59] في المصدر: ينس.

[60] اللهوف ص 65 و البحار: 45 / 112.

[61] الاحتجاج: 2 / 31 و فيه: قال: حذيم بن شريک.

[62] في المصدر: إليها.

[63] اللهوف ص 67 و البحار: 45 / 115.

[64] مثير الاحزان ص 91 و البحار: 45 / 116.

[65] إرشاد ص 273 و البحار: 45 / 116.

[66] البحار 45 / 117.

[67] إرشاد المفيد ص 273 و البحار: 45 / 117.

[68] في المصدر: يقال له.

[69] الزمر: 42.

[70] في المصدر: فسمعت به.

[71] اللهوف ص 68، مثير الاحزان ص 91 و البحار: 45 / 117.

[72] إرشاد المفيد ص 274، مثير الاحزان ص 91، البحار: 45 / 117.

[73] في البحار وإحدي نسختي الاصل: إلي جنب.

[74] في المصدر: کما.

[75] اللهوف ص 68 و البحار: 45 / 118.

[76] ص 91، البحار: 45 / 118.

[77] اللهوف ص 68 و البحار: 45 / 119.

[78] الکهف: 13.

[79] المناقب: 3 / 218 و البحار: 45 / 304، و الآية من سورة الشعراء: 227.

[80] في المصدر: يا ابن زياد.

[81] في الاصل و البحار: لا ينتقمون.

[82] في المصدر: فتبادرت.

[83] في المصدر و البحار: عينه.

[84] في البحار وإحدي نسختي الاصل: مغادر.

[85] يفتح / خ.

[86] في المصدر: يفسح.

[87] إرشاد المفيد ص 275 و البحار: 45 / 121.

[88] مثير الاحزان ص 94، البحار: 45 / 121.

[89] في الاصل: لما.

[90] يقول / خ.

[91] الکهف: 9.

[92] أي تقبض، کأنه قد يبس و تشنج " النهاية ج 4 ص 91 ".

[93] إرشاد المفيد ص 275 و البحار: 45 / 121.

[94] اللهوف ص 71 و البحار: 45 / 121.

[95] في الاصل و البحار: ما سر.

[96] إرشاد المفيد ص 278 و البحار: 45 / 121.

[97] و امها ابنتنا / خ.

[98] البحار: 45 / 122.

[99] فقذفه / خ.

[100] اللخناء: هي المرأة التي لم تختن، و قيل: النتن، و قد لخن السقاء يلخن.

" النهاية ج 4 ص 244 ".

[101] في المصدر: الحمد لله الذي عز علي بمصرع الحسين عليه السلام.

[102] في المصدر: إن.

[103] و منهم / خ.

[104] إرشاد المفيد ص 278 و البحار: 45 / 122.

[105] في البحار: يهرا.

[106] في البحار: ضربت دوسر فيهم ضربة.

[107] مجسد و مجسد: مصبوغ بالزعفران، و کمبرد: ثوب يلي الجسد " القاموس الحيط ج 1 ص 283 ".

[108] مثير الاحزان ص 94 البحار: 45 / 123.

[109] الاحتجاج: 2 / 29، الا ان فيه الختل ايضا.

[110] النحل: 92.

[111] في الاصل: قد الظرف رجاء.

[112] في البحار: الاحباء.

[113] الضحي: 2.