بازگشت

ما جري بعد بيعة الناس ليزيد إلي شهادته


أقول بدأت أولا في إيراد تلك القصص الهائلة بإيراد رواية أوردها الصدوق رحمه الله في أمالية، ثم جمعت في إيراد تمام القصة بين ما في الكتب المعتبرة من رواية المفيد رحمه الله في الارشاد، و رواية السيد ابن طاووس رضي الله عنه في كتاب اللهوف، و رواية الشيخ جعفر بن محمد بن نما في كتاب مثير الاحزان، و رواية أبي الفرج الاصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين، و رواية السيد العالم محمد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني الحائري من كتاب كبير جمعه في مقتله، و رواية كتاب صاحب المناقب الذي ألفه بعض القدماء من الكتب المعتبرة، و ذكر أسانيده إليها و مؤلفه أما من الامامية، أؤمن الزيدية، و رواية المسعودي في كتاب مروج الذهب و هو من علمائنا الامامية، و رواية ابن شهرآشوب في المناقب، و رواية صاحب كشف الغمة و غير ذلك مما قد نصرح بإسم من ننقل عنه إن شاء الله.


الاخبار: الائمة: الصادق، عن أبيه، عن جده عليهم السلام 1 أمالي الصدوق: محمد بن عمر البغدادي الحافظ، عن الحسن بن عثمان ابن زياد التستري من كتابه، عن إبراهيم بن عبيد الله [1] بن موسي بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ، قال: حدثتني مريسة بنت موسي بن يونس بن أبي إسحاق و كانت عمتي، قالت: حدثتني صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية و كانت عمتي، قالت: حدثتني بهجة بنت الحارث بن عبد الله التغلبي، عن خالها عبد الله ابن منصور و كان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي، قال: سألت جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين عليهم السلام.

فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول الله فقال: حدثني أبي، عن أبيه عليهما السلام قال: لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه، فقال له: يا بني إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب، و وطدب لك البلاد، و جعلت الملك، و ما فيه لك طعمة و إني أخشي عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم و هم: عبد الله بن عمر بن الخطاب و عبد الله بن الزبير، و الحسين بن علي.

فأما عبد الله بن عمر فهو معك فالزمه و لا تدعه، و أما عبد الله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا فإنه يجثو لك كما يجثو الاسد لفريسته، و يواربك مؤاربة [2] الثعلب للكلب.

و أما الحسين عليه السلام فقد عرفت حظه من رسول الله و هو من لحم رسول الله صلي الله عليه و آله و دمه، و قد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه و يضيعونه، فإن ظفرت به فاعرف حقه و منزلته من رسول الله صلي الله عليه و آله و لا تؤاخذه بفعله، و مع ذلك فإن لنا به خلطة و رحما، و إياك أن تناله بسوء أو يري منك مكروها.


قال: فلما هلك معاوية و تولي الامر بعده يزيد لعنه الله بعث عامله علي مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و هو عمه عتبة بن أبي سفيان فقدم المدينة و عليها مروان بن الحكم، و كان عامل معاوية، فأقامه عتبة من مكانه و جلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد، فهرب مروان، فلم يقدر عليه و بعث عتبة إلي الحسين بن علي عليهما السلام، فقال: إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له، فقال الحسين: يا عتبة قد علمت إنا أهل بيت الكرامة، و معدن الرسالة، و أعلام الحق الذين أودعه الله عز و جل قلوبنا، و أنطق به ألسنتنا، فنطقت بإذن الله عز و جل، و لقد سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: إن الخلافة محرمة علي ولد أبي سفيان، و كيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله صلي الله عليه و آله هذا.

فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب و كتب: بسم الله الرحمن الرحيم إلي عبد الله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان.

أما بعد: فإن الحسين بن علي ليس يري لك خلافة و لا بيعة فرأيك في أمره و السلام.

فلما ورد الكتاب علي يزيد لعنه الله كتب الجواب إلي عتبه: " أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه، و بين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها و ليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي عليهما السلام ".

فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فهم بالخروج من أرض الحجاز إلي أرض العراق، فلما أقبل الليل راح إلي مسجد النبي صلي الله عليه و آله ليودع القبر، فلما وصل إلي القبر سطح له نور من القبر فعام إلي موضعه، فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع القبر فقام يصلي فأطال فنعس و هو ساجد، فجاءه النبي صلي الله عليه و آله و هو في منامه فأخذ الحسين عليه السلام و ضمه إلي صدره، و جعل يقبل بين عينيه و يقول: بأبي أنت كاني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الامة يوجون شفاعتي، مالهم عند الله من خلاق، يا بني إنك قادم علي أبيك و آمك و أخيك و هم مشتاقون إليك و إن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة.

فانتبه الحسين عليه السلام من نومه بالكيا فأتي أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا، و ودعهم و حمل أخواته علي المحامل، و ابنته و ابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي عليهما السلام ثم سار في أحد و عشرين رجلا من أصحابه و أهل بيته منهم أبو بكر بن علي، و محمد بن علي، و عثمان بن علي، و العباس بن علي، و عبد الله بن مسلم بن عقيل، و علي بن


الحسين الاكبر، و علي بن الحسين الاصغر عليهم السلام.

و سمع عبد الله بن عمر بخروجه، فقدم راحلته، و خرج خلفه مسرعا، فأدركه في بعض المنازل، فقال: أين تريد يا ابن رسول الله؟ قال: العراق، قال: مهلا ارجع إلي حرم جدك، فأبي الحسين عليه السلام عليه، فلما رأي ابن عمر إباءه، قال: يا أبا عبد الله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلي الله عليه و آله يقبله منك، فكشف الحسين عليه السلام، عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا و بكي، و قال: استودعك الله يا أبا عبد الله فإنك مقتول في وجهك هذا.

فسار الحسين عليه السلام و أصحابه، فلما نزلوا ثعلبية [3] ، ورد عليه رجل يقال له: بشر ابن غالب، فقال: يا بن رسول الله أخبرني عن قول الله عز و جل " يوم ندعوا كل أناس بإمامهم " [4] قال: إمام دعا إلي هدي فأجابوه إليه، و إمام دعا إلي ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في [5] الجنة و هؤلاء في النار، و هو قوله عز و جل " فريق في الجنة و فريق في السعير " [6] .

ثم سار حتي نزل العذيب [7] ، فقال فيها [8] قائلة الظهيرة، ثم انتبه من نومه باكيا، فقال له ابنه: ما يبكيك يا أبه؟ فقال: يا بني إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها و إنه


عرض لي في منامي [9] عارض، فقال: (أ) تسرعون السير و المنايا تسير [10] بكم إلي الجنة.

ثم سار حتي نزل الرهيمة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكني: أبا هرم، [11] فقال: يا بن النبي ما الذي أخرجك من المدينة؟ فقال: ويحك يا أبا هرم [12] شتموا عرضي فصبرت، و طلبوا مالي فصبرت، و طلبوا دمي فهربت، و أيم الله ليقتلني ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا، و سيفا قاطعا، و ليسلطن عليهم من يذلهم.

قال: و بلغ عبيد الله بن زياد لعنه الله الخبر و إن الحسين قد نزل الرهيمة [13] فأسري [14] إليه (ال) حر بن يزيد في ألف فارس، قال الحر: فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديت ثلاثا: يا حر أبشر بالجنة فالتفت فلم أر أحدا، فقلت: ثكلت الحر امه، يخرج إلي قتال ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و يبشر بالجنة!؟ فرهقه [15] عند صلاة الظهر، فأمر الحسين عليه السلام ابنه فأذن و أقام، و قام الحسين عليه السلام فصلي بالقريقين (جميعا)، فلما سلم وثب الحر بن يزيد، فقال: السلام عليك يا بن رسول الله و رحمة الله و بركاته، فقال الحسين عليه السلام: و عليك السلام من أنت يا عبد الله؟ فقال: أنا الحر بن يزيد، فقال: يا حر أ علينا أم لنا؟ فقال الحر: و الله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك، و أعوذ بالله أن احشر من قبري و ناصيتي مشدودة إلي [16] و يدي مغلولة إلي عنقي و اكب علي حر وجهي في النار، يا ابن رسول الله أين تذهب؟ ارجع إلي حرم جدك فإنك مقتول، فقال الحسين عليه السلام: سأمضي فما بالموت عار علي الفتي إذا ما نوي حقا و جاهد مسلما و واسي الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و خالف مجرما


فإن مت لم أندم و إن عشت لم ألم كفي بك ذلا أن تعيش [17] و ترغما ثم سار الحسين عليه السلام حتي نزل القطقطانة [18] فنظر إلي فسطاط مضروب، فقال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لعبدالله [19] بن الحر الحنفي فأرسل إليه الحسين عليه السلام فقال: أيها الرجل إنك مذنب خاطئ و إن الله عز و جل آخذك بما أنت صانع أن لم تتب إلي الله تبارك و تعالي في ساعتك هذه فتنصرني، و يكون جدي شفيعك بين يدي الله تبارك و تعالي.

فقال: يا ابن رسول الله و الله لو نصرتك لكنت أول مقتول بينت يديك، و لكن هذا فرسي خذه إليك فو الله ما ركبته قط، و أنا أروم شيئا إلا بلغته، و لا أرادني أحد إلا نجوت عليه، فدونك فخذه فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه ثم قال: لا حاجة لنا [20] فيك و لا في فرسك، " و ما كنت متخذ المضلين عضدا " [21] ، و لكن فر، فلا لنا و لا علينا فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت، ثم لم يجبنا (أ) كبه الله علي وجهه في نار جهنم.

ثم سار حتي نزل بكربلا، فقال: أي موضع هذا؟ فقيل: هذا كربلاء يا ابن رسول الله، فقال: هذا و الله يوم كرب و بلاء، و هذا موضع هذا؟ فقيل: هذا كربلاء يا ابن رسول الله، فقال: هذا و الله يوم كرب و بلاء و هذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا، و يباح فيه حريمنا، فأقبل عبيد الله بن زياد بعسكره حتي عسكر بالنخيلة و بعث إلي الحسين عليه السلام رجلا يقال له: عمر بن سعد قائده في أربعة آلاف فارس، و أقبل عبد الله [بن] الحصين التميمي في ألف فارس يتبعه شبث بن ربعي في ألف فارس، و محمد بن الاشعث بن قيس الكندي أيضا في ألف فارس و كتب لعمر بن سعد


(الامارة) علي الناس، و أمرهم أن يسمعوا له و يطيعوه.

فبلغ عبيد الله بن زياد أن عمر بن سعد يسامر الحسين عليه السلام قتاله، فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس، و كتب إلي عمر بن سعد إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي عليهما السلام و خذ بكظمه، وحل بين الماء و بينه كمال حيل بين عثمان و بين الماء يوم الدار، فلما وصل الكتاب إلي عمر بن سعد لعنه الله، أمر مناديه فنادي: إنا قد أجلنا حسينا و أصحابه يومهم و ليلتهم فشق ذلك علي الحسين و علي أصحابه، فقام الحسين عليه السلام في أصحابه خطيبا، فقال: " أللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر و لا أزكي و لا أطهر من أهل بيتي و لا أصحابا هم خير من أصحابي، و قد نزل بي ما قد ترون و أنتم في حل من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، و لا لي عليكم ذمة، و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا و تفرقوا في سواده، فإن القومخ إنما يطلبوني، و لو ظفر و ابي لذهلوا عن طلب غيري ".

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا ابن رسول الله ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا و كبيرنا و سيدنا و ابن سيد الاعمام و ابن نبينا سيد الانبياء، لم نضرب معه بسيف، و لم نقاتل معه برمح، لا و الله أو نرد موردك و نجعل أنفسنا دون نفسك، و دماء نادون دمك، فإذا نحن فعلنا فقد قضينا ما علينا و خرجنا مما لزمنا.

و قام إليه رجل يقال له: زهير بن القين البجلي، فقال: يا ابن رسول الله وددت أني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت فيك و في الذين معك مائة قتلة، و أن الله دفع بي عنكم أهل البيت، فقال، له و لاصحابه: جزيتم خيرا.

ثم أن الحسين عليه السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق، و أمر (بحطب) فحشيت حطبا و أرسل عليا ابنه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا ليستقوا الماء و هم علي وجل شديد و أنشأ الحسين عليه السلام يقول: يا دهراف لك من خليل كم لك في الاشراق و الاصيل من طالب و صاحب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل و إنما الامر إلي الجليل و كل حي سالك سبيلي


ثم قال لاصحابه: قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم، و توضؤوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم، ثم صلي بهم الفجر و عبأهم تعبئة الحرب، و أمر بحفيرته التي حول عسكره فاضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد.

و أقبل رجل من عسكر عمر بن سعد علي فرس له يقال له: ابن أبي جويرية المزني، فلما نظر إلي النار تتقد صفق بيده و نادي: يا حسين و أصحاب حسين أبشروا بالنار! فقد تعجلتموها في الدنيا، فقال الحسين عليه السلام: من الرجل؟ فقيل: ابن أبي جويرية المزني، فقال الحسين عليه السلام: أللهم أذقه عذاب النار في الدنيا، فنفر به فرسه و ألقاه في تلك النار فاحترق.

ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له: تميم بن [ال] حصين الفزاري فنادي: يا حسين و يا أصحاب [ال] حسين أما ترون إلي ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات [22] و الله لا ذقتم منه قطرة حتي تذوقو الموت جزعا [23] ، فقال الحسين عليه السلام: من الرجل؟ فقيل: تميم بن حصين، فقال الحسين عليه السلام: هذا و أبوه من أهل النار، أللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم، قال: فخنقه العطش حتي سقط عن فرسه، فوطاته الخيل بسنابكها فمات.

ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له: محمد بن أشعث بن قيس الكندي، فقال: يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله صلي الله عليه و آله ليست لغيرك؟ فتلا [24] الحسين عليه السلام هذه الآية " ان الله اصطفي آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران علي العالمين ذرية " [25] الآية، ثم قال: و الله إن محمدا لمن آل إبراهيم و إن العترة الهادية لمن آل محمد، من الرجل؟ فقيل: محمد بن أشعث بن قيس الكندي، فرفع الحسين عليه السلام رأسه إلي السماء، فقال: أللهم أر محمد بن الاشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا، فعرض له عارض، فخرج من العسكر يتبرز، فسلط الله عليه عقربا فلدغته، [26] فمات بادي العورة.


فبلغ العطش من الحسين عليه السلام و أصحابه، فدخل عليه رجل من شيعته يقال له: يزيد بن الحصين الهمداني، قال إبراهيم بن عبد الله راوي الحديث: هو خال أبي إسحاق الهمداني فقال: يا ابن رسول الله [أ] تأذن لي فأخرج إليهم فأكلمهم [27] ؟ فأذن له، فخرج إليهم، فقال: يا معشر الناس إن الله عز و جل بعث محمدا بالحق بشيرا و نذيرا و داعيا إلي الله بإذنه و سراجا منيرا، و هذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد و كلابها، و قد حيل بينه و بين ابنه، فقالوا: يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف [28] فو الله ليعطش [29] الحسين كما عطش من كان قبله، فقال الحسين عليه السلام: أقعد يا يزيد.

ثم وثب الحسين عليه السلام متوكئا علي سيفه، فنادي بأعلي صوته، فقال: أنشدكم الله هل تعرفوني؟ قالوا: نعم، أنت ابن [بنت] رسول الله صلي الله عليه و آله و سبطه.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله؟ قالوا: أللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد؟ قالوا: أللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب عليه السلام؟ قالوا: أللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الامة إسلاما؟ قالوا: أللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن سيد الشهداء حمرة عم أبي؟ قالوا: أللهم نعم.

قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي؟ قالوا: أللهم نعم.

قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و أنا متقلده؟ قالوا: أللهم نعم.

قال فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلي الله عليه و آله أنا لابسها؟


قالوا: أللهم نعم.

قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أولهم إسلاما و أعلمهم علما و أعظمهم حلما و أنه ولي كل مؤمن و مؤمنة؟ قالوا: أللهم نعم.

قال: فبم تستحلون دمي؟ و أبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء و لواء الحمد في يد جدي يوم القيامة، قالوا: قد علمنا ذلك كله و نحن تاركيك حتي تذوق الموت عطشانا [30] .

فأخذ الحسين عليه السلام بطرف لحيته و هو يومئذ ابن سبع و خمسين سنة، ثم قال: اشتد عضب الله علي اليهود حين قالوا: عزيز ابن الله، و اشتد غضب الله علي النصاري حين قالوا: المسيحا بن الله، و اشتد غضب الله علي المجوس حين عبدوا النار من دون الله، و اشتد غضب الله علي قوم قتلوا نبيهم، و اشتد عضب الله علي هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن بنت نبيهم [31] .

قال: فضرب الحر بن يزيد فرسه و جاز عسكر عمر بن سعد لعنه الله إلي عسكر الحسين عليه السلام واضعا يده علي رأسه و هو يقول: أللهم إليك أنيب فتب علي، فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد نبيك، يا بن رسول الله هل لي من توبة؟ قال: نعم تاب الله عليك، قال: يا بن رسول الله إئذن [32] لي فأقاتل عنك، فأذن له فبرز و هو يقول: أضرب في أعناقكم بالسيف عن خير من حل بلاد الخيف فقتل منهم ثمانية عشر رجلا، ثم قتل، فأتاه الحسين عليه السلام و دمه يشخب فقال: بخ بخ يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا و الآخرة، ثم أنشأ الحسين عليه السلام يقول: لنعم الحر حر بني رياح صبور عند [33] مختلف الرماح و نعم الحر إذ نادي حسينا فجاد بنفسه عند الصباح


ثم برز من بعده زهير بن القين البجلي و هو يقول مخاطبا للحسين عليه السلام: اليوم نلقي جدك النبيا و حسنا و المرتضي عليا فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثم صرع و هو يقول: أنا زهير و أنا ابن القين أذبكم بالسيف عن حسين ثم برز من بعده حبيب بن مظاهر [34] الاسدي (رض) و هو يقول: أنا حبيب و أبي مظاهر [35] لنحن أزكي منكم و أطهر ننصر خير الناس حين يذكر فقتل منهم أحدا و ثلاثين رجلا ثم قتل رضوان الله عليه.

ثم بر زمن بعده عبد الله بن أبي عروة الغفاري و هو يقول: قد علمت حقا بنو غفار اني أذب في طلاب الثأر بالمشرفي و القنا الخطار فقتل منهم عشرين رجلا، ثم قتل رحمه الله.

ثم برز من بعده برير بن خضير [36] الهمداني و كان أقرء أهل زمانه و هو يقول: أنا برير و أبي خضير [37] لا خير فيمن ليس فيه خير فقتل منهم ثلاثين رجلا، ثم قتل رضوان الله عليه.

ثم برز من بعده مالك بن أنس الكاهلي و هو يقول: قد علمت كاهلها و دودان و الخندفيون و قيس غيلان [38] بأن قومي قصم الاقران يا قوم كونوا كاسود الجان آل علي شيعة الرحمن و آل حرب شيعة الشيطان فقتل منهم ثمانية عشر رجلا، ثم قتل رضوان الله عليه.


و برز من بعده زياد بن مهاصر الكندي فحمل عليهم و أنشأ يقول: (أنا زياد و أبي مهاصر) [39] أشجع من ليث العرين الخادر يا رب إني للحسين ناصر و لا بن سعد تارك مهاجر فقتل منهم بعده تسعة، ثم قتل رضوان الله عليه.

و برز من بعده وهب بن وهب و كان نصرانيا أسلم علي يدي الحسين عليه السلام هو و امه فاتبعوه إلي كربلاء فركب فرسا و تناول بيده عود الفسطاط، فقاتل و قتل من القوم سبعة أو ثمانية ثم استؤسر، فاتي به عمر بن سعد لعنه الله فأمر بضرب عنقه فضربت عنقه و رمي [به] إلي عسكر الحسين عليه السلام و أخذت أمه سيفه و برزت، فقال لها الحسين عليه السلام: يا ام وهب اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء إنك و ابنك مع جدي محمد صلي الله عليه و آله في الجنة.

ثم برز من بعده هلال بن حجاج و هو يقول: أرمي بها معلمة أفواقها [40] و النفس [41] لا ينفعها إشفاقها فقتل منهم ثلاثة عشر رجلا ثم قتل رضوان الله عليه و رحمته.

و برز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام و أنشأ يقول: أقسمت لا اقتل إلا حرا و قد وجدت الموت شيئا مرا أكره أن ادعي جبانا فرا إن الجبال من عصي وفرا فقتل منهم ثلاثة، ثم قتل رضوان الله عليه و رحمته.

و برز من بعده علي بن الحسين عليه السلام، فلما برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السلام فقال: أللهم كن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم ابن رسولك و أشبه الناس وجها و سمتا به، فجعل يرتجز و هو يقول: أنا علي بن الحسين بن علي نحن و بيت الله أولي بالنبي أما ترون كيف أحمي عن أبي (ضرب غلام هاشمي عربي) [42] .


فقتل منهم عشرة، ثم رجع إلي أبيه، فقال: يا أبه العطش، فقال له الحسين عليه السلام: صبرا يا بني ليسقيك [43] جدك بالكأس الاوفي، فرجع فقاتل حتي قتل منهم أربعة و أربعين رجلا ثم قتل صلي الله عليه.

و برز من بعده القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام و هو يقول: لا تجزعي نفسي فكل فان اليوم تلقين ذري الجنان فقتل منهم ثلاثة، ثم رمي عن فرسه رضوان الله عليه و صلواته.

و نظر الحسين عليه السلام يمينا و شمالا و لا يري أحدا فرفع رأسه إلي السماء، فقال: أللهم إنك تري ما يصنع بولد نبيك، و حال بنو كلاب بينه و بين الماء، و رمي بسهم فوقع في نحره و خر عن فرسه، فأخذ السهم فرمي به، و جعل يتلقي الدم بكفه، فلما امتلات لطخ بها رأسه و لحيته و (هو) يقول: ألقي الله عز و جل و أنا مظلوم متلطخ بدمي، ثم خر علي خده الايسر صريعا.

و أقبل عدو الله سنان بن أنس الايادي و شمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتي وقفوا علي رأس الحسين عليه السلام، فقال بعضهم لبعض: ما تنظرون؟ أريحوا الرجل، فنزل سنان بن أنس الايادي لعنه الله و أخذ بلحية الحسين عليه السلام، و جعل يضرب بالسيف في حلقه و هو يقول: و الله إني لاجتز رأسك و أنا أعلم أنك ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و خير الناس اما و أبا، و أقبل فرس الحسين عليه السلام حتي لطخ عرفه و ناصيته بدم الحسين عليه السلام و جعل يركض و يصهل، فسمعت بنات النبي صلي الله عليه و آله صهيله فخرجن، فإذا الفرس بلا راكب فعرفن أن حسينا عليه السلام قد قتل، و خرجت ام كلثوم بنت علي [44] عليه السلام واضعة يدها علي رأسها تندب و تقول: وا محمداه هذا الحسين بالعراء قد سلب العمامة و الرداء، و أقبل سنان لعنه الله حتي أدخل رأس الحسين بن علي عليهما السلام علي عبيد الله بن زياد لعنه الله و هو يقول: إملا ركابي فضة و ذهبا إني [45] قتلت الملك المحجبا


قتلت خير الناس اما و أبا و خيرهم إذ ينسبون نسبا فقال له عبيد الله بن زياد لعنه الله: ويحك، فإن علمت أنه خير الناس اما و أبا لم قتلته إذا، فأمر به فضربت عنقه و عجل الله بروحه إلي النار، و أرسل ابن زياد قاصدا إلي أم كلثوم - اخت الحسين [46] عليه السلام - فقال لها: الحمد لله الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم؟ فقالت: يا ابن زياد لئن قرت عينك [47] بقتل الحسين عليه السلام فطال ما قرت عين جده به، و كان يقبله و يلثم شفتيه [48] ، و يضعه علي عاتقه، يا بن زياد أعد لجده جوابا فإنه خصمك غدا [49] .

توضيح: " وطدت الشيء أطده وطدا " أي أثبته و ثقلته، والتوطيد مثله " و الا رب " بالكسر العضو، " و جثا " كدعي " و رمي جثوا و جثيا بضمهما " جلس علي ركبتيه أو قام علي أطراف أصابعه، " و رمله بالدم فترمل و ارتمل " أي تلطخ " و الخلاق " النصيب، " و الظهيرة " شدة الحر نصف النهار " و الاسراء " السير بالليل و يقال: " طلب فلانا حتي رهقته " أي حتي دنوت منه، فربما أخذه و ربما لم يأخذه، و حر الوجه ما بدا من الوجنة، " و الثبور " الهلاك و الخسران، " و الواعية " الصراخ و الصوت، " و المسامرة " الحديث بالليل، و يقال: " أخذت بكظمه " بالتحريك أي بمخرج نفسه.

و قال الجزري: يقال للرجل إذا أسري ليله جمعاء أو أحياها بصلاة أو غيرها من العبادات اتخذ الليل جملا كأنه ركبه و لم ينم فيه انتهي، " و شرقت الشمس " أي طلعت " و أشرقت " أي أضاءت، " و الاصيل " بعد العصر إلي المغرب، " و البديل ": البدل " و سنبك الدابة " هو طرف حافرها، " و البراز " بالفتح الفضاء الواسع " و تبرز الرجل " أي خرج إلي البراز للحاجة، " و الذود " الطرد و الدفع.

و قال الجوهري: " المشرفية " سيوف، قال أبو عبيد [ة] : نسبت إلي مشارف


و هي قري من أرض العرب تدنو من الريف، يقال: سيف مشرفي، " و القنا " بالكسر جمع قناة و هي الرمح " و رمح خطار " ذو اهتزاز، و يقال: " خطران الرمح " ارتفاعه و انخفاضه للطعن، و " الكاهل " أبو قبيلة من أسد و كذا دودان أبو قبيلة منهم، " و خندف " في الاصل لقب ليلي بنت عمران سميت به القبيلة، و قيس أبو قبيلة من مضر، و هو قيس غيلان [50] ، " و العرين " مأوي الاسد الذي يألفه.

و في بعض النسخ " العريز " و كأنه من المعارزة بمعني المعاندة، " و الخدر " الستر " و أسد خادر " أي داخل الخدر، " و رجل فر " أي فرار، و يقال: " ملك محجب " أي محتجب عن الناس.

الكتب: 2 - قال الشيخ المفيد في الارشاد: روي الكلبي و المدائني و غيرهما من أصحاب السيرة قالوا: لما مات الحسن عليه السلام تحركت الشيعة بالعراق، و كتبوا إلي الحسين عليه السلام في خلع معاوية و البيعة له، فامتنع عليهم، و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه حتي تمضي المدة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك.

فلما مات معاوية و ذلك للنصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة، كتب يزيد إلي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، و كان علي المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له و لا يرخص له في التأخير عن ذلك، فأنفذ الوليد إلي الحسين عليه السلام في الليل فاستدعاه فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد، فدعا جماعة من مواليه و أمرهم بحمل السلاح، و قال لهم: إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، و لست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه [51] إليه و هو مأمون، فكونوا معي، فإذا دخلت إليه فاجلسوا علي الباب، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني.

فصار الحسين عليه السلام إلي الوليد بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم فنعي إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين عليه السلام ثم قرأ عليه كتاب يزيد، و ما أمره فيه من


أخذ البيعة منه له، فقال الحسين عليه السلام: إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتي أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد: أجل، فقال الحسين عليه السلام: فتصبح و تري رأيك في ذلك، فقال له الوليد: انصرف علي اسم تعالي حتي تأتينا مع جماعة الناس.

فقال له مروان: و الله لئن فارقك الحسين عليه السلام الساعة و لم يبايع لا قدرت منه علي مثلها أبدا حتي تكثر القتلي بينكم و بينه احبس الرجل و لا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه، فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك، و قال: أنت يا بن الزرقاء تقتلني أم هو؟ كذبت و الله و أثمت، و خرج يمشي و معه مواليه حتي أتي منزله.

[52] قال السيد: كتب يزيد إلي الوليد [و كان أمير المدينة] يأمره بأخذ البيعة علي أهلها [عامة] و خاصة علي الحسين عليه السلام و يقول [له] : إن أبي عليك فاضرب عنقه و أبعث إلي برأسه، فأحضر الوليد مروان و استشاره في أمر الحسين عليه السلام، فقال: إنه لا يقبل، و لو كنت مكانك ضربت [53] عنقه، فقال الوليد: ليتني لم أك شيئا مذكورا.

ثم بعث إلي الحسين عليه السلام فجاءه في ثلاثين [رجلاء] من أهل بيته و مواليه، ثم ساق الكلام إلي عن قال: فغضب الحسين عليه السلام، ثم قال: ويلي عليك [54] يا بن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت و الله و أثمت [55] .

ثم أقبل عليه الوليد فقال: أيها الامير إنا أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، و بنا ختم الله، و يزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق و مثلي لا يبايع مثله [56] ، و لكن نصبح و تصبحون، و ننظر و تنظرون أينا أحق بالبيعة و الخلافة، ثم خرج عليه السلام [57] .

و قال ابن شهر اشوب: كتب (يزيد) إلي الوليد بأخذ البيعة من الحسين


عليه السلام و عبد الله بن عمر، و عبد الله بن الزبير، و عبد الرحمن أبي بكر أخذا عنيفا [58] ليست فيه رخصة فمن يأبي [59] عليك منهم فضرب عنقه و أبعث إلي برأسه، فشاور في ذلك مروان، فقال: الرأي أن تحضرهم و تأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا.

فوجه في طلبهم، و كانو ان عند التربة، فقال عبد الرحمن و عبد الله: ندخل دورنا و نغلق أبوابنا، و قال ابن الزبير: و الله ما أبايع ييد أبدا، و قال الحسين: أنا لا بدلي من الدخول علي الوليد و ذكر قريبا مما مر.

[60] قال المفيد: فقال مروان للوليد: عصيتني لا و الله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا، فقال [له] الوليد: ويح غيرك يا مروان اخترت لي التي فيها هلاك ديني و دنياي، و الله ما احب أن لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه [61] من مال الدنيا و ملكها، و إني قتالك حسينا، سبحان الله أقتل حسينا [لما] إن قال: لا أبايع، و الله إني لاظن أن امرءا يحاسب بدم الحسين عليه السلام خفيف الميزان عند الله يوم القيامة، فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت يقول هذا و هو الحامد له علي رأيه [62] .

و قال السيد: فما أصبح الحسين عليه السلام خرج من منزله يستمع الاخبار فلقيه مروان بن الحكم، فقال له: يا أبا عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد، فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟ قل حتي أسمع، فقال (له) مروان: إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين فإنه خير لك في دينك و دنياك، فقال الحسين عليه السلام: إنا لله و إنا إليه راجعون و علي الاسلام السلام، إذ قد بليت الامة براع مثل يزيد، و لقد سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: الخلافة محرمه علي آل أبي سفيان، و طال الحديث بينه و بين مروان حتي انصرف مروان و هو غضبان.

فلما كان الغداة توجه الحسين عليه السلام إلي مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين، فأقام بها باقي شعبان و شهر رمضان و شوالا و ذا القعدة. [63] .


قال المفيد " ره ": فأقام [64] الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة، و هي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين [من الهجرة] ، و اشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد، و امتناعه عليهم، و خرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها إلي مكة، فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال، فبعث راكبا من موالي بني أمية في ثمانين راكبا، فطلبوه فلم يدركوه، فرجعوا.

فلما كان آخر نهار [يوم] السبت بعث الرجال إلي الحسين عليه السلام ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسين عليه السلام: اصبحوا ثم ترون و نري! فكفوا تلك الليلة عنه و لم يلحوا عليه، فخرج عليه السلام من تحت ليلته و هي ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة، و معه بنوه و بنو أخيه و إخوته وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية، فإنه لما علم عزمه علي الخروج عن المدينة لم يدر أين يتوجه، فقال له: يا أخي أنت أحب الناس إلي، و أعزهم علي، و لست أدخر النصيحة لاحد من الخلق إلا لك، و أنت أحق بها تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية و عن الامصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلي الناس ثم ادعهم إلي نفسك فإن باليعك الناس و بايعوا لك حمدت الله علي ذلك، و إن اجتمع الناس علي غيرك لم ينقص الله بذلك دينك و لا عقلك و لا تذهب به مروتك و لا فضلك، و إني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك و اخري عليك فيقتتلون، فتكون إذا لاول الاسنة غرضا، فإذا خير هذه الامة كلها نفسا و اما و أبا أضيعها دما و أذلها أهلا.

فقال له الحسين عليه السلام: فأين أذهب [65] يا أخي؟ قال: أنزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فذاك [66] و إن نبت [67] بك لحقت بالرمال و شعف [68] الجبال، و خرجت من بلد إلي بلد حتي تنظر إلي ما يصير أمر الناس [إليه] ، فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الامر استقبالا.

[ف] قال: يا أخي قد نصحت و أشفقت، و أرجو أن يكون رأيك سديداموفقا. [69] .


و قال محمد بن أبي طالب الموسوي: لما ورد الكتاب علي الوليد بقتل الحسين عليه السلام عظم ذلك عليه، ثم قال: و الله لا يراني الله أقتل ابن نبيه و لو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها.

قال: و خرج الحسين عليه السلام من منزله بذات ليلة و أقبل إلي قبر جده، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة، فرخك و ابن فرختك، و سبطك الذي خلفتني في امتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم ققد خذلوني و ضيعوني و لم يحفظوني، و هذه شكواي إليك حتي ألقاك، قال: ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا (و) ساجدا.

قال: و أرسل الوليد إلي منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا؟ فلم يصبه في منزله، فقال: الحمد لله الذي خرج [70] و لم يبتلني بدمه، قال: و رجع الحسين عليه السلام إلي منزله عند الصبح.

فلما كانت الليلة الثانية، خرج إلي القبر أيضا وصلي ركعات، فلما فرغ من صلاته جعل يقول: أللهم هذا قبر نبيك محمد، و أنا ابن بنت نبيك، و قد حضرني من الامر ما قد علمت، أللهم إني احب المعروف، و أنكر، المنكر، و أنا أسألك يا ذا الجلال و الاكرام بحق القبر و من فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضي و لسولك رضي.

قال: ثم جعل يبكي عند القبر حتي إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه علي القبر فاغفي، فإذا هو برسول الله صلي الله عليه و آله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه و عن شماله و بين يديه حتي ضم الحسين عليه السلام إلي صدره و قبل (ما) بين عينيه، و قال: حبيبي يا حسين كاني أراك عن قريب مرملا بدمائك، مذبوحا بأرض كرب و بلاء، بين [71] عصابة من أمتي، و أنت مع ذلك عطشان لا تسقي، و ظمآن لا تروي، و هم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، حبيبي يا حسين إن أباك و أمك و أخاك قدموا علي و هم مشتاقون إليك، و إن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة.

قال: فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلي جده و يقول: يا جداه لا حاجة.


لي في الرجوع إلي الدنيا فخذني إليك و أدخلني معك في قبرك، فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله لا بدلك من الرجوع إلي الدينا حتي ترزق الشهادة و ما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فإنك و أباك و أخاك و عمك و عم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتي تدخلوا الجنة.

قال: فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعا مرعوبا فقص رؤياه علي أهل بيته و بن عبد المطلب فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق و لا مغرب قوم أشد غما من أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و لا أكثر باك و لا باكية منهم.

قال: و تهيأ الحسين عليه السلام للخروج من المدينة، و مضي في جوف الليل إلي قبر امه فودعها، ثم مضي إلي قبر أخيه الحسن عليه السلام ففعل كذلك، ثم رجع إلي منزله وقت الصبح فأقبل إليه أخوه محمد بن الحنفية، و قال: يا أخي أنت أحب الخلق إلي و أعزهم علي و لست و الله أدخر النصيحة لاحد من الخلق، و ليس أحد أحق بها منك لانك مزاج مائي و نفسي و روحي و بصري و كبير أهل بيتي و من وجبت طاعته في عنقي، لان الله قد شرفك علي و جعلك من سادات أهل الجنة.

و ساق الحديث كما مر إلي أن قال: تخرج إلي مكة فأن اطمأنت بك الدار بها فذاك، و إن تكن الاخري خرجت إلي بلاد اليمن، فإنهم أنصار جدك و أبيك، و هم أرأف الناس، و أرقهم قلوبا، و أوسع الناس بلادا، فأن اطمأنت بك الدار، و إلا لحقت بالرمال و شعوب الجبال، و جزت [72] من بلد إلي بلد، حتي تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا و بين القوم الفاسقين.

قال: فقال الحسين عليه السلام: يا أخي و الله الولم يكن (في الدنيا) ملجأ و لا مأوي، لما بايعت يزيد بن معاوية، فقطع محمد بن الحنفية الكلام و بكي، فبكي الحسين عليه السلام معه ساعة ثم قال: يا أخي جزاك الله خيرا، لقد نصحت و أشرت بالصواب و أنا عازم علي الخروج إلي مكة، و قد تهيأت لذلك أنا و إخوتي و بنو أخي و شيعتي، و أمرهم أمري و رأيهم رأيي، و أما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة،


فتكون لي عينا (عليهم ف) لا تخفي عني شيئا من أمورهم.

ثم دعا الحسين عليه السلام بدواة و بياض و كتب هذه الوصية لاخيه محمد: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب إلي أخيه محمد المعروف بإبن الحنفية أن الحسين عليه السلام يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله، جاء بالحق من عند الحق، و أن الجنة و النار حق، و أن الساعة آتية لا ريب فيها، و أن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما و إنما خرجت لطلب إلا صلاح في امة جدي، أريد أن آمر بالمعروف و أنهي عن المنكر، و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب عليهما السلام، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، و من رد علي هذا أصبر حتي يقضي الله بيني و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين، و هذه وصيتي يا أخي إليك و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب.

قال: ثم طوي الحسين عليه السلام الكتاب و ختمه بخاتمه، و دفعه إلي أخيه محمد ثم ودعه و خرج في جوف الليل.

و قال محمد بن أبي طالب: و روي محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل عن محمد يحيي، عن محمد بن الحسين، عن أيوب بن نوح، عن صفوان، عن مروان بن إسماعيل، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال [73] : ذكرنا خروج الحسين عليه السلام و تخلف ابن الحنفية، فقال أبو عبد الله عليه السلام لما فصل [74] متوجها، دعا بقرطاس و كتب فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن أبي طالب إلي بني هاشم، أما بعد فإن من لحق بي منكم استشهد، و من تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح و السلام ".

و قال شيخنا المفيد بإسناده إلي أبي عبد الله عليه السلام قال: لما سار أبو عبد الله


عليه السلام من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومة في أيديهم الحراب علي نجب [75] من نجب الجنة، فسلموا عليه، و قالوا: يا حجة الله علي خلقه بعد جده و أبيه و أخيه، إن الله سبحانه أمد جدك بنا في مواطن كثيرة، و إن الله أمدك بنا، فقال لهم: الموعد حفرتي و بقعتي التي استشهد فيها و هي كربلا، فإذا وردتها فأتوني، فقالوا: يا حجة الله مرنا نسمع و نطع، فهل تخشي من عدو يلقاك فنكون معك؟ فقال؟ فقال: لا سبيل لهم علي و لا يلقوني بكريهة أو أصل إلي بقعتي.

وأتته أفواج مسلم الجن، فقالوا: يا سيدنا نحن شيعتك و أنصارك فمرنا بأمرك و ما تشاء فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك و أنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزاهم الحسين عليه السلام خيرا، و قال لهم: أوما قرأتم كتاب الله المنزل علي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله " أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة " [76] و قال سبحانه و تعالي " لبرز الذين كتب عليهم القتل إلي مضاجعهم " [77] و إذا أقمت بمكاني فبما ذا يبتلي هذا الخلق المتعوس؟ و بما ذا يختبرون؟ و من ذا يكون ساكن حفرتي بكربلا؟ و قد اختارها الله تعالي يوم دحا الارض، و جعلها معقلا لشيعتنا، و يكون لهم أمانا في الدنيا و الآخرة، و لكن تحضرون يوم السبت، و هو يوم عاشوراء الذي في آخره اقتل و لا يبقي بعدي مطلوب من أهلي و نسبي و إخوتي و أهل بيتي، و يسار برأسي إلي يزيد لعنه الله.

فقالت الجن: نحن و الله يا حبيب الله و ابن حبيبه، لو لا أن أمرك طاعة و أنه لا يجوز لنا مخالفتك، قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك، فقال صلوات الله عليه لهم: نحن و الله أقدر عليهم منكم و لكن " ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة " [78] انتهي ما نقلناه من كتاب محمد بن أبي طالب.

[79] و في بعض الكتب أنه لما عزم علي الخروج من المدينة أتته ام سلمة (رض) فقالت: يا بني لا تحزني بخروجك إلي العراق فإني سمعت جدك يقول: يقتل ولدي


الحسين عليه السلام بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلا، فقال لها: يا أماه و أنا و الله أعلم ذلك، واني مقتول لا محالة، و ليس لي من هذا بدو إني و الله لاعرف اليوم الذي اقتل فيه، و أعرف من يقتلني، و أعرف البقعة التي ادفن فيها، و إني أعرف من يقتل من أهل بيتي و قرابتي و شيعتي، و إن أردت يا أماه اريك حفرتي و مضجعي.

ثم أشار إلي جهة كربلا فانخفضت الارض حتي أراها حتي أراها مضجعه و مدفنه و موضع عسكره و موقفه و مشهده، فعند ذلك بكت ام سلمة بكاء شديدا، و سلمت أمره إلي الله، فقال لها: يا أماه قد شاء الله عز و جل أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما و عدوانا و قد شاء أن يري حرمي و رهطي و نسائي مشردين، و أطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيدين، و هم يستغيثون فلا يجدون ناصرا و لا معينا.

و في رواية اخري: قالت ام سلمة: و عندي تربة دفعها إلي جدك في قارورة فقال: و الله إني مقتول كذا لك و إن لم أخرج إلي العراق، يقتلوني أيضا، ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة و أعطاها إياها، و قال: اجعليها مع قارورة جدي فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت.

[80] ثم قال المفيد (ره): فسار الحسين عليه السلام إلي مكة و هو يقرأ (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين " [81] و لزم الطريق الاعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت عن الطريق (الاعظم) كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب، فقال: لا و الله لا افارقه حتي يقضي الله ما هو قاض، و لما دخل الحسين عليه السلام مكة كان دخول إياها يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان، دخلها و هو يقرأ " و لما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل " [82] .

ثم نزلها و أقبل أهلها يختلفون إليه، و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق و ابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة، و هو قائم يصلي عندها [83] و يطوف، و يأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه، فيأتبه اليومين المتواليين و يأتيه بين كل يومين مرة، و هو أثقل خلق الله علي ابن الزبير [لانه] قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين


عليه السلام في البلد، و أن الحسين عليه السلام أطوع في الناس منه و أجل.

و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية، فأرجفوا بيزيد، و عرفوا خبر الحسين عليه السلام و امتناعه من بيعته، و ما كان من أمر ابن الزبير في ذلك و خروجهما إلي مكة، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد فذكروا هلاك معاوية، فحمدوا الله و أثنوا عليه، فقال سليمان: إن معاوية قد هلك، و إن حسينا قد نقض [84] علي القوم ببيعته، و قد خرج إلي مكة، و أنتم شيعته و شيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدوا عدوه، فاكتبوا إليه [و أعلموه] ، فإن خفتم الفشل و الوهن فلا تغروا الرجل في نفسه قالوا: لا، بل نقاتل عدوه، و نقتل أنفسنا دونه، [قال:] فاكتبوا إليه.

فكتبوا إليه: بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي عليهما السلام من سليمان بن صرد، و المسيب بن نجبة [85] ، و رفاعة بن شداد البجلي، و حبيب بن مظاهر و شيعته المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد: فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد، الذي انتزي علي هذه الامة فابتزها أمرها، و غصبها فيئها، و تأمر عليها بغير رضي منها، ثم قتل خيارها، و استبقي شرارها، و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود، إنه ليس علينا [86] إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الحق، و النعمان بن بشير في قصر الامارة، لسنا نجتمع معه في جمعة، و لا نخرج معه إلي عيد، و لو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخر جناه، حتي نلحقه بالشام إن شاء الله.

ثم سرحوا الكتاب [87] مع عبد الله بن مسمع الهمداني، و عبد الله بن وال [88] و أمروهما بالنجا [ء] ، [89] فخرجا مسرعين حتي قدما علي الحسين عليه السلام بمكة لعشر مضين


من شهر رمضان.

ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، و أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي " و عبد الله و عبد الرحمن ابني عبد الله بن زياد الارحبي [90] " و عمارة بن عبد الله السلولي إلي الحسين عليه السلام و معهم نحو مائة و خمسين صحيفة، من الرجل و الاثنين و الاربعة.

[91] و قال السيد: و هو مع ذلك يتأبي [92] و لا يحبيبهم، فورد عليه في يوم واحد ستمأة كتاب، و تواترت الكتب حتي اجتمع عنده [منها] في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب.

[93] و قال المفيد (ره): ثم لبثوا يومين آخرين و أخرجوا [94] إليه هانئ بن هانئ السبيعي و سعيد بن عبد الله الحنفي و كتبوا إليه: بسم الله الرحمن الرحيم إلي الحسين [95] بن علي من شيعته من المؤمنين و المسلمين.

أما بعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثم العجل العجل، و السلام.

ثم كتب شبث بن ربعي، و حجار بن أبجر، و يزيد بن الحارث بن رويم، و عروة بن قيس، و عمرو بن حجاج الزبيدي لعنه الله، و محمد بن عمرو التيمي، أما بعد: فقد اخضر الجناب، [96] و أينعت الثمار، و أعشبت الارض، و أورقت الاشجار، فإذا شئت فأقبل علي جند لك مجندة و السلام عليك و علي أبيك من قبلك و رحمة الله و بركاته.

و تلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن الناس، ثم كتب مع هانئ بن هانئ و سعيد بن عبد الله، و كانا آخر الرسل: " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلي الملا من المؤمنين


و المسلمين، اما بعد فإن هانئا و سعيدا (قد) قدما علي بكتبكم، و كانا آخر من قدم علي من رسلكم، و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم، و مقالة جلكم، أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الحق و الهدي، و أنا [97] باعث إليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإن كتب إلي [ب] أنه قد اجتمع رأي ملاكم، و ذوي الحجي و الفضل منكم، علي مثل ما قدمت به رسلكم، و قرأت في كتبكم، فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله تعالي، فلعمري ما الامام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه علي ذلك لله، [98] و السلام ".

و دعا الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبد الله السلولي، و عبد الرحمن بن عبد الله الازدي [99] و أمره بالتقوي و كتمان أمره و اللطف، فإن رأي الناس مجتمعين مستوسقين [100] عجل إليه بذلك.

فأقبل مسلم (ره) حتي أتي المدينة فصلي في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و ودع من أحب من أهله، و استأجر دليلين من قيس، فأقبلا به يتنكبان الطريق فضلا عن الطريق، و أصابهما عطش شديد فعجزا عن السير، فأومأ له إلي سنن الطريق بعد أن لاح لهم [101] ذلك، فسلك مسلم ذلك السنن، و مات الدليلان عطشا، فكتب مسلم بن عقيل رحمة الله عليهما من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر " أما بعد فإني أقبلت من المدينة مع دليلين فحازا [102] عن الطريق فضلا و اشتد عليهما [103] العطش فلم يلبثا أن مأتا، و أقبلنا حتي انتهينا إلي الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا، و ذلك الماء بمكان يدعي المضيق من بطن الخبت، و قد تطيرت من توجهي هذا، فإن رأيت أعفيتني [منه] [104] و بعثت غيري و السلام ".


فكتب إليه الحسين عليه السلام: " أما بعد فقد خشيت [105] أن لا يكون حملك علي الكتاب إلي في الاستعفاء من التوجه [106] الذي وجهتك [له] إلا الجبن، فامض لوجهك الذي وجهتك فيه و السلام ".

فلما قرأ مسلم الكتاب قال: أما هذا فلست أتخوفه علي نفسي، فأقبل حتي مر بماء لطي فنزل [به] ثم ارتحل عنه، فإذا رجل يرمي الصيد، فنظر إليه قد رمي ظبيا حين أشرف له فصرعه، فقال مسلم بن عقيل: نقتل عدونا إن شاء الله تعالي.

ثم أقبل حتي دخل الكوفة، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي و هي التي تدعي اليوم دار مسلم بن المسيب، و أقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام و هم يبكون، و بايعه الناس حتي بايعه منهم ثمانية عشر ألفا، فكتب مسلم إلي الحسين عليه السلام يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا و يأمره بالقدوم، و جعلت الشيعة تختلف إلي مسلم بن عقيل - رحمه الله - حتي علم بمكانه.

فبلغ النعمان (بن) بشير ذلك و كان واليا علي الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها، فصعد المنبر فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أما بعد قاتقوا [الله] عباد الله و لا تسارعوا إلي الفتنة و الفرقة، فإن فيها تهلك الرجال، و تسفك الدماء، و تغصب الاموال، إني لا اقاتل من لا يقاتلني، و لا آتي علي من لم يأت علي، و لا انبه نائمكم و لا أتحرش بكم، و لا آخذ بالقرف و لا الظنة و لا التهمة و لكنكم إن أبديتم صفحتكم لي و نكثتم [107] بيعتكم، و خالفتم إمامكم، فو الله الذي لا إله غيره لاضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، و لو لم يكن لي [منكم] ناصر، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية، فقال له: إنه لا يصلح ما تري [أيها الامير] إلا الغشم [108] و [إن] هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك، رأي المستضعفين، فقال له النعمان: (ل) إن أكون من المستضعفين في طاعة الله


أحب إلي من أن أكون من الاعزين [109] في معصية الله ثم نزل.

و خرج عبد الله بن مسلم و كتب إلي يزيد بن معاوية كتابا: أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة و بايعه الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك، و يعمل مثل عملك في عدوك، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف، أو هو يتضعف.

ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه، ثم كتب اليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك، فلما وصلت الكتب إلي يزيد، دعا سرحون [110] مولي معاوية، فقال: ما رأيك؟ إن اللحسين قد [أ] نفذ إلي الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سئ فمن تري أن أستعمل علي الكوفة؟ - و كان يزيد عاتبا علي عبيد الله بن زياد - فقال له سرحون [111] : أ رأيت لو نشر [112] لك معاوية حيا ما كنت آخذا برأيه؟ قال: بلي، قال: فأخرج سوحون [113] عهد عبيد الله علي الكوفة، و قال: هذا رأي معاوية، مات و قد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلي عبيد الله، فقال له يزيد: أفعل، ابعث بعهد عبيد الله بن زياد إليه.

ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي و كتب إلي عبيد الله [معه] " أما بعد: فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة و يخبرونني أن ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتي تأتي الكوفة، فتطلب ابن عقيل طلب الخزرة حتي تثقفه فتوثقه، أو تقتله أو تنفيه و السلام " و سلم إليه عهده علي الكوفة، فخرج مسلم ابن عمرو حتي قدم علي عبيد الله البصرة و أوصل إليه العهد و الكتاب، فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته (إلي الحسين عليه السلام) و المسير و التهيؤ إلي الكوفة من (بعد) الغد، ثم خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان [114] .

و قال ابن نما (ره): رويت إلي حصين بن عبد الرحمن أنه أهل الكوفة كتبوا إليه: إنا معك مائة ألف.

و عن داود بن أبي هند [115] ، عن الشعبي، قال: بايع الحسين


عليه السلام أربعون ألفا من أهل الكوفة علي أن يحاربوا من حارب، و يسالموا من سالم، فعند ذلك رد جواب كتبهم يمنيهم بالقبول، و يعدهم بسرعة الوصول، و بعث مسلم بن عقيل (رض) [116] .

و قال السيد (ره) بعد ذلك: و كان الحسين عليه السلام قد كتب إلي جماعة من أشراف البصرة كتابا مع مولي له اسمه سليمان و يكني أبا رزين، يدعوهم إلي نصرته و لزوم طاعته، منهم: يزيد بن مسعود النهشلي، و المنذر بن الجارود العبدي، فجمع يزيد ابن مسعود بني تميم و بني حنظلة و بني سعد فلما حضروا قال يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم و حسبي منكم؟ فقالوا: بخ بخ أنت و الله فقرة الظهر، و رأس الفخر حللت في الشرف وسطا و تقدمت فيه فرطا، قال: فاني قد جمعتكم لامر أريد أن اشاوركم فيه و أستعين بكم عليه، فقالوا: إنما [117] و الله نمنحك النصيحة و نحمد [118] لك الرأي، فقل [حتي] نسمع.

فقال: إن معاوية مات فأهون به و الله هالكا و مفقودا، ألا و إنه قد انكسر باب الجور و الاثم، و تضعضعت أركان الظلم، و قد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أن [ه] قد أحكمه، و هيهات و الذي أراد، اجتهد و الله ففشل و شاور فخذل، و قد قام [ابنه] يزيد شارب الخمور، و رأس الفجور، يدعي الخلافة علي المسلمين، و يتأمر عليهم [بغير رضي منهم] مع قصر حلم و قلة علم لا يعرف من الحق موطئ قدمه [119] .

فاقسم بالله قسما مبرورا لجهاده علي الدين أفضل من جهاد المشركين، و هذا الحسين بن علي، ابن (بنت) رسول الله صلي الله عليه و آله ذو الشرف الاصيل، و الرأي الاثيل، له فضل لا يوصف، و علم لا ينزف، و هو أولي بهذا الامر لسابقته و سنه و قدمته [120] و قرابته، يعطف علي الصغير و يحنو علي الكبير، فأكرم به راعي رعية [121] ، و إمام قوم وجبت لله به الحجة، و بلغت به الموعظة، فلا تعشوا [122] عن نور الحق، و لا تسكعوا في وهدة الباطل، فقد


كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم إلي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و نصرته، و الله لا يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده، و القلة في عشيرته، و ها أنا [ذا] قد لبست للحرب لامتها، و ادرعت لها بدرعها، من لم يقتل يمت و من يهرب لم يفت، فأحسنوا رحمكم الله در الجواب.

فتكلمت بنو حنظلة فقالوا: (يا) أبا خالد نحن نبل كنانتك، و فرسان عشيرتك، إن رميت بنا أصبت، و إن غزوت بنا فتحت، لا تخوض و الله غمرة إلا خضناها، و لا تلقي و الله شدة إلا لقيناها، ننصرك بأسيافنا، و نقيك، بأبداننا، إذا شئت [فافعل] .

و تكلمت بنو سعد بن زيد [123] ، فقالوا: (يا) أبا خالد إن أبغض الاشياء إلينا خلافك و الخروج من رأيك، و قد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال، فحمدنا أر منا و بقي عزنا فينا فامهلنا نراجع المشورة و يأتيك رأينا [124] .

و تكلمت بنو عامر بن تميم، فقالوا: يا أبا خالد نحن [بنو عامر] بنو أبيك و حلفاؤك لا نرضي إن غضبت، و لا نقطن [125] إن ظعنت، و الامر إليك فادعنا نجبك، و [ا] مرنا نطعك، و الامر لك إذا شئت، فقال: و الله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا، و لا زال سيفكم فيكم.

ثم كتب إلي الحسين عليه السلام: " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد وصل إلي كتابك و فهمت ما ندبتني إليه و دعوتني له، من الاخذ بحظي من طاعتك و الفوز بنصيبي من نصرتك، و إن الله لم [126] يخل الارض قط من عامل عليها بخير أو دليل علي سبيل نجاة، و أنتم حجة الله عليه خلقه و وديعته في أرضه، تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها، و أنتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذللت لك أعناق بني تميم، و تركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الابل الظماء لورود الماء يوم خمسها [وكضها] ، و قد ذللت لك رقاب بني سعد و غسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل [127] برقها فلمع " فلما قرأ الحسين عليه السلام الكتاب قال: مالك آمنك الله يوم الخوف و أعزك و


أرواك يوم العطش، فلما تجهز المشار إليه للخروج إلي الحسين بلغه قتله قبل أن يسير فجزع [128] من انقطاعه عنه.

و أما المنذر بن جارود فإنه جاء بالكتاب و الرسول إلي عبيد الله بن زياد، لان المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله و كانت بحرية بنت المنذر بن جارود تحت عبيد الله [129] بن زياد فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه، ثم صعد المنبر فخطب و توعد أهل البصرة علي الخلاف و إثارة الارجاف، ثم بات تلك الليلة، فلما أصبح استناب عليهم أخاه عثمان بن زياد و أسرع هو إلي قصد [130] الكوفة [131] .

و قال ابن نما (ره): [132] كتب الحسين صلوات الله عليه كتابا إلي وجوه أهل البصرة، منهم: الاحنف بن قيس، و قيس بن الهيثم، و المنذر بن الجارود، و يزيد بن مسعود النهشلي و بعث الكتاب مع زراع السدوسي و قيل مع سليمان المكني بأبي رزين فيه: " إني أدعوكم إلي الله و إلي نبيه فأن السنة قد أميتت، فإن تجيبوا دعوتي، و تطيعوا أمري، أهدكم سبيل الرشاد " فكتب الاحنف إليه، أما بعد " فاصبر إن وعد الله حق و لا سيتخفنك الذين لا يوقنون " [133] ثم ذكر أمر الرجلين مثل ما ذكره السيد رحمهما الله إلي أن قال: فلما أشرف علي الكوفة نزل حتي أمسي ليلا فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام دخلها مما يلي النجف، فقالت إمرأة: الله أكبر ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و رب الكعبة، فتصايح الناس، قالوا: إنا معك أكثر من أربعين ألفا، و ازدحموا عليه حتي أخذوا بذنب دابته و ظنهم أنه الحسين عليه السلام، فحسر اللثام، و قال: أنا عبيد الله، فتساقط القوم و وطي بعضهم بعضا، و دخل دار الامارة و عليه عمامة سوداء.

فلما أصبح قام خاطبا، و عليهم عاتبا، و لرؤسائهم مؤنبا، و وعدهم بالاحسان علي لزوم طاعته، و بالاساءة علي معصيته و الخروج عن حوزته، ثم قال: يا أهل الكوفة إن أمير المؤمنين يزيد ولاني بلدكم، و استعملني علي مصركم، و أمرني بقسمه فيئكم


بينكم، و إنصاف مظلومكم من ظالمكم، و أخذ الحق لضعيفكم من قويكم، و الاحسان للسامع المطيع، و التشديد علي المريب، فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي مقالتي ليتقي غضبي و نزل، يعني بالهاشمي: مسلم بن عقيل رضي الله عنه.

[134] و قال المفيد (ره): و أقبل ابن زياد إلي الكوفة، و معه مسلم بن عمرو الباهلي و شريك بن الاعور الحارثي و حشمه و أهل بيته حتي دخل الكوفة و عليه عمامة سوداء و هو متلثم، و الناس قد بلغهم إقبال الحسين عليه السلام إليهم، فهم ينتظرون قدومه، فظنوا حسن رأوا عبيد الله أنه الحسين عليه السلام فأخذ لا يمر علي جماعة من الناس إلا سلموا عليه، و قالوا: مرحبا بك يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله قدمت خير مقدم فرأي من تباشرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا: تأخروا، هذا الامير عبيد الله بن زياد.

و سار حتي وافي القصر بالليل، و معه جماعة قد التفوا به لا يشكون أنه الحسين عليه السلام، فأغلق النعمان بن بشير عليه (الباب) و علي خاصته، فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب، فاطلع عليه النعمان و هو يظنه الحسين عليه السلام، فقال: أنشدك الله إلا تنحيت و الله ما أنا بمسلم إليك أمانتي، و ما لي في قتالك من إرب فجعل لا يكلمه، ثم إنه دنا و تدلي النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه، فقال: لقتح لا فتحت، فقد طال ليلك، و سمعها إنسان خلفه، فنكص إلي القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة علي أنه الحسين عليه السلام، فقال: يا قوم ابن مرجانة! و الذي لا إله غيره، ففتح له النعمان، فدخل و ضربوا النباب في وجوه الناس و انفضوا.

و أصبح فنادي في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين يزيد ولاني مصركم و ثغركم و فيئكم، و أمرني بإنصاف مظلومكم، و إعطاء محرومكم، و الاحسان إلي سامعكم و مطيعكم كالوالد البر و سوطي و سيفي علي من ترك أمري و خالف عهدي، فليتق امرؤ علي نفسه، الصدق ينبي عنك لا الوعيد، ثم نزل.


و أخذ العرفاء و الناس أخذا شديدا، فقال: اكتبوا إلي العرفاء! و من فيكم من طلبة أمير المؤمنين، و من فيكم من أهل الحرورية، و أهل الريب الذين شأنهم الخلاف و النفاق و الشقاق، فمن يجئ لنا بهم فبرئ، و من لم يكتب لنا أحدا فليضمن [135] لنا من في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف، و لا يبغي علينا (منهم) باغ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة و حلال لنا دمه و ماله، و أيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه [136] إلينا صلب علي باب داره، و الغيت تلك العرافة من العطاء.

و لما سمع مسلم بن عقيل رحمة الله عليه مجئ عبيد الله إلي الكوفة، و مقالته التي قالها، و ما أخذ به العرفاء و الناس، خرج من دار المختار، حتي انتهي إلي دار هانئ ابن عروة فدخلها، فأخذت الشيعة تختلف اليه في دارهانئ علي تستر و استخفاء من عبيد الله، و تواصوا بالكتمان، فدعا ابن زياد مولي له، يقال له: معقل، فقال (له): خذ ثلاثة آلاف درهم و اطلب مسلم بن عقيل و التمس أصحابه، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، و قل لهم: استعينوا بها علي حرب عدوكم و أعلمهم أنك منهم، فإنك لو قد أعطيتهم إياها لقد اطمأنوا إليك، و وثقوا بك، و لم يكتموك شيئا من أمورهم و أخبارهم، ثم اغد علهيم و رح حتي تعرف مستقر مسلم بن عقيل و تدخل عليه.

ففعل ذلك، و جاء حتي جلس إلي مسلم بن عوسجة الاسدي في المسجد الاعظم و هو يصلي، فسمع قوما يقولون: هذا يبايع للحسين يبايع للحسين، فجاء و جلس إلي جنبه حتي فرغ من صلاته، ثم قال: يا عبد الله إني امرؤ من أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل البيت وحب من أحبهم و تباكي له، و قال: معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لا بن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله فكنت أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه و لا أعرف مكانه، فإني لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، و إني أتيتك لتقبض مني هذا المال و تدخلني علي صاحبك، فإني أخ من إخوانك، و ثقة عليك، و إن


شئت أخذت [ب] بيعتي له قبل لقائه.

فقال له ابن عوسجة: أحمد الله علي لقائك [إياي] ، فقد سرني ذلك لتنال الذي تحب، و لينصرن الله بك أهل بيت نبيه عليه و عليهم السلام، و لقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الامر قبل أن يتم مخافة هذا الطاغية و سطوته، [ف] قال له معقل: لا يكون إلا خيرا خذ البيعة علي، فأخذ بيعته و أخذ عليه المواثيق الغلظة ليناصحن و ليكتمن، فأعطاه من ذلك ما رضي به، ثم قال له: اختلف إلي أياما في [137] منزلي فاني طالب لك الاذن علي صاحبك، و أخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن، فأذن له، فأخذ مسلم بن عقيل بيعته و أمر أبا ثمامة الصائدي بقبض المال منه، و هو الذي كان يقبض أموالهم و ما يعين به بعضهم بعضا، و يشتري لهم به السلاح، و كان بصيرا و فارسا من فرسان العرب و وجوه الشيعة، و أقبل ذلك الرجل يختلف إليهم فهو أول داخل و آخر خارج، حتي فهم ما احتاج إليه ابن زياد [من أمرهم] فكان يخبره [به] وقتا فوقتا [138] .

و قال ابن شهر اشوب: لما دخل مسلم الكوفة سكن [139] في دار سالم بن المسيب فبايعه اثنا عشر ألف رجل، فلما دخل ابن زياد النتقل من دار سالم إلي دار و هاني ء في جوف الليل، و دخل في أمانه، و كان يبايعه الناس حتي بايعه خمسة و عشرون ألف رجل، فعزم علي الخروج، فقال هانئ: لا تعجل و كان شريك بن الاعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد، فمرض فنزل (في) دارهانئ أياما، ثم قال لمسلم: إن عبيد الله يعودني و إني مطاوله الحديث، فاخرج إليه بسيفك فاقتله و علامتك أن أقول: اسقوني ماء، و نهاه هانئ عن ذلك، فلما دخل عبيد الله علي شريك و سأله عن وجعه و طال سؤاله ورأي أن أحدا لا يخرج فخشي أن يفوته فأخذ يقول: ما الانتظار بسلمي [140] أن تحييها " كأس المنية بالتعجيل اسقوها " فتوهم ابن زياد و خرج، فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب


أخذه من يدي عبد الله بن يقطر فإذا فيه: للحسين بن علي أما بعد فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فإن الناس كلهم معك، و ليس لهم في يزيد رأي و لا هوي، فأمر ابن زياد بقتله [141] .

و قال ابن نما: فلما خرج ابن زياد دخل مسلم و السيف في كفه، قال له شريك: ما منعك من الامر؟ قال مسلم: هممت بالخروج فتعلقت بي إمرأة و قالت: نشدتك الله إن قتلت ابن زياد في دارنا و بكت في وجهي، فرميت السيف و جلست، قال هانئ: ياويلها قتلتني و قتلت و قتلت نفسها، و الذي فررت منه وقعت فيه.

[142] و قال أبو الفرج في المقاتل: قال هانئ لمسلم: إني لا احب أن يقتل في داري.

قال: فلما خرج مسلم، قال له شريك: ما منعك من قتله؟ قال: خصلتان، أما أحدهما فكراهية هانئ أن يقتل في داره، و أما الاخري فحديث حدثنيه الناس، عن النبي صلي الله عليه و آله: أن الايمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن، فقال له هانئ: أما و الله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا [143] .

ثم قال المفيد (ره): و خاف هانئ بن عروة عبيد الله علي نفسه فانقطع عن حضور مجلسه ففضلهم، فقال ابن زياد لجلسائه: مالي لا أري هانئا؟ فقالوا: هو شاك، فقال: لو علمت بمرضه لعدته، و دعا محمد بن الاشعث، و أسماء بن خارجة، و عمرو بن الحجاج الزبيدي، و كانت رويحة بنت عمرو تحت هانئ بن عروة، و هي ام يحيي بن هانئ فقال لهم: ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا؟ فقالوا: ما ندري و قد قيل: إنه يشتكي، قال: قد بلغني أنه قد بري، و هو يجلس علي باب داره، فالقوه و مروه أن لا يدع ما عليه من حقنا، فاني لا احب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.

فأتوه حتي وقفوا عليه عشية، و هو جالس علي بابه و قالوا له: ما يمنعك من لقاء الامير؟ فإنه قد ذكرك و قال: لو أعلم أنه شاك لعدته.

فقال لهم: الشكوي تمنعني، فقالوا: قد بلغه أنك تجلس كل عشية علي بابك [144] .


و قد استبطأك و الابطاء و الجفاء لا يحتمله (ه) السلطان، أقسمنا عليك لما ركبت معنا، فدعا بثيابه فلبسها، ثم دعا ببغلته [145] فركبها، حتي إذا دنا من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذي كان، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة: يا ابن الاخ إني و الله لهذا الرجل لخائف، فما تري؟ فقال: يا عم، و الله ما أتخوف عليك شيئا، و لم تجعل علي نفسك سبيلا، و لم يكن حسان يعلم في أي شيء بعث إليه عبيد الله.

فجاء هانئ حتي دخل علي عبيد الله بن زياد و عنده القوم، فلما طلع، قال عبيد الله: أتتك بحائن [146] رجلاه دنا من ابن زياد و عنده شريح القاضي التفت نحوه فقال: أريد حياته [147] و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد و قد كان أول ما قدم مكرما له ملطفا، فقال له [هانئ] : و ما ذاك أيها الامير؟ قال: إيه يا هانئ بن عروة، ما هذه الامور التي تربص في دارك لامير المؤمنين و عامة المسلمين؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك و جمعت له [الجموع، و] السلاح و الرجال في الدور بحولك و ظننت أن ذلك يخفي علي؟ قال: ما فعلت ذلك و ما مسلم عندي، قال: بلي قد فعلت، فلما كثر بينهما و أبي هانئ إلا مجاحدته و مناكرته، دعا ابن زياد معقلا - ذلك العين - فجاء حتي وقف بين يديه، فقال [له] : أتعرف هذا؟ قال:


نعم، و علم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم، و أنه قد أتاه بأخبارهم فاسقط في يده ساعة، ثم راجعته نفسه فقال: اسمع مني و صدق مقالتي، فو الله ما [148] كذبت، و الله ما دعوته إلي منزلي، و لا علمت بشيء من أمره حتي جاءني يسألني النزول، فاستحييت من رده، و داخلني من ذلك ذمام فضيفته و آويته، و قد كان من أمره ما بلغك، فإن شئت ان أعطيك الآن موثقامغلظا أن لا أبغيك سوءا و لا غائلة و لآتينك حتي أضع يدي في يدك، و إن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتي آتيك، و أنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلي حيث شاء من الارض فأخرج من ذمامه و جواره.

فقال له ابن زياد: و الله لا تفارقني أبدا حتي تأتيني به، قال: لا و الله لا أجيئك به أبدا، أجيئك بضيفي تقتله؟! قال: و الله لتأتيني به، قال: و الله لا آتيك به، فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمر الباهلي - و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره - فقال: أصلح الله الامير خلني و إياه حتي اكلمه، فقام فخلا به ناحية من ابن زياد و هما منه بحيث يراهما، فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان.

فقال له مسلم: يا هاني ء أنشدك الله أن تقتل نفسك، و أن تدخل البلاء في عشيرتك، فو الله إني لانفس بك عن القتل، إن هذا (الرجل) ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه، فادفعه إليهم فإنه ليس عليك بذلك مخزأة و لا منقصة، إنما تدفعه إلي السلطان، فقال هانئ: و الله إن علي في ذلك الخزي و العار أن أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح أسمع وأري، شديد الساعد، كثير الاعوان، و الله لو لم " يكن لي " [149] إلا واحد ليس لي ناصر لم أدفعه حتي أموت دونه، فأخذ يناشده و هو يقول: و الله لا أدفعه إليه أبدا.

فسمع ابن زياد لعنه الله ذلك فقال: ادنوه مني، فأدنوه منه، فقال: و الله لتأتيني به أولاضر بن عنقك، فقال هانئ: إذا و الله تكثر [150] البارقة حول دارك، فقال ابن زياد: وا لهفاه عليك، أبا لبارقة تخوفني؟ - و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه - ثم قال: ادنوه


مني فادني منه، فاستعرض [151] وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه و جبينه و خده حتي كسر أنفه و سالت الدماء علي وجهه و لحيته، و نثر لحم جبينه و خده علي لحيته، حتي كسر القضيب، و ضرب هانئ يده علي [152] قائم سيف شرطي، و جاذبه الرجل و منعه.

فقال عبيد الله: أحروري سائر اليوم، قد حل [لنا] دمك جروه، فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار و أغلقوا عليه بابه، فقال: اجعلوا عليه حرسا، ففعل ذلك به، فقام [إليه] حسان بن أسماء فقال: أرسل غدر سائر اليوم! أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتي إذا جئناك به هشمت أنفه و وجهه و سيلت دماءه علي لحيته، و زعمت أنك تقتله؟ فقال له عبيد الله: وإنك لههنا: فأمر به فلهز و تعتع و أجلس ناحية، فقال محمد بن الاشعث: قد رضينا بما رأي الامير، لنا كان أم علينا، إنما الامير مؤدب.

و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل، فأقبل في مذحج حتي أحاط بالقصر و معه جمع عظيم [153] فقال [154] : أنا عمرو بن الحجاج، و هذه فرسان مذحج و وجوهها لم نخلع طاعة و لم نفارق جماعة، و قد بلغهم أن صاحبهم [قد] قتل فأعظموا ذلك، فقيل لعبيدالله ابن زياد: و هذه فرسان مذحج بالباب؟ فقال لشريح القاضي: ادخل علي صاحبهم فانظر إليه ثم أخرج و أعلمهم أنه حي لم يقتل، فدخل شريح فنظر إليه، فقال هانئ لما رأي شريحا: يا لله يا للمسلمين، أهلكت عشيرتي؟ أين أهل الدين؟ أين أهل المصر؟ و الدماء تسيل علي لحيته إذ سمع الضجة [155] علي باب القصر، فقال: إني لاظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين، إنه إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني.

فلما سمع كلامه [156] شريح خرج إليهم فقال لهم: إن الامير لما بلغه كلامكم [157] و مقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه، فأتيته فنظرت إليه فأمرني أن القاكم و اعرفكم أنه حي، و أن الذي بلغكم من قتله باطل، فقال له عمرو بن الحجاج و أصحابه: أما إذا لم يقتل فالحمد لله، ثم انصرفوا.


فخرج عبيد الله بن زياد فصعد المنبر و معه أشراف الناس و شرطه و حشمه فقال: أما بعد أيها الناس فاعتصموا بطاعة الله و طاعة أئمتكم، و لا تفرقوا فتهلكوا و تذلوا و تقتلوا و تجفوا تحرموا، إن أخاك من صدقك، و قد أعذر من أنذر و السلام.

ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتي دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون و يقولون: قد جاء ابن عقيل، فدخل عبيد الله القصر مسرعا [158] و أغلق أبوابه، فقال عبد الله بن حازم: أنا و الله رسول ابن عقيل إلي القصر لانظر ما فعل هانئ [159] فلما ضرب و حبس ركبت فرسي فكنت أول داخل [160] الدار علي مسلم بن عقيل بالخبر و إذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين: يا عبرتاه (و) يا ثكلاه، فدخلت علي مسلم فأخبرته الخبر، فأمرني أن أنادي في أصحابه، و قد ملا بهم الدور حوله (ف) كانوا فيها أربعة آلاف رجل، فقال لمناديه: ناد: يا منصور أمت، فناديت[: يا منصور أمت] فتنادي أهل الكوفة و اجتمعوا عليه.

فعقد مسلم رحمه الله لرؤوس الارباع [علي القبائل] كندة و مذحج و تميم و أسد و مضر و همدان، و تداعي الناس و اجتمعوا، فما لبثنا إلا قليلا حتي امتلاء المسجد من الناس و السوق، و ما زالوا يتوثبون حتي المساء، فضاق بعبيد الله أمره، و كان أكثر عمله أن يمسك باب القصر، و ليس معه [في القصر] إلا ثلاثون رجلا من الشرط، و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و خاصته، و أقبل من نأي عنه من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي دارالروميين، و جعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم و هم يرمونهم بالحجارة و يشتمونهم و يفترون [161] علي عبيد الله و علي أمه و أبيه [162] .

فدعا ابن زياد كثير بن شهاب و أمره أن يخرج فيمن أطاعه من [163] مذحج، فيسير في الكوفة و يخذل الناس عن ابن عقيل، و يخوفهم الحرب، و يحذرهم عقوبة السلطان


و أمر محمد بن الاشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة و حضرموت فيرفع راية أمان لمن جاء من الناس، و قال مثل ذلك للقعقاع الذهلي و شبث بن ربعي التميمي و حجار بن أبجر السلمي [164] و شمر بن ذي الجوشن العامري، و حبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس.

فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم و خرج محمد بن الاشعث حتي وقف عند دور بني عمارة فبعث ابن عقيل [165] إلي محمد بن الاشعث [من المسجد] عبد الرحمن بن شريح الشيباني [166] .

فلما رأي ابن الاشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه، و جعل محمد بن الاشعث و كثير بن شهاب و القعقاع بن ثور الذهلي و شبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم، و يخوفونهم السلطان، حتي اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم و غيرهم، فصاروا إلي ابن زياد من قبل دار الروميين، و دخل القوم معهم.

فقال [له] كثير بن شهاب: أصلح الله الامير! معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس و من شرطك و أهل بيتك و مواليك [167] فاخرج بنا إليهم، فأبي عبيد الله، و عقد لشبث بن ربعي لواء و أخرجه، و أقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتي المساء و أمرهم شديد، فيعث عبيد الله إلي الاشراف فجمعهم ثم أشرفوا علي الناس فمنوا [168] أهل الطاعة الزيادة و الكرمة، و خوفوا أهل المعصية الحرمان و العقوبة، و أعلموهم وصول الجند من الشام إليهم.

و تكلم كثير بن شهاب حتي كادت الشمس أن تجب، فقال: أيها الناس الحقوا بأهاليكم و لا تعجلوا الشر و لا تعرضوا أنفسكم للقتل، فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، و قد أعطي الله الامير عهدا لئن تممتم [169] علي حربه و لم تنصرفوا من عشيتكم، أن يحرم [170] ذريتكم العطاء، و يفرق مقاتليكم في مغازي [171] الشام، و أن


يأخذ البرئ منكم بالسقيم، و الشاهد بالغائب، حتي لا يبقي له بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت أيديها، و تكلم الاشراف بنحو من ذلك.

فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون و كانت المرأة تأتي ابنها [أ] و أخاها فتقول: انصرف الناس يكفونك، و يجئ الرجل إلي ابنه و أخيه و يقول: غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب و اشر، انصرف، انصرف! فيذهب به فينصرف، فما زالوا يتفرقون حتي أمسي ابن عقيل وصلي المغرب و ما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد.

فلما رأي أنه قد أمسي و ليس [172] معه إلا أولئك النفر، خرج متوجها إلي [173] أبواب كندة، فلم يبلغ [174] الابواب إلا و معه [منهم] عشرة، ثم خرج من الباب، فإذا ليس معه إنسان يدله، فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله علي الطريق، و لا يدله علي منزله و لا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو، فمضي علي وجهه متلددا في أزقة الكوفة، لا يدري أين يذهب، حتي خرج إلي دور بني جبلة من كندة، فمضي [175] حتي (إذا) أتي [176] إلي باب إمرأة يقال لها: طوعة ام ولد كانت للاشعث بن قيس فأعتقها و تزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا، و كان بلال قد خرج مع الناس و امه قائمة تنتظره.

فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه السلام، فقال لها: يا أمة الله اسقيني ماء فسقته، و جلس و دخلت [177] ثم خرجت فقالت: يا عبد الله ألم تشرب؟ قال: بلي، قالت: فاذهب إلي أهلك فسكت، ثم أعادت مثل ذلك، فسكت، ثم قالت في الثالثة: سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلي أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس علي بأبي و لا احله لك، فقام و قال: يا أمة الله مالي [178] في هذا المصر أهل [179] و لا عشيرة، فهل لك في أجر و معروف و لعلي مكافيك بعد هذا اليوم، قالت: يا عبد الله و ما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و غروني و أخرجوني، قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم، قالت: ادخل.

فدخل إليي بيت [180] (في) دارها البيت الذي تكون فيه، و فرشت له و عرضت


عليه العشاء فلم يتعش، و لم يكن بأسرع من أن جاء ابنها، فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه، فقال لها: و الله إنه ليريبني كثرة دخولك إلي هذا البيت و خروجك منه منذ الليلة، إن لك لشأنا، قالت [له] : يا بني اله عن هذا، قال: و الله لتخبريني قالت له: اقبل علي شأنك، و لا تسألني عن شيء، فألح عليها، فقالت: يا بني لا تخبر [ن] أحدا من الناس بشيء مما أخبرك [181] به، قال: نعم، فأخذت عليه الايمان، فحلف لها فأخبرته فاضطجع و سكت.

و لما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل رحمه الله طال علي ابن زياد و جعل لا يسمع لاصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك، فقال لاصحابه: أشرفوا فانظروا هل ترون [182] منهم أحدا؟ فأشرفوا فلم يجدوا أحدا، قال: فانظروهم لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم فنزعوا تخاتج [183] المسجد، و جعفوا يخفضون بشعل النار في أيديهم و ينظرون و كانت أحيانا تضئ لهم و تارة [184] لا تضئ [لهم] كما يريدون، فدلوا القناديل و أطنان القصب تشد بالحبال ثم يجعل فيها النيران، ثم تدلي حتي ينتهي إلي الارض، ففعلوا ذلك في أقصي الظلال و أدناها و اوسطها، حتي فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر، فلما لم يروا شيئا أعلموا بان زياد بتفرق القوم.

ففتح باب السدة التي في المسجد، ثم خرج فصعد المنبر و خرج أصابه معه، و أمرهم فجلسوا قبيل العتمة، و أمر عمر و بن نافع فنادي: ألا برئت الذمة من رجل من الشرط [أ] و العرفاء و المناكب أو المقاتلة صلي العتمة إلا في المسجد، فلم يكن إلا ساعة حتي امتلا المسجد من الناس، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة و أقام الحرس خلفه و أمرهم بحراسته من أن يدخل إليه من [185] يغتاله وصلي بالناس، ثم صعد المنبر فحمد الله و أثني عليه ثم قال: أما بعد فأن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتي ما رأيتم من الخلاف و الشقاق


فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره، و من جاء به فله ديته، إتقوا الله عباد الله و ألزموا الطاعة [186] و بيعتكم، و لا تجعلوا علي أنفسكم سبيلا.

يا حصين بن نمير ثكلتك امك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة، [أ] و خرج هذا الرجل و لم تأتني به، و قد سلطتك علي دور أهل الكوفة، فابعث مراصد علي أهل الكوفة [187] و دورهم، و أصبح غدا و استبرء الدور و جس خلالها، حتي تأتيني بهذا الرجل، و كان الحصين بن نمير علي شرطه [188] ، و هو من بني تميم، ثم دخل ابن زياد القصر و قد عقد لعمر و بن [ال] حريث راية و أمره علي الناس.

فلما أصبح جلس مجلسه و أذن للناس، فدخلوا عليه و أقبل محمد بن الاشعث فقال: مرحبا بمن لا يستغش و لا يتهم، ثم أقعده إلي جنبه، و أصبح ابن تلك العجوز فغدا إلي عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند [189] امه، فأقبل عبد الرحمن حتي أتي أباه و هو عند ابن زياد فساره، فعرف ابن زياد سراره، فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه: قم فأتني به الساعة، فقام و بعث معه قومه لانه قد علم أن كل قوم يكرهون أنه يصاب فيهم مثل مسلم بن عقيل.

و بعث معه عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس، حتي أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رحمه الله، فلما سمع وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال علم أنه قد اتي، فخرج إليهم بسيفه، و اقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم [190] بسيفه حتي أخرجهم من الدار، ثم عادوا إليه، فشد عليهم كذلك، فاختلف هو و بكر بن حمران الاحمري ضربتين، فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا، و أسرع السيف في السفلي و فصلت له ثنيتاه، و ضرب مسلم [في] رأسه ضربة منكرة و ثناة بأخري علي حبل العاتق كادت تطلع إلي جوفه.

فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت، و أخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون


النار في أطنان [191] القصب، ثم يرمونها [192] عليه من فوق البيت، فلما رأي ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة، فقال [له] محمد بن الاشعث: لك الامان لا تقتل نفسك، و هو يقاتلهم و يقول: أقسمت لا اقتل إلا حرا و إن رأيت الموت شيئا نكرا و يخلط [193] البارد سخنا مرا رد شعاع الشمس فاستقرا كل امرئ يوما ملاق شرا أخاف أن اكذب أو اغرا فقال [له] محمد بن الاشعث: إنك لا تكذب و لا تغر و لا تخدع [194] إن القوم بنو عمك و ليسوا بقاتليك و لا ضائريك، و كان قد اثخن بالحجارة، و عجز عن القتال، فانتهز [195] و أسند [196] (6) ظهره إلي جنب تلك الدار: فأعاد ابن الاشعث عليه القول: لك الامان، فقال: [أ] آمن أنا؟ قال: نعم، فقال للقوم الذين معه: ألي الامان؟ قال القوم له: نعم، إلا عبيد الله بن العباس السلمي فإنه قال: لا ناقة لي في هذا و لا جمل، ثم تنحي.

فقال مسلم: أما لو لم تأمنوني ما وضعت يدي في أيديكم، فاتي ببغلة فحمل عليها و اجتمعوا حوله و نزعوا [197] سيفه، فكأنه عند ذلك يئس من نفسه، فدمعت عيناه، ثم قال: هذا أول الغدر، فقال له محمد بن الاشعث: أرجو أن لا يكون عليك بأس، قال: و ما هو إلا الرجاء؟ أين أمانكم؟ إنا لله و إنا إليه راجعون، و بكي، فقال له عبيد الله بن العباس [السلمي] : إن من يطلب مثل الذي طلبت إذا ينزل [198] به مثل ما [199] نزل بك لم يبك، قال: و الله إني ما لنفسي بكيت، و لا لها من القتل أرثي، و إن كنت لم احب لها طرفة عين تلفا، و لكني أبكي لاهلي المقبلين إلي، [200] أبكي للحسين و آل الحسين عليه السلام.


ثم أقبل علي محمد بن الاشعث، فقال: يا عبد الله، إني أراك و الله ستعجز عن أماني، فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عند رجلا علي لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا و قد خرج اليوم أو خارج غدا و أهل بيته، و يقول له: إن ابن عقيل بعثني إليك و هو أسير في يد [201] القوم، لا يري أنه يمسي حتي يقتل، و هو يقولك: ارجع فداك أبي و أمي بأهل بيتك و لا يغررك [202] أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمني فراقهم بالموت أو القتل، إن أهل الكوفة قد كذبوك و ليس لمكذوب [203] رأي، فقال ابن الاشعث: و الله لافعلن و لاعلمن ابن زياد أني قد أمنتك [204] .

و قال محمد بن شهر اشوب: أنفذ عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي و محمد ابن الاشعث في سبعين رجلا حتي أطافوا بالدار فحمل مسلم عليهم، و هو يقول: هو الموت فاصنع ويك [205] ما أنت صانع فأنت لكأس الموت لا شك جارع فصبرا لامر الله جل جلاله فحكم قبضاء الله في الخلق ذائع فقتل منهم واحدا [206] و أربعين رجلا [207] .

و قال محمد بن أبي طالب: لما قتل مسلم منهم جماعة كثيرة، و بلغ ذلك ابن زياد، (ف) أرسل إلي محمد بن الاشعث يقول: بعثناك إلي رجل واحد لتأتينا به، فثلم في أصحابك ثلمة عظيمة، فكيف إذا أرسلناك إلي غيره، فأرسل ابن الاشعث: أيها الامير، أ تظن أنك بعثتني إلي بقال من بقالي الكوفة، أو إلي جرمقاني من جرامقة الحيرة! أو لم تعلم أيها الامير أنك بعثتني إلي أسد ضرغام، وسيف حسام، في كف بطل همام، من آل خير الانام، فأرسل إليه ابن زياد أن أعطه الامان فإنك لا تقدر عليه إلا به [208] .

أقول: روي في بعض كتب المناقب: عن علي بن أحمد العاصمي، عن


إسماعيل بن أحمد البيهقي، عن والده، عن أبي الحسين بن بشران، عن أبي عمرو بن السماك، عن حنبل بن إسحاق، عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: أرسل الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل إلي الكوفة، و كان مثل الاسد، قال عمرو و غيره، لقد كان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت [209] .

رجعنا إلي كلام المفيد (ره): و أقبل ابن الاشعث بإبن عقيل إلي باب القصر و استأذن فأذن له، فدخل علي عبيد الله بن زياد فأخبره خبر ابن عقيل و ضرب بكر إياه، و ما كان من أمانه له، فقال له عبيد الله: و ما أنت و الامان، كأنا [210] أرسلناك لتؤمنه، إنما [211] أرسلناك لتأتينا به، فسكت ابن الاشعث، و انتهي بإبن عقيل إلي باب القصر، و قد اشتد به العطش، و علي باب القصر ناس جلوس ينتظرون الاذن، فيهم: عمارة بن عقبة بن أبي معيط، و عمرو بن حريث، و مسلم بن عمرو، و كثير بن شهاب، و إذا قلة باردة موضوعة علي الباب.

فقال مسلم: اسقوني من هذا الماء، فقال له مسلم بن عمرو: أ تراها ما أبردها، لا و الله لا تذوق منها قطرة أبدا حتي تذوق الحميم في نار جهنم، فقال له ابن عقيل رحمة الله عليه: ويحك [212] من أنت؟ فقال: أنا الذي [213] عرف الحق إذ أنكرته، و نصح لامامه إذ غششته، و أطاعه إذ خالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي، فقال له ابن عقيل: لا مك الثكل، ما أجفاك و أفظك [214] و أقسي قلبك، أنت يا بن بأهلة أولي بالحميم و الخلود في نار جهنم مني.

ثم جلس فتساند إلي حائط، و بعث عمرو بن حريث غلاما له فأتاه [215] بقلة عليها منديل و قدح فصب فيه ماء، فقال له: اشرب، فأخذ كلما شرب امتلا القدح دما من فمه [216] و لا يقدر أن يشرب، ففعل ذلك [مرة أو] مرتين، فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح، فقال: الحمد لله لو كان [لي] من الرزق المقسوم لشربته.


و خرج رسول ابن زياد فأمر بإدخاله إليه، فلما دخل لم يسلم عليه بالامرة، فقال له الحرسي: ألا تسلم علي الامير؟ فقال: إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه، و إن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه، فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلن، قال: كذلك؟ قال: نعم، قال: فدعني أوصي بتلي بعض قومي، قال: افعل! فنظر مسلم إلي جلساء عبيد الله بن زياد، و فيهم عمر بن مسعد بن أبي وقاص، فقال: يا عمر إن بيني و بينك قرابة، ولي إليك حاجة، و قد يجب لي عليك نجح حاجتي، و هي سر، فامتنع عمر أن يسمع منه، فقال له عبيد الله بن زياد: لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك؟ فقام معه فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد، فقال له: إن علي بالكوفة دينا استدنبه منذ قدمت الكوفة سبعمأة درهم، فبع سيفي و درعي فاقضها عني، و إذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها، و أبعث إلي الحسين عليه السلام من يرده، فإني قد كتبت إليه اعلمه أن الناس معه، و لا أراه إلا مقبلا.

فقال عمر لا بن زياد: أ تدري أيها الامير ما قال لي؟ إنه ذكر كذا و كذا، فقال ابن زياد: إنه لا يخونك الامين، و لكن قد يؤتمن الخائن، أما ماله [217] فهو له [218] و لسنانمنعك أن تصنع به ما أحب [219] ، و أما جثته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها، و أما حسين فإنه إن [220] لم يردنا لم نرده.

ثم قال ابن زياد لعنه الله: إيه ابن عقيل، أتيت الناس و هم جمع فشتتت بينهم، و فرقت كلمتهم، و حملت بعضهم علي بعض، قال: كلا لست لذلك أتيت، و لكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم و سفك دماءهم و عمل فيهم أعمال كسري و قيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل و ندعوا إلي [حكم] الكتاب، فقال له ابن زياد: و ما أنت و ذاك يا فاسق؟ لم لم تعمل فيهم بذلك إذا أنت بالمدينة تشرب الخمر؟ قال مسلم: أنا أشرب الخمر؟! أما و الله إن الله ليعلم أنك صادق، أنك قد قلت بغير علم، وأني لست كما ذكرت، وأنك أحق بشرب الخمر مني، و أولي بها من يلغ في دماء


المسلمين ولغا، فيقتل النفس التي حرم الله قتلها و يسفك الدم " الذي حرم الله " [221] علي الغصب و العداوة و سوء الظن، و هو يلهو و يلعب كأن لم يصنع شيئا.

فقال له ابن زياد: يا فاسق إن نفسك منتك [222] ، ما حال الله دونه، و لم يرك الله له أهلا، فقال [له] مسلم: فمن أهله إذا لم نكن نحن أهله؟ فقال ابن زياد: أمير المؤمنين يزيد، فقال مسلم: الحمد لله علي كل حال، رضينا بالله حكما بيننا و بينكم، فقال له ابن زياد: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الاسلام من الناس، فقال له مسلم: أما إنك أحق من أحدث في الاسلام ما لم يكن، وإنك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة و خبث السيرة و لؤم الغلبة [223] ، لا أحد أولي بها منك، فأقبل ابن زياد يشتمه و يشتم الحسين و عليا و عقيلا عليهم السلام، و أخذ مسلم لا يكلمه.

ثم قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم أتبعوه جسده، فقال مسلم رحمه الله: و الله لو كان بيني و بينك قرابة ما قتلتني، فقال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف؟ فدعي بكر بن حمران الاحمري، فقال له: اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه، فصعد به و هو يكبر (الله) و يستغفر الله و يصلي علي رسول الله صلي الله عليه و آله، و يقول: أللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و خذلونا، و أشرفوا به علي موضع الحذائين اليوم، فضرب عنقه و أتبع رأسه جثته [224] .

و قال السيد (ره): و لما قتل مسلم منهم جماعة نادي إليه محمد بن الاشعث: يا مسلم لك الامان، فقال مسلم: وأي أمان للغدرة الفجرة ثم أقبل يقاتلهم و يرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن: " أقسمت لا اقتل إلا حرا " إلي آخر الابيات، فنادي [225] إليه: إنك لا تكذب و لا تغر، فلم يلتفت إلي ذلك و تكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح، فطعنه رجل من خلفه فخر إلي الارض فاخذ أسيرا، فلما (ا) دخل


علي عبيد الله لم يسلم عليه، فقال له الحرسي: سلم علي الامير، فقال له: أسكت يا ويحك، (أسكت) و الله ما هولي بأمير، فقال ابن زياد: لا عليك سلمت أو لم تسلم فإنك مقتول، فقال له مسلم: إن قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني، ثم قال ابن زياد: يا عاق، و يا شاق خرجت علي إمامك و شققت عصا المسلمين و ألقحت الفتنة، فقال مسلم: كذبت يا بن زياد إنما شق عصا المسلمين معاوية و ابنه يزيد، و أما الفتنة فانما ألقحها أنت و أبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف، و أنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة علي يدي شر بريته.

ثم قال السيد بعد ما ذكر بعض ما مر: فضرب عنقه و نزل مذعورا، فقال له ابن زياد: ما شأنك؟ فقال: أيها الامير رأيت ساعة قتلته [226] رجلا اسود سئ الوجه [227] حذائي عاضا علي إصبعه أو قال: شفتيه، ففرعت [منه] فزعا لم أفزعه قط! فقال ابن زياد: لعلك دهشت [228] .

و قال المسعودي: دعا ابن زياد بكر بن حمران الذي قتل مسلما، [ف] قال: أ قتلته؟ قال: نعم، قال: فما كان يقول و أنتم تصعدون به لتقتلوه، قال: كان يكبر و يسبح و يهلل و يستغفر الله، فلما أدنيناه لنضرب عنقه، قال: أللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا ثم خذلونا و قتلونا، فقلت [له] : الحمد الله الذي أقادني منك و ضربته ضربة لم تعمل شيئا، فقال لي: أو ما يكفيك في خدش مني وفاء بدمك أيها العبد؟ قال ابن زياد: و فخرا عند الموت، قال: فضربته الثانية فقتلته [229] .

و قال المفيد (ره): فقام محمد بن الاشعث إلي عبيد الله بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة، فقال: إنك قد عرفت موضع [230] هانئ من المصر و بيته في العشيرة و قد علم قومه أني و صاحبي سقناه إليك، و أنشدك الله لما وهبته لي، فإني أكره عدواة المصر و أهله [لي] فوعده أن يفعل، ثم بداله و أمر بهاني في الحال، فقال: أخرجوه إلي السوق فاضربوا عنقه، فاخرج


هانئ حتي " اتي [به] إلي مكان [231] " من السوق كان يباع فيه [من] الغنم، و هو مكتوف: فجعل يقول: وامذ حجاه و لا مذحج لي اليوم، يا مذحجاه يا مذحجاه (و) أين مذحج؟ فلما رأي أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف، ثم قال: أما من عصا أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه؟ فوثبوا إليه فشدوه وثاقا، ثم قيل له: أمدد [232] عنقك، فقال: ما أنا بها [ب] سخي و ما أنا بمعينكم علي نفسي، فضربه مولي لعبيدالله بن زياد تركي يقال له: رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا، فقال له هانئ: إلي الله المعاد، أللهم إلي رحمتك و رضوانك، ثم ضربه اخري فقتله.

و في مسلم بن عقيل و هاني بن عروة رحمهما الله، يقول عبد الله بن الزبير الاسدي: فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلي هانئ في السوق و ابن عقيل إلي بطل قد هشم السيف وجهه و آخر يهوي من طمار قتيل أصابهما أمر اللعين [233] فأصبحا أحاديث من يسري بكل سبيل تري جسدا قد الموت لمونه و نضح دم قد سأل كل مسيل فتي كان [234] أحيا من فتاة حيية و أقطع من ذي شفرتين صقيل أ يركب أسماء الهماليج آمنا و قد طالبته مذحج بذحول تطيف حواليه مراد وكلهم علي رقبة من سائل و مسئول فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم فكونوا بغايا ارضيت بقليل و لما قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة بعث ابن زياد برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي، و الزبير بن الا روح التميمي إلي يزيد بن معاوية و أمر كاتبه أن يكتب إلي يزيد بما كان من أمر مسلم و هاني، فكتب الكاتب و هو عمرو بن نافع فأطال فيه، و كان أول من أطال في الكتب، فلما نظر فيه عبيد الله كرهه و قال: ما هذا التطويل و [ما] هذه الفضول؟ أكتب:


أما بعد: فالحمد لله الذي أخذ لامير المؤمنين بحقه، و كفاه مؤنة عدوه، أخبر أمير المؤمنين أن مسلم بن عقيل لجأ إلي دارهانئ بن عروة المرادي، و إني جعلت عليهما المراصد و العيون، و دسست إليهما الرجال و كدتهما حتي أخرجتهما [235] و أمكن الله منهما فقد متهما [236] و ضربت أعناقهما، و قد بعثت إليك برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي و الزبير بن الا روح التميمي و هما من أهل السمع و الطاعة و النصيحة، فليسالهما أمير المؤمنين عما أحب من أمرهما فإن عندهما علما و ورعا و صدقا، و السلام.

فكتب إليه يزيد: أما بعد فإنك لم تعد أن كنت كما احب عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، و قد أغنيت و كفيت و صدقت ظني بك و رأيي فيك، و قد دعوت رسوليك، و سألتهما و ناجيتهما، فونجدتهما في رأيهما و فضلهما كما ذكرت، فاستوص بهما خيرا، و إنه قد بلغني أن حسينا قد توجه نحو [237] العراق، فضع المناظر و المسالح، و احترس و احبس علي الظنة، و اقتل علي التهمة، و اكتب إلي في كل يوم ما يحدث من خبر [238] إن شاء الله تعالي.

[239] و قال ابن نما: كتب يزيد إلي ابن زياد: قد بلغني أن حسينا قد سار إلي الكوفة، و قد ابتلي به زمانك من بين الازمان، و بلدك من بين البلدان، و ابتليت به من بين العمال، و عندها تعتق أو تعود عبدا كما تعبد العبيد [240] .

توضيح: قوله: " ويح غيرك "، قال: هذا تعظيما له، أي لا أقول لك ويحك بل أقول لغيرك، و (السلام) بالكسر الحجر، ذكره الجوهري، و قال: نبا بفلان منزله إذا لم يوافقه، و قال: " الشعفة " بالتحريك رأس الجبل، و الجمع شعف و شعوف و شعاف و شعفات و هي رؤوس الجبال.

قوله: " من تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح " أي لا يتيسر له فتح و فلاح في الدنيا أو في الآخرة أو الاعم، و هذا [إما] تعليل بأن ابن الحنفية أنما لم يلحق لانه علم أنه يقتل


أن ذهب بأخباره أو بيان لحرمانه عن تلك السعادة أو لانه لا عذر له في ذلك لانه أعلمه عليه السلام و أمثاله بذلك.

قوله: " نحمد إليك الله " أي نحمد الله منهيا إليك، و " التنزي و الانتزاء ": التوثب و التسرع، و ابتززت الشيء استلبته، و " النجا " الاسراع.

و قال الجوهري: يقال: حي هلا الثريد، فتحت ياؤه لاجتماع الساكنين، و بنيت " حي " مع " هل " إسما واحدا مثل خمسة عشر، و سمي به الفعل، و إذا وقفت عليه قلت حي هلا.

و قال: الجناب - بالفتح -: الفناء و ما قرب من محلة القوم، يقال أخصب جناب القوم، و الحشاشة بالضم بقية الروح في المريض.

قال الجزري فيه: فانفلتت البقرة بحشاشة نفسها أي برمق بقية الحياة و الروح، و " التحريش " الاغراء بين القوم، و " القرف " التهمة، و " الغشم " الظلم.

" طلب الخرزة " كأنه كناية عن شدة الطلب فإن من يطلب الخرزة يفتشها في كل مكان و ثقبة، و " ثقفه ": صادفه، قوله: " فرطا " أي تقدما كثيرا، من قولهم: فرطت القوم أي سبقتهم أو هو حال فإن الفرط بالتحريك من يتقدم الواردة إلي الماء و الكلاء ليهئ لهم ما يحتاجون إليه.

قوله: " فأهون به " صيغة تعجب، أي ما أهونه، و " الاثيل " الاصيل، و " التسكع " التمادي في الباطل، و " قطن بالمكان " كنصر أقام، و ظعن أي سار.

قوله: " لئن فعلتموها " أي المخالف، و " الخمس " بالكسر من أظماء الابل أن ترعي ثلاثة أيام و ترد اليوم الرابع، و " المزنة " السحابة البيضاء، و الجمع المزن، ذكره الجوهري.

و قال الفيروزآبادي: " المزن " بالضم السحاب، أو أبيضه، أو ذو الماء.

قوله: " لا فتحت " دعاء عليه أي لا فتحت علي نفسك بابا من الخير، فقد طال ليلك: أي كثر و امتد همك، أو انتظارك.

و في مروج الذهب: " فقد طال نومك " أي غفلتك " و ضربوا الباب " أي أغلقوه.

قوله: " فإن الصدق ينبي عنك " قال الزمخشري في المستقصي: " الصدق ينبي عنك لا الوعيد " مهموز من أنباه إذا جعله نابيا أي إنما يبعد عنك العدو و يرده أن


تصدقه القتال، لا التهديد، يضرب للجبان يتوعد ثم لا يفعل.

و قال الجوهري في المثل: " الصدق ينبي عنك لا الوعيد " أي إن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد، قال أبو عبيد: هو ينبي مهموز، و يقال: أصله الهمز من الانباء أي أن الفعل يخبر عن حقيقتك لا القول، انتهي.

و في بعض النسخ عليك أي عندما يتحقق ما أقول تطلع علي فوائد ما أقول لك و تندم علي ما فات لا مجرد و عيدي، و يقال: نبأت علي القوم طلعت عليهم، و الظاهر أنه تصحيف، و " العريف " النقيب و هو دون الرئيس.

قوله: و لم تجعل علي نفسك الجملة حالية.

و قال الجزري في حديث علي عليه السلام، قال و هو ينظر إلي ابن ملجم: " عذيرك، من خليلك من مراد " يقال: عذيرك من فلان بالنصب أي هات من يعذرك فيه، فعيل بمعني فاعل، قوله إيه أي أسكت و الشائع فيه أيها.

و قال الفيروزآبادي: " ربص بفلان ربصا " انتظر به خيرا أو شرا يحل به كتر بص، و يقال: سقط في يديه أي ندم، و جوز أسقط في يديه، و " الذمام " الحق و الحرمة، و أذم فلانا أجاره، و يقال: أخذتني منه مذمة أي رقة و عار من ترك حرمته، و " الغائلة " الداهية، و نفس به بالكسر أي ضن به، و " البارقة " السيوف، و " الحروري الخارجي " أي أنت كنت أو تكون خارجيا في جميع الايام أو في بقية اليوم.

و قال الجوهري: و من أمثالهم في اليأس عن الحاجة " أ سائر اليوم و قد زال الظهر " [241] أي أ تطمع فيما بعد و قد تبين لك اليأس، لان من كان حاجته اليوم بأسره و قد زال الظهر وجب أن ييأس منه بغروب الشمس انتهي.

و الظاهر أن هذا المعني لا يناسب المقام.

و " اللهز " الضرب بجميع اليد في الصدر، و " لهزه بالرمح " طعنه في صدره، و " تعتعه " حركه بعنف و أقلقه، قوله: " استيحاشا إليهم " يقال: " استوحش " أي وجد


الوحشة و فيه تضمين معني الانضمام، و " المتلدد " المتحير الذي يلتفت يمينا و شمالا، و " التخاتج " لعله جمع تختج معرب " تخته " أي نزعوا الاخشاب من سقف المسجد لينظروا هل فيه أحد منهم و إن لم يرد بهذا المعني في اللغة، و " المنكب " هو رأس العرفاء، و " الاستبراء " الاختبار و الاستعلام.

قوله: " و جس خلالها " من قولهم " جاسوا خلال الديار " أي تخللوها فطلبوا ما فيها، قوله: " فانتهز " أي اغتنم الامان، قوله: " لا ناقة لي في هذا " قال الزمخشري في مستقصي الامثال: أي لا خير لي فيه و لا شر، و أصله أن الصدوف بنت حليس كانت تحت زيد بن الاخنس و له بنت من غيرها تسمي الفارعة كانت تسكن بمعزل منها في خباء آخر، فغاب زيد غيبة فلهج بالفارعة رجل عدوي يدعي شبثا و طاوعته فكانت تركب علي عشية جملا لابيها و تنطلق معه إلي متيهة يبيتان فيها، و رجع زيد عن وجهه، فعرج علي كاهنة اسمها طريقة فأخبرته بريبة في أهله، فأقبل سائرا لا يلوي علي أحد، و إنما تخوف علي إمرأته حتي دخل عليها فلما رأته عرفت الشر في وجهه، فقالت: لا تعجل واقف الاثر لا ناقة لي في ذا و لا جمل، يضرب في التبري عن الشيء، قال الراعي: و ما هجرتك حتي قلت معلنة لا ناقة لي في هذا و لا جمل قال الفيروزآبادي: " الجرامقة " قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الاسلام، الواحد جرمقاني و " الضرغام " بالكسر الاسد، و " الهمام " كغراب الملك العظيم الهمة، و " السيد " الشجاع، قوله عليه السلام: " من يلغ " من ولوغ الكلب.

و قال الجوهري: " طمار " المكان المرتفع، و قال الاصمعي: أنصب عليه من طمار، مثل قطار، قال الشاعر: " فإن كنت " إلي آخر البيتين، و كان ابن زياد أمر برمي مسلم بن عقيل من سطح انتهي.

قوله: " أحاديث من يسري " أي صارا بحيث بذكر فصتهما كل من يسير بالليل


في السبيل، و " شفرة السيف " حده أي من سلاح مصقول يقطع من الجانبين، و " الصقيل " السيف أيضا و " الهماليج " جمع الهملاج، و هو نوع من البراذين و " أسماء " هو أحد الثلاثة الذين ذهبوا بهاني إلي ابن زياد، و " الرقبة " بالفتح الارتقاب، و الانتظار و بالكسر التحفظ، قوله: فكونوا بغايا أي زواني، و في بعض النسخ: أيامي.

- إرشاد المفيد: قال المفيد رحمه الله: فصل: و كان خروج مسلم بن عقيل رحمه الله بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، و قتله رحمة الله عليه يوم الاربعاء لتسع خلون منه، يوم عرفة، و كان توجه الحسين عليه السلام من مكة إلي العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة، و هو يوم التروية بعد مقامه بمكة بقية شعبان و [شهر] رمضان و شوالا و ذا القعدة و ثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين، و كان قد اجتمع إلي الحسين [242] عليه السلام مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز، و نفر من أهل البصرة، انضافوا إلي بيته و مواليه.

و لما أراد الحسين عليه السلام التوجه إلي العراق طاف بالبيت وسعي بين الصفا و المروة، و أحل من إحرامه و جعلها عمرة، لانه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة، فينفذ [به] إلي يزيد بن معاوية، فخرج مبادرا بأهله و ولده و من انضم إليه من شيعته و لم يكن خبر مسلم بلغه لخروجه [243] يوم خروجه علي ما ذكرناه [244] .

و قال السيد " رض ": روي أبو جعفر الطبري [245] ، عن الواقدي و زرارة بن صالح [246] قال: لقينا الحسين بن علي عليها السلام قبل خروجه إلي العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوي [247] الناس بالكوفة، و أن قلوبهم معه و سيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء و نزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله، فقال عليه السلام: لو لا تقارب الاشياء، و حبوط الاجر لقاتلتهم بهؤلاء، و لكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي و مصرع أصحابي و لا ينجو منهم إلا ولدي علي.

و رويت بالاسناد عن أحمد بن داود القمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:


جاء [248] محمد بن الحنفية إلي الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الحسين عليه السلام الخروج في صبيحتها عن مكة، فقال هل: يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك و أخيك، و قد خفت أن يكون حالك كحال من مضي، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم و أمنعه، فقال: يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت، فقال له ابن الحنفية: فإن خفت ذلك فصر إلي اليمن أو بعض نواحي البر فإنك أمنع الناس به و لا يقدر عليك أحد، فقال: أنظر فيما قلت.

فلما كان السحر إرتحل الحسين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأتاه فأخذ بزمام ناقته و قد [249] ركبها فقال: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال: بلي، قال: فما حداك [250] علي الخروج عاجلا؟ [ف] قال: أتاني رسول الله صلي الله عليه و آله بعد ما فارقتك، فقال يا حسين أخرج (إلي العراق) فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا، فقال محمد بن الحنفية: إنا لله و إنا إليه راجعون، فما معني حملك هؤلاء النساء معك و أنت تخرج علي مثل هذا الحال؟ " فقال له: قد قال لي صلي الله عليه و آله: " [251] إن الله قد شاء أن يراهن سبايا، فسلم عليه و مضي.

[252] قال: و جاء عبد الله بن العباس و عبد الله بن الزبير فأشارا عليه [253] بالامساك، فقال لهما: إن رسول الله صلي الله عليه و آله قد أمرني بأمر و أنا ماض فيه، قال: فخرج ابن العباس و هو يقول: وا حسيناه، ثم جاء عبد الله بن عمر فأشار عليه [254] بصلح أهل الضلال و حذره من القتل و القتال، فقال: يا أبا عبد الرحمن، أما علمت أن من هوان الدنيا علي الله تعالي أن رأس يحيي بن زكريا اهدي إلي بغي من بغايا بني إسرائيل، أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس سبعين نبيا، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل الله عليهم بل [أمهلهم و] أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام، اتق الله يا أبا عبد الرحمن و لا تدع [255] نصرتي [256] .


ثم قال المفيد " ره ": و روي عن الفرزدق أنه قال: حججت بامي في سنة ستين، فبينما [257] أنا أسوق بعيرها حتي [258] دخلت الحرم إذ لقيت الحسين عليه السلام خارجا من مكة، معه [259] أسيافه و [أ] تراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟ فقيل: للحسين بن علي عليهما السلام، فأتيته و سلمت عليه، و قلت له: أعطاك الله سؤلك و أملك فيما تحب بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله، ما أعجلك عن الحج؟ قال: لو لم أعجل لاخذت، ثم قال لي: من أنت؟ قلت: رجل [260] من العرب و لا و الله ما فتشني عن أكثر من ذلك.

ثم قال لي: أخبرني عن الناس خلفك؟ فقلت: الخبير سألت قلوب الناس معك و أسيافهم عليك، و القضاء ينزل من السماء و الله يفعل ما يشاء، فقال: صدقت، لله الامر من قبل و من بعد و كل يوم (ربنا) هو في شأن، إن نزل [261] القضاء بما نحب [و نرضي] فنحمد الله عليه نعمائه وه المستعان علي إداء الشكر، و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته و التقوي سيرته [262] ، فقلت له: أجل بلغك الله ما تحب، و كفاك ما تحذر، و سألته عن أشياء من نذور و مناسك فأخبرني بها، و حرك راحلته و قال: السلام عليك، ثم افترقنا.

و كان الحسين بن علي عليهما السلام لما خرج من مكة اعترضه يحيي بن سعيد بن العاص، و معه جماعة أرسلهم إليه عمرو بن سعيد، فقالوا له: انصرف [إلي] أين تذهب؟ فأبي عليهم و مضي، و تدافع الفريقان و اضطربوا بالسياط، فامتنع الحسين عليه السلام و أصحابه منهم امتناعا قويا و سار حتي أتي التنعيم [263] ، فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن، فاستأجر من أهلها جمالا لرحله و أصحابه، و قال لاصحابها: من أحب أن ينطلق معنا إلي العراق وفيناه كراه و أحسنا صحبته، و من أحب أن يفارقنا في بعض الطريق


أعطيناه كراه علي قدر ما قطع من الطريق، فمضي معه قوم و امتنع آخرون.

و ألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون و محمد، و كتب علي أيديهما [إليه] كتابا يقول فيه: أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا، فإني مشفق عليك من هذا الوجه [264] الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الارض، فإنك علم المهتدين، و رجاء مؤمنين، و لا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي و السلام.

و صار عبد الله إلي عمرو بن سعيد فسأله أن يكتب إلي الحسين عليه السلام أمانا و يمنيه ليرجع عن وجهه، فكتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه فيه الصلة، و يؤمنه علي نفسه، و أنفذه مع [أخيه] يحيي بن سعيد، فلحقه يحيي و عبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه، و دفعا إليه الكتاب و جهدا به في الرجوع، فقال: إني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله في المنام و أمرني بما أنا ماض له، فقالوا [265] له: [ف] ما تلك الرؤيا، فقال: ما حدثت بها أحدا و لا أنا محدث بها أحدا حتي ألقي ربي عز و جل، فلما يئس [266] منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا و محمدا بلزومه، و المسير معه، و الجهاد دونه، و رجع مع يحيي بن سعيد إلي مكة.

و توجه الحسين عليه السلام إلي [267] العراق مغذا [268] لا يلوي إلي [269] شيء حتي نزل ذاته عرق.

[270] و قال السيد " ره ": و توجه الحسين عليه السلام من مكة لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ستين قبل أن يعلم بقتل مسلم لانه خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه.

و روي أنه لما عزم علي الخروج إلي العراق قام خطيبا، فقال: الحمد لله و ما شاء الله و لا حول و لا قوة إلا بالله وصلي الله عليه رسوله و سلم خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة، و ما أولهني إلي أسلافي اشتياق يعقوب إلي يوسف، و خير


لي مصرع أنا لاقيه، كاني بأوصالي تقطعها [271] عسلان الفلوات، بين النواويس و كربلا، فيملان مني أكراشا جوفا و أجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم رضي الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه، و يوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله صلي الله عليه و آله لحمته، و هي مجموعة له في خظيرة القدس تقر بهم عينه و تنجز لهم [272] وعده، من كان فينا باذلا مهجته، موطنا علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالي.

أقول: روي هذه الخطبة في كشف الغمة، عن كمال الدين بن طلحة [273] .

و قال السيد و ابن نما رحمة الله عليهما: ثم سار حتي مر بالتنعيم فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلي يزيد بن معاوية و كان عامله علي اليمن و عليها الورس و الحلل فأخذها [274] لان حكم أمور المسلمين إليه، و قال لاصحاب الابل [275] : من أحب منكم أن ينطلق معنا إلي العراق وفيناه كراه و أحسنا صحبته، و من أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكري [276] بقدر ما قطع من الطريق فمضي قوم و امتنع آخرون.

ثم سار عليه السلام حتي بلغ ذات عرق، فلقي بشر بن غالب واردا من العراق، فسأله عن أهلها، فقال: خلفت القلوب معك، و السيوف مع بني أمية، فقال: صدق أخو بني أسد: إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

قال: ثم سار حتي نزل الثعلبية وقت الظهيرة فرضع رأسه فرقد ثم استيقظ، فقال: قد رأيت هاتفا يقول: أنتم تسرعون و المنايا تسرع بكم إلي الجنة، فقال له ابنه علي: يا أبه أ فلسنا علي الحق؟ فقال: بلي يا بني و [الله] الذي إليه مرجع العباد، فقال: يا أبه إذا لا نبالي بالموت، فقال له الحسين عليه السلام: جزاك الله يا بني خير ما جزي ولدا عن والد ثم بات عليه السلام في الموضع [المذكور] .


فلما أصبح إذا برجل من أهل الكوفة يكني أبا هرة الازدي قد أتاه فسلم عليه، ثم قال: يا ابن رسول الله ما الذي أخرجك عن حرم الله و حرم جدك محمد صلي الله عليه و آله، فقال الحسين عليه السلام: ويحك [يا] أبا هرة إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت، و شتموا عرضي فصبرت، و طلبوا دمي فهربت، و أيم الله لتقتلني الباغية و ليلبسنهم الله ذلا شاملا، و سيفا قاطعا، و ليسلطن عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم إمرأة منهم فحكمت في أموالهم و دمائهم [277] .

و قال محمد بن أبي طالب: و اتصل الخبر بالوليد بن عتبة أمير المدينة بأن الحسين عليه السلام توجه إلي العراق، فكتب إلي ابن زياد: " أما بعد فإن الحسين عليه السلام قد توجه إلي العراق و هو ابن فاطمة، و فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله، فاحذر يا بن زياد أن تأتي إليه بسوء فتهيج علي نفسك و قومك أمرا في هذه الدنيا لا يصده شيء ء و لا تنساه الخاصة و العامة أبدا ما دامت الدنيا " قال: فلم يلتفت ابن زياد إلي كتاب الوليد.

و في كتاب تأريخ: عن الرياشي، بإسناده عن راوي حديثه، قال: حججت فتركت أصحابي و انطلقت أتعسف [278] الطريق وحدي فبينما أنا أسير إذ رفعت طرفي إلي أخبية و فساطيط، فانطلقت نحوها حتي أتيت أدناها، فقطت: لمن هذه الابنية؟ فقالوا: للحسين عليه السلام، قلت: ابن علي و ابن فاطمة عليه السلام؟ قالوا: نعم.

قلت: في أيها هو؟ قالوا: في ذلك الفسطاط، فانطلقت نحوه فإذا الحسين عليه السلام متك علي باب الفسطاط يقرأ كتابا بين يديه، فسلمت فرد علي، فقلت: يا ابن رسول الله، بأبي أنت و أمي ما أنزلك في هذه الارض القفراء التي ليس فيها ريف و لا منعة؟ قال: إن هؤلاء أخافوني و هذه كتب أهل الكوفة و هم قاتلي، فإذا فعلوا ذلك و لم يدعوا لله محرما إلا انتهكوه بعث الله إليهم من يقتلهم حتي يكونوا أذل من قوم الامة.

و قال ابن نما: [279] حدث عقبة بن سمعان، قال: خرج الحسين عليه السلام من مكة فاعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيي بن سعيد ليردوه، فأبي عليهم و


تضاربوا بالسياط، و مضي عليه السلام علي وجهه، فبادروه و قالوا: يا حسين ألا تقي الله تخرج من الجماعة و تفرق بين هذه الامة؟ فقال: لي عملي و لكم عملكم، أنتم بريئون مما أعمل، و أنا يرئ مما تعملون.

و رويت أن الطرماح بن حكم قال: لقيت حسينا و قد امترت لاهلي ميرة [280] فقلت: أذكرك في نفسك لا يغرنك أهل الكوفة، فو الله لئن دخلتها و و إني لاخاف أن لا تصل إليها، فإن كنت مجمعا علي الحرب فانزل أجأ [281] فإنه جبل منيع و الله ما نالنا فيه ذل قط، و عشيرتي يرون جميعا نصرك، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم، فقال: إن بيني و بين القوم موعدا أكره أن اخلفهم فإن يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا و كفي، و إن يكن ما لا بد منه ففوز و شهادة إن شاء الله.

ثم حملت الميرة إلي أهلي و أوصيتهم بأمورهم و خرجت أريد الحسين عليه السلام، فلقيني سماعة بن زيد النبهاني فأخبرني بقتله فرجعت [282] .

و قال المفيد " ره " و لما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين عليه السلام من مكة إلي الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه [283] حتي نزل القادسية، و نظم الخيل ما بين القادسية إلي خفان [284] ، و ما بين القادسية إلي القطقطانية، [285] و قال للناس: هذا الحسين يريد العراق، و لما بلغ الحسين عليه السلام الحاجز من بطن الرمة، بعث قيس ابن مسهر الصيداوي، و يقال: إنه [286] بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلي أهل الكوفة، و لم يكن علم بخبر مسلم بن عقيل - رحمه الله - و كتب معه إليهم: " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلي " وجوه " إخوانه [من] المؤمنين و المسلمين، سلام [الله] عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما


بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر [ني] فيه بحسن رأيكم، و إجماع [287] ملئكم علي نصرنا و الطلب بحقنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع، و أن يثيبكم علي ذلك أعظم الاجر، و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء، لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فاني قادم عليكم في أيامي هذه، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ".

و كان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع و عشرين ليلة، و كتب إليه أهل الكوفة أن لك ههنا مائة ألف سيف و لا تتأخر.

فأقبل قيس بن مسهر [إلي الكوفة] بكتاب الحسين عليه السلام، حتي إذا انتهي (إلي) القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلي عبيد الله بن زياد إلي الكوفة، فقال له عبيد الله بن زياد: اصعد فسب الكذاب الحسين بن علي.

[288] و قال السيد " ره ": فلما قارب دخول الكوفة، اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه فأخرج [قيس] الكتاب و مزقه فحمله الحصين إلي ابن زياد، فلما مثل بين يديه، قال له: من أنت؟ قال: أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و ابنه عليهما السلام، قال: فلماذا خرقت الكتاب؟ قال: لئلا تعلم ما فيه، قال: و ممن الكتاب و إلي من؟ قال: من الحسين بن علي إلي جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم، فغضب ابن زياد، و قال: و الله لا تفارقني حتي تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر و تلعن الحسين بن علي عليهما السلام و أباه وأخاه، و إلا قطعتك إربا إربا، فقال قيس: أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم، و أما لعن (ة) الحسين عليه السلام و أبيه و أخيه فأفعل، فصعد المنبر و حمد الله [و أثني عليه] وصلي علي النبي صلي الله عليه و آله و أكثر من الترحم علي علي عليه السلام و ولده [289] صلوات الله عليهم، ثم لعن عبيد الله بن زياد و أباه، و لعن عتاة بني أمية عن آخرهم، ثم قال: [أيها الناس] أنا رسول الحسين بن علي عليهما السلام إليكم و قد خلفته بموضع كذا فأجيبوه [290] .

ثم قال المفيد " ره ": فأمر به عبيد الله بن زياد أن يرمي (به) من فوق القصر،


فرمي [291] به و تقطع، و روي أنه وقع إلي الارض مكتوفا فتكسرت عظامه و بقي به رمق، فأتاه [292] رجل يقال له: عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه، فقيل له في ذلك و عيب عليه، فقال: أردت أن أريحه.

ثم أقبل الحسين عليه السلام من الحاجز يسير نحو الكوفة [293] فانتهي إلي ماء من مياه العرب، فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي و هو نازل به، فلما رأي [294] الحسين عليه السلام قام إليه، فقال: بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله ما أقدمك و احتمله و أنزله، فقال له الحسين عليه السلام: كان من موت معاوية ما قد بلغك، و كتب [إلي] أهل العراق يدعونني إلي أنفسهم.

فقال له عبد الله بن مطيع: أذكرك الله يا ابن رسول الله و حرمة الاسلام أن تنتهك [295] ، أنشدك الله في حرمة قريش، أنشدك الله في حرمة العرب، فو الله لئن طلبت ما في [أ] يدي بني أمية ليقتلنك، و لئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا، و الله إنها لحرمة الاسلام تنتهك [296] ، و حرمة قريش و حرمة العرب، فلا تفعل و لا تأت الكوفة، و لا تعرض نفسك لبني أمية، فأبي الحسين عليه السلام إلا أن يمضي.

و كان عبيد الله بن زياد أمر، فأخذ ما بين واقصة إلي طريق الشام و إلي طريق البصرة، فلا يدعون أحدا يلج و لا أحدا يخرج، فأقبل الحسين عليه السلام و جسمه بشيء حتي لقي الاعراب فسألهم، فقالوا: لا و الله ما ندري أنا لا نستطيع أن نلج و لا أن نخرج، فسار تلقاء وجهه.

و حدث جماعة من فزارة و من بجيلة قالوا: كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة، و كنا نساير الحسين عليه السلام، فلم يكن شيء أبغض علينا [297] من أن ننازله في منزل، فإذا سار الحسين عليه السلام و نزل " في منزل " [298] لم نجد بدا من أن ننازله، فنزل [299] الحسين عليه السلام في جانب و نزلنا [300] في جانب، فبينا نحن جلوس نتغدي [301] من طعام لنا إذ


أقبل رسول الحسين عليه السلام حتي سلم ثم دخل، فقال: يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين بعثني إليك لتأتيه، فطرح كل إنسان منا ما في يده حتي كأنما علي رؤوسنا الطير، فقالت له إمرأته: - قال السيد " ره ": و هي ديلم بنت عمرو - سبحان الله أ يبعث إليك ابن [بنت] رسول الله صلي الله عليه و آله ثم لا تأتيه؟ لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت.

فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشرا، قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه و ثقله [و رحله] و متاعه، فقوض و حمل إلي الحسين عليه السلام، ثم قال لامرأته: أنت طالق! إلحقي بأهلك، فإني لا احب أن يصيبك بسببي إلا خير.

[302] و زاد السيد " ره ": و قد عزمت علي صحبة الحسين عليه السلام لافديه بروحي، و أقيه بنفسي، ثم أعطاها مالها و سلمها إلي بعض بني عمها ليوصلها إلي أهلها، فقامت إليه و بكت و ودعته، و قالت: [كان الله عونا و معينا] [303] خار الله لك، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين صلي الله عليه و آله.

[304] و قال المفيد " ره ": ثم قال لاصحابه: من أحب منكم أن يتبعني و إلا فهو آخر العهد، إني ساحدثكم حديثا إنا غزونا البحر، ففتح الله علينا و أصبنا غنائم.

فقال لنا سلمان " ره ": أفرحتم بما فتح الله عليكم و أصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم.

[ف] قال: إذا أدركتم سيد شباب آل محمد صلي الله عليه و آله فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه [305] مما أصبتم اليوم من الغنائم، فأما أنا فأستودعكم الله.

قالوا: ثم و الله ما زال في القوم مع الحسين عليه السلام حتي قتل رحمة الله عليه.

[306] و في المناقب: و لما نزل الخزيمية [307] أقام بها يوما و ليلة، فلما أصبح أقبك إليه


أخته زينب، فقالت: يا أخي ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة؟ فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟ فقال: خرجت في بعض الليل لقضاء الحاجة فسمعت هاتفا يهتف، و هو يقول: ألا يا عين فاحتفلي بجهد و من يبكي علي الشهداء بعدي علي قوم تسوقهم المنايا بمقدار إلي إنجاز وعد فقال لها الحسين عليه السلام: يا اختاه كل الذي قضي فهو كائن.

[308] و قال المفيد: و روي عبد الله بن سليمان و المنذر بن المشمعل الاسديان قالا: لما قضينا حجتنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين عليه السلام في الطريق لننظر ما يكون من أمره، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين، حتي لحقناه بزرود [309] ، فلما دنونا منه إذا نحن برجل من [أهل] الكوفة (و) قد عدل عن الطريق حين [310] رأي الحسين عليه السلام، فوقف الحسين عليه السلام كأنه يريده، ثم تركه و مضي و مضينا نحوه، فقال أحدنا لصاحبه: اذهب بنا إلي هذا لنسأله فإن عنده خبر الكوفة، فمضينا حتي انتهينا إليه، فقلنا: السلام عليك، فقال: و عليكما السلام، قلنا: ممن الرجل؟ قال: أسدي، قلنا له: و نحن أسديان، فمن أنت؟ قال: أنا بكر بن فلان، فانتسبنا له، ثم قلنا له: أخبرنا عن الناس وراءك؟ قال: نعم، لم أخرج من الكوفة حتي قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة، و رأيتهما يجران بأرجلهما في السوق.

فأقبلنا حتي لحقنا بالحسين عليه السلام فسايرناه حتي نزل الثعلبية ممسيا، فجئناه حين نزل فسلمنا عليه، فرد علينا السلام، فقلنا له: يرحمك [311] الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك به علانية، و إن شئت سرا، فنظر إلينا و إلي أصحابه، ثم قال: ما دون هؤلاء سر، فقلنا له: [أ] رأيت الراكب الذي استقبلته عشية (ة) أمس، فقال: نعم (و) قد أردت مسألته، فقلنا: قد و الله استبر أنا لك خبره، و كفيناك مسألته، و هو امرؤ منا ذو رأي


و صدق و عقيل، و إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتي قتل مسلم بن عقيل و هاني، و رآهما يجران في السوق بأرجلهما، فقال: إنا لله و إنا إليه راجعون، رحمة الله عليهما، يردد ذلك مرارا.

فقلنا له: ننشدك الله في نفسك و أهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا، فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة، بل نتخوف أن يكونوا عليك، فنظر إلي بني عقيل، فقال: ما ترون و قد قتل مسلم؟ فقالوا: و الله ما [312] نرجع حتي نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق، فأقبل [علينا الحسين] عليه السلام فقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنه قد عزم رأيه علي المسير، فقلنا له: خار الله لك، فقال: يرحكم الله، فقال له أصحابه: إنك و الله ما أنت مثل مسلم بن عقيل و لو قدمت الكوفة لكان أسرع الناس إليك، فسكت [313] .

و قال السيد " ره ": أتاه خبر مسلم في زبالة، ثم أنه سار فلقيه الفرزدق فسلم عليه ثم قال: يا ابن رسول الله كيف تركن إلي أهل الكوفة و هم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل و شيعته؟ قال: فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا، ثم قال: رحم الله مسلما فلقد صار إلي روح الله و ريحانه وجنته [314] و رضوانه، ألا [315] إنه قد قضي ما عليه و بقي ما علينا، ثم أنشأ يقول: فإن تكن الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب الله أعلي و أنبل [316] و إن تكن الابدان للموت أنشأت فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل و إن تكن الارزاق قسما مقدرا فقلة حرص المرء في الرزق [317] أجمل و إن تكن الاموال للترك جمعها فما بال متروك به الحر يبخل [318] و قال المفيد " ره ": ثم انتظر حتي إذا كان السحر، فقال لفتيانه و غلمانه: أكثروا من الماء فاستقوا و أكثروا، ثم ارتحلوا فسار حتي انتهي إلي زبالة فأتاه خبر عبد الله بن يقطر.

[319] .


و قال السيد " ره ": فاستعبر باكيا ثم قال: أللهم اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريما و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك إنك علي كل شيء قدير.

[320] و قال المفيد " ره ": فأخرج للناس كتابا، فقرأ " ره " عليهم " فإذا فيه ": [321] بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإنه أتانا خبر فظيع: قتل مسلم بن عقيل، و هانئ بن عروة، و عبد الله بن يقطر، و قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في حرج، ليس عليه [322] ذمام، فتفرق الناس عنه و أخذوا يمينا و شمالا حتي بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة، و نفر يسير ممن انضموا إليه، و إنما فعل ذلك لانه علم أن الاعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه و هم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها، فكره أن يسيروا معه إلا و هم يعلمون علي ما يقدمون.

فلما [323] كان السحر أمر أصحابه، فاستقوا ماءا و أكثروا، ثم سار [وا] حتي مر ببطن العقبة، فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له: عمر (و) بن لوذان [324] ، قال له: [325] أين تريد؟ [ف] قال له الحسين عليه السلام: الكوفة، فقال له الشيخ: أنشدك الله لما انصرفت فو الله ما تقدم إلا علي الاسنة، وحد السيوف، و إن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال و وطأوا لك الاشياء، فقدمت عليهم كان ذلك رأيا، فأما علي هذه الحال التي تذكر فإني لا أري لك أن تفعل، فقال [له] : يا عبد الله ليس يخفي علي الرأي و لكن [326] الله تعالي لا يغلب علي أمره.

ثم قال عليه السلام: و الله لا يدعونني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم، حتي يكونوا أذل فرق الامم، ثم سار من [327] بطن العقبة حتي نزل شراف، فلما كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء و أكثروا، ثم سار [منها] حتي انتصف النهار، فبينما هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه، فقال له الحسين عليه السلام:


الله أكبر، لم كبرت؟ فقال: رأيت النخل، فقال [له] جماعة ممن صحبه [328] : و الله إن هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قط.

فقال الحسين عليه السلام: فما ترونه؟ قالوا: و الله نراه أسنة الرماح و آذان الخيل، فقال: و أنا و الله أري ذلك.

ثم قال: مالنا ملجأ نلجأ إليه و نجعله في ظهورنا و نستقبل القوم بوجه واحد، فقلنا له: بلي هذا ذوجشم [329] إلي جنبك فمل [330] إليه عن يسارك، فإن سبقت إليه فهو كما تريد، فأخذ إليه ذات اليسار، و ملنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي [331] الخيل فتبيناها و عدلنا، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا، كأن أسنتهم اليعاسيب وكأن راياتهم أجنحة الطير، فاستبقنا إلي ذي جشم [332] فسبقناهم إليه و أمر الحسين عليه السلام بأبنيته، فضربت [خيمة] ، فجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتي وقف هو و خيله مقابل الحسين عليه السلام في حر الظهيرة، و الحسين عليه السلام و أصحابه معتمون متقلدون أسيافهم.

فقال الحسين عليه السلام لفتيانه: اسقوا القوم و ارووهم من الماء و رشفوا الخيل ترشيفا، ففعلوا و أقبلوا يملاون القصاع و الطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه، و سقي [333] آخر، حتي سقوها عن آخرها.

[334] فقال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من اصحابه، فلما رأي [335] الحسين عليه السلام ما بي و بفرسي من العطش، قال: أنخ الراوية! - و الراوية عندي السقاء - ثم قال: يا ابن الاخ أنخ الجمل! فأنخته، فقال: اشرب، فجعلت كلما شربت سأل الماء من السقاء، فقال الحسين عليه السلام: اخنث السقاء - أي اعطفه - فلم أدر كيف أفعل، فقام فخنثه، فشربت و سقيت فرسي.

و كان مجئ الحر بن يزيد من القادسية، و كان عبيد الله بن زياد بعث


الحصين بن نمير و أمره أن ينزل القادسية، و تقدم الحربين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين عليه السلام، فلم يزل الحر مواقفا للحسين عليه السلام حتي حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق أن يؤذن.

فلما حضرت الاقامة، خرج الحسين عليه السلام في إزار و رداء و نعلين، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أيها الناس إني لم آتكم حتي أتتني كتبكم، و قدمت علي رسلكم عن: " أقدم علينا فليس [336] لنا إمام لعل الله أن يجمعنا و إياكم [337] علي الهدي و الحق " فإن كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم، و إن لم تفعلوا (أ) و كنتم لمقدمي [338] كارهين، انصرفت عنكم إلي المكان الذي جئت منه إليكم، فسكتوا عنه و لم يتكلموا كلمة [339] .

فقال للمؤذن: أقم، فأقام الصلاة، فقال للحر: أ تريد أن تصلي بأصحابك، فقال الحر: لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك، فصلي بهم الحسين عليه السلام، ثم دخل فاجتمع عليه [340] أصحابه، و انصرف الحر إلي مكانه الذي كان فيه، فدخل خيمة قد ضربت له، فاجتمع إليه خمسمأة [341] من أصحابه، و عاد الباقون إلي صفهم الذي كانوا فيه [فأعادوه] ، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان فرسه، و جلس في ظلها.

فلما كان وقت العصر أمر الحسين عليه السلام أن يتهيأوا للرحيل، ففعلوا، ثم أمر مناديه فنادي بالعصر أمر الحسين عليه السلام و قام فصلي بالقوم، ثم سلم، و انصرف إليهم بوجهه، فحمد الله و أثني عليه و [342] قال: أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله و تعرفوا الحق لاهله، يكن أرضي لله عنكم، و نحن أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله أولي بولاية هذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، و السائرين فيكم بالجور و العدوان، فإن أبيتم إلا الكراهة لنا، و الجهل بحقنا، و كان رأيكم الآن ما أتتني به كتبكم، و قدمت به علي رسلكم، انصرفت عنكم.


فقال [له] الحر: أنا و الله ما أدري ما هذه الكتب و الرسل التي تذكر، فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين الذين فيهما كتبهم إلي، فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه، فقال له الحر: [إنا] لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، و قد امرنا أنا إذا لقيناك لا [343] نفارقك حتي نقدمك الكوفة علي عبيد الله بن زياد.

فقال الحسين عليه السلام: الموت أدني إليك من ذلك، ثم قال لاصحابه: فقوموا و اركبوا، فركبوا و انتظر حتي ركبت نساؤه [344] ، فقال لاصحابه: انصرفوا، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف، فقال الحسين عليه السلام للحر: ثكلتك امك ما تريد؟ فقال له الحر: أما لو (كان) غيرك من العرب يقولها لي و هو علي مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر امه بالثكل كائنا من كان، و لكن و الله مالي من ذكر امك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه.

فقال له الحسين عليه السلام: فما تريد؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلا الامير عبيد الله ابن زياد، فقال: إذا و الله لا أتبعك، فقال: إذا و الله لا أدعك، فترادا القول ثلاث مرات، فلما كثر الكلام بينهما، قال له الحر: إني لم أومر بقتالك إنما أمرت أن لا افارقك حتي اقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك [إلي] المدينة، يكون بيني و بينك نصفا، حتي أكتب إلي الامير عبيد الله بن زياد فلعل الله أن [يأتي بأمر] يرزقني [فيه] العافية من أن ابتلي بشيء من أمرك، فخذ ههنا.

فتياسر عن طريق العذيب و القادسيه، و سار الحسين عليه السلام، و سار الحر في أصحابه يسايره و هو يقول له: يا حسين إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، فقال له الحسين عليه السلام: أفبالموت تخوفني؟ و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، و سأقول كما قال أخو الاوس لا بن عمه و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله فخوفه ابن عمه و قال: أين تذهب فإنك مقتول؟ فقال:


سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي إذا ما نوي حقا و جاهد مسلما و واسي الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و ودع [345] مجرما فإن عشت لم أندم و إن مت لم ألم كفي بك ذلا أن تعيش و ترغما [346] أقول: و زاد محمد بن أبي طالب: قبل البيت الاخير هذا البيت.

اقدم نفسي لا أريد بقاءها لتلقي خميسا في الوغي و عرمرما ثم قال: ثم أقبل الحسين عليه السلام علي أصحابه و قال: هل فيكم أحد يعرف الطريق علي الجادة؟ فقال الطرماح: نعم يا ابن رسول الله أنا أخبر الطريق، فقال الحسين عليه السلام: سر بين أيدينا، فسار الطرماح و اتبعه الحسين عليه السلام و أصحابه، و جعل الطرماح يرتجز و يقول: يا ناقتي لا تذعري من زجري و امض بنا قبل طلوع الفجر بخير فتيان و خير سفر آل رسول الله آل الفخر السادة البيض الوجوه الزهر الطاعنين بالرماح السمر الضاربين بالسيوف البتر حتي تحلي بكريم الفخر الماجد الجد رحيب الصدر أثابه الله بخير أمر عمره الله بقاء الدهر يا مالك النفع معا و الضر [347] أيد حسينا سيدي بالنصر علي الطغاة من بقايا الكفر علي اللعينين سليلي صخر يزيد لا زال حليف الخمر و ابن زياد عهر بن العهر و قال المفيد " ره ": فلما سمع الحر ذلك تنحي عنه، و كان يسير بأصحابه ناحية، و الحسين عليه السلام في ناحية [اخري] حتي انتهوا إلي عذيب الهجانات، ثم مضي الحسين عليه السلام حتي انتهي إلي قصر بني مقاتل فنزل به فإذا هو بفسطاط مضروب، فقال: لمن هذا؟ فقيل لعبيدالله بن الحر الجعفي، قال: ادعوه [إلي] ، فلما أتاه


الرسول، قال له: هذا الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام يدعوك، فقال عبيد الله: إنا لله و إنا إليه راجعون، و الله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين عليه السلام و أنا بها [348] ، و الله ما أريد أن أراه و لا يراني.

فأتاه الرسول فأخبره، بفقام [اليه] الحسين عليه السلام فجاء حتي دخل عليه و سلم و جلس، ثم دعاه إلي الخروج معه، فأعاد عليه عبيد الله بن الحر تلك المقالة و استقاله مما دعاه إليه، فقال له الحسين عليه السلام: فإن لم تكن تنصرنا فاتق الله أن لا تكون ممن يقاتلنا، فو الله لا يسمع واعيتنا أخد ثم لم ينصرنا إلا هلك، فقال له: أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله تعالي، ثم قال الحسين عليه السلام من عنده حتي دخل رحله.

و لما كان في آخر الليل أمر فتيانه بالاستقاء من الماء، ثم أمر بالرحيل، فارتحل من قصر بني مقاتل، فقال عقبة بن سمعان: فسرنا معه ساعة فخفق عليه السلام و هو علي ظهر فرسه خفقة ثم انتبه و هو يقول: " إنا لله و إنا إليه راجعون " [و] الحمد لله رب العالمين، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال: مم حمدت الله و استرجعت؟ (ف) قال: يا بني إني خفقت خفقة فعن لي فارس علي فرس و هو يقول: القوم يسيرون و المنايا تسير [349] إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فقال له: يا أبت لا أراك الله سوءا، ألسنا علي الحق؟ قال: بلي و الله الذي إليه مرجع العباد، فقال: فإننا إذا ما [350] نبالي أن نموت محقين، فقال له الحسين عليه السلام: جزاك الله من ولد خير ما جزي ولدا عن والده.

فلما عصبح نزل وصلي بهم الغداة، ثم عجل الركوب و أخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيرده و أصحابه، فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فرتفعوا، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتي انتهوات إلي نينوي بالمكان الذي نزل به الحسين عليه السلام، فإذا راكب علي نجيب له عليه سلاح متنكبا قوسا مقبلا من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه، فلما انتهي إليهم سلم علي الحر و أصحابه و لم يسلم علي الحسين عليه السلام و أصحابه، و دفع إلي الحر كتابا من عبيد الله بن زياد لعنه الله فإذا


فيه: أما بعد فجعجع بالحسين حين [ي] بلغك كتابي [هذا] و يقدم عليك رسولي و لا تنزله إلا بالعراء في خضر و علي ماء، و قد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتي يأتيني بإنفاذك أمري و السلام.

فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الامير عبيد الله يأمرني أن اجعجع بكم في المكان الذي يأتيني [351] كتابه، و هذا رسوله و قد أمره أن لا يفارقني حتي أنفذ أمره فيكم، فنظر يزيد بن مهاجر الكندي و كان مع الحسين عليه السلام إلي رسول ابن زياد فعرفه، فقال له: ثكلتك امك ماذا جئت فيه قال: أطعت إمامي و وفيت ببيعتي، فقال له ابن المهاجر، بل عصيت ربك، أطعت إمامك في هلاك نفسك، و كسبت [352] العار و النار و بئس الامام إمامك، قال الله تعالي " و جعلناهم أئمة يدعون إلي النار و يوم القيمة لا ينصرون " [353] فإمامك منهم، و أخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان علي ماء و لا في قرية، فقال له الحسين عليه السلام: دعنا ويحك نزل [في] هذه القرية أو هذه يعني نينوي و الغاضرية أو هذه يعني شفية [354] ، قال: لا و الله ما [355] أصتطيع ذلك، هذا رجل قد بعث إلي عينا علي، فقال له زهير بن القين: إني و الله لا أري أن [356] يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون، يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به، فقال الحسين عليه السلام: ما كنت لابدأهم بالقتال، ثم نزل و ذلك اليوم يوم الخميس و هو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدي و ستين [357] .

و قال السيد " ره ": فقام الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه فحمد الله و أثني عليه ثم قال: إنه قد نزل [لنا] من الامر ما قد ترون، و إن الدنيا تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها [و استمرت حذاء] [358] و لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الانآء، و خسيس عيش كالمرعي


الوبيل، ألا ترون إلي الحق لا يعمل به و إلي الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقامحقا [359] فإني لا أري الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما.

فقام زهير بن القين فقال: قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك، و لو كانت الدنيا لنا باقية، و كنا فيها مخلدين، لآثرنا النهوض معك علي الاقامة فيها.

قال: و وثب [360] هلال بن نافع البجلي، فقال: و الله ما كرهنا لقاء ربنا، و إنا علي نياتنا و بصائرنا، نوالي من والاك و نعادي من عاداك.

قال: و قام برير بن خضير، فقال: و الله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا عن نقاتل بين يديك فيقطع [361] فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة.

قال: ثم إن الحسين عليه السلام ركب و سار، (و) كلما أراد السير يمنعونه تارة و يسايرونه اخري، حتي بلغ كربلاء و كان ذلك في اليوم الثامن [362] من المحرم.

[363] و في المناقب: فقال له زهير: فسر بنا حتي ننزل بكربلاء فإنها علي شاطئ الفرات، فنكون هنالك، فإن قاتلونا قاتلناهم، و استعنا الله عليهم، قال: فدمعت عينا الحسين عليه السلام، ثم قال: أللهم إني أعوذ بك من الكرب و البلاء، و نزل الحسين عليه السلام في موضعه ذلك، و نزل الحر بن يزيد حذاءه في ألف فارس، و دعا الحسين عليه السلام بدواة و بيضاء و كتب إلي أشراف الكوفة ممن كان يظن أنه علي رأيه: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلي سليمان بن صرد، و المسيب بن نجبة [364] ، و رفاعة بن شداد، و عبد الله بن وأل، و جماعة المؤمنين، أما بعد فقد علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله قد قال في حياته: " من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد لله بالاثم و العدوان ثم لم يغير يقول


و لافعل، كان حقيقا علي الله أن يدخله مدخله " و قد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان و تولوا عن طاعة الرحمن، و أظهروا الفساد و عطلوا الحدود و استأثروا بالفئ، و أحلوا حرام الله، و حرموا حلاله، و إني أحق بهذا الامر لقرابتي من رسول الله صلي الله عليه و آله.

و قد أتتني كتبكم و (قد) قدمت علي رسلكم ببيعتكم، أنكم لا تسلموني و لا تخذلوني، فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم و رشدكم، و نفسي مع أنفسكم، و أهلي و ولدي مع أهاليكم و أولادكم، فلكم بي اسوة، و إن لم تفعلوا و نقضتم عهودكم و خلعتم بيعتكم، فلعمري ما هي منكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي و ابن عمي و المغرور من اغتربكم، فحظكم أخطاتم، و نصيبكم ضيعتم، و من نكث فإنما ينكث علي نفسه، و سيغني الله عنكم و السلام.

ثم طوي الكتاب و ختمه و دفعه إلي قيس بن مسهر الصيداوي - و ساق الحديث كما مر - ثم قال: و لما بلغ الحسين عليه السلام قتل قيس استعبر باكيا، ثم قال: أللهم اجعل لنا و لشيعتنا عندك منزلا كريما، و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك إنك علي كل شيء قدير.

قال: فوثب [إلي] الحسين عليه السلام رجل من شيعته يقال له: هلال بن نافع البجلي، فقال (له): يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله أنت تعلم أن جدك رسول الله صلي الله عليه و آله لم يقدر أن يشرب الناس محبته، و لا أن يرجعوا إلي أمره ما أحب، و قد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر، و يضمرون له الغدر، يلقونه بأحلي من العسل، و يخلفونه بأمر من الحنظل، حتي قبضه الله إليه، و إن أباك عليا رحمة الله عليه قد كان في مثل ذلك، فقوم قد أجمعوا علي نصره و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين، حتي أتاه أجله فمضي إلي رحمة الله و رضوانه، و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده، و خلع بيعته، فلن يضر إلا نفسه، و الله مغن عنه، فسربنا راشد امعافي مشرقا إن شئت، و إن شئت مغربا، فو الله ما أشفقنا من قدر الله، و لا كرهنا لقاء ربنا، و إنا علي نياتنا و بصائرنا، نوالي من والاك و نعادي من عاداك.

ثم وثب إليه برير بن خضير الهمداني فقال: و الله يا ابن رسول الله لقد من الله بك


علينا أن نقاتل بين يديك تقطع [365] فيه أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة بين أيدينا، لا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم، اف لهم غدا يلاقون؟ ينادون بالويل و الثبور في نار جهنم.

قال: فجمع الحسين عليه السلام ولده و إخوته و أهل بيته، ثم نظر إليهم فبكي ساعة، ثم قال: أللهم إنا عترة نبيك محمد صلي الله عليه و آله و قد أخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدنا، و تعدت بنو أمية علينا، أللهم فخذلنا بحقنا، و انصرنا علي القوم الظالمين.

قال: فرحل من موضعه حتي نزل في يوم الاربعاء أو يوم الخميس بكربلاء، و ذلك في الثاني من المحرم سنة إحدي و ستين، ثم أقبل علي أصحابه، فقال: الناس عبيد الدنيا و الدين لعق ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون، ثم قال: أ هذه كربلاء؟ فقالوا: نعم يا ابن رسول الله فقال: هذا موضع كرب و بلاء، ههنا مناخ ركابنا، و محط رحالنا، و مقتل رجالنا، و مسفك دمائنا.

قال: فنزل القوم و أقبل الحر حتي نزل حذاء الحسين عليه السلام في ألف فارس، ثم كتب إلي ابن زياد لعنه الله يخبره بنزول الحسين عليه السلام بكربلا.

و كتب ابن زياد لعنه الله إلي الحسين عليه السلام: أما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلا، و قد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير، و لا أشبع من الخمير، أو الحقك باللطيف الخبير، أو ترجع إلي حكمي و حكم يزيد بن معاوية و السلام.

فلما ورد كتابه علي الحسين عليه السلام و قرأه رماه من يده ثم قال: لا أفلح قوم اشتر و مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فقال له الرسول: جواب الكتاب أبا عبد الله؟ فقال: ماله عندي جواب لانه قد حقت عليه كلمة العذاب، فرجع الرسول إليه فخبره بذلك، فغضب عدو الله من ذلك أشد الغضب، و التفت إلي عمر بن سعد و أمره بقتال الحسين عليه السلام - و قد كان ولاه الري قبل ذلك - فاستعفي عمر من ذلك، فقال ابن زياد: فاردد إلينا عهدنا، فاستمهله ثم قبل بعد يوم خوفا عن أن يعزل عن ولاية الري [366] .


و قال المفيد (ره): فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس فنزل بنينوي، فبعث إلي الحسين عليه السلام عروة بن قيس الاحمسي و قال له: إئته فسله ما الذي جاء بك؟ و ما ذا تريد؟ و كان عروة ممن كتب إلي الحسين، فاستحيا منه أن يأتيه، فعرض ذلك علي الرؤساء الذين كاتبوه وكلهم أبي ذلك و كرهه.

فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي و كان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شيء فقال له: أنا أذهب إليه، و و الله لئن شئت لافتكن به فقال له عمر بن سعد: ما أريد أن تفتك به، و لكن إئته فاسأله ما الذي جاء به؟ فأقبل كثير إليه، فلما رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام: أصلحك الله يا أبا عبد الله! قد جاءك شر أهل الارض و أجرأهم علي دم (الناس) و أفتكهم [367] ، و قام إليه فقال له: ضع سيفك، قال: لا و الله و لا كرامة إنما أنا رسول [ف] إن سمعتم كلامي [368] بلغتكم ما أرسلت (به) إليكم، و إن أبيتم انصرفت عنكم، قال: فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم [بحاجتك] ، قال: لا و الله لا تمسه، فقال [له] : أخبرني بما جئت به و أنا أبلغه عنك و لا أدعك تدنو منه، فإنك فاجر، فاستبا و انصرف إلي عمر بن سعد فأخبره الخبر.

فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك [يا قرة] ألق حسينا فسله ما جاء به و ما ذا يريد؟ فأتاه قرة، فلما رآه الحسين عليه السلام مقبلا قال: أ تعرفون هذا؟ فقال [له] حبيب بن مظاهر: [نعم] هذا رجل من حنظلة تميم، و هو ابن أختنا و قد كنت أعرفه بحسن الرأي، و ما كنت أراه يشهد هذا الشهد، فجاء حتي سلم علي الحسين عليه السلام و أبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، فقال له الحسين عليه السلام: كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم، فاما إذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم، فقال [369] حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرة أين تذهب [370] ؟ إلي القوم الظالمين؟ أنصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة، [ف] قال له قرة: أرجع إلي صاحبي بجواب رسالته وأري رأيي،


فانصرف إلي عمر بن سعد عليه اللعنة و أخبره الخبر، فقال عمر بن سعد: أرجو أن يعافيني الله من حربه و قتاله.

و كتب إلي عبيد الله بن زياد: " بسم الله الرحمن الرحيم [أما بعد] فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي [371] فسألته عما أقدمه و ما ذا يطلب؟ فقال: كتب إلي أهل هذه البلاد و أتتني رسلهم يسألوني القدوم [إليهم] ففعلت، فأما إذا كرهتموني، و بدالهم ما أتتني به رسلهم، فأنا منصرف منصرف عنهم ".

قال حسان بن قائد العبسي: و كنت عند عبيد الله بن زياد حين أتاه [هذا] الكتاب فلما قرأه قال: الآن اذعلقت مخالبنا به يرجو النجاة و لات حين مناص و كتب إلي عمر بن بن سعد: " أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت، فاعرض علي الحسين أن يبايع ليزيد هو و جميع أصحابه، فإذا [هو] فعل ذلك رأينا رأينا و السلام " فلما ورد الجواب علي عمر بن سعد قال: قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية [372] .

و قال محمد بن أبي طالب: فلم يعرض ابن سعد علي الحسين عليه السلام ما أرسل به ابن زياد لانه علم أن الحسين عليه السلام لا يبايع يزيد أبدا، قال: ثم جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة ثم خرج فصعد المنبر ثم قال: أيها الناس إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون، و هذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة، محمود الطريقة، محسنا إلي الرعية، يعطي العطاء في حقه، قد أمنت السبل علي عهده، و كذلك كان أبوه معاوية في عصره، و هذا ابنه يزيد من بعده، يكرم العباد، و يغنيهم بالاموال، و يكرمهم، و قد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، و أمرني أن أو فرها عليكم و اخرجكم إلي حرب عدوه الحسين، فاسمعوا له و أطيعوا.

ثم نزل عن المنبر و وفر الناس العطاء، و أمرهم أن يخرجوا إلي حرب الحسين


عليه السلام، و يكونوا عونا لا بن سعد علي حربه، فأول من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف، فصار ابن سعد في تسعة آلاف، ثم اتبعه يزيد [373] بن ركاب الكلبي في ألفين، و الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف، و فلانا المازني في ثلاثة آلاف، و نصر ابن فلان في ألفين، فذلك عشرون ألفا.

ثم أرسل إلي شبث بن ربعي أن أقبل إلينا و إنا نريد أن نتوجه [374] بك إلي حرب الحسين عليه السلام، فتمارض شبث و أراد أن يعفيه ابن زياد فأرسل إليه: أما بعد: فإن رسولي أخبرني بتمارضك، و أخاف أن تكون من الذين " إذا لقوا الذين ء آمنوا قالوا ءامنا و إذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون " [375] إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا.

فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر إلي وجهه فلا يري عليه أثر العلة، فلما دخل رحب به و قرب مجلسه، و قال: احب أن تشخص إلي قتال هذا الرجل عونا لا بن سعد عليه فقال: أفعل أيها الامير، فما زال يرسل إليه بالعساكر حتي تكامل عنده ثلاثون ألفا ما بين فارس و راجل، ثم كتب إليه ابن زياد: إني لم أجعل لك أجعل لك علة في كثرة الخيل و الرجال، فانظر لا اصبح و لا أمسي إلا و خبرك عندي غدوة و عشية، و كان ابن زياد يستحث عمر بن سعد لستة أيام مضين من المحرم.

و أقبل حبيب بن مظاهر إلي الحسين عليه السلام فقال: يا ابن رسول الله ههنا حي من بني أسد بالقرب منا [أ] تأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلي نصرتك، فعسي الله أن يدفع بهم عنك قال: قد أذنت لك، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكرا [376] حتي أتي إليهم فعرفوه أنه من بني أسد، فقالوا: ما حاجتك؟ فقال: إني قد أتيتكم بخير ما أتي به وافد إلي [377] قوم، أتيتكم أدعوكم إلي نصر ابن بنت نبيكم، فإنه في عصابة من المؤمنين، الرجل منهم خير من ألف رجل، لن يخذلوه و لن يسلموه أبدا، و هذا عمر بن سعد قد أحاط به [378] ، و أنتم قومي و عشيرتي و قد أتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته


تنالوا بها شرف الدنيا و الآخرة، فإني أقسم بالله لا يقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا إلا كان رفيقا لمحمد صلي الله عليه و آله في عليين، قال: فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له: عبد الله بن بشر، فقال: أنا أول من يجيب إلي هذه الدعوة، ثم جعل يرتجز و يقول: قد علم القوم إذا تواكلوا و أحجم الفرسان إذتناقلوا [379] إني شجاع بطل مقاتل كأنني ليث عرين باسل ثم تبادر رجال الحي حتي التام منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسين عليه السلام، و خرج رجل في ذلك الوقت من الحي حتي صار إلي عمر بن سعد فأخبره بالحال، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له: الازرق، فضم إليه أربعمائة فارس و وجه نحو حي بني أسد، فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين عليه السلام في جوف الليل، إذا استقبلهم خيل ابن سعد علي شاطئ الفرات، و بينهم و بين عسكر الحسين عليه السلام اليسير، فناوش القوم بعضهم بعضا و اقتتلوا قتالا شديدا، و صاح حبيب ابن مظاهر الاسدي بالازرق: ويلك مالك و ما لنا انصرف عنا، ودعنا يشقي بنا غيرك، فأبي الازرق أن يرجع، و علمت بنو أسد أنه لا طاقة لهم بالقوم، فانهزموا راجعين إلي حيهم، ثم إنهم ارتحلو في جوف الليل خوفا من ابن سعد أن يبيتهم [380] ، و رجع حبيب بن مظاهر إلي الحسين عليه السلام فخبره بذلك فقال عليه السلام: لا حول و لا قوة إلا بالله.

قال: و رجعت خيل ابن سعد حتي نزلوا علي شاطئ الفرات، فحالوا بين الحسين عليه السلام و أصحابه و بين الماء.

و أضر العطش بالحسين عليه السلام و أصحابه، فأخذ الحسين عليه السلام فأسا (قال:) و جاء إلي وراء خيمة النساء فخطا في الارض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك، فنبعت له عين من الماء العذب، فشرب الحسين عليه السلام و شرب الناس بأجمعهم، و ملاوا أسقيتهم، ثم غارت العين فلم ير لها أثر، و بلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلي عمر بن سعد: بلغني أن الحسين عليه السلام يحفرالآبار، و يصيب الماء، فيشرب هو و أصحابه، فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت


و ضيق عليهم، و لا تدعهم يذوقوا الماء، و افعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان، فعندها ضيق عمر بن سعد عليهم غاية التضييق.

فلما اشتد العطش بالحسين عليه السلام دعا بأخيه العباس فضم إليه ثلاثين فارسا و عشرين راكبا، و بعث معه عشرين قربة، فأقبلوا في جوف الليل حتي دنوا من الفرات، فقال عمرو بن الحجاج: من أنتم؟ فقال رجل من أصحاب الحسين عليه السلام يقال له: هلال بن نافع البجلي: ابن عم لك جئت أشرب من هذا الماء، فقال عمرو: اشرب هنيئا، فقال هلال: ويحك (كيف) تأمرني ان اشرب و الحسين بن علي و من معه يموتون عطشا؟ فقال عمرو: صدقت، و لكن امرنا بأمر لابد أن ننتهي إليه، فصاح هلال بأصحابه فدخلوا الفرات، و صاح عمرو بالناس و اقتلوا قتالا شديدا، فكان قوم يقاتلون و قوم يملاون حتي ملاوها، و لم يقتل من أصحاب الحسين عليه السلام أحد، ثم رجع القوم إلي معسكرهم، فشرب الحسين عليه السلام و من كان معه، و لذلك سمي العباس السقاء.

ثم أرسل الحسين عليه السلام إلي عمر بن سعد لعنه الله: إني أريد أن اكلمك فالقني الليلة بين عسكري و عسكرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين و خرج إليه الحسين عليه السلام في مثل ذلك، فلما التقيا أمر الحسين عليه السلام [أصحابه] فتنحوا عنه، و بقي معه أخوه العباس و ابنه علي الاكبر، و أمر عمر بن سعد أصحابه فتنحوا عنه و بقي معه ابنه حفص و غلام له.

فقال له الحسين عليه السلام: ويلك يا ابن سعد أما تتقي الله الذي إليه معادك؟ أ تقاتلني و أنا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم و كن معي، فإنه أقرب لك إلي الله تعالي، فقال عمر بن سعد: أخاف أن يهدم داري، فقال (له) الحسين عليه السلام: أنا أبنيها لك، فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي فقال الحسين عليه السلام: أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز، فقال: لي عيال و أخاف عليهم، ثم سكت و لم يجبه إلي شيء، فانصرف عنه الحسين عليه السلام، و هو يقول: مالك، ذبحك الله علي فراشك عاجلا، و لا غفر لك يوم حشرك، فو الله إني لارجو ألا تأكل من بر العراق إلا يسيرا، فقال ابن سعد: في الشعير كفاية عن البر مستهزئا بذلك القول. [381] .


رجعنا إلي سياقة حديث المفيد قال: و ورد كتاب ابن زياد في الاثر إلي عمر بن سعد أن حل بين الحسين و أصحابه و بين الماء و فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان، فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمأة فارس، فنزلوا علي الشريعة و حالوا بين الحسين عليه السلام و أصحابه و بين الماء و منعوهم أن يسقوا [382] منه قطرة، و ذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام.

و نادي عبد الله بن الحصين الازدي، و كان عداده في بجيلة، (ف) قال بأعلي صوته: يا حسين ألا تنظر (ون) إلي الماء كأنه كبد السماء، و الله لا تذوقوا منه قطرة واحدة حتي تموتوا عطشا، فقال الحسين عليه السلام: أللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا.

قال حميد بن مسلم: و الله لعدته في مرضه بعد ذلك فو الله الذي لا إليه غيره لقد رأيته يشرب الماء حتي يبغر [383] ، ثم يقيئه و يصيح العطش [العطش] ، ثم يعود و يشرب حتي يبغر ثم يقيئه و يتلظي عطشا، فما زال ذلك دأبه حتي لفظ نفسه.

و لما رأي الحسين عليه السلام نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوي و مددهم لقتاله، أنفذ إلي عمر بن سعد أنني أريد أن ألقاك، (و أجتمع معك)، فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا، ثم رجع عمر إلي مكانه، و كتب إلي عبيد الله بن زياد: " أما بعد: فإن الله قد أطفأ النائرة، و جمع الكلمة، و أصلح أمر الامة، هذا حسين قد أعطاني (عهدا) أن يرجع إلي المكان الذي [هو] منه أتي، أو أن يسير إلي ثغر من الثغور، فيكون رجلا من المسلمين، له ما لهم و عليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده [384] ، فيري فيما بينه، بينه (فيري) رأيه، و في هذا لك رضي و للامة صلاح.

فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال: هذا كتاب ناصح مشفق علي قومه، فقام إليه


شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه و قد نزل بأرضك و أتي [385] جنبك؟ و الله لئن رحل (من) بلادك و لم يضع يده في يدك ليكونن أولي بالقوة، و لتكونن أولي بالضعف و العجز، فلا تعطه هذه المنزلة، فإنها من الوهن و لكن لينزل علي حكمك هو و أصحابه، فإن عاقبت فأنت أولي بالعقوبة، و إن عفوت كان ذلك لك.

فقال [له] ابن زياد: نعم ما رأيت، الرأي رأيك، أخرج بهذا الكتاب إلي عمر بن سعد فليعرض علي الحسين عليه السلام و أصحابه النزول علي حكميي، فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما، و إن ثم أبوا فليقاتلهم، فإن فعل فاسمع له و أطع و إن أبي أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش، فضرب عنقه و أبعث إلي برأسه.

و كتب إلي عمر بن سعد: (إني) لم أبعثك إلي الحسين لتكف عنه، و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء، و لا لتعتذر عنه، و لا لتكون [له] عندي شفيعا [386] ، أنظر فإن نزل [ال] حسين و أصحابه علي حكمي و استسلموا، فابعث بهم إلي سلما، و إن أبوا فازحف إليهم حتي تقتلهم و تمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتلت حسينا [387] فأوطئ الخيل صدره و ظهره، فإنه عات [388] ظلوم، و لست أري أن هذا يضر بعد الموت شيئا، و لكن علي قول قد قلته [أن] لو قد قتلته لفعلت [389] هذا به، فإن أنت مضيت لامرنا [فيه] جزيناك جزاء السامع المطيع، و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا، و خل بين شمر ابن ذي الجوشن و بين العسكر، فإنا قد أمرناه بأمرنا، و السلام.

فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلي عمر بن سعد فلما قدم عليه و قرأه، قال له عمر: مالك ويلك، لا قرب الله دارك، قبح الله ما قدمت به علي، و الله إني لاظنك (أنك) نهيته [أن يقبل] عما كتبت به إليه، و أفسدت علينا أمرا كنا قد رجونا أن يصلح، لا يستسلم و الله حسين، إن نفس أبيه لبين جنبيه، فقال له


شمر: أخبرني ما أنت صانع، أ تمضي لامر أميرك و تقاتل عدوه؟ فخل بيني (و بينه) و بين الجند و العسكر، قال: لا و لا كرامة لك، و لكن أنا أتولي ذلك فدونك، فكن أنت علي الرجالة.

و نهض عمر بن سعد إلي الحسين عليه السلام عشية [يوم] الخميس لتسع مضين من المحرم و جاء شمر حتي وقف علي أصحاب الحسين عليه السلام فقال: أين بنو اختنا؟ فخرج إليه جعفر و العباس و عبد الله و عثمان بنو علي، فقالوا: ما تريد؟ أين بنو اختنا؟ فخرج إليه جعفر و العباس و عبد الله و عثمان بنو علي، فقالوا: ما تريد؟ فقال: أنتم يا بني اختي آمنون، فقال له الفتية [390] : لعنك الله و لعن أمانك، أتؤمننا و ابن رسول الله لا أمان له؟ ثم نادي عمر: يا خيل الله اركبي، و بالجنة أبشري! فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر، و الحسين عليه السلام جالس أمام بيته، محتبئ بسيفه إذ خفق برأسه علي ركبته [391] و سمعت اخته الضجة [392] ، فدنت من أخيها و قالت، يا أخي أما تسمع هذه الاصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين عليه السلام رأسه فقال: إني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله الساعة في المنام، و هو يقول لي: إنك تروح إلينا، فلطمت اخته وجهها و نادت بالويل، فقال لها الحسين عليه السلام: ليس لك الويل يا اخية [393] اسكتي رحمك الله [394] .

و في رواية السيد قال: يا اختاه إني رأيت الساعة جدي محمدا و أبي عليا و أمي فاطمة وأخي الحسن و هم يقولون: يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب، و في بعض الروايات: غدا، قال: فلطمت زينب علي وجهها و صاحت [و بكت] ، فقال لها الحسين عليه السلام: مهلا لا تشمتي القوم بن [395] .

قال المفيد: فقال له العباس بن علي: يا أخي أتاك القوم، فنهض ثم قال: [يا عباس] اركب [بنفسي] أنت يا أخي حتي تلقاهم و تقول لهم: مالكم؟ و ما بدا لكم؟ و تسألهم عما جاء بهم، فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا، فيهم زهير بن القين، و حبيب بن مظاهر، فقال لهم العباس: ما بدا لكم و ما تريدون؟ قالوا: قد جاء


أمر الامير أن نعرض عليكم أن تنزلوا علي حكمه، أو نناجزكم، [ف] قال: فلا تعجلوا حتي أرجع إلي أبي عبد الله عليه السلام فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا و قالوا: ألقه و أعلمه، ثم القنا بما يقول لك، فانصفر العباس راجعا يركض إلي الحسين عليه السلام يخبره (ب) الخبر، و وقف أصحابه يخاطبون القوم، و يعظونهم و يكفونهم عن قتال الحسين عليه السلام.

و جاء العباس إلي الحسين عليه السلام و أخبره بما قال القوم، [ف] قال: ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخرهم إلي غدو تدفعهم عنا العشية، لعلنا ا نصلي لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره، فهو يعلم أني قد كنت احب الصلاة له، و تلاوة كتابه، و كثرة الدعاء و الاستغفار.

فمضي العباس إلي القوم، و رجع من عندهم، و معه رسول من قبل عمر بن سعد يقول: إنا قد أجلناكم إلي غد، فإن استسلمتم سرحنابكم [396] إلي [أميرنا] عبيد الله بن زياد، و إن أبيتم فلسنا بتاركيكم فانصرف، و جمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء.

قال علي بن الحسين زيد العابدين عليه السلام: فدنوت منه لاسمع ما يقول لهم و أنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لاصحابه: اثني علي الله أحسن الثناء، و أحمده علي السراء و الضراء، أللهم إني أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوة، و علمتنا القرآن، و فقهتنا (و فهمتنا) في الدين، و جعلت لنا أسماعا و أبصارا و أفئدة، فاجعلنا من الشاكرين.

أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفي و لا خيرا من أصحابي، و لا أهل بيت أبر و (لا) أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا، ألا و إني لاظن [397] يوما لنا من هؤلاء، ألا و إني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم حرج مني و لا ذمام [398] ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.

فقال له إخوته و أبناؤه و بنو أخيه و ابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك؟ لنبقي


بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدا، بدأهم بهذا القول العباس بن علي و اتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله و نحوه، فقال الحسين عليه السلام: يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم بن عقيل فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم فقالوا: سبحان الله! [ف] ما نقول للناس [399] ؟ نقول [400] : إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الاعمام، و لم نرم معهم بسهم و لم نطعن معهم برمح، و لم نضرب معهم بسيف، و لا ندري ما صنعوا، لا و الله ما نفعل [ذلك] و لكن نفديك بأنفسنا و أموالنا و أهلنا، و نقاتل معك حتي نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.

و قام إليه مسلم بن عوسجة، فقال: أنحن نخلي عنك، بما نعتذر إلي الله في أداء حقك؟ لا [401] و الله حتي أذعن في صدورهم برمحي، و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، و لو لم يكن معي سلامح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، (لا) و الله لا نخليك حتي يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلي الله عليه و آله فيك، أما و الله لو [قد] علمت أني اقتل ثم احيا ثم أحرق ثم احيا ثم اذري، يفعل بي ذلك سبعين مرة، ما فارقتك حتي ألقي حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك و إنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.

و قام زهير بن القين " ره " فقال: [و الله] لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت، حتي اقتل هكذا ألف مرة، و إن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

و تكلم جماعة [من] أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد، فجزاهم الحسين عليه السلام خيرا، و انصرف إلي مضربه [402] .

و قال السيد " ره ": و قيل لمحمد بن بشر [403] الحضرمي في تلك الحال: قد اسر ابنك بثغر الري، فقال: عند الله أحتسبه و نفسي، ما [كنت] احب أن يؤسر و أنا أبقي بعده، فسمع الحسين عليه السلام قوله، فقال: رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في


فكاك ابنك فقال: أكلتني السباع حيا إن فارقتك، قال: فأعط غابنك هذه الاثواب [و] البرود يستعين بها في فداء أخيه، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

قال: و بات الحسين عليه السلام و أصحابه تلك الليلة، و لهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع و ساجد، و قائم و قاعد، فعبر إليهم [404] في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان و ثلاثون رجلا.

فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاط [ه] فضرب، و أمر بجفنة فيها مسك كثير، فجعل فيها [405] نورة ثم دخل ليطلي، فروي أن برير بن خضير الهمداني و عبد الرحمن ابن عبد ربه الانصاري، وقفا علي باب الفسطاط ليطليا [بعده] ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن، فقال له عبد الرحمن، يا برير أ تضحك؟ ما هذه ساعة [ضحك و لا] باطل، فقال برير: لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلا و لا شابا، و إنما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه، فو الله ما هو إلا أن نلقي هؤلاء القوم بأسيافنا، نعالجهم [بها] ساعة ثم نعانق الحور العين [406] .

رجعنا إلي رواية المفيد، قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: إني جالس في تلك الليلة [407] التي قتل أبي في صبيحتها، و عندي عمتي زينب تمرضني إذ اعتزل أبي في خباء له، و عنده فلان [408] مولي أبي ذر الغفاري و هو يعالج سيفه و يصلحه، و أبي يقول: يا دهر اف لك من خليل كم لك بالاشراق و الاصيل من صاحب [أ] و طالب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل و إنما الامر إلي الجليل و كل حي سالك سبيلي فأعادها مدتين أو ثلاثا، حتي فهمتها و علمت [409] ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها و لزمت السكوت، و علمت أن البلاء قد نزل، و أما عمتي (زينب) فلما سمعت ما سمعت و هي إمرأة و من شأن النساء الرقة و الجزع، فلم تملك نفسها أن و ثبت تجر


ثوبها و هي حاسرة حتي انتهت إليه، و قالت: وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة، و أبي علي وأخي الحسن، يا خليفة الماضي و ثمال الباقي [410] ، فنظر إليها الحسين عليه السلام و قال لها: يا اخية لا يذهبن حلمك الشيطان! و ترقرقت عيناه بالدموع، و قال: لو ترك القطا [ليلا] [411] لنام، فقالت: يا ويلتا [ه] أفتغصب نفسك اغتصابا؟ فذلك أقرح لقبي و أشد علي نفسي، ثم لطمت وجهها، و هوت إلي جيبها و شقته و خرت مغشيا عليها.

فقام إليها الحسين عليه السلام فصب علي وجهها الماء و قال لها: [إيه] [412] يا اختاه اتقي الله و تعزي بعزاء الله، و اعلمي أن أهل الارض يموتون، أهل السماء لابيقون، و إن كل شيء هالك إلا وجه الله تعال، الذي خلق الخلق بقدرته، و يبعث الخلق و يعودون [413] (إليه) و هو فرد وحده، (جدي خير مني) و أبي خير مني و أمي خير مني و أخي خير مني، ولي و لكل مسلم برسول الله صلي الله عليه و آله اسوة، فعزاها بهذا و نحوه، و قال لها: يا اختاه إني أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، و لا تخمشي علي وجها، و لا تدعي علي بالويل و اثبور إذا أنا هلكت، ثم جاء بها حتي أجلسها عندي.

[414] ثم خرج إلي أصحابه فأمرهم أن يقرب [415] بعضهم بيوتهم من بعض، و أن يدخلوا الاطناب بعضها في [416] بعض، و أن يكونوا بين البيوت فيستقبلون [417] القوم من [418] وجه واحد و البيوت من ورائهم، و عن أيمانهم، و عن شمائلهم، قد حفت بهم، إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم، و رجع عليه السلام إلي مكانه فقام ليلته كلها يصلي و يستغفر و يدعو


و قام أصحابه كذلك يصلون و يدعون و يستغفرون [419] و قال في المناقب: فلما كان وقت السحر خفق الحسين عليه السلام برأسه خفقة ثم استيقظ فقال: أ تعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ فقالوا: و ما الذي رأيت يا بن رسول الله؟ فقال: رأيت كأن كلابا قد شدت علي لتنهشني و فيها كلب أبقع رأيته أشدها علي، و أظن أن الذي يتولي قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم، ثم إني رأيت بعد ذلك جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و معه جماعة من أصحابه و هو يقول لي: يا بني أنت شهيد آل محمد صلي الله عليه و آله، و قد استبشر بك أهل السماوات و أهل الصفيح الاعلي، فليكن إفطارك عندي الليلة، عجل و لا تؤخر فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء، فهذا ما رأيت و قد أنف [420] الامر، و اقترب الرحيل من هذه الدنيا، لا شك في ذلك [421] .

و قال المفيد: قال الضحاك بن عبد الله: و مرت بنا خيل لا بن سعد تحرسنا، و إن حسينا ليقرأ: " و لا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا انما و لهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب " [422] فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له: عبد الله بن سمير و كان مضحاكا و كان شجاعا بطلا فارسا شريفا فاتكا، فقال: نحن و رب الكعبة الطيبون ميزنا بكم [423] ، فقال له برير بن خضير: يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين؟ فقال له: من أنت ويلك؟ قال: أنا برير بن خضير فتسابا.

و أصبح الحسين عليه السلام فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة، و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا. [424] .


و قال محمد بن أبي طالب: و في رواية اخري اثنان و ثمانون راجلا.

و قال السيد: روي عن الباقر عليه السلام إنهم كانوا خمسة و أربعين فارسا و مائة راجل.

و كان قال ابن نما [425] .

و قال المفيد " ره ": فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه، و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه، و أعطي رأيته العباس أخاه، و جعلوا البيوت في ظهورهم، و أمر بحطب و قصب كان من و البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر هناك، و أن يحرق بالنار، مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

و أصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم، و هو يوم الجمعة، و قيل يوم السبت، فعبأ أصحابه و خرج فيمن معه من الناس نحو الحسين عليه السلام، و كان علي ميمنته عمرو بن الحجاج، و علي ميسرته شمر بن ذي الجوشن، و علي الخيل عروة بن قيس، و علي الرجالة شبث بن ربعي، و أعطي الراية دريدا مولاه.

[426] و قال محمد بن أبي طالب: و كانوا نيفا علي اثنين و عشرين ألفا، و في رواية عن الصادق عليه السلام: ثلاثين الفا.

و قال المفيد: و روي عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال: لما أصبحت الخيل تقبل علي الحسين عليه السلام رفع يديه و قال: أللهم أنت ثقتي في كل كرب و [أنت] رجائي في كل شدة، و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من كرب [427] يضعف عنه [428] الفؤاد، و تقل فيه الحيلة، و يخذل فيه الصديق، و يشمت (به) العدو، أنزلته بك، و شكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك، ففرجته [عني] و كشفته، فأنت ولي كل نعمة، و صاحب كل حسنة، و منتهي كل رغبة.

قال: فأقبل القوم يجولون حول بيت [429] الحسين عليه السلام، فيرون الخندق في ظهورهم و النار تضطرم في الخطب و القصب الذي كان القي فيه، فنادي شمر بن ذي


الجوشن بأعلي صوته: يا حسين أتعجلت بالنار قبل يوم القيامة؟ فقال الحسين عليه السلام: من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن؟ فقالوا [له] : نعم، فقال: يا ابن راعية المعز [ي] أنت أولي بهاصليا، ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك فقال له: دعني حتي أرميه، فإن [430] الفاسق من أعداء الله و عظماء الجبارين، و قد أمكن الله منه، فقال له الحسين عليه السلام: لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم بقتال [431] .

و قال محمد بن أبي طالب: و ركب أصحاب عمر بن سعد لعنه الله، فقرب إلي الحسين عليه السلام فرسه فاستوي عليه، و تقدم نحو القوم في نفر من أصحابه، و بين يديه بريرين خضير، فقال له الحسين عليه السلام: كلم القوم، فتقدم برير، فقال: يا قوم اتقو الله فإن ثقل محمد صلي الله عليه و آله قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته و عترته و بناته و حرمه، فهاتوا ما عندكم و ما الذي تريدون أن تصنعوا بهم؟ فقالوا: نريد أن نمكن منهم الامير ابن زياد، فيري رأيه فيهم، فقال لهم [432] - برير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلي المكان الذي جاؤا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم و عهودكم التي أعطيتموها و اشهد تم الله عليها؟ يا ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم و عهودكم التي أعطيتموها دونهم، حتي إذا أتوكم أسلمتموهم إلي ابن زياد، و حلاتموهم [433] عن ماء الفرات؟ بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته، مالكم لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم.

فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول؟ فقال برير: الحمد الله الذي زادني فيكم بصيرة، أللهم إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم، أللهم ألق بأسهم بينهم، حتي يلقوك و أنت عليهم غضبان، فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير إلي ورائه.

و تقدم الحسين عليه السلام حتي وقف بإزاء القوم، فجعل ينظر إلي صفوفهم كأنهم السيل، و نظر إلي ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة، فقال: الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء و زوال، متصرقة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرته و الشقي من فتنته، فلا تغرنكم هذه الدنيا، فإنها تتطع رجاء من ركن إليها، و تخيب طمع من طمع


فيها، و أراكم اجتمعتم علي أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، و أعرض بوجهه الكريم عنكم، و أحل بكم نقمته، و جنبكم رحمته، فنعم الرب ربنا، و بئس العبد أنتم، أقررتم بالطاعة، و آمنتم بالرسول محمد صلي الله عليه و آله ثم إنكم زحفتم إلي ذريته و عترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبا لكم و لما تريدون، إنا لله و إنا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين.

فقال عمر: ويلكم كلموه فإنه ابن أبيه، و الله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع و لما حصر، فكلموه، فتقدم شمر لعنه الله فقال: يا حسين ما هذا الذي تقول؟ أفهمنا حتي نفهم، فقال أقول: اتقوا الله ربكم و لا تقتلوني، فإنه لا يحل لكم قتلي، و لا انتهاك حرمتي، فإني ابن بنت نبيكم و جدتي خديجة زوجة نبيكم، و لعله قد بلغكم قول نبيكم صلي الله عليه و آله: " الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة " إلي آخر ما سيأتي برواية المفيد [434] .

و قال المفيد: و دعا الحسين عليه السلام براحلته فركبها و نادي بأعلي صوته: يا أهل العراق - وجلهم يسمعون - فقال: أيها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوا حتي أعظكم بما يحق لكم علي، و حتي أعذر إليكم [435] ، فإن أعطيتموني النصف، كنتم بذلك أسعد، و إن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم أقضوا إلي و لا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب، و هو يتولي الصالحين.

ثم حمد الله و أثني عليه، و ذكر الله بما هو أهله، وصلي علي النبي صلي الله عليه و آله و علي ملائكته و علي أنبيائه، فلم يسمع متكلم قط قبله و لا بعده أبلغ منه في منطق.

ثم قال: أما بعد فانسبوني، فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم و عاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ ألست ابن (بنت) نبيكم، و ابن وصيه و ابن عمه، و أول مؤمن مصدق [436] لرسول الله صلي الله عليه و آله بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول الله صلي الله عليه و آله لي و لاخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما


أقول و هو الحق، و الله ما تعمدت كذبا منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، و إن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، اسألوا جابر بن عبد الله الانصاري، و أبا سعيد الخدري، و سهل بن سعد الساعدي، و زيد بن أرقم، و أنس بن مالك، يخبرونكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلي الله عليه و آله لي و لاخي، أما في هذا حاحزلكم عن سفك دمي؟ فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله علي حرف إن كان يدري ما يقول [437] ، فقال له حبيب بن مظاهر: و الله إني لاراك تعبد الله علي سبعين حرفا، و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله علي قلبك.

ثم قال لهم الحسين عليه السلام: فإن كنتم في شك من هذا، أفتشكون أني ابن بنت نبيكم؟ فو الله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته؟ أو بقصاص [من] جراحة؟ فأخذوا لا يكلمونه، فنادي: يا شبث بن ربعي، [و] يا حجار بن أبجر، [و] يا قيس بن الاشعث، [و] يا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار، و أخضر الجناب، و إنما تقدم علي جند لك مجند (ة)؟ فقال له قيس بن الاشعث: ما ندري ما تقول و لكن أنزل علي حكم بني عمك، فإنهم لن [438] يروك إلا ما تحب، فقال لهم الحسين عليه السلام: لا و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا اقر لكم إقرار العبيد [439] .

ثم نادي: يا عباد الله إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون، و أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، ثم إنه أناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان بعقلها، فأقبلوا يزحفون نحوه [440] .

و في المناقب: روي بإسناده، عن عبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله قال: لما عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي عليهما السلام و رتبهم مراتبهم، و أقام الرايات في مواضعها، و عبا أصحاب


الميمنة و الميسرة، فقال لاصحاب القلب: أثبتوا.

و أحاطوا بالحسين عليه السلام من كل جانب حتي جعلوه في مثل الحلقة، فخرج حتي أتي الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتي يقال لهم: ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إلي فتسمعوا قولي، و إنما أدعوكم إلي سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، و من عصاني كان من المهلكين، وكلكم عاص لامري مستمع قولي، فقد ملئت بطونكم من الحرام، و طبع علي قلوبكم، و يلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟ فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم و قالوا: انصتوا له.

فقام الحسين عليه السلام فقال: تبالكم أيتها الجماعة و ترحا، أفحين استصر ختمونا ولهين متحيرين فأصرختكم مؤدين مستعدين، سلتم علينا سيفا في رقابنا، و حششتم علينا نار الفتن جناها [441] عدوكم وعدونا فأصبحتم إلبا علي أوليائكم، و يدا عليهم لاعدائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، و لا أمل أصبح لكم فيهم، إلا الحرام من الدنيا أنالوكم، و خسيس عيش طمعتم فيه، من حدث كان منا، و لا رأي تفيل لنا.

فهلا - لكم الويلات - إذ كرهتمونا و تركتمونا، تجهزتمونا [442] و السيف لم يشهر، و الجاش طامن، و الرأي لم يستحصف [443] ، و لكن أسرعتم علينا كطيرة الذباب، و تداعيتم كتداعي الفراش، فقبحا لكم، فإنما أنتم من طواغيت الامة، و شذاذ الاحزاب، و نبذة الكتاب، و نفثة الشيطان، و عصبة الآثام، و محرفي الكتاب، و مطفئ السنن، و قتلة أولاد الانبياء، و مبيري عترة الاوصياء، و ملحقي العهار بالنسب، و مؤذي المؤمنين، و صراخ أئمة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين.

و أنتم ابن حرب و أشياعه تعتمدون، و إيانا تخاذلون، أجل و الله الخذل فيكم معروف، و شبحت عليه عروقكم، و توارثته أصولكم و فروعكم، و ثبتت عليه قلوبكم، و غشيت صدوركم، فكنتم أخبث شيء سنخا [444] للناصب و اكلة للغاصب، ألا لعنة الله علي الناكثين الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها، و قد جعلتم الله عليكم كفيلا فأنتم


و الله هم.

ألا إن الدعي ابن الدعي قدر كزبين اثنتين بين القلة و الذلة، و هيهات ما آخذ الدنية، أبي الله ذلك و رسوله، و جدود طابت، و حجور طهرت، و انوف حمية، و نفوس أبية، لا تؤثر مصارع اللئام علي مصارع الكرام، ألا قد أعذرت و أنذرت، ألا إني زاحف بهذه الاسرة، علي قلة العتاد، و خذلة الاصحاب، ثم أنشأ يقول: فإن نهزم فهزامون قدما و إن نهزم فغير مهزمينا و ما إن طبنا جبن و لكن منايانا و دولة آخرينا.

ألا! ثم لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس، حتي تدوربكم (دور) الرحي، عهد.

عهده إلي أبي عن جدي، فأجمعوا أمركم و شركاء كم تم كيدوني جميعا فلا تنظرون، إني توكلت علي الله ربي و ربكم مأمن دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي علي صراط مستقيم، أللهم احبس عنهم قطر السماء و أبعث عليهم سنين كسني يوسف، و سلط علهيم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة، و لا يدع فيهم آحدا إلا [قتله] بقتلة و ضربة بضربة، ينتقم لي و لاوليائي و لاهل بيتي و أشياعي منهم، فإنهم غرونا و كذبونا و خذلونا، و أنت ربنا عليك توكلنا و إليك أنبنا و إليك المصير.

ثم قال: أين عمر بن سعد؟ ادعوا لي عمر! فدعي له، و كان كارها لا يحب أن يأتيه، فقال: يا عمر أنت تقتلني؟ تزعم أن يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري و جرجان، و الله لا تتهنأ بذلك أبدا، عهدا معهودا، فاصنع ما أنت صانع، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا و لا آخرة، و لكأني برأسك علي قصبة قد نصب بالكوفة، يتراماه الصبيان و يتخذونه غرضا بينهم.

فاغتاظ عمر من كلامه، ثم صرف بوجهه عنه و نادي بأصحابه: ما تنتظرون به؟ احملوا بأجمعكم إنما هي آكلة واحدة، ثم إن الحسين عليه السلام دعا بفرس رسول الله صلي الله عليه و آله المرتجز فركبه، و عبأ أصحابه [445] .

أقول: قد روي الخطبة في تحف العقول نحوا مما مر، و رواه السيد بتغيير


و اختصار و ستأتي برواية الاحتجاج أيضا [446] .

ثم قال المفيد " ره ": فلما رأي الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا علي قتال الحسين عليه السلام قال لعمر بن سعد، أي عمر أ مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: إي و الله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرؤوس، و تطيح الايدي، قال: أفمالكم فيما عرضه عليكم رضي، قال عمر: أما لو كان الامر إلي لفعلت، و لكن أميرك قد أبي، فأقبل الحر حتي وقف من الناس موقفا و معه رجل من قومه يقال له: قرة بن قيس، فقال له: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟ قالا: لا، قال: فما تريد أن تسقيه؟ قال قرة: فظننت و الله أنه يريد أن يتنحي و لا يشهد القتال، فكره أن أراه حين يصنع ذلك، فقلت له، لم أسقه و أنا منطلق فأسقيه فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه، فو الله لو أنه أطلعني علي الذي يريد لخرجت معه إلي الحسن عليه السلام.

فأخذ يدنو من الحسين عليه السلام قليلا قليلا، فقال له المهاجر بن أوس، ما تريد يا بن يزيد؟ أ تريد أن تحمل؟ فلم يجبه فأخذه مثل الافكل و هي الرعدة، فقال له المهاجر: إن أمرك لمريب، و الله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا، و لو قيل لي: من أشجع [أهل] الكوفة؟ لما عدوتك، فما هذا الذي أري منك؟ فقال له الحر: إني و الله اخير نفسي بين الجنة و النار، فو الله لا أختار علي الجنة شيئا و لو قطعت و أحرقت.

ثم ضرب فرسه فلحق (ب) الحسين عليه السلام فقال له: جعلت فداك يا ابن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، و سايرتك في الطريق، و جعجعت بك في هذا المكان، و ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم، و لا يبلغون منك هذه المنزلة، و الله لو علمت أنهم ينتهون بك إلي ما أري ما ركبت مثل الذي ركبت، و أنا تائب إلي الله مما صنعت، فتري لي من ذلك توبة؟ فقال له الحسين عليه السلام: نعم يتوب الله عليك فانزل، فقال: أنا لك فارسا خير مني راجلا، اقاتلهم [لك] علي فرسي ساعة، و إلي ا نزول [ما] يصير آخر أمري، فقال له الحسين عليه السلام فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.


فاستقدم أمام الحسين عليه السلام فقال: يا أهل الكوفة لامكم الهبل لامكم الهبل و العبر، أ دعوتم هذا العبد الصالح حتي إذا أتاكم [447] أسلمتموه؟ و زعمتم أنك قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليهم لتقتلوه، [و] أمسكتم بنفسه، و أخذتم بكلكله [448] ، و أحطتم به من كل جانب لتمنعوه من التوجه إلي [449] بلاد الله العريضة، فصار كالاسير في أيديكم، لا يملك لنفسه نفعا، و لا يدفع عنها ضرا، و حلاتموه و نساءه و صبيته و أهله عن [450] ماء الفرات الجاري، بشربه اليهود و النصاري و المجوس، و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابهم، و ها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا صلي الله عليه و آله في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ.

فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل، فأقبل حتي وقف أمام الحسين عليه السلام، و نادي عمر بن سعد: يا دريد أدن رايتك، فأدناها، ثم وضع سهما [451] في كبد قوسه ثم رمي و قال: اشهدوا أني أول من رمي الناس.

[452] و قال محمد بن أبي طالب: فرمي أصحابه كلهم فما بقي من أصحاب الحسين عليه السلام إلا أصابه (سهم) من سهامهم، قيل: فلما رموهم هذه الرمية، قل أصحاب الحسين عليه السلام و قتل في هذه الحملة خمسون رجلا [453] .

و قال السيد " ره ": فقال عليه السلام لاصحابه: قوموا رحمكم الله إلي الموت الذي لابد منه فإن هذه السهام رسل القوم إليكم، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة و حملة، حتي قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة، قال: فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده علي [454] لحيته و جعل يقول: اشتد غضب الله علي اليهود إذ جعلوا له ولدا، و اشتد غضبه علي النصاري إذ جعلوه ثالث ثلاثة، و اشتد غضبه علي المجوس إذ عبدوا الشمس و القمر دونه، و اشتد غضبه علي قوم اتفقت كلمتهم علي قتل ابن بنت نبيهم، أما و الله لا أجيبهم إلي شيء مما يريدون حتي ألقي الله تعالي و أنا مخضب بدمي.


و روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: سمعت أبي يقول: لما التقي الحسين عليه السلام و عمر بن سعد لعنه الله و قامت الحرب، أنزل النصر حتي رفرف علي رأس الحسين عليه السلام، ثم خير بين النصر عليه أعدائه و بين لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالي.

قال الراوي: ثم صاح عليه السلام أما من مغيث يغيثنا لوجه الله، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلي الله عليه و آله.

[455] و قال المفيد: و تبارزوا فبرز يسار مولي زياد بن أبي سفيان و برز إليه عبد الله ابن عمير، فقال له يسار: من أنت؟ فانتسب له، فقال (له): لست أعرفك " حتي يخرج " [456] إلي زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر، فقال له عبد الله بن عمير: يا ابن الفاعلة و بك رغبة عن [457] مبارزة أحد من الناس، ثم شد عليه فضربه بسيفه حتي برد (ه) [458] ، إنه لمشغول بضربه إذ شد عليه سالم مولي عبيد الله بن زياد، فصاحوا به: قدر قد ر هقك العبد فلم يشعر (به) حتي غشيه، فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسري فأطارت أصابع كفه، ثم شد عليه فضربه حتي قتله، و أقبل و قد قتلهما جميعا و هو يرتجز و يقول: إن تنكروني فأنا ابن [ال] كلب أنا امرؤ ذو مرة و عصب [459] و لست بالخوار عند النكب و حمل عمرو بن الحجاج علي ميمنة أصحاب الحسين عليه السلام فيمن كان معه من أهل الكوفة، فلما دنا من الحسين عليه السلام جثوا له علي الركب و أشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم علي الرماح فذهبت الخيل لترجع، فرشقهم أصحاب الحسين عليه السلام بالنبل، فصرعوا منهم رجالا، و جرحوا منهم آخرين.

و جاء رجل من بني تميم يقال له: عبد الله بن خوزة [460] فأقدم علي عسكر


الحسين عليه السلام، فناداه القوم: إلي أين (يا ابن خوزة) ثكلتك امك؟ فقال: إني أقدم علي رب رحيم و شفيع مطاع، فقال الحسين عليه السلام لاصحابه: من هذا؟ فقيل له: هذا ابن خوزة [461] التميمي، فقال: أللهم جره [462] إلي النار، فاضطرب به فرسه في جدول فوقع و تعلقت رجله اليسري في الركاب و ارتفعت اليمني، و شد علي مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمني فطارت [463] وعدا به فرسه فضرب برأسه كل حجر و كل شجر [464] ، حتي مات و عجل الله بروحه إلي النار، و نشب القتال فقتل من الجميع جماعة [465] .

و قال محمد بن أبي طالب و صاحب المناقب و ابن الاثير في الكامل و رواياتهم متقاربة: إن الحر أتي الحسين عليه السلام فقال: يا ابن رسول الله كنت أول خارج عليك فأذن لي لاكون أول قتيل بين يديك، و أول من يصافح جدك غدا، و إنما قال الحر: لاكون أول قتيل بين يديك و المعني يكون أول قتيل من المبارزين و إلا فإن جماعة كانوا قد قتلوا في الحملة الاولي كما ذكر، فكان أول من تقدم إلي براز القوم، و جعل ينشد و يقول: إني أنا الحر و مأوي الضيف أضرب في أعناقكم بالسيف عن خير من حل بأرض الخيف أضربكم و لا أري من حيف و روي أن الحر لما الحق بالحسين عليه السلام قال رجل من تميم يقال له يزيد بن سفيان: أما و الله لو لحقته لاتبعته السنان، فبينما هو يقاتل و إن فرسه لمضروب علي اذنيه و حاجبيه و إن الدماء لتسيل إذ قال الحصين: يا يزيد هذا الحر الذي كنت تتمناه، قال: نعم، فخرج إليه فما لبث الحر أن قتله و قتل أربعين فارسا و راجلا، فلم يزل يقاتل حتي عرقب فرسه و بقي راجلا و هو يقول: إني أنا الحر و نجل الحر أشجع من ذي لبد هزبر و لست بالجبان عند الكر لكنني الوقاف عند الفر ثم لم يزل يقاتل حتي قتل رحمه الله فاحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتي


وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام و به رمق، فجعل الحسين عليه السلام يمسح وجهه و يقول: أنت الحر كما سمتك امك، و أنت الحر في الدنيا، و أنت الحر في الآخرة، ورثاه من أصحاب الحسين عليه السلام و قيل بل رثاه علي بن الحسين عليهما السلام: لنعم الحر حربني رياح صبور عند مختلف الرماح و نعم الحر إذ نادي حسينا فجاد بنفسه عند الصياح فيا ربي أضفه في جنان و زوجه مع الحور الملاح و روي أن الحر كان يقول: آليت لا اقتل حتي أ قتلا أضربهم بالسيف ضربا معضلا لاناقلا عنهم و لا معللا لا عاجزا عنهم و لا مبدلا أحمي الحسين الماجد المؤملا [466] و قال المفيد " ره ": فاشترك في قتله أيوب بن مسرح و رجل آخر من فرسان أهل الكوفة.

انتهي كلامه.

[467] و قال ابن شهر اشوب: قتل نيفا و أربعين رجلا منهم.

[468] و قال ابن نما: و رويت بإسنادي أنه قال للحسين عليه السلام: لما وجهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي: أبشر يا حر بخير، فالتفت فلم أر أحدا، فقلت: و الله ما هذه بشارة و أنا أسير إلي الحسين عليه السلام، و ما أحدث نفسي باتباعك، فقال عليه السلام: لقد أصبت أجرا و خيرا.

[469] ثم قالوا: و كان كل من أراد الخروج ودع الحسين عليه السلام و قال: السلام عليك يا ابن رسول الله، فيجيبه: و عليك السلام و نحن خلفك، و يقرأ صلوات الله عليه: " فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلو تبديلا " [470] .

ثم برز بريز بن خضير الهمداني بعد الحر و كان من عبد الله الصالحين فبرز و هو يقول:


أنا برير و أبي خضير ليث يروع الاسد عند الزأر يعرف فينا الخير أهل الخير أضربكم و لا أري من ضير كذاك فعل الخير من برير و جعل يحمل علي القوم و هو يقول: اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين، اقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين، اقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول رب العالمين و ذريته الباقين، و كان برير أقرأ أهل زمانه، فلم يزل يقاتل حتي قتل ثلاثين رجلا، فبرز إليه رجل يقال له: يزيد بن معقل فقال لبرير: أشهد أنك من المضلين، فقال له برير: لم فلندع الله أن يلعن الكاذب منا، و أن يقتل المحق منا مبطل، فتصاولا فضرب يزيد لبرير ضربة خفيفة لم يعمل شيئا، و ضربه برير ضربة قدت المغفر، و وصلت إلي دماغه، فسقط قتيلا.

قال: فحمل رجل من أصحاب ابن زياد فقتل بريرا رحمة الله عليه و كان يقال لقاتله، بخير بن أوس الضبي فجال في ميدان الحر و جعل يقول: سلي تخبري عني و أنت ذميمة غداة حسين و الرماح شوارع ألم آت أقصي ما كرهت و لم يحل غداة الوغي و الروع ما أنا صانع معي مزني لم تخنه كعوبه و أبيض مشحوذ الغرارين قاطع فجردته في عصبة ليس دينهم كديني و إني بعد ذاك لقانع و قد صبروا للطعن و الضرب حسرا و قد جالدوا لو أن ذلك نافع فأبلغ عبيد الله إذ ما لقيته بأني مطيع للخليفة سامع قتلت بريرا ثم جلت لهمه غداة الوغي لما دعي من يقارع قال: ثم ذكر له بعد ذلك أن بريرا كان من عباد الله الصالحين و جاءه ابن عم له و قال: ويحك يا بحير قتلت برير بن خضير فبأي وجه تلقي ربك غدا؟ فندم الشقي و أنشأ يقول: فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم و لا جعل النعماء عند ابن جائر


لقد كان ذاعارا علي و سبة يعير بها الابناء عند المعاشر فيا ليت إني كنت في الرحم حيضة و يوم حسين كنت ضمن المقابر فياسوأتا ماذا أقول لخالقي و ما حجتي يوم الحساب القماطر ثم برز من بعده وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي و قد كانت معه يومئذ، فقالت: قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله، فقال: أفعل يا أماه و لا اقصر، فبرز و هو يقول: إن تنكروني فأنا ابن الكلب سوف تروني و ترون ضربي و حملتي و صولتي في الحرب أدرك ثأري بعد ثأر صحبي و أدفع الكرب أمام الكرب ليس جهادي في الوغي باللعب ثم حمل فلم يزل يقاتل حتي قتل منهم جماعة فرجع إلي امه و إمرأته فوقف عليهما فقال: يا أماه أرضيت؟ فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام فقالت إمرأته: لا تفجعني في نفسك! فقالت امه: يا بني لا تقبل قولها و أرجع فقاتل بين يدي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله فيكون غذا في القيامة شفيعا لك بين يدي الله، فرجع قائلا: إني زعيم لك أم وهب بالطعن فيهم تارة و الضرب ضرب غلام مؤمن بالرب حتي يذيق القوم مر الحرب إني امرؤ ذو مرة و عصب [471] و لست بالخوار عند النكب حسبي إلهي من عليم حسبي فلم يزل يقاتل حتي قتل تسعة عشر فارسا و اثني عشر راجلا، ثم قطعت يداه فأخذت إمرأته [472] عمودا و أقبلت نحوه و هي تقول: فداك أبي أمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلي الله عليه و آله فأقبل كي يردها إلي النساء فأخذت بجانب ثوبه، و قالت: لن أعود أو أموت معك.

فقال الحسين عليه السلام: جزيتم من أهل بيتي خيرا ارجعي إلي النساء رحمك الله، فانصرفت و جعل يقاتل حتي قتل رضوان الله عليه، قال: فذهبت إمرأته تمسح الدم


عن وجهه فبصربها شمر، فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه فشدخها و قتلها، و هي أول إمرأة قتلت في عسكر الحسين عليه السلام.

و رأيت حديثا أن و هبا هذا كان نصرانيا فأسلم هو و امه علي يد الحسين، فقتل في المبارزة أربعة و عشرين راجلا و اثني عشر فارسا ثم اخذ أسيرا فاتي به عمر بن سعد فقال: ما أشد صولتك؟ ثم أمر فضرب عنقه و رمي برأسه إلي عسكر الحسين عليه السلام فأخذت امه الرأس فقبلته ثم رمت بالرأس إلي عسكر ابن سعد فأصابت به رجلا فقتلته، ثم شدت بعمود الفسطاط فقتلت رجلين، فقال لها الحسين عليه السلام: ارجعي يا ام وهب أنت و ابنك مع رسول الله صلي الله عليه و آله فإن الجهاد مرفوع عن النساء، فرجعت و هي تقول: إلهي لا تقطع رجائي، فقال لها الحسين عليه السلام: لا يقطع الله رجاك يا ام وهب.

ثم برز من بعده عمرو بن خالد الازدي و هو يقول: إليك يا نفس إلي الرحمان فأبشري بالروح و الريحان اليوم تجزين علي الاحسان قد كان منك غابر الزمان ما خط في اللوح لدي الديان لا تجزعي فكل حي فان و الصبر أحظي لك بالاماني يا معشر الازد بني قحطان ثم قاتل حتي قتل رحمة الله عليه [473] .

و في المناقب: ثم تقدم ابنه خالد بن عمرو و هو يرتجز و يقول: صبرا علي الموت بني قحطان كي ما تكونوا في رضي الرحمان ذي المجد و العزة و البرهان وذي العلي و الطول و الاحسان يا أبتا قد صرت في الجنان في قصر رب حسن البنيان [474] ثم تقدم فلم يزل يقاتل حتي قتل رحمه الله.

و قال محمد بن أبي طالب: ثم برز من بعده سعد بن حنظلة التميمي و هو


يقول: صبرا علي الاسياف و الاسنة صبرا عليها لدخول الجنة و حور عين ناعمات هنه لمن يريد الفوز لا بالظنة يا نفس للراحة فاجهدنه و في طلاب الخير فارغبنه ثم حمل و قاتل قتالا شديدا ثم قتل رضوان الله عليه.

و خرج من بعده عمير بن عبد الله المذحجي و هو يرتجز و يقول: قد علمت سعد وحي مذحج أني لدي الهيجاء ليث مخرج أعلو بسيفي هامة المدجج و أترك القرن لدي التعرج فريسة الضبع الازل الاعرج و لم يزل يقاتل حتي قتله مسلم الضبابي و عبد الله البجلي.

ثم برز من بعده مسلم بن عوسجة - رضي الله عنه - و هو يرتجز: إن تسألوا عني فإني ذولبد من فرع قوم من ذري بني أسد فمن بغانا حائد عن الرشد و كافر بدين جبار صمد ثم قاتل قتالا شديدا.

[475] و قال المفيد (ره) و صاحب المناقب بعد ذلك: و كان نافع بن هلال البجلي يقاتل قتالا شديدا و يرتجز و يقول: أنا ابن هلال البجلي [476] أنا علي دين علي و دينه دين النبي فبرز إليه رجل من بني قطيعة، و قال المفيد: هو مزاحم بن حريث، فقال: أنا علي دين عثمان، فقال له نافع: أنت علي دين الشيطان فحمل عليه نافع فقتله.

فصاح عمرو بن الحجاج بالناس: يا حمقي أ تدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر، و أهل البصائر، و قوما مستميتين، لا يبرز (ن) منكم لهم أحد إلا


قتلوه علي قلتهم، و الله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم، فقال [له] عمر بن سعد لعنه الله: (صدقت) الرأي ما رأيت، فأرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم، و قال: لو خرجتم إليهم وحدانا لاتوا عليكم مبارزة.

ودنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسين عليه السلام و قال: يا أهل الكوفة ألزموا طاعتكم و جماعتكم و لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف الامام، فقال الحسين عليه السلام: يا ابن الحجاج أعلي تحرض الناس؟ أنحن مرقنا من الدين و أنتم ثبتم عليه؟ و الله لتعلمن أينا المارق من الدين و من هو أولي بصلي النار.

ثم حمل عمرو بن الحجاج لعنه الله في ميمنة من نحو الفرات، فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة، و انصرف عمرو و أصحابه و انقطعت الغبرة فإذا مسلم صريع [477] .

و قال محمد بن أبي طالب: فسقط إلي الارض و به رمق فمشي إليه الحسين عليه السلام و معه حبيب بن مظاهر، فقال له الحسين عليه السلام: رحمك الله يا مسلم " فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا " [478] .

ثم دنا منه حبيب فقال: يعز علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة، فقال له قولا ضعيفا: بشرك الله بخير، فقال له حبيب: لو لا أعلم أني في الاثر لاحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك، فقال مسلم: فإني أو صيك بهذا و أشار إلي الحسين عليه السلام فقاتل دونه حتي تموت، فقال حبيب: لا نعمتك عينا ثم مات رضي الله عنه.

قال: و صاحت جارية له: يا سيداه، يا ابن عوسجتاه، فنادي أصحاب ابن سعد مستبشرين: قتلنا مسلم بن عوسجة، فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله: ثكلتكم أمهاتكم أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم و تذلون عزكم، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة؟! أما و الذي أسلمت له لرب موقف له في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتام خيول المسلمين.

ثم حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة، فثبتوا له و قاتلهم أصحاب الحسين


عليه السلام قتالا شديدا و إنما هم اثنان و ثلاثون فارسا، فلا يحملون علي جانب من أهل الكوفة إلا كشفوهم، فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير في خمسمأة من الرماة، فاقتتلوا [479] حتي دنوا من الحسين عليه السلام و أصحابه، فرشقوهم بالنبل فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم و قاتلوهم حتي انتصف النهار، و اشتد القتال و لم يقدروا أن يأتوهم إلا من جانب واحد لاجتماع أبنيتهم و تقارب بعضها من بعض، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوضوها عن أيمانهم و (عن) شمائلهم ليحيطوا بهم، و أخذ الثلاثة و الاربعة من أصحاب الحسين عليه السلام يتخلون فيشدون علي الرجل يعرض و ينهب فيرمونه عن قريب فيصرعونه و يقتلونه.

فقال ابن سعد: احرقوها بالنار فأضرموا فيها، فقال الحسين عليه السلام: دعوهم يحرقوها فإنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم، فكان كما قال صلوات الله عليه.

و قيل: أتاه شبث بن ربعي و قال: أفزعنا النساء ثكلتك امك، فاستحيا و أخذوا لا يقاتلونهم إلا من وجه واحد، و شد أصحاب زهير بن القين فقتلوا أبا عذرة الضبابي من أصحاب شمر، فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين عليه السلام الواحد و الاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم و يقتل من أصحاب عمر العشرة فلا يبين ذلك فيهم لكثرتهم.

فلما رأي ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك و لا و الله لا تقتل حتي اقتل دونك و أحب أن ألقي الله ربي و قد صليت هذه الصلاة، فرفع الحسين رأسه إلي السماء و قال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، نعم هذا أول وقتها، ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتي نصلي فقال الحصين بن نمير: أنها لا تقبل، فقال حبيب بن مظاهر: لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله و تقبل منك يا ختار [480] ، فحمل عليه الحصين بن نمير و حمل عليه جيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس و وقع عنه الحصين فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه، فقال الحسين عليه السلام لزهير بن القين و سعيد [481] بن عبد الله: تقدما أمامي حتي


أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتي صلي بهم صلاة الخوف.

و روي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين عليه السلام، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلما أخذ الحسين عليه السلام يمينا و شمالا قام بين يديه، فما زال يرمي به حتي سقط إلي الارض و هو يقول: أللهم العنهم لعن عاد و ثمود، أللهم أبلغ نبيك السلام عني و أبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك، ثم مات رضي الله عنه فوجد به ثلاثة عشر سهما سوي ما به من ضرب السيوف و طعن الرماح [482] .

و قال ابن نما: و قيل: صلي الحسين عليه السلام و أصحابه فرادي بالايماء، ثم قالوا: ثم خرج عبد الرحمن بن عبد الله اليزني و هو يقول: أنا ابن عبد الله من آل يزن ديني علي دين حسين و حسن أضربكم ضرب فتي من اليمن أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن ثم حمل فقاتل حتي قتل [483] .

و قال السيد " ره ": فخرج عمرو بن قرظة الانصاري فاستأذن الحسين عليه السلام فأذن له، فقاتل قتال المشتاقين إلي الجزاء، و بالغ في خدمة سلطان السماء، حتي قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد و جمع بين سداد و جهاد، و كان لا يأتي إلي الحسين عليه السلام سهم إلا اتقاه بيده، و لا سيف إلا تلقاه بمهجته، فلم يكن يصل إلي الحسين عليه السلام سوء حتي اثخن بالجراح فاتفت إلي الحسين عليه السلام و قال: يا ابن رسول الله أوفيت؟! قال: نعم أنت أمامي في الجنة، فاقرأ رسول الله صلي الله عليه و آله مني [484] السلام، و أعلمه أني في الاثر، فقاتل حتي قتل رضوان الله عليه [485] .

و في المناقب أنه كانه يقول: قد علمت كتيبة الانصار أن سوف أحمي حوزة الذمار ضرب غلام غير نكس شاري دون حسين مهجتي و داري و قال السيد: ثم تقدم جون مولي أبي ذر الغفاري و كان عبدا أسود، فقال له


الحسين عليه السلام: أنت في إذن مني فإنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا، فقال: يا ابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم و في الشدة أخذلكم، و الله إن ريحي لنتن [486] ، و إن حسبي للئيم ولوني لاسود، فتنفس علي بالجنة، فتطيب ريحي، و يشرف حسبي، و يبيض وجهي، لا و الله لا افارقكم حتي يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم.

[487] و قال محمد بن أبي طالب: ثم برز إلي القتال و هو ينشد و يقول: كيف يري الكفار ضرب الاسود بالسيف ضربا عن بني محمد أذب عنهم باللسان و اليد أرجو به الجنة يوم المورد ثم قاتل حتي قتل، فوقف عليه الحسين عليه السلام و قال: أللهم بيض وجهه، و طيب ريحه، و احشره مع الابرار، و عرف بينه و بين محمد و آل محمد.

و روي عن الباقر عليه السلام، عن علي بن الحسين عليهما السلام أن الناس كانوا يحضرون المعركة و يدفنون القتلي، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه [488] .

و قال صاحب المناقب: كان رجزه هكذا: كيف يري الفجار ضرب الاسود بالمشرفي القاطع المهند بالسيف صلتا عن بني محمد أذب عنهم باللسان و اليد أرجو بذاك الفوز عند المورد من الاله الاحد الموحد إذ لا شفيع عنده كأحمد و قال السيد: ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي، فقال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله [جعلت فداك] قد هممت أن ألحق [ب] أصحابي [489] و كرهت أتخلف و أراك وحيدا من [490] أهلك قتيلا، فقال له الحسين عليه السلام: تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة، فتقدم فقاتل حتي قتل.


قال: و جاء حنظلة بن (أ) سعد الشبامي [491] فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام و الرماح و السيوف بوجهه و نحره، و أخذ ينادي: يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الاحزاب مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من بعدهم و ما الله يريد ظلما للعباد، و يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد، يوم تولون مدبرين، مالكم من الله من عاصم، (و) يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب، و قد خاب من افتري [492] .

و في المناقب: فقال له الحسين عليه السلام: يا بن (أ) سعد رحمك الله إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، و نهضوا إليك يشتمونك و أصحابك، فكيف بهم الآن و قد قتلوا إخوانك الصالحين، قال: صدقت جعلت فداك أفلا نروح إلي ربنا فنلحق بإخواننا؟ فقال له: رح إلي ما هو خير لك من الدنيا و ما فيها، و إلي ملك لا يبلي.

فقال: السلام عليك يا بن رسول الله، صلي الله عليك و علي أهل بيتك، و جمع بيننا و بينك في جنته قال: آمين آمين، ثم استقدم فقاتل قتالا شديدا فحملوا عليه فقتلوه رضوان الله عليه [493] .

و قال السيد: فتقدم سويد بن عمر [و] بن أبي المطاع و كان شريفا، كثير الصلاة، فقاتل قتال الاسد الباسل، و بالغ في الصبر علي الخطب النازل، حتي سقط بين القتلي و قد اثخن بالجراح، فلم يزل كذلك و ليس به حراك، حتي سمعهم يقولون: قتل الحسين عليه السلام فتحامل و أخرج سكينا من خفه و جعل يقاتل حتي قتل.

[494] و قال صاحب المناقب: فخرج يحيي بن سليم المازني و هو يرتجز و يقول: لاضربن القوم ضربا فيصلا ضربا شديدا في العداة معجلا


و قالوا [495] : ثم خرج الحجاج بن مسروق و هو مؤذن الحسين عليه السلام و (هو) يقول: أقدم حسينا هاديا مهديا اليوم تلقي جدك النبيا ثم أباك ذا الندا عليا ذاك الذي نعرفه وصيا و الحسين الخير الرضي الوليا و ذا الجناحين الفتي الكميا و أسد الله الشهيد الحيا ثم حمل فقاتل حتي قتل.

ثم خرج من بعده زهير بن القين رضي الله عنه و هو يرتجز و يقول: أنا زهير و أنا ابن القين أذودكم بالسيف عن حسين إن حسينا أحد السبطين من عترة البر التقي الزين ذاك رسول الله المين [496] أضربكم و لا أري من شين يا ليت نفسي قسمت قسمين و قال محمد بن أبي طالب فقاتل بحتي قتل مائة و عشرين رجلا فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي و مهاجز بن أوس التميمي فقتلاه، فقال الحسين عليه السلام حين صرع زهير: لا يبعدك الله يا زهير! و لعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة و خنازير.

ثم خرج سعيد بن عبد الله الحنفي و هو يرتجز: أقدم حسين اليوم تلقي أحمدا و شيخك الخير [497] عليا ذا الندا و حسنا كالبدر وافي الاسعدا و عمك القرم الهمام الا رشدا خمزة ليث الله يدعي أسدا و ذا الجناحين تبوأ مقعدا في جنة الفردوس يعلو صعدا و قال في المناقب: و قيل: بل القائل لهذه الابيات هو سويد بن عمر بن أبي المطاع، قال: فلم يزل يقاتل حتي قتل.


ثم برز حبيب بن مظاهر الاسدي و هو يقول: أنا حبيب و أبي مظاهر [498] فارس هيجاء و حرب تسعر و أنتم عند العديد أكثر و نحن أعلي حجة و أظهر و أنتم عند الوفاء أغدر و نحن أوفي منكم و أصبر حقا و أنمي منكم و أعذر و قاتل قتالا شديدا و قال أيضا: أقسم لو كنا لكم أعدادا أو شطركم وليتم الاكتادا يا شر قوم حسبا و آدا و شرهم قد علموا أندادا ثم حمل عليه رجل من بني تميم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير لعنه الله علي (ام) رأسه بالسيف فوقع و نزل التميمي فاجتز رأسه، فهد مقتله الحسين عليه السلام، فقال: عند الله أحتسب نفسي و حماة أصحابي.

و قيل: بل قتله رجل يقال له: بديل بن صريم، و أخذ رأسه فعلقه في عنق فرسه فلما دخل مكة [499] رآه ابن حبيب و هو غلام مراهق فوثب إليه فقتله و أخذ رأسه.

و قال محمد بن أبي طالب: فقتل اثنين و ستين رجلا فقتله الحصين بن نمير و علق رأسه في عنق فرسه.

ثم برز هلال بن نافع البجلي و هو يقول: أرمي بها معلمة أفواقها و النفس لا ينفعها إشفاقها مسمومة تجري بها أخفاقها ليملان أرضها رشاقها فلم يزل يرميهم حتي فنيت سهامه، ثم ضرب يده إلي سيفه فاستله و جعل يقول:


أنا الغلام اليمني البجلي ديني علي دين حسين و علي إن اقتل اليوم فهذا أملي فذاك رأيي و ألاقي عملي فقتل ثلاثة عشر رجلا فكسروا عضديه واخذ أسيرا، فقام إليه شمر فضرب عنقه.

قال: ثم خرج شاب قتل أبوه في المعركة و كانت امه معه، فقالت له امه: أخرج يا بني و قاتل بين يدي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله، فخرج فقال الحسين عليه السلام: هذا شاب قتل أبوه (في المعركة) و لعل امه تكره خروجه.

فقال الشاب: أمي أمرتني بذلك فبرز و هو يقول: أميري حسين و نعم الامير سرور فؤاد البشير النذير علي و فاطمة والداه فهل تعلمون له من نظير؟ له طلعة مثل شمس الضحي له غرة مثل بدر منير و قاتل حتي قتل وجز رأسه و رمي به إلي عسكر الحسين عليه السلام فحملت امه رأسه و قالت: أحسنت يا بني يا سرور قلبي و يا قرة عيني، ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته و أخذت عمود خيمته و حملت عليهم و هي تقول: أنا عجوز سيدي ضعيفة خاوية بالية نحيفة أضربكم بضربة عنيفة دون بني فاطمة الشريفة و ضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين عليه السلام بصرفها و دعا لها.

و في المناقب: ثم خرج جنادة بن الحارث الانصاري و هو يقول: أنا جناد و أنا ابن الحارث لست بخوار و لا بناكث عن بيعتي حتي يرثني وارث اليوم شلوي في الصعيد ماكث قال: ثم حمل لم يزل يقاتل حتي قتل رحمه الله.

قال: ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة و هو يقول: أضق الخناق من ابن هند و ارمه من عامه [500] بفوارس الانصار


و مهاجرين مخضبين رماحهم تحت العجاجة من دم الكفار خضبت علي عهد النبي محمد فاليوم تخضب من دم الفجار و اليوم تخضب من دماء أراذل رفضوا القرآن لنصرة الاشرار طلبوا بثأرهم ببدر إذ أتوا بالمرهفات و بالقنا الخطار و الله ربي لا أزال مضاربا في الفاسقين بمرهف بتار هذا علي الازدي حق واجب في كل يوم تعانق و كرار قال: ثم خرجم عبد الرحمن بعروة فقال: قد علمت حقا بنو غفار و خندف بعد بني نزار لنضر بن معشر الفجار بكل عضب ذكر بتار يا قوم ذودوا عن بني الاخيار بالمشرفي و القنا الخطار ثم قاتل حتي قتل رحمه الله.

و قال محمد بن أبي طالب: و جاء عابس بن [أبي] شبيب الشاكري و معه شوذب مولي شاكر و قال: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال: ما أصنع! اقاتل حتي اقتل، قال: ذاك الظن بك، فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتي يحتسبك كما احتسب غيرك فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الاجر بكل ما نقدر عليه فإنه لا عمل بعد اليوم و إنما هو الحساب.

فتقدم فسلم علي الحسين عليه السلام و قال: يا أبا عبد الله أما و الله ما أمسي علي وجه الارض قريب و لا بعيد أعز علي و لا أحب إلي منك، و لو قدرت علي أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيء أعز علي من نفسي و دمي لفعلت، السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد أني علي هداك و هدي أبيك، ثم مضي بالسيف نحوهم.

قال ربيع بن تميم: فلما رأيته مقبلا عرفته و قد كنت شاهدته في المغازي و كان أشجع الناس فقلت: أيها الناس، هذا أسد الاسود، هذا ابن [أبي] شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم، فأخذ ينادي: ألا رجل؟.

إلا جل؟ فقال عمر بن سعد إرضخوه بالحجارة من كل جانب فلما رأي ذلك ألقي درعه


و مغفرة ثم شد علي الناس فو الله لقد رأيته [501] يطرد آكثر من مائتين من الناس، ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب، فقتل، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة، هذا يقول: أنا قتلته، و الآخر يقول كذلك، فقال عمر بن سعد: لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد حتي فرق بينهم بهذا القول.

ثم جاءه عبد الله و عبد الرحمن الغفاريان، فقالا: يا أبا عبد الله السلام عليك إنه جئنا لنقتل بين يديك، و ندفع عنك، فقال: مرحبا بكما ادنوا مني، فدنوا منه و هما يبكيان، فقال: يا ابني أخي ما يبكيكما؟ فو الله إني لارجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين، فقالا: جعلنا الله فداك و الله ما علي أنفسنا نبكي و لكن نبكي عليك، نراك قد احيط بك و لا نقدر علي أن ننفعك، فقال عليه السلام: جزاكم الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك و مواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.

ثم استقدما و قالا: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال: و عليكما السلام و رحمة الله و بركاته فقاتلا حتي قتلا.

قال: ثم خرج غلام تركي كان للحسين عليه السلام و كان قارئا للقرآن فجعل يقاتل و يرتجز و يقول: البحر من طعني و ضربي يصطلي و الجو من سهمي و نبلي يمتلي إذا حسمامي في يميني ينجلي ينشق قلب الحاسد المبجل فقتل جماعة ثم سقط صريعا فجاء [ه] الحسين عليه السلام قتكي و وضع خده علي خده ففتح عينه فرأي الحسين فتبسم ثم صار إلي ربه رضي الله عنه.

قال: ثم رماهم يزيد بن زياد بن الشعثاء بثمانية أسهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم و كان كلما رمي قال الحسين عليه السلام: أللهم سدد رميته، و اجعل ثوابه الجنة فحملوا عليه فقتلوه.

و قال ابن نما: حدث مهران مولي بني كاهل قال: شهدت كربلا مع الحسين عليه السلام فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا لا يحمل علي قوم إلا كشفهم ثم يرجع إلي الحسين عليه السلام و يرتجز و يقول:


أبشر هديت الرشد تلقي أحمدا في جنة الفردوس تعلو صعدا فقلت: من هذا؟ فقالوا: أبو عمرو النهشلي، و قيل: الخثعمي، فاعترضه عامر ابن نهشل أحد بني اللات من ثعلبة فقتله و اجتز رأسه، و كان أبو عمرو هذا متهجدا [502] كثير الصلاة.

و خرج يزيد بن مهاجر فقتل خمسة من أصحاب عمر بالنشاب، و صار مع الحسين عليه السلام و هو يقول: أنا يزيد و أبي المهاجر كأنني ليث بغيل خادر [503] يا رب إني للحسين ناصر و لا بن سعد تارك و هاجر [504] و كان يكني أبا الشعثاء من بني بهدلة من كندة.

قال: و جاء رجل فقال أين الحسين؟ فقال: ها أناذا، قال: أبشر بالنار تردها الساعة، قال: ابشر برب رحيم، و شفيع مطاع، من أنت؟ قال: أنا محمد بن الاشعث، قال: أللهم إن كان عبدك كاذبا فخذه إلي النار، و اجعله اليوم آية لاصحابه.

فما هو إلا أن ثني عنان فرسه فرمي به و ثبتت رجله في الركاب فضربه حتي قطعه و وقعت مذاكيره في الارض، فو الله لقد عجبت من سرعة دعائه.

ثم جاء آخر فقال: أين الحسين؟ قال: ها أنا ذا قال: أبشر بالنار، قال: ابشر برب رحيم، و شفيع مطاع، من أنت؟ قال: أنا شمر بن بذي الجوشن، قال الحسين عليه السلام: الله أكبر، قال رسول الله صلي الله عليه و آله: رأيت كأن كلبا أبقع يلغ في [505] دماء أهل بيتي، و قال الحسين عليه السلام: رأيت كأن كلابا تنهشني، وكأن فيها كلبا أبقع كان أشدهم علي و هو أنت و كان أبرص.

[506] و نقلت من الترمذي: قيل للصادق عليه السلام: كم تتأخر الرؤيا؟ فذكر منام رسول الله صلي الله عليه و آله فكان التأويل بعد ستين سنة.

و تقدم سيف بن أبي الحارث بن سريع و مالك بن عبد الله بن سريع


الجابريان بطن من همدان يقال لهم: بنو جابر أمام الحسين عليه السلام ثم التقيا فقالا: السلام عليك يا أبا عبد الله يا ابن رسول الله، فقال: و عليكما السلام، ثم قاتلا حتي قتلا.

ثم قال محمد بن أبي طالب و غيره: و كان يأتي الحسين الرجل بعد الرجل فيقول: السلام عليك يا ابن رسول الله، فيجيبه الحسين عليه السلام و يقول: و عليك السلام و نحن خلفك، ثم يقرأ " فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر " [507] حتي قتلوا عن اخرهم رضوان الله علهيم و لم يبق مع الحسين عليه السلام إلا أهل بيته.

و هكذا يكون المؤمن يؤثر دينه علي دنياه، و موته علي حياته في سبيل الله، [و] ينصر الحق و إن قتل، قال سبحانه: " و لا تحسبن الدين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون " [508] .

و لما وقف رسول الله صلي الله عليه و آله علي شهداء احد و فيهم حمزة رضي الله عنه و قال: أنا أشهد علي هؤلاء القوم زملوهم [509] بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة و أوداجهم تشخب دما فاللون لون الدم و الريح ريح المسك.

و لما قتل أصحاب الحسين عليه السلام و لم يبق إلا أهل بيته، و هم ولد علي، و ولد جعفر، و ولد عقيل، و ولد الحسن، و ولده عليه السلام اجتمعوا يودع بعضهم بعضا، و عزموا علي الحرب، فأول من برز من أهل بيته عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب [510] عليه السلام و هو يرتجز و يقول: اليوم ألقي مسلما و هو أبي و فتية بادوا علي دين النبي ليسوا بقوم عرفوا بالكذب لكن خيار و كرام النسب من هاشم السادات أهل الحسب


و قال محمد بن أبي طالب: فقاتل حتي قتل ثمانية و تسعين رجلا في ثلاث حملات ثم قتله عمرو بن صبيح الصيدواي و أسد بن مالك [511] .

و قال أبو الفرج: عبد الله بن مسلم، امه رقية بنت علي بن أبي طالب قتله عمرو بن صبيح فيما ذكرناه عن المدائني و عن حميد بن مسلم، و ذكر أن السهم أصابه و هو واضع يده علي جبينه فأثبته في راحته و جبهته، و محمد بن مسلم بن عقيل امه ام ولد قتله فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أبو جرهم [512] الازدي و لقيط بن إياس الجهني [513] .

و قال محمد بن أبي طالب و غيره: ثم خرج من بعده جعفر بن عقيل و هو يرتجز و يقول: أنا الغلام الابطحي الطالبي من معشر في هاشم و غالب و نحن حقا سادة الذوائب هذا حسين أطيب الاطائب من عترة البر التقي العاقب فقتل خمسة عشر فارسا.

[514] و قال ابن شهر اشوب: و قيل قتل رجلين ثم قتله بشر بن سوط الهمداني.

[515] و قال أبو الفرج: امه ام الثغر بنت عامر العامري، قتله عروة بن عبد الله الخثعمي فيما رويناه عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، و عن حميد بن مسلم [516] .

و قالوا: ثم خرج من بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل و هو يقول: أبي عقيل فاعرفوا مكاني من هاشم و هاشم إخواني كهول صدق سادة الاقران هذا حسين شامخ البنيان و سيد الشيب مع الشبان فقتل سبعة عشر فارسا ثم قتله عثمان بن خالد الجهني.


و قال أبو الفرج: و عبد الله بن عقيل [517] بن أبي طالب امه أم ولد [و] قتله عثمان ابن خالد بن أشيم [518] الجهني لعنه الله و بشر بن حوط القائضي، [519] فيما ذكر سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، و عبد الله الاكبر بن عقيل امه ولد قتله - فيما ذكر المدائني - عثمان بن خالد الجهني، و رجل من همدان و لم يذكر عبد الرحمن أصلا.

ثم قال: و محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب الاحول، و امه أم ولد، قتله لقيط بن ياسر الجهني، رماه بسهم فيما رويناه عن المدائني، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم.

و ذكر محمد بن علي بن حمزة أنه قتل معه جعفر بن محمد بن عقيل و وصف أنه قد سمع أيضا من يذكر أنه قد قتل يوم الحرة.

و قال أبو الفرج: [و ما رأيت] في كتب [520] الانساب لمحمد بن عقيل ابنا يسمي جعفرا، و ذكر أيضا محمد بن علي بن حمزة، عن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب أن علي بن عقيل، و امه ام ولد قتل يومئذ [521] .

ثم قالوا: و خرج من بعده محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و هو يقول: نشكو إلي الله من العدوان قتال قوم في الردي عميان [522] قد تركوا معالم القرآن و محكم التنزيل و التبيان و أظهروا الكفر مع الطغيان ثم قاتل حتي قتل عشرة أنفس، ثم قتله عامر بن نهشل التميمي.

ثم خرج من بعده عون بن عبد الله بن جعفر و هو يقول: إن تنكروني فأنا ابن جعفر شهيد صدق في الجنان أزهر يطير فيها بجناح أخضر كفي بهذا شربفا في المحشر ثم قاتل حتي قتل من القوم ثلاثة فوارس و ثمانية عشر راجلا، ثم قتله عبد الله


ابن بطة الطائي.

قال أبو الفرج بعد ذكر قتل محمد و عون: و إن عونا قتله عبد الله بن قطنة التيهاني.

و عبيد الله بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ذكر يحيي بن الحسن فيما أخبرني أحمد بن سعيد عنه أنه قتل مع الحسين عليه السلام بالطف [523] .

ثم قال أبو الفرج و محمد بن أبي طالب و غيرهما: ثم خرج من بعده عبد الله ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام و في أكثر الروايات أنه القاسم بن الحسن و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم فلما نظر الحسين عليه السلام إليه قد برز اعتنقه (طويلا) و جعلا يبكيان حتي غشي عليهما، ثم استأذن الحسين عليه السلام في المبارزة فأبي الحسين عليه السلام أن يأذن له فلم يزل الغلام يقبل يديه و رجليه حتي أذن له، فخرج و دموعه تسيل علي خديه و هو يقول: إن تنكروني فأنا ابن الحسن سبط النبي المصطفي و المؤتمن هذا حسين كالاسير المرتهن بين أناس لا سقوا صوب المزن و كان وجهه كفلقة القمر، فقاتل قتالا شديدا حتي قتل علي صغره خمسة و ثلاثين رجلا.

قال حميد: كنت في عسكر ابن سعد فكنت أنظر إلي هذا الغلام عليه قميص و إزار و نعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسي أنه كان اليسري، فقال عمر [و] بن سعيد [524] الازدي: و الله لاشدن عليه، فقلت: سبحان الله و ما تريد بذلك؟ و الله لو ضربني ما بسطت إليه يدي، يكفيك [525] هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه، قال: و الله لافعلن فشد عليه فما ولي حتي ضرب رأسه بالسيف و وقع الغلام لوجهه، و نادي: يا عماه.

قال: فجاء الحسين عليه السلام كالصقر المنقض فتخلل الصفوف و شد (عليه) شدة الليث الحرب فضرب عمرا قاتله بالسيف، فاتقاه بيده فأطنها من المرفق فصاح ثم تنحي عنه، و حملت خيل أهل الكوفة ليسنقذوا عمرا من الحسين عليه السلام، فاستقبلته


بصدورها، و جرحته بحوافرها، و وطأته حتي مات [526] ، فانجلت الغبرة فإذا بالحسين عليه السلام قائم علي رأس الغلام و هو يفحص برجله، فقال الحسين عليه السلام: يعز و الله علي عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يغني عنك، بعدا لقوم فتلوك.

ثم احتمله و كأني أنظر إلي رجلي الغلام يخطان في الارض، و قد وضع صدره علي صدره، فقلت في نفسي: ما يصنع؟ فجاء حتي ألقاه بين القتلي من أهل بيته، ثم قال: أللهم أحصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تغادر منهم أحدا، و لا تغفر لهم أبدا، صبرا يا بني عمومتي، صبرا يا أهل بيتي، لا رأيتم هوانا بعد هذا [527] اليوم أبدا.

ثم خرج عبد الله بن الحسن - الذي ذكرناه أولا و هو الاصح - أنه برز بعد القاسم و هو يقول: إن تنكروني فأنا ابن حيدرة ضرغام آجام و ليث قسورة علي الاعادي مثل ريح صرصرة فقتل أربعة عشر رجلا ثم قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي فاسود وجهه [528] .

قال أبو الفرج: كان أبو جعفر الباقر عليه السلام يذكر أن حرملة بن كاهل الاسدي قتله، و روي عن هانئ بن ثبيت القائضي أن رجلا منهم قتله.

ثم قال: و أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، و امه ام ولد.

ذكر المدائني: في إسنادنا عنه، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد أن عبد الله بن عقبة الغنوي قتله، و في حديث عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أن عقبة الغنوي قتله [529] .


قالوا: [530] ثم تقدم إخوة الحسين عليه السلام عازمين علي أن يموتوا دونه، فأول من خرج منهم أبو بكر بن علي و اسمه عبيد الله [531] ، و امه ليلي بنت مسعود بن خالد بن ربعي التميمية فتقدم و هو يرتجز: شيخي علي ذو الفخار الاطول من هاشم الصدق الكريم المفضل هذا حسين بن النبي المرسل عنه نحامي بالحسام المصقل تفديه نفسي من أخ مبجل فلم يزل يقاتل حتي قتله زحر بن بدر النخعي، و قيل: عبد الله بن عقبة الغنوي [532] .

قال أبو الفرج: لا يعرف اسمه.

و ذكر أبو جعفر الباقر عليه السلام في الاسناد الذي تقدم أن رجلا من همدان قتله.

و ذكر المدائني: أنه وجد في ساقية مقتولا لا يدري من قتله [533] .

قالوا: ثم برز من بعده أخوه عمر بن علي و هو يقول: أضربكم و لا أري فيكم زحر ذاك الشقي بالنبي قد كفر يا زحر يا زحرتدان من عمر لعلك اليوم تبوأ من سقر شر مكان في حريق و سعر لانك الجاحد يأشر البشر ثم حمل علي زحر قاتل أخيه فقتله، و استقبل القوم و جعل يضرب بسيفه ضربا منكرا و هو يقول: خلوا عداة الله خلوا عن عمر خلوا عن الليث العبوس المكفهر يضربكم بسيفه و لا يفر و ليس فيها كالجبان المنجحر فلم يزل يقاتل حتي قتل.

ثم برز من بعده أخوه عثمان بن علي، و امه ام البنين بنت حزام بن خالد من بني كلاب و هو يقول:


إني أنا عثمان ذو المفاخر شيخي علي ذو الفعال الظاهر و ابن عم للنبي الطاهر أخي حسين خيرة الاخاير و سيد الكبار و الاصاغر بعد الرسول و الوصي الناصر فرماه خولي بن يزيد الاصبحي علي جبينه فسقط عن فرسه، وجز رأسه رجل من بني أبان بن حازم [534] .

قال أبو الفرج: قال يحيي بن الحسن، عن علي بن إبراهيم، عن عبيد الله بن الحسن [535] و عبد الله بن العباس قالا: قتل عثمان بن علي و هو ابن إحدي و عشرين سنة.

و قال الضحاك بإسناده: إن خولي بن يزيد رمي عثمان بن علي بسهم فأسقطه [536] ، و شد عليه رجل من بني أبان (بن) دارم (فقتله،) و أخذ رأسه، و روي عن علي عليه السلام أنه قال: إنما سميته بإسم أخي عثمان بن مظعون [537] .

أقول: و لم يذكر أبو الفرج عمر بن علي في المقتولين يومئذ.

قالوا: ثم برز من بعده أخوه جعفر بن علي، و امه ام البنين أيضا، و هو يقول: إني أنا جعفر ذو المعالي ابن علي الخير ذو النوال حسبي بعمي شرفا و خالي أحمي حسينا ذاالندي المفضال ثم قاتل [538] فرماه خولي الاصبحي فأصاب شقيقته أو عينه.

ثم برز أخوه عبد الله بن علي و هو يقول: أنا ابن ذي النجدة و الافضال ذاك علي الخير ذو الفعال سيف رسول الله ذو النكال في كل قوم ظاهر الاهوال فقتله هانئ بن ثبيت الحضرمي.

[539] قال أبو الفرج: حدثني أحمد بن سعيد، عن يحيي بن الحسن، عن علي بن إبراهيم، عن عبيد الله بن الحسن و عبد الله بن العباس قالا: قتل عبد الله بن علي بن أبي طالب عليه السلام و هو ابن خمس و عشرين سنة و لا عقب له، و قتل جعفر بن علي و هو


ابن تسع عشرة سنة.

حدثني أحمد بن عيسي، عن حسين بن نصر، علي أبيه، عن عمر بن سعد، عن أبي مخنف، عن عبد الله بن عاصم، عن الضحاك المشرقي قال: قال العباس بن علي لاخيه من أبيه و امه عبد الله بن علي: تقدم بين يدي حتي أراك و أحتسبك فإنه لا ولد لك، فتقدم بين يديه و شد عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقتله.

و بهذا الاسناد: أن العباس بن علي عليهما السلام قدم أخاه جعفرا بين يديه فشد عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي [الذي قتل أخاه] [540] فقتله.

و قال نصر بن مزاحم: حدثني عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر محمد ابن علي أن خولي بن يزيد الاصبحي قتل جعفر بن علي عليه السلام.

ثم قال: و محمد الاصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام، و امه ام ولد.

حدثني، أحمد بن عيسي، عن حسين بن نصر، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، و حدثني أحمد بن أبي شيبة، عن أحمد بن الحارث، عن المدائني أن رجلا من تميم من بني أبان بن دارم قتله رضوان الله عليه.

قال: و قد ذكر محمد بن علي بن حمزة أنه قتل يومئذ إبراهيم بن علي بن أبي طالب عليه السلام، و امه ام ولد.

و ما سمعت بهذا من غيره و لا رأيت لابراهيم في شيء من كتب الانساب ذكرا، و ذكر يحيي بن الحسن أن أبا بكر بن عبيد الله الطلحي حدثه عن أبيه أن عبيد الله بن علي [541] قتل مع الحسين عليه السلام، و هذا خطأ و إنما قتل عبيد الله يوم المذار [542] قتله أصحاب المختار و قد رأيته بالمذار [543] .

و قال: كان العباس بن علي يكني أبا الفضل، و امه ام البنين أيضا و هو أكبر ولدها، و هو آخر من قتل من إخوته لابيه و امه فحاز مواريثهم تقدم فقتل، فورثهم و إياه عبيد الله و نازعه في ذلك عمه عمر بن علي فصولح علي شيء ارضي به.

و كان العباس رجلا و سيما جميلا يركب الفرس المطهم و رجلاه يخطان في


الارض، و كان يقال له: قمربني هاشم، و كان لواء الحسين عليه السلام معه [يوم قتل] .

حدثني أحمد بن سعيد، عن يحيي بن الحسن، عن بكر بن عبد الوهاب، عن ابن و أبي أويس، عن أبيه، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: عبأ الحسين بن علي أصحابه فأعطي رأيته أخاه العباس.

حدثني أحمد بن عيسي، عن حسين بن نصر، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أن زيد بن رقاد و حكيم بن الطفيل الطائي قتلا العباس بن علي، و كانت أم البنين أم هؤلاء الاربعة الاخوة القتلي تخرج إلي البقيع فتندب بنيها أشجي ندبة و أحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها، فكان مروان يجئ فيمن يجئ لذلك، فلا يزال سمع ندبتها و يبكي.

ذكر ذلك محمد بن علي بن حمزة، عن النوفلي، عن حماد بن عيسي الجهني، عن معاوية بن عمار، عن جعفر بن محمد عليهما السلام.

[544] قالوا: و كان العباس السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه السلام و هو أكبر الاخوان، مضي يطلب الماء فحملوا عليه و حمل عليهم و جعل يقول: لا أرهب الموت إذا الموت رقا حتي أواري في المصاليت لقي نفسي لنفس المصطفي الطهروقا إني أنا العباس أغدو بالسقا و لا أخاف الشر يوم الملتقي ففرقهم فكمن له زيد بن ورقاء [545] من وراء نخلة و عاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه علي يمينه فأخذ السيف بشماله و حمل و هو يرتجز: و الله إن قطعتم يميني إني احامي أبدا عن ديني و عن إمام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الامين فقاتل حتي ضعف، فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي [546] من وراء نخلة فضربه علي شماله فقال:


يا نفس لا تخشي من الكفار و أبشري برحمة الجبار مع النبي السيد المختار قد قطعوا ببغيهم يساري فأصلهم يا رب حر النار فضربه ملعون بعمود من حديد فقتله فلما رآه الحسين عليه السلام صريعا علي شاطئ الفرات بكي و أنشأ يقول: تعديتم يا شر قوم ببغيكم و خالفتم دين النبي محمد أما كان خير الرسل أوصاكم بنا؟ أما نحن من نجل النبي المسدد؟ أما كانت الزهراء أمي دونكم؟ أما كان من خير البرية أحمد؟ لعنتم و اخزيتم بما قد جنيتم فسوف تلاقوا حر نار توقد أقول: في بعض تأليفات أصحابنا أن العباس لما رأي وحدته عليه السلام أتي أخاه و قال: يا أخي هل من رخصة؟ فبكي الحسين عليه السلام بكاء شديدا ثم قال: يا أخي أنت صاحب لوائي و إذا مضيت تفرق عسكري [547] ، فقال العباس: قد ضاق صدري و سئمت من الحياة و أريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين.

فقال الحسين عليه السلام: فاطلب لهؤلاء الاطفال قليلا من الماء، فذهب العباس و وعظهم و حذرهم فلم ينفعهم فرجع إلي أخيه فأخبره فسمع الاطفال ينادون: العطش العطش! فركب فرسه و أخذ رمحه و القرية و قصد نحو الفرات فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات، و رموه بالنبال فكشفهم و قتل منهم علي ما روي ثمانين رجلا حتي دخل الماء.

فلما أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين عليه السلام و أهل بيته، فرمي الماء و ملا القربة و حملها علي كتفه الايمن، و توجه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق و أحاطوا به من كل جانب، فحاربهم حتي ضربه نوفل الازرق علي يده اليمني


فقطعها، و حمل القربة علي كتفه الايسر فضربه نوفل فقطع يده اليسري من الزند، فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة و أريق ماؤها، ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره، فانقلب عن فرسه و صاح إلي أخيه الحسين عليه السلام: أدركني، فلما أتاه رآه صريعا فبكي و حمله إلي الخيمة.

ثم قالوا: و لما قتل العباس عليه السلام قال الحسين عليه السلام: الآن انكسر ظهري و قلت حيلتي [548] .

قال ابن شهر اشوب: ثم برز القاسم بن الحسن [549] و هو يرتجز: إن تنكروني فأنا ابن حيدرة ضرغام آجام و ليث قسورة علي الاعادي مثل ريح صرصرة أكيلكم بالسيف كيل السندرة [550] و ذكر هذا بعد أن ذكر القاسم بن الحسن سابقا و فيه غرابة [551] .

قالوا: ثم تقدم علي بن الحسين عليهما السلام.

و قال محمد بن أبي طالب و أبو الفرج: و امه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، و هو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة [552] .

و قال ابن شهر اشوب: و يقال: ابن خمس و عشرين سنة.

[553] قالوا: و رفع الحسين عليه السلام سبابته نحو السماء و قال: أللهم اشهد علي هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك، كنا إذا اشتقنا إلي نبيك نظرنا إلي وجهه، أللهم امنعهم بركات الارض، و فرقهم تفريقا، و مزقهم تمزيقا، و اجعلهم طرائق قددا، و لا ترض الولاة عنهم أبدا، فأنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا.

ثم صاح الحسين عليه السلام بعمر بن سعد: مالك؟ قطع الله رحمك، و لا بارك الله


لك في أمرك، و سلط عليك من يذبحك بعدي علي فراشك كما قطعت رحمي و لم تحفظ قرابتي من رسول الله صلي الله عليه و آله، ثم رفع الحسين عليه السلام صوته و تلا: " إن الله اصطفي آدم و نوحا وال إبراهيم و آل عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم " [554] .

ثم حمل علي بن الحسين عليهما السلام علي القوم و هو يقول: أنا علي بن الحسين بن علي من عصبة جد أبيهم النبي و الله لا يحكم فينا ابن الدعي أطعنكم بالرمح حتي ينثني أضربكم بالسيف أحمي عن أبي ضرب غلام هاشمي علوي فلم يزل يقاتل حتي ضج الناس من كثرة من قتل منهم.

و روي أنه قتل علي عطشه مائة و عشرين رجلا، ثم رجع إلي أبيه و قد أصابته جراحات كثيرة، فقال: يا أبه العطش قد قتلني، ثقل الحديد أجهدني، فهل إلي شربة من ماء سبيل أتقوي بها علي الاعداء؟ فبكي الحسين عليه السلام و قال: يا بني يعز علي محمد صلي الله عليه و آله و علي علي بن أبي طالب و علي أن تدعوهم فلا يجيبوك، و تستغيث بهم فلا يغيثوك، يا بني هات لسانك، فأخذ [ب] لسانه فمصه و دفع إليه خاتمه، و قال عليه السلام: أمسكه في فيك و أرجع إلي قتال عدوك فإني أرجو أنك لا تمسي حتي يسقيك جدك بكأسه الاوفي شربة لا تظمأ بعدها أبدا، فرجع إلي القتال و هو يقول: الحرب قد بانت له الحقائق و ظهرت من بعدها مصادق و الله رب العرش لا نفارق جموعكم أو تغمد البوارق فلم يزل يقاتل حتي قتل تمام المائتين، ثم ضربه منقذ بن مرة العبدي [555] لعنه الله علي مفرق رأسه ضربة صرعته، و ضربه الناس بأسيافهم، ثم اعتنق صلوات الله عليه فرسه فاحتمله الفرس إلي عسكر الاعداء فقطعوه بسيوفهم إربا إربا.


فلما بلغت الروح التراقي قال رافعا صوته: يا أبتاه هذا جدي رسول الله صلي الله عليه و آله قد سقاني بكأسه الاوفي شربة لا أظمأ بعدها أبدا و هو يقول: العجل العجل فإن لك كأسا مذخورة حتي تشربها الساعة، فصاح الحسين عليه السلام و قال: قتل الله قوما قتلوك، ما أجرأهم علي الرحمن و علي رسوله، و علي انتهاك حرمة الرسول، (بني) علي الدنيا بعدك العفا.

قال حميد بن مسلم: فكأني أنظر إلي إمرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل و الثبور و تقول: يا حبيباه يا ثمرة فؤاداه، يا نور عيناه! فسألت عنها، فقيل: هي زينب بنت علي عليهما السلام، و جاءت و انكبت عليه فجاء الحسين عليه السلام و أخذ بيدها فردها إلي الفسطاط، و أقبل صلوات الله عليه بفتيانه، و قال: احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتي وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

[556] و قال المفيد و ابن نما بعد ذلك: ثم رمي رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له: عمرو بن صبيح عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم فوضع عبد الله يده علي جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه و نفذ إلي جبهته فسمرها به، فلم يستطع تحريكها، ثم انحني عليه [557] آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله.

و حمل عبد الله بن قطبة الطائي علي عن بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام فقتله، و حمل عامر بن نهشل التميمي علي محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام فقتله، و شد عثمان بن خالد الهمداني علي عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقتله [558] .

و قال أبو الفرج في المقاتل: حدثني أحمد بن سعيد، عن يحيي بن الحسن، عن بكر بن عبد الوهاب، عن إسماعيل بن أبي زياد بن إدريس، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام: إن أول قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه علي عليه السلام.


و حدثني أحمد بن سعيد، عن يحيي بن الحسن، عن واحد، عن محمد بن أبي عمير [559] ، عن أحمد بن عبد الرحمن البصري، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن سعيد بن ثابت قال: لما برز علي بن الحسين عليهما السلام إليهم، أرخي الحسين عليه السلام عينيه فبكي ثم قال: أللهم فكن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم غلام أشبه الخلق [560] برسول الله صلي الله عليه و آله، فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلي أبيه فيقول: يا أبه العطش، فيقول له الحسين عليه السلام: اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتي يسقيك رسول الله صلي الله عليه و آله بكأسه، و جعل يكر كرة بعد كرة، حتي رمي بسهم فوقع في حلقه فخرقه و أقبل يتقلب في دمه ثم نادي: يا أبتاه عليك السلام هذا جدي رسول الله صلي الله عليه و آله يقرؤك السلام و (هو): يقول: عجل القدوم علينا [561] ، و شهق شهقة فارق الدنيا عليه السلام [562] .

قال أبو الفرج: علي بن الحسين هذا هو الاكبر و لا عقب له، و يكني أبا الحسن، و امه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، و هو أول من قتل في الوقعة، و إياه عني معاوية في الخبر الذي حدثني به محمد بن محمد بن سليمان، عن يوسف بن موسي القطان، عن جرير، عن مغيرة قال: قال معاوية: من أحق الناس بهذا الامر؟ قالوا: أنت، قال: لا، أولي الناس بهذا الامر علي بن الحسين بن علي عليهم السلام جده رسول الله صلي الله عليه و آله، و فيه شجاعة بني هاشم، و سخاء بني أمية، و زهو ثقيف.

و قال يحيي بن الحسن العلوي: و أصحابنا الطالبيون يذكرون أن المقتول لام ولد، و عن الذي امه ليلي هو جدهم، و ولد في خلافة عثمان.

[563] ثم قالوا: و خرج غلام من تلك الابنية و في اذنيه درتان و هو مذعور، فجعل يلتفت يمينا و شمالا و قرطاه يتذبذبان، فحمل عليه هانئ بن ثبيت لعنه الله فقتله، فصارت شهر بانوا تنظر إليه و لا تتكلم كالمدهوشة.

ثم التفت الحسين عليه السلام عن يمينه فلم ير أحدا من الرجال، و التفت عن يساره


فلم ير أحدا، فخرج علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام و كان مريضا لا يقدر أن يقال سيفه، وام كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع، فقال: يا عمتاه ذريني اقاتل بين يدي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله: يا ام كلثوم خذيه لئلا تبقي الارض خالية من نسل آل محمد صلي الله عليه و آله.

و لم فجع الحسين عليه السلام بأهل بيته و ولده، و لم يبق غيره و غير النساء و الذراري نادي: هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلي الله عليه و آله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟ و ارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدم إلي باب الخيمة فقال: ناولوني عليا ابني الذفل حتي أودعه، فناوولوه الصبي [564] .

و قال المفيد " ره ": دعا ابنه عبد الله [565] .

قالوا: فجعل يقبله و هو يقول: ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدك محمد المصطفي خصمهم، و الصبي في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الاسدي لعنه الله بسهم فذبحه في حجر الحسين عليه السلام، فتلقي الحسين عليه السلام دمه حتي امتلات كفه ثم رمي به إلي السماء.

و قال السيد: ثم قال: هون علي ما نزل بي أنه بعين الله.

قال الباقر عليه السلام: فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلي الارض [566] .

قالوا: ثم قال: لا يكون أهون عليك من فصيل، أللهم إن كنت حبست عنا النصر، فاجعل ذلك لما هو خير لنا.

أقول: و في بعض الكتب أن الحسين عليه السلام لما نظر إلي اثنين و سبعين رجلا من أهل بيته صرعي، التفت إلي الخيمة، و نادي: يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا ام كلثوم! عليكن مني السلام، فنادته سكينة: يا أبه استسلمت للموت؟ فقال: كيف لا يستسلم من لا ناصر له و لا معين، فقالت: يا أبه ردنا إلي حرم جدنا فقال: هيهات


لو ترك القطا لنام، فتصارخن النساء فسكتهن الحسين عليه السلام و حمل علي القوم [567] .

و قال أبو الفرج: و عبد الله بن الحسين عليه السلام و امه الرباب بنت امرئ القيس و هي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسين عليه السلام: لعمرك إنني لاحب دارا تكون بها سكينة و الرباب أحبهما و أبذل جل مالي و ليس لعاتب عندي عتاب و سكينة التي ذكرها ابنته من الرباب، و اسم سكينة أمينة، و إنما غلب عليها سكينة، و ليس باسمها.

و كان عبد الله يوم قتل صغيرا جاءته نشابة و هو في حجر أبيه فذبحته.

حدثني أحمد بن شبيب، عن أحمد بن الحارث، عن المدائني، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال: دعا الحسين عليه السلام بغلام فأقعده في حجره فرماه عقبة بن بشر فذبحه.

و حدثني محمد بن الحسين الاشناني بإسناده عمن شهد الحسين عليه السلام قال: كان معه ابن له صغير فجاء سهم فوقع في نحره، قال: فجعل الحسين عليه السلام يمسح [568] الدم من نحر [ه و] لبته فيرمي به إلي السماء فما رجع منه قطرة [569] و يقول: أللهم لا يكون أهون عليك من فصيل.

[570] ثم قالوا: ثم قام الحسين عليه السلام و ركب فرسه و تقدم إلي القتال و هو يقول: كفر القوم و قد ما رغبوا عن ثواب الله رب الثقلين قتلوا القوم عليا و ابنه حسن الخير كريم الابوين حنقا منهم و قالوا أجمعوا (و) احشر و الناس إلي حرب الحسين يا لقوم من أناس رذل جمع الجمع لاهل الحرمين ثم صاروا و تواصوا كلهم باجتياحي لرضاء الملحدين لم يخافوا الله في سفك دمي لعبيدالله نسل الكافرين


و ابن سعد قد رماني عنوة بجنود كوكوف الهاطلين لالشئ كان مني قبل ذا فخري بضياء النيرين بعلي الخير من بعد النبي و النبي القرشي الوالدين خيرة الله من الخلق أبي ثم أمي فأنا ابن الخيرتين [571] فضة قد خلصت من ذهب فأنا الفضة بين [572] الذهبين من له جد كجدي في الوري أو كشيخي فأنا ابن العلمين فاطم الزهراء أمي و أبي قاصم الكفر ببدر و حنين عبد الله غلاما يافعا و قريش يعبدون الوثنين يعبدون اللات و العزي معا و علي كان صلي القبلتين فأبي شمس و أمي قمر فأنا الكوكب و ابن القمرين و له في يوم احد وقعة شفت الغل بفض العسكرين ثم في الاحزاب و الفتح معا كان فيها حتف أهل الفيلقين في سبيل الله ماذا صنعت امة السوء معا بالعترتين [573] عترة البر النبي المصطفي و علي الورد يوم الجحفلين ثم وقف صلوات الله عليه قبالة القوم و سيفه مصلت في يده آئسا من الحياة، عازما علي الموت، و هو يقول: أنا ابن علي الطهر من آل هاشم كفاني بهذا مفخرا حين أفخر وجدي رسول الله أكرم من مضي و نحن سراج الله في الارض [574] نزهر و فاطم أمي من سلالة أحمد و عمي يدعي ذا الجناحين جعفر وفينا كتاب الله أنزل صادقا وفينا الهدي و الوحي بالخير يذكر و نحن أمان الله للناس كلهم نسر بهذا في الانام و نجهر و نحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا بكأس رسول الله ما ليس ينكر و شيعتنا في الناس أكرم شيعة و مبغضنا يوم القيامة يخسر [575] .


أقول: روي في الاحتجاج أنه لما بقي فردا ليس معه إلا ابنه علي بن الحسين عليهما السلام، و ابن آخر في الرضاع اسمه عبد الله، أخذ الطف ليودعه، فإذا بسهم قد أقبل حتي وقع في لبة الصبي فقتله، فنزل عن فرسه و حفر للصبي بجفن سيفه، و رمله بدمه و دفنه، ثم وثب قائما و هو يقول إلي آخر الابيات [576] .

و قال محمد بن أبي طالب: و ذكر أبو علي السلامي في تأريخه أن هذه الابيات للحسين عليه السلام من إنشائه، و قال: ليس لاحد مثلها: فإن تكن الدنيا تعد نفيسة فإن [577] ثواب الله أعلي و أنبل و إن يكن الابدان للموت أنشأت فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل و إن يكن الارزاق قسما مقدرا فقلة سعي المرء في الكسب أجمل و إن تكن الاموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل ثم إنه عليه السلام دعا الناس إلي البراز، فلم يزل يقتل كل من دنا منه من عيون الرجال، حتي قتل منهم مقتلة عظيمة، ثم حمل علي الميمنة، و قال: " الموت خير من ركوب العار " ثم علي الميسرة و هو يقول: أنا الحسين بن علي آليت أن لا أنثني أحمي عيالات أبي أمضي علي دين النبي [578] قال المفيد و السيد و ابن نما " رحمهم الله ": و اشتد العطش بالحسين عليه السلام فركب المسناة يريد الفرات، و العباس أخوه بين يديه، فاعترضه خيل ابن سعد، فرمي رجل من بني دارم الحسين عليه السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف، فانتزع صلوات الله عليه السهم، و بسط يديه [579] تحت حنكه حتي امتلات راحتاه من الدم، ثم رمي به، و قال: أللهم إني أشكو إليك ما يفعل بإبن بنت نبيك، ثم اقتطعوا العباس عنه، و أحاطوا به من كل جانب حتي قتلوه، و كان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي و حكيم ابن الطفيل السنبسي، فبكي الحسين عليه السلام لقتله بكاء شديدا [580] .


قال السيد: ثم إن الحسين عليه السلام دعا الناس إلي البراز، فلم يزل يقتل كل من برز إليه، حتي قتل مقتلة عظيمة، و هو في ذلك يقول: القتل أولي من ركوب العار و العار أولي من دخول النار قال بعض الرواة: فو الله ما رأيت مكثورا [581] قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه [582] أربط جأشا منه، و إن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه، فتنكشف عنه انكشاف المعزي إذا شد فيها الذئب، و لقد كان يحمل فيهم و قد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع إلي مركزه، و هو يقول: لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم [583] .

و قال ابن شهرآشوب و محمد بن أبي طالب: و لم يزل يقاتل حتي قتل ألف رجل و تسعمأة رجل و خمسين رجلا سوي المجروجين، فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم، أ تدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الانزع البطين، هذا ابن قتال العرب، فاحملوا عليه من كل جانب، و كانت الرماة أربعة آلاف، فرموه بالسهام، فحالوا بينه و بين رحله [584] .

و قال ابن أبي طالب و صاحب المناقب و السيد: فصاح بهم: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم، و ارجعوا إلي أحسابكم إن [585] كنتم عربا [586] .

فناداه شمر فقال: ما تقول يا ابن فاطمة؟ قال: أقول: أنا الذي اقاتلكم و تقاتلوني، و النساء ليس عليهم جناح، فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا، فقال شمر: لك هذا، ثم صاح شمر: إليكم عن حرم الرجل فاقصدوه في نفسه، فلعمري لهو كفو كريم، قال: فقصده القوم و هو في ذلك يطلب شربة من ماء، فكلما حمل بفرسه علي الفرات حملوا عليه بأجمعهم، حتي


أجلوه عنه [587] .

و قال ابن شهرآشوب: روي أبو مخنف، عن الجلودي أن الحسين عليه السلام حمل علي الاعور السلمي و عمرو بن الحجاج الزبيدي و كانا في أربعة آلاف رجل علي الشريعة، و أقحم الفرس علي الفرات، فلما أولغ [588] الفرس ليشرب، قال عليه السلام: أنت عطشان و أنا عطشان، و الله لاذقت [589] الماء حتي تشرب، فلما سمع الفرس كلام الحسين عليه السلام شال رأسه و لم يشرب، كأنه فهم الكلام، فقال الحسين عليه السلام: (اشرب) فأنا أشرب، فمد الحسين عليه السلام يده فغرف من الماء، فقال فارس: يا أبا عبد الله تتلذذ بشرب الماء و قد هتكت حرمك [590] ، فنفض الماء من يده و حمل علي القوم فكشفهم، فإذا الخيمة سالمة [591] .

و قال أبو الفرج: قال: و جعل الحسين عليه السلام يطلب الماء، و شمر لعنه الله يقول له: و الله لا ترده أوتر النار، فقال له رجل: ألا تري الفرات يا حسين كأنه بطون الحيات [592] ، و الله لا تذوقه أو تموت عطشا، فقال الحسين عليه السلام: أللهم أمته عطشا، قال: و الله لقد كان هذا الرجل يقول: اسقوني ماء فيؤتي بماء فيشرب حتي يخرج من فيه، ثم [593] يقول: اسقوني قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتي مات [594] .

فقالوا: ثم رماه رجل من القوم يكني أبو الحتوف الجعفي لعنه الله بسهم فوقع السهم في جبهته، فنزع من جبهته، فسالت الدماء علي وجهه و لحيته، فقال صلوات الله عليه: أللهم إنك تري ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، أللهم أحصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تذر علي وجه الارض منهم أحدا، و لا تغفر لهم أبدا.

ثم حمل عليهم كالليث المغضب، فجعل لا يلحق منهم أحدا إلا بعجه [595] بسيفه


فقتله، و السهام تأخذه من كل ناحية و هو يتقيها بنحره و صدره و يقول: يا امة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد الله فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي، و أيم الله إني لارجو أن يكرمني ربي بالشهادة بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.

قال: فصاح به الحصين بن مالك السكوني، فقال: يا ابن فاطمة و بما ذا ينتقم لك منا؟ قال: يلقي بأسكم بينكم و يسفك دماءكم ثم يصب عليكم العذاب الاليم.

ثم لم يزل يقاتل حتي أصابته جراحات عظيمة.

و قال صاحب المناقب و السيد: حتي أصابته اثنتان و سبعون جراحه [596] .

و قال ابن شهرآشوب: قال أبو مخنف عن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام قال: وجدنا بالحسين عليه السلام ثلاثا و ثلاثين طعتة، و أربعا و ثلاثين ضربة.

و قال الباقر عليه السلام: اصيب الحسين عليه السلام و وجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح، [أ] و ضربة بسيف، أو رمية بسهم، و روي: ثلاثمائة و ستون جراحة، و قيل: ثلاث و ثلاثون ضربة سوي السهام، و قيل: ألف و تسعمأة جراحة، و كانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ.

و روي أنها كانت كلها في مقدمه [597] .

قالوا: فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه، فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في صدره - و في بعض الروايات: علي قلبه - فقال الحسين عليه السلام: " بسم الله و بالله و علي ملة رسول الله صلي الله عليه و آله " و رفع رأسه إلي السماء و قال: إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس علي وجه الارض ابن نبي غيره، ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه، فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده علي الجرح، فلما امتلات رمي به إلي السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة، و ما عرفت الحمرة في السماء حتي رمي الحسين عليه السلام بدمه إلي السماء، ثم وضع يده ثانيا، فلما امتلات لطخ بها رأسه و لحيته، و قال:


هكذا أكون حتي ألقي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و أنا مخضوب بدمي، و أقول: يا رسول الله قتلني فلان و فلان.

ثم ضعف عن القتال فوقف، فكلما أتاه رجل و انتهي إليه انصرف عنه حتي جاءه رجل من كندة يقال له: مالك بن اليسر لعنه الله، فشتم الحسين عليه السلام و ضربه بالسيف علي رأسه و عليه برنس فامتلا دما، فقال له الحسين عليه السلام: لا أكلت بها و لا شربت و حشرك الله مع الظالمين، ثم ألقي البرنس و لبس قلنسوة و اعتم عليها و قد أعيا، و جاء الكندي و أخذ البرنس و كان من خز، فلما قدم بعد الوقعة علي إمرأته فجعل يغسل الدم عنه، فقالت له إمرأته: أ تدخل بيتي بسلب ابن رسول الله صلي الله عليه و آله؟ أخرج عني، حشا الله قبرك نارا، فلم يزل بعد ذلك فقيرا بأسوء حال، و يبست يداه، و كانتا في الشتاء ينضحان دما، و في الصيف تصير ان يا بستين كأنهما عودان [598] .

و قال المفيد و السيد: فلبثوا هنيئة، ثم عادوا إليه و أحاطوا به فخرج عبد الله ابن الحسن بن علي عليهما السلام و هو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتي وقف إلي جنب الحسين عليه السلام، فلحقته زينب بنت علي لتحبسه، فقال الحسين عليه السلام: احبسيه يا اختي! فأبي و امتنع امتناعا شديدا، و قال: لا و الله لا افارق عمي، و أهوي بحر [599] بن كعب - و قيل: حرملة بن كاهل - إلي الحسين عليه السلام بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يا ابن الخبيثة، أ تقتل عمي؟ فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام بيده، فأطنها إلي الجلد، فإذا هي معلقة، فنادي الغلام: يا عماه [600] ، فأخذه الحسين عليه السلام فضمه إليه، و قال: يا ابن أخي اصبر علي ما نزل بك، و احتسب في ذلك الخير، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين [601] .

قال السيد (ره): فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه، و هو في حجر عمه


الحسين عليه السلام.

ثم إن شمر بن ذي الجوشن حمل علي فسطاط الحسين عليه السلام فطعنه بالرمح ثم قال: علي بالنار أحرقه علي من فيه، فقال له الحسين عليه السلام: يا ابن ذي الجوشن، أنت الداعي بالنار لتحرق علي أهلي! أحرقك الله بالنار، و جاء شبث فوبخه، فاستحيا و انصرف.

قال: و قال الحسين عليه السلام: ابعثوا [602] إلي ثوبا لا يرغب فيه، اجعله تحت ثيابي، لئلا اجرد فاتي بتبان [603] ، فقال: لا، ذاك لباس من ضربت عليه بالذلة، فأخذ ثوبا خلقا فخرقه و جعله تحت ثيابه - فلما قتل جردوه منه - ثم استدعي الحسين عليه السلام بسراويل من حبرة ففزرها [604] و لبسها، و إنما فزرها [605] لئلا يسلبها، فلما قتل سلبها بحر بن [606] كعب و تركه مجردا، فكانت يد (ا) بحر [607] بعد ذلك ييبسان في الصيف كأنهما عودان [يابسان] ، و يترطبان في الشتاء فينضحان دما و قيحا إلي أن أهلكه الله تعالي.

قال: و لما أثخن بالجراح و بقي كالقنفذ، طعنه صالح بن وهب المزني [608] علي خاصرته طعنة، فسقط عن فرسه إلي الارض علي خده الايمن [و هو يقول: بسم الله و بالله و علي ملة رسول الله] [609] صلوات الله عليه.

قال: و خرجت زينب من الفسطاط و هي تنادي: وا أخاه واسيداه وا أهل بيتاه، ليت السماء اطبقت علي الارض، وليت الجبال تدكدكت علي السهل، [و] قال: و صاح شمر [بأصحابه] : ما تنتظرون بالرجل؟ فحملوا عليه من كل جانب، فضربه زرعة بن شريك علي كتفه [اليسري] ، و ضرب الحسين عليه السلام زرعة فصرعه، و ضربه آخر علي عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها لوجهه، و كان قد أعيا، و جعل ينوء و يكبو، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثم انتزع الرمح فطعنه في


بواني [610] صدره، ثم رماه سنان أيضا بسهم فوقع السهم في نحره فسقط عليه السلام و جلس قاعدا، فنزع السهم من نحره و قرن كفيه جميعا و كلما امتلاتا من دمائه خضب بهما رأسه و لحيته، و [هو] يقول: هكذا حتي ألقي الله مخضبا بدمي، مغصوبا علي حقي.

فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه: أنزل ويحك إلي الحسين فأرحه، فبدر إليه خولي بن يزيد الاصبحي ليجتز [611] رأسه فارعد، فنزل إليه سنان بن أنس النخعي فضربه بالسيف في حلقه الشريف، و هو يقول: و اله إني لاجتز [612] رأسك و أعلم أنك ابن رسول الله و خير الناس أبا و اما، ثم اجتز [613] رأسه المقدس المعظم صلي الله عليه و سلم و كرم.

و روي أن سنانا هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة، ثم قطع يديه و رجليه و أغلي له قدرا فيها زيت و رماه فيها و هو يضطرب [614] .

و قال ابن شهرآشوب: أنشأ [615] عليه السلام يوم الطف " كفر القوم و قد ما رغبوا " إلي آخر ما مر من الابيات [616] و زاد فيما بينها من الابيات: فاطم الزهراء أمي و أبي وارث الرسل و مولي الثقلين طحن الابطال لما برزوا يوم بدر و بأحد و حنين و أخو خيبر إذ بارزهم بحسام صارم ذي شفرتين و الذي أردي [617] جيوشا أقبلوا يطلبون الوتر في يوم حنين من له عم كعمي جعفر وهب الله له أجنحتين جدي المرسل مصباح الهدي و أبي الموفي له بالبيعتين بطل قرم هزبر ضيغم ماجد سمح قوي الساعدين عروة الدين علي ذاكم صاحب الحوض مصلي القبلتين مع رسول الله سبعا كاملا ما علي الارض مصل ذين ترك الاوثان لم يسجد لها مع قريش مذ نشا طرفة عين


و أبي كان هزبرا ضيغما يأخذ الرمح فيطعن طعنتين كتمشي الاسد بغيا فسقوا كأس حتف من نجيع الحنظلين [618] و قال صاحب المناقب و محمد بن أبي طالب: و لما ضعف صلوات الله عليه نادي شمر لعنه الله: ما وقوفكم؟ و ما تنتظرون [619] بالرجل؟ قد أثخنته الجراح و السهام احملوا عليه ثكلتكم أمهاتكم، فحملوا عليه من كل جانب، فرماه الحصين بن تميم في فيه، و أبو أيوب الغنوي بسهم في حلقه، و ضربه زرعة بن شريك التميمي، و كان قد طعنه سنان بن أنس النخعي في صدره، و طعنه صالح بن وهب المزني علي خاصرته، فوقع عليه السلام إلي الارض علي خده الايمن، ثم استوي جالسا و نزع السهم من حلقه، ثم دنا عمر بن سعد من الحسين عليه السلام.

قال حميد: و خرجت زينب بنت علي و قرطاها يجولان بين اذنيها و هي تقول: ليت السماء انطبقت علي الارض، يا عمر بن سعد أ يقتل أبو عبد الله و أنت تنظر إليه؟ و دموع عمر تسيل علي خديه و لحيته و هو يصرف وجهه عنها، و الحسين عليه السلام جالس و عليه جبة خز، و قد تحاماه الناس، فنادي شمر: ويلكم ما تنتظرون به؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم، فضربه زرعة بن شريك فأبان كفه اليسري ثم ضربه علي عاتقه، ثم انصرفوا عنه و هو يكبو مرة و يقوم اخري.

فحمل عليه سنان في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه، و قال لخولي بن يزيد: اجتز رأسه، فضعف و ارتعدت يده، فقال له سنان: فت الله عضدك، أبان يدك، فنزل إليه شمر لعنه الله و كان اللعين أبرص، فضربه برجله فألقاه علي قفاه ثم أخذ بلحيته فقال الحسين عليه السلام: أنت الابقع الذي رأيتك في منامي، فقال: أتشبهني بالكلاب؟ ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليه السلام و هو يقول: أقتلك اليوم و نفسي تعلم علما يقينا ليس فيه مزعم و لا مجال لا و لا تكتم إن أباك خير من تكلم و روي في المناقب: بإسناده عن عبد الله بن ميمون، عن محمد بن عمرو بن


الحسن قال: كنا مع الحسين عليه السلام بنهر كربلا، و نظر إلي شمر بن ذي الجوشن و كان أبرص، فقال: الله أكبر الله أكبر، صدق الله و رسوله، قال رسول الله صلي الله عليه و آله: كاني أنظر إلي كلب أبقع يلغ في دم أهل بيتي.

ثم قال: فغضب عمر بن سعد لعنه الله ثم قال الرجل عن يمينه: أنزل ويحك إلي الحسين عليه السلام فأرحه، فنزل إليه خولي بن يزيد الاصبحي لعنه الله فاجتز رأسه.

و قيل: بل جاء إليه شمر لعنه الله وسنان بن أنس و الحسين عليه السلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش، و يطلب الماء، فرفسه شمر لعنه الله برجله، و قال: يا بن أبي تراب ألست تزعم أن أباك علي حوض النبي صلي الله عليه و آله يسقي من أحبه؟ فاصبر حتي تأخذ الماء من يده، ثم قال لسنان: اجتز رأسه قفاء، فقال سنان: و الله لا أفعل فيكون جده محمد خصمي.

فغضب شمر لعنه الله و جلس علي صدر الحسين عليه السلام و قبض لحيته و هم بقتله، فضحك الحسين عليه السلام فقال له: أ تقتلني و لا تعلم من أنا؟ فقال: أعرفك حق المعرفة، امك فاطمة الزهراء، و أبوك علي المرتضي، وجدك محمد المصطفي، و خصمك العلي الاعلي، أقتلك و لا أبالي، فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة، ثم جز رأسه صلوات الله و سلامه عليه، و لعن الله قاتله و مقاتله و السائرين إليه بجموعهم [620] .

و قال ابن شهرآشوب: روي أبو مخنف، عن الجلودي أنه كان صرع الحسين عليه السلام فجعل فرسه يحامي عنه، و يثب علي الفارس فيخبطه عن سرجه، و يدوسه، حتي قتل الفرس أربعين رجلا، ثم تمرغ في دم الحسين عليه السلام و قصد نحو الخيمة و له صهيل عال و يضرب بيديه الارض [621] .

و قال السيد رضي الله عنه: فلما قتل صلوات الله عليه ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة، فيها ريح حمراء، لا تري فيها عين و لا أثر، حتي ظن القوم أن العذاب قد جاء هم، فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم و روي هلال بن نافع قال: إني لواقف [622] مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ


صارخ: أبشر أيها الامير فهذا شمر قد قتل الحسين، قال: فخرجت بين الصفين فوقفت عليه و إنه ليجود بنفسه، فو الله ما رأيت قط قتيلا مضمخا [623] بدمه أحسن منه و لا أنور وجها، و لقد شغلني نور وجهه و جمال هيبته [624] عن الفكر في قتله، فاستسقي في تلك الحالة ماء، فسمعت رجلا يقول: [و الله] لا تذوق الماء حتي ترد الحامية، فتشرب من حميمها، فسمعته يقول: أنا أرد الحامية فأشرب من حميمها [625] ؟ بل أرد علي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و أسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر، و أشرب من ماء، و أشكو إليه ما ارتكبتم مني و فعلتم بي، قال: فغضبوا بأجمعهم حتي كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئا، فاجتزوا [626] رأسه و إنه ليكلمهم، فتعجبت من قلة رحمتهم و قلت: و الله لا اجامعكم علي أمر أبدا.

قال: ثم أقبلوا علي سلب الحسين عليه السلام فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي فلبسه فصار أبرص و امتعط [627] شعره.

و روي أنه وجد في فميصه مائة و بضع عشرة ما بين رمية و طعنة [628] و ضربة.

و قال الصادق عليه السلام: وجد بالحسين عليه السلام ثلاث و ثلاثون طعنة و أربع و ثلاثون ضربة، و أخذ سراويله بحر بن كعب التميمي [629] ، و روي أنه صار زمنا مقعدا من رجليه و أخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي، و قيل: جابر بن يزيد الاودي فاعتم بها فصار معتوها، و في رواية السيد: فصار مجذوما، و أخذ درعه مالك ابن بشير الكندي فصار معتوها.

فقال السيد: و أخذ نعليه [630] الاسود بن خالد، و أخذ خاتمه بجدل بن سليم


الكلبي فقطع إصبعه مع الخاتم، و هاذ أخذه المختار فقطع يديه و رجليه و تركه يتشحط في دمه حتي هلك، و أخذ قطيفة له عليه السلام كانت من خز قيس بن الاشعث، و أخذ درعه البتراء عمربن سعد، فلما قتل عمربن سعد وهبها المختار لابي عمرة قاتله [بسيفه] ، و أخذ سيفه جميع بن الخلق الازدي [631] ، و يقال: رجل من بني تميم يقال له: الاسود بن حمظلة.

و في رواية ابن سعد أنه أخذ سيفه القلافس [632] النهشلي، و زاد محمد ابن زكريا أنه وقع بعد ذلك إلي بنت الحبيب بن بديل، و هذا السيف المنهوب [المشهور] ليس بذي الفقار، و إن ذلك كان مذخورا و مصونا مع أمثاله من ذخائر النبوة و الامامة، و قد نقل الرواة تصديق ما قلناه و صورة ما حكيناه.

قال: و جاءت جارية من ناحية [م] خيم الحسين عليه السلام فقال لها رجل: يا أمة الله أن سيدك قتل، قالت الجارية: فأسرعت إلي سيدتي و أنا أصيح، فقمن في وجهي و صحن.

قال: و تسابق القوم علي نهب بيوت آل الرسول صلي الله عليه و آله وقرة عين الزهراء البتول، حتي جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها، و خرجن بنات [آل] الرسول صلي الله عليه و آله و حرمه يتساعدن [633] علي البكاء و يندبن لفراق الحماة و الاحباء.

و روي حميد بن مسلم قال: رأيت إمرأة من [بني] بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمربن سعد فلما رأت القوم قد اقتحموا علي نساء الحسين عليه السلام (و) فسطاطهن و هم يسلبونهن أخذت سيفا و أقبلت نحو الفسطاط، و قالت: يا آل بكر ابن وائل أتسلب بنات رسول الله صلي الله عليه و آله؟ لاحكم إلا لله يا لثارات [634] رسول الله، فأخذها زوجها وردها إلي رحله.

قال: ثم أخرجوا النساء من الخيمة، و أشعلوا فيها النار، فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات، يمشين سبايا في أسر الذلة، و قلن: بحق الله إلا مامروتم بنا علي مصرع الحسين عليه السلام، فلما نظرت النسوة إلي القتلي، صحن و ضربن وجوههن.


قال: فو الله لا أنسي زينب بنت علي و هي تندب الحسين عليه السلام و تنادي بصوت حزين و قلب كئيب: وا محمداه صلي عليك مليك [635] السماء، هذا حسين مرمل بالدماء، مقطع الاعضاء، و بناتك سبايا، إلي الله المشتكي، و إلي محمد المصطفي، و إلي علي المرتضي، [و إلي فاطمة الزهراء] و إلي حمزة سيد الشهداء، وا محمداه هذا حسين بالعراء، يسقي عليه [ريح] الصبا، قتيل أولاد البغايا، يا حزناه يا كرباه، اليوم مات جدي رسول الله صلي الله عليه و آله، يا أصحاب محمداه، هؤلاء ذرية المصطفي يساقون سوق السبايا.

و في بعض الروايات: يا محمداه بناتك سبايا، و ذريتك مقتلة، تسفي عليهم ريح الصبا و هذا حسين مجزور [636] الرأس من القفا، مسصلوب العمامة و الرداء، بأبي من [أضحي] عسكره في يوم الاثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطع العري، بأبي من لا هو غائب فيرتجي، و لا جريح فيداوي، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتي قضي، بأبي العطشان حتي مضي، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي من جده رسول إله السماء، بأبي من هو سبط نبي الهدي، بأبي محمد المصطفي، بأبي خديجة الكبري، بأبي علي المرتضي، بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء، بأبي من ردت له [637] الشمس حتي صلي [638] .

قال: فأبكت و الله كل عدو و صديق.

ثم إن سكينة اعتنقت جسد [أبيها] الحسين عليه السلام فاجتمع عدة من الاعراب حتي جروها عنه، قال: ثم نادي عمربن سعد في أصحابه: من ينتدب للحسين عليه السلام فيوطئ الخيل ظهره [و صدره] ، فانتدب منهم عشرة و هم: إسحاق بن حوية الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه، و أخنس بن مرثد، و حكيم بن الطفيل السنبسي، و عمرو [639] بن صبيح الصيدواي، و رجاء بن منقذ العبدي، و سالم بن خثيمة الجعفي، و صالح بن وهب الجعفي و واحظ [640] بن ناعم، و هانئ بن ثبيت الحضرمي، و اسيد بن مالك، فداسواالحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتي رضوا ظهره و صدره.


قال: و جاء هؤلاء العشرة حتي وقفوا علي ابن زياد، فقال اسيد بن ملك - أحد العشرة - شعر: نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الاسر فقال ابن زياد: من أنتم؟ فقالوا: نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتي طحنا جناجن صدره، فأمر لهم بجائزة يسيرة.

قال أبو عمرو الزاهد: فنظرنا إلي [641] هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا، و هؤلاء أخذهم المختار فشد أيديهم و أرجلهم سبح كك الحديد و أوطأ الخيل ظهورهم حتي هلكوا.

[642] أقول: المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنه لم يتيسر لهم ذلك و هو المعتمد و يحتمل أن يكون هذا مرة و ما في الكافي مرة اخري و يؤيده ما سيأتي في الباب الآتي من كتاب النوادر لعلي بن أسباط [643] نقلا عن الباقر عليه السلام.

و قال صاحب المناقب و محمد بن أبي طالب: قتل الحسين عليه السلام باتفاق الروايات يوم عاشورا، عاشر المحرم سنة إحدي و ستين، و هو ابن أربع و خمسين سنة و سنة أشهر نصف.

قالا: و أقتل فرس الحسين عليه السلام و قد عدا من بين أيديهم أن لا يؤخذ، فوضع ناصيته في دم الحسين عليه السلام.

ثم أقبل يركض نحو خيمة النساء، و هو يصهل و يضرب برأسه إلي الارض عند الخيمة حتي مات، فلما نظر (ت) أخوات الحسين عليه السلام و بناته و أهله إلي الفرس ليس عليه أحد، رفعن أصواتهن بالبكاء و العويل، و وضعت ام كلثوم يدها علي ام رأسها و نادت: وا محمداه، واجداه، وا نبياه، و أبا القاسماه، وا علياه، وا جعفراه، وا حمزتاه، وا حسناه، هذا حسين بالعراء، صريع بكربلا، مجزوز الرأس من القفاء، مسلوب العمامة و الرداء، ثم غشي عليها.

فأقبل أعداء الله لعنهم الله حتي أحدقوا بالخيمة، زمعهم شمر لعنه الله فقال:


أدخلوا فاسلبوا بزتهن [644] ، فدخل القوم لعنهم الله و أخذوا ما كان في الخيمة، حتي أفضوا إلي قرط كان في أذن ام كلثوم اخت الحسين عليه السلام فأخذوه و خرموا اذنها، حتي كانت المرأة لتنازع ثوبها علي ظهرها حتي تغلب عليه، و أخذ قيس بن الاشعث لعنه الله قطيفة الحسين عليه السلام فكان يسمي قيس القطيفة، و أخذ نعليه رجل من بني أؤد، يقال له: الاسود، ثم مال الناس علي الورس و الحلي و الحل و الابل فانتهبوها [645] .

أقول: في بعض كتب الاصحاب أن فاطمة الصغري قالت: كنت واقفة ببات الخيمة و أنا أنظر إلي أبي و أصحابه [646] مجززين كالاضاحي علي الرمال، و الخيول علي أجسادهم تجول، و أنا افكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية، أيقتلوننا أو يأسروننا؟ فإذا برجل علي ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه وهن يلذن بعضهن ببعض، و قد اخذ ما عليهن من أخمرة أسورة، وهن يصحن: واجداه، وا أبتاه، و علياه، و أقله ناصراه، وا حسناه، أما من مجير يجيرنا؟ أما من ذائد يذود عنا؟ قالت: فطار فؤادي و ارتعدت فرائصي، فجعلت أجيل بطرفي يمينا و شمالا علي عمتي ام كلثوم خشية منه أن يأتيني.

فبينا أنا علي هذه الحالة، و إذا به قد قصدني ففررت منهزمة، و أنا أظن أني أسلم منه، و إذا به قد تبعني [647] ، فذهلت خشية منه و إذا بكعب الرمح بين كتفي، فسقطت علي وجهي فخرم اذني و أخذ قرطي و مقنعتي، و ترك الدماء تسيل علي خدي، رأسي تصهره الشمس، و ولي راجعا إلي الخيم، و أنا مغشي علي، فإذا أنا بعمتي عندي تبكي و هي تقول: قومي نمضي ما أعلم ما جري علي البنات و أخيك العليل، فقمت و قلت: يا عمتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظار؟ فقالت: يا بنتاه و عمتك مثلك، فرأيت رأسها مكشوفة، و متنها قد اسود من الضرب، فما رجعنا إلي الخيمة إلا و هي قد نهبت و ما فيها، وأخي علي بن الحسين عليهما السلام مكبوب علي وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع و العطش و الاسقام، فجعلنا نبكي عليه و يبكي


علينا.

[648] و قال المفيد " ره ": قال حميد بن مسلم: فانتهينا إلي علي بن الحسين عليهما السلام و هو منبسط علي فراش و هو شديد المرض، و مع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له: ألا نقتل هذا العليل؟ فقلت: سبحان الله أ تقتل الصبيان! إنما هذا صبي و إنه لما به، فلم أزل حتي دفعتهم عنه، و جاء عمر بن سعد فصاحت النساء في وجهه و بكين، فقال لاصحابه: لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النساء و لا تعرضوا لهذا الغلام المريض، فسألته النسوة أن يسترجع [649] ما اخذ منهن ليستترن به، فقال: من أخذ من متاعهن [650] شيئا فليرده [عليهن] ، فو الله ما رد أحد منهم شيئا، فوكل بالفسطاط و بيوت النساء و علي بن الحسين عليهما السلام جماعة ممن كان معه و قال: احفظوهم لئلا يخرج منهم أحد و لا يساء إليهم.

[651] و قال محمد بن أبي طالب: ثم إن عمر بن سعد سرح بأس الحسين عليه السلام يوم عاشورا مع خولي بن يزيد الاصبحي و حميد بن مسلم إلي ابن زياد، ثم أمر برؤوس الباقين من أهل بيته و أصحابه فقطعت و سرح بها مع شمر بن ذي الجوشن إلي الكوفة، و أقام ابن سعد يومه ذلك و غده إلي الزوال فجمع قتلاه فصلي عليهم و دفنهم، و ترك الحسين عليه السلام و أصحابه منبوذين بالعراء، فلما ارتحلوا إلي الكوفة عمد أهل الغاضرية من بني أسد، فصلوا عليهم و دفنوهم.

و قال ابن شهرآشوب: و كانوا يجدون لاكثرهم قبورا و يرون طيورا بيضاء.

[652] و قال محمد بن أبي طالب: و روي أن رؤوس أصحاب الحسين عليه السلام و أهل بيته كانت ثمانية و سبعين رأسا، و اقتسمتها القبائل ليتقربوا بذلك إلي عبيد الله و إلي يزيد، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا، و صاحبهم قيس بن الاشعث، و جاءت هوازن باثني عشر رأسا، و في رواية ابن شهرآشوب: بعشرين، و صاحبهم شمر لعنه الله،


و جاءت تميم بسبعة عشر رأسا و في رواية ابن شهرآشوب: بتسعة عشر، و جاءت بنو أسد بستتة عشر رأسا، و في رواية ابن شهرآشوب: بتسعة رؤوس، و جاءت مذحج بسبعة رؤوس، و جاءت سائر الناس بثلاثة عشر رأسا، و قال ابن شهرآشوب: و جاء سائر الجيش بتسعة رؤوس، و لم يذكر مذحج قال: فذلك سبعون رأسا.

ثم قال: و جاءوا بالحرم أساري إلا شهربانويه فإنها أتلفت [653] نفسها في الفرات.

[654] توضيح: و لنوضح بعض مشكلات ما تقدم في هذا الباب.

قوله: " لو لا تقارب الاشياء " أي قرب الآجال أو إناطة الاشياء بالاسباب بحسب المصالح، أو أنه يصير سببا لتقارب الفرج، و غلبة أهل الحق و لما يأت أوانه، و في بعض النسخ " لو لا تفاوت الاشياء " أي في الفضل و الثواب.

قوله: " فلم يبعد " أي من الخير و النجاح و الفلاح، و قد شاع قولهم: بعدا له و أبعده الله، " و الاغذاذ [655] في السير " الاسراع، و قال الجزري: في حديث أبي قتادة: " فانطلق الناس لا يلوي أحد علي أحد " أي لا يلتفت و لا يعطف عليه، " و ألوي برأسه و لواه " إذا [أ] ماله من جانب إلي جانب انتهي.

" و الوله " الحيرة، و ذهاب العقل حزنا، و المراد هنا شدة الشوق، و قال الفيروز آبادي: " عسل الذئب أو الفرس يعسل عسلا و عسلانا " اضطرب في عدوه و هز رأسه، و العسل الناقة السريعة، و أبو عسله بالكسر الذئب انتهي، أي يتقطعها الذئاب الكثيرة العدو السريعة أو الاعم منه و من سائر السباع، " و الكرش " من الحيوانات كالمعدة للانسان، " و الاجر بة " جمع الجراب و هو الهميان أطلق علي بطونها علي الاستعارة، و لعل المعني أني أصير بحيث يزعم الناس أني أصير كذلك بقرينة قوله


عليه السلام " و هي مجموعة له في حظيرة القدس " فيكون استعارة تمثيلية أو يقال: نسب إلي نفسه المقدسة ما يعرض لاصحابه أو يقال: إنها تصير ابتداء إلي أجوافها لشدة الا بتلاء ثم تنتزع منها و تجتمع في حظيرة القدس، و يقال، انكمش أي أسرع.

قوله: " كأنما علي رؤوسنا الطير " أي بقينا متحيرين لا نتحرك.

قال الجزري: في صفة الصحابة كأنما علي رؤوسهم الطير، وصفهم بالسكون و الوقار، و أنهم لم يكن فيهم طيش و لا خفة، لان الطير لا تكاد تقع إلا علي شيء ساكن انتهي.

" التقويض " نقض من هدم أو هو نزع الاعواد و الاطناب، " و الارقال " ضرب من الخبب، و هو ضرب من العدو، و " هوادي الخيل " أعناقها.

قوله: " كأن أسنتهم اليعاسيب "، و هو جمع يعسوب أمير النحل شبهها في كثرتها بأن كلا منها: كأنه أمير النحل اجتمع عليه عسكره، قال الجزري: في حديث الدجال " فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل " جمع يعسوب أي تظهر له و تظهر له و تجتمع عنده كما تجتمع النحل علي يعاسيبها انتهي، و كذا تشبيه الرايات بأجنحة الطير إنما هو في الكثرة و اتصال بعضها ببعض.

و قال الجوهري: و قولهم هم زهاء مائة أي قدر مأة، قوله: " و رشفوا الخيل " أي اسقوهم قليلا، قال الجوهري: الرشف المص، و في المثل: الرشف أنقع أي إذا ترشفت الماء قليلا قليلا كان أسكن للعطش، " و الطساس " بالكسر جمع الطس و هو لغة في الطست، و لا تغفل عن كرمه عليه السلام حيث أمر بسقي رجال المخالفين و دوابهم، و بخل المخالفين عليهم اللعنة حيث منعوا ماء الفرات عن ابن النبي و لا يمنعوا عن كلابهم.

قوله: " و الراوية عندي السقاية " أي كنت أظن أن مراده بالراوية المزادة التي يسقي به، و لم أعرف أنها تطلق علي البعير، فصرح عليه السلام بذكر الجمل قال الفيروز آبادي: الرواية المزادة فيها الماء، و البعير و البغل و الحمار يستقي عليه، و قال الجزري: فيه نهي عن اختناث الاسقية، " خنثت السقاء " إذا ثنيت فمه إلي خارج و شربت منه و قبعته إذا ثنيته إلي داخل، و " الخميس ": الجيش، " و الوغي ": الحرب، و " العرمرم " الجيش


الكثير، " و الباتر " السيف القاطع، و قال الجوهري: " الجعجعة " الحبس، و كتب عبيد الله بن زياد إلي عمر بن سعد أن جعجع بالحسين عليه السلام، قال الاصمعي: يعني احبسه، و قال ابن الاعرابي: يعني ضيق عليه، و قال: " العراء " بالمد الفضاء لاستربه، قال الله تعالي: " لنبذ بالعراء " [656] و يقال: " مالي به قبل " بكسر القاف أي طاقة، و " الصبابة " بالضم البقية من الماء في الانآء.

و قال الجوهري: " الوبلة " بالتحريك الثقل و الوخامة، و قد وبل المرتع و بلا و وبالا فهو بيل أي وخيم، " و البرم " بالتحريك ما يوجب السامة و الضجر، " و الوثير " الفراش الوطيئ اللين، " و الخمير " الخبز البائت، " و الفتك " أن يأتي الرجل صاحبه و هو غار غافل حتي يشد عليه فيقتله.

و قال البيضاوي: في قوله تعالي: " ولادت حين مناص " [657] أي ليس الحين حين مناص " و لا " هي المشبهة بليس، زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت علي " رب " و " ثم " و خصت بلزوم الاحيان، و حذف أحد المعمولين و قيل: هي النافية للجنس أي و لا حين مناص لهم، و قيل: للفعل، و النصب بإضماره، أي و لا أري حين مناص، و المناص المنجا.

قوله: " قد خشيت " أي ظننت أو علمت، " و كبد السماء " وسطها، " و البغر " بالتحريك داء و عطش، قال الاصمعي: هو عطش يأخذ الابل فتشرب فلا تروي و تمرض عنه فتموت، تقول منه بغر بالكسر " و الزحف " المشي، و " المناجزة " المبارزة و المقاتلة، " و الثمال " بالكسر الغياث، يقال: فلان ثمال قومه أي غياث لهم يقوم بأمرهم، و يقال: حلات الابل عن الماء تحلئة إذا طردتها عنه و منعتها أن ترده، قاله الجوهري.

و قال: تقول " تبا لفلان "، تنصبه علي المصدر بإضمار فعل أي ألزمه الله هلاكا و خسرانا، و " الترح " بالتحريك ضد الفرح، و " المستصرخ " المستغيث " و حششت النار " أحشها أو قدتها.

قوله: " جناها " أي أخذها و جمع حطبها، و في رواية السيد: فأصرخناكم


موجفين، سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم، و حششتم علينا نارا اقتدحناها علي عدوكم و عدونا ".

و قال الجوهري: " ألبت الجيش " إذا جمعته، و تألبوا تجمعوا، و هم ألب و إلب إذا كانوا مجتمعين، و " تفيل رأيه " أخطأ و ضعف، " و الجأش " رواغ القلب إذا اضطرب عند الفزع و نفس الانسان، و قد لا يهمز.

قوله عليه السلام: " طامن " أي ساكن مطمئن، " و استحصف الشيء " استحكم، " و شذاذ الناس " الذين يكونون في القوم و ليسوا من قبائلهم.

قوله: " و نفثة الشيطان " أي ينفث فيهم الشيطان بالوساوس أو أنهم شرك شيطان، و قال الفروز آبادي: نفث ينفث و ينفث و هو كالنفخ، و نفث الشيطان الشعر، و النفاثة ككناسة ما ينفثه المصدور من فيه، و الشطيبة من السواك تبقي [658] في الفم فتنفث، و في تحف العقول: بقية الشيطان.

قوله: " جعلوا القرآن عضين " قال الجوهري: هو من عضوته أي فرقته لان المشركين فرقوا أقاويلهم، فجعلوه كذبا و سحرا و كهانة و شعرا، و قيل: أصله عضهه لان العضة والعضين في لغة قريش السحر.

قوله عليه السلام: " قد ركز " أي أقامنا بين الامرين من قولهم ركز الرمح أي غرزه في الارض، و في رواية السيد و التحف " ركن " بالنون أي مال و سكن إلينا بهذين، و الاظهر تركني كما في الاحتجاج، " و القلة " قلة العدد بالقتل، و في رواية السيد و الاحتجاج: " السلة " و هي بالفتح و الكسر استلال السيوف، و هو أظهر.

قوله: " فغير مهزمينا " علي صيغة المفعول أي إن إذا دوا أن يهزمونا فلا نهزم، أو إن هزمونا و أبعدونا فليس علي وجه الهزيمة بل علي جهة المصلحة، و الاول أظهر، " و الطب " بالكسر العادة و الحاصل أنا لم نقتل بسبب الجبن فإنه ليس من عادتنا، و لكن بسبب أن حضر وقت منايانا و دولة الآخرين.

قوله عليه السلام: " إلا ريثما يركب " أي إلا قدر ما يركب، " و طاح يطوح و يطيح " هلك و سقط، و " الهبل " بالتحريك مصدر قولك هبلته أمه أي ثكلته،


" و الكلكل " الصدر، و في بعض النسخ " بكظمه " و هو بالتحريك مخرج النفس و هو أظهر " و الزئير " صوت الاسد في صدره.

قوله لعنه الله: " مزني " أي رمح مزني، و كعوب الرمح: النواشز في أطراف الانابيب، " و عدم خيانتها " كناية عن كثرة نفوذها و عدم كلا لها، " و الغراران ": شفرتا السيف، " و الحاسر " الذي لا مغفر عليه و لا درع، " و يوم قماطر " بالضم شديد، قوله: " هنه " الهاء للسكت، و كذا في قوله: فاجهدنه، و فارغبنه، " و رجل مدجج " أي شاك في السلاح و يقال: " عرج فلان علي المنزل " إذا حبس مطيته عليه و أقام، و كذلك التعرج ذكره الجوهري، و قال: قال أبو عمرو: " الازل " الخفيف الوركين " و السمع الازل " الذئب الارسح يتولد بين الذئب و الضبع، و هذه الصفة لازمة له كما يقال: الضبع العرجاء، و في المثل هو أسمع من الذئب الازل [659] ، و " اللبد " بكسر اللام و فتح الباء جمع اللبدة، و هي العشر المتراكب بين كتفي الاسد، و يقال للاسد ذولبد.

قوله: " لا نعمتك عينا " أي نعم أفعل ذلك إكراما لك و إنعاما لعينك، " و شب الفرس " يشب و يشب شبابا و شبيبا إذا قمص و لعب و أشببته أنا إذا هيجته، " و احتوش القوم علي فلان " أي جعلوه وسطهم.

و قال الجوهري: قولهم " فلان حامي الذمار " أي إذا ذمر و غضب حمي و فلان أمنع ذمارا من فلان، و يقال: الذمار ماوراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه، قوله: " شاري " أي شري نفسه و باعها بالجنة، " و المهند " السيف المطبوع من حديد الهند، و " أصلت سيفه " أي جرده من غمده، فهو مصلت، و ضربه بالسيف صلتا و صلتا إذا ضربه به، و هو مصلت، " و الباسل ": البطل الشجاع، " و الفيصل " الحاكم و القضاء بين الحق و الباطل، " و الولولة " الاعوال، " و الاشبل " جمع الشبل ولد الاسد " و الغيار " بالكسر من الغيرة أو الغارة و قد يكون بمعني الدخول في الشيء، " و العضب بالفتح السيف القاطع.


و قال الجوهري: " سيف ذكر و مذكر " أي ذو ماء، قال أبو عبيد: هي سيوف شفراتها حديد ذكر، و متونها أنيث، قال: و يقول الناس: إنها من عمل الجن.

" و دودان بن أسد " أبو قبيلة، قوله: " بطعن آن " أي حار شديد الحرارة، و يقال: " أرهفت سيفي " أي رققته فهو مرهف، " و الاسمر ": الرمح، " و السطاع " لعله من سطوع الغبار، " و الكمي " الشجاع المتكمي في سلاحه لانه كمي نفسه أي سترها بالدرع و البيضة.

" القرم " السيد، " و الاكتاد " جمع الكتد، و هو ما بين الكاهل إلي الظهر، " و الآد " القوة، " و الا خفاق ": لعله جمع الخفق بمعني الاضطراب أو الخفق بمعني ضربك الشيء بدرة أو عريض، أو صوت النعل أو من أخفق الطائر ضرب بجناحيه، " و الرشق " الرمي بالنبل و غيره و بالكسر الاسم، " و الخور " الضعف و الجبن، " و الشلو " بالكسر العضو من اعضاء اللحم، و أشلاء الانسان أعضاؤه بعد البلي و التفرق.

قوله: " من عامه " أي متحير ضال، و لعله بيان لا بن هند، " و العجاجة ": الغبار، " و الذوائب ": جمع الذؤابة و هي من العز و الشرف و كل شيء أعلاوه، " و الصوب ": نزول المطر، " و المزن ": جمع المزنة و هي السحابة البيضاء، " و الفلقة " بالكسر القطعة، " و أسد حرب " بكسر الراء أي شديد الغضب.

قوله: " فأطنها " أي قطعها، " و الضرغام " بالكسر الاسد، و قال الجزري فيه: " و اقتلهم بددا " يروي بكسر الباء جمع بده و هي الحصة وا نصيب أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد حصته و نصيبه، و يروي بالفتح أي متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد انتهي.

" واقسورة ": العزيز و الاسد، و الرماة من الصيادين، و يقال: " أحجرته " أي ألجأته إلي أن دخل جحره فانجحر.

قوله عليه السلام: " إذا الموت رقا " أي صعد كناية عن الكثرة أو القرب و الاشراف، و في بعض النسخ " زقا " بالزاء المعجمة أي صاح، " و المصاليت ": جمع المصلات و هو الرجل الماضي في الامور، " و اللقا " بالفتح الشيء الملقي لهوانه، و قال الجوهري: " القدة " الطريقة و الفرقة من الناس إذا كان هوي كل واحد علي حدة، يقال: كنا طرائق قددا.


و قال الجوهري: " العفاء " بالفتح و المد التراب، و قال صفوان بن محرز: إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفا و شربت عليه ماء فعلي الدنيا العفاء، و قال أبو عبيدة: العفاء الدروس و الهلاك، و قال: هذا كقولهم عليه الدبار إذا دعا عليه أن يدبر فلا يرجع، " و التذبذب ": التحرك، " و الوكوف " القطرات، " و الهطل " تتابع المطر، " و الفيلق " بفتح الفآء و اللام الجيش، " و الورد " بالفتح الاسد، " و الجحفل " الجيش، " و نفحه بالسيف ": تناوله من بعيد، و في بعض النسخ " بعجه "، من قولهم بعج بطنه بالسكين إذا شقه.

و قال الجوهري: " البقع " في الطير و الكلاب بمنزلة البلق في الدواب، " و الرفس " الضرب بالرجل، " و سفت الريح التراب " تسفيه سفيا أذرته، " و اليعبوب ": الفرس الكثير الجري، " و شددنا أسرة " أي خلقه، " و الجناجن " عظام الصدر.


پاورقي

[1] في الاصل: عبد الله.

[2] في الاصل: و يواريک موارية.

[3] الثعلبية: منسوب، بفتح أوله: من منازل طريق مکة من الکوفة بعد الشقوق و قبل الخزيمية، و هي ثلثا الطريق." معجم البلدان ج 2 ص 78 ".

[4] الاسراء: 71.

[5] إلي / خ.

[6] الشوري: 7.

[7] العذيب: تصغير العذب، و هو الماء الطيب: و هو ماء بين القادسية و المغيثة، بينه و بين القادسيه أربعة أميال و إلي المغيثة اثنان و ثلاثون ميلا، و قيل هو واد لبني تميم، و هو من منازل حاج الکوفة، و قيل هو حد السواد، و قال أبو عبد الله السکوني: العذيب يخرج من قادسية الکوفة إليه و کانت مسلحة للفرس، بينها و بين القادسية حائطان متصلان بينهما نخل و هي ستة أميال، فإذا خرجت منه دخلت البادية ثم المغيثة." معجم البلدان ج 4 ص 92 ".

[8] أي نام القيلولة.

[9] في البحار: منام.

[10] تسرع / خ.

[11] أبا هر / خ.

[12] يا أبا هر / خ.

[13] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: الرهيمية.

[14] في المصدر: فأنزل.

[15] أي دنا منه.

[16] في المصدر: إلي رجلي.

[17] في الاصل و المصدر و البحار: تموت، و الصحيح ما أثبتناه في المتن علي ما رواه الشيخ المفيد في الارشاد ص 251.

[18] قال يا قوت الحموي في معجم البلدان ج 4 ص 374: القطقطانة: موضع قرب الکوفة من جهة البرية بالطف به کان سجن النعمان بن المنذر.

[19] في المصدر: عبيد الله.

[20] لي / خ.

[21] الکهف: 51.

[22] الحيتان / خ.

[23] في الاصل: جرعا.

[24] في المصدر: قال.

[25] ال عمران: 33 - 34.

[26] في إحدي سختي الاصل و المصدر: فلذعه، و في نسخة اخري: فلدغه.

[27] في المصدر: فأملهم.

[28] فاکتف / خ.

[29] في البحار: ليعطشن.

[30] في المصدر و البحار: عطشا.

[31] في البحار: قتلي ابن نبيهم و في المصدر وإحدي نسختي الاصل: قتل ابن نبيهم.

[32] في المصدر: أتأذن.

[33] في البحار: و نعم الحر، و في المصدر وإحدي نسختي الاصل: و نعم الحر عند.

[34] في البحار و في بعض نسخ المصدر: مظهر.

[35] في البحار: مطهر، و في إحدي نسختي الاصل: مظهر.

[36] في البحار: بدير بن حفير، و في بعض نسخ المصدر: بدير بن خضير.

[37] في البحار: أنا بدير و أبي حفير.

[38] في المصدر و البحار: عيلان.

[39] ما بين القوسين ليس في المصدر.

[40] الافواق جمع الفوق بالضم: مشق رأس السهم حيث يقع الوتر.

[41] و الناس / خ.

[42] ما بين القوسين ليس في المصدر و البحار.

[43] في المصدر و البحار: يسقيک.

[44] هکذا في إحدي نسختي الاصل، و في الاخري و المصدر و البحار: " بنت الحسين "، و يؤيد الاول الاعتبار المشهور، و ما سيأتي في آخر الرواية " ام کلثوم اخت الحسين ".

[45] في الاصل و البحار: انا.

[46] في المصدر و البحار وإحدي نسختي الاصل: " بنت الحسين " و قد تقدم التعليق علي هذا الموضوع فراجع.

[47] عينيک / خ.

[48] شفته / خ.

[49] أمالي الصدوق ص 129 ح 1 و البحار: 44 / 310 ح 1.

[50] في البحار: عيلان.

[51] في المصدر: لا أجيب.

[52] ص 221 و البحار: 44 / 324 ح 2.

[53] في المصدر: لضربت.

[54] في المصدر: ويل لک.

[55] في المصدر: و لؤمت.

[56] في المصدر: لمثله.

[57] اللهوف ص 10 و البحار: 44 / 324.

[58] في المصدر: ضيقا.

[59] في المصدر: تأبي.

[60] مناقب ابن شهر اشوب: 3 / 240 و البحار: 44 / 325.

[61] في الاصل: منه.

[62] إرشاد المفيد ص 222 و البحار: 44 / 325.

[63] اللهوف ص 11 و 14 و البحار: 44 / 326.

[64] في الاصل و البحار: فقام.

[65] في البحار: أنزل.

[66] في المصدر: فسبيل ذلک، و في البحار: فستنل ذلک.

[67] في المصدر: بنت.

[68] شعوب / خ، و الشعف: رؤوس الجبار.

[69] إرشاد المفيد ص 222 و البحار: 44 / 326.

[70] أخرج الحسين / خ.

[71] في البحار وإحدي نسختي الاصل: من.

[72] و خرجت / خ.

[73] ثم قال / خ.

[74] فصل بمعني خرج، و منه قوله تعالي: " و لما فصلت العير " أي خرجت.

[75] النجيب من الابل: القوي الخفيف السريع.

" مجمع البحرين ج 2 ص 169 ".

[76] النساء: 78.

[77] آل عمران: 154.

[78] الانفال: 42.

[79] البحار: 44 / 327.

[80] البحار: 44 / 331.

[81] القصص: 21، 22.

[82] القصص: 21، 22.

[83] في الاصل: بها.

[84] في الاصل و البحار: نقض.

[85] في الاصل و المصدر: نبعية، و الصحيح ما أثبتناه في المتن، کما ضبطه ابن حجر في الاصابة ج 3 ص 495، و ابن سعد في طبقاته الکبري ج 6 ص 216، حيث قال: المسيب بن نجبه بن ربيعة بن رياح بن هلال بن شمخ بن فزارة، شهد القادسية و شهد مع علي بن أبي طالب مشاهده، و قتل يوم عين الوردة مع التوابين.

[86] لنا / خ.

[87] في المصدر و البحار: بالکتاب.

[88] في البحار: وأل.

[89] أي السرعة.

[90] هکذا في البحار، و في الاصل: عبد الله بن شداد بن عبد الله الارخي، و في المصدر: و عبد الله، و عبد الرحمن ابنا شداد الارحبي.

[91] إرشاد المفيد ص 223 و البحار: 44 / 334.

[92] في المصدر: يتأني.

[93] اللهوف ص 15 و البحار: 44 / 334.

[94] في المصدر و البحار: و سرحوا.

[95] في المصدر: للحسين.

[96] في البحار: الجنات، و في إحدي نسختي الاصل: الجنان.

[97] في المصدر: و إني.

[98] في المصدر: ذات الله.

[99] في المصدر: لا و عبد الله و عبد الرحمن ابنا شداد الارحبي.

[100] في الاصل: مستوثقين.

[101] في المصدر: لهما.

[102] في المصدر: فجاز ا.

[103] في البحار: علينا.

[104] في البحار: عنه.

[105] في البحار: حسبت.

[106] في المصدر و البحار: الوجه.

[107] و نقضتم / خ.

[108] أي: الظلم.

[109] في الاصل: الغاوين الاغرين.

[110] في المصدر: سرجون.

[111] في المصدر: سرجون.

[112] في المصدر: يشير.

[113] في المصدر: سرجون.

[114] إرشاد المفيد ص 224 و البحار: 44 / 334.

[115] في الاصل: نهد.

[116] مثير الاحزان ص 26، البحار: 44 / 337.

[117] في المصدر: إنا.

[118] في المصدر: و نجهد.

[119] في المصدر: قدميه.

[120] في المصدر: و قدمه.

[121] في الاصل: رعيته.

[122] في المصدر: تغشوا.

[123] في المصدر: يزيد.

[124] في المصدر: و نأتيک برأينا.

[125] في المصدر: نوطن.

[126] في المصدر: لا.

[127] في البحار: استحل.

[128] في المصدر: فخرج.

[129] في المصدر: زوجة لعبيدالله.

[130] في المصدر: قصر.

[131] اللهوف ص 17 و البحار: 44 / 337.

[132] مثير الاحزان ص 27.

[133] الروم: 60.

[134] البحار: 44 / 339.

[135] فليمض / خ ل.

[136] يعرفه / خ ل.

[137] في المصدر: إلي.

[138] إرشاد المفيد ص 227 و البحار: 44 / 340.

[139] في الاصل: دخل.

[140] في الاصل و المصدر: لسلمي.

[141] مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 242 باختصار، و البحار: 44 / 343.

[142] مثير الاحزان ص 31 و البحار: 44 / 343.

[143] مقاتل الطالبيين ص 65 و البحار: 44 / 344.

[144] في المصدر و البحار: باب دارک.

[145] ببغلة / خ.

[146] هکذا في البحار، و في المصدر و الاصل: بخائن، و الحائن: الذي حان حينه و هلاکه و قال أبو الفضل الميداني في مجمع الامثال ج 1 ص 21 تحت الرقم 57: کان المفضل يخبر بقائل هذا المثل فيقول: إنه الحارث بن جبلة الغساني، قاله للحارث بن عيف العبدي، و کان ابن العيف قد هجاه، فلما غزا الحارث بن جبلة المنذر ابن ماء السماء کان ابن العيف معه، فقتل المنذر، و تفرقت جموعه و أسر ابن العيف، فأتي به إلي الحارث بن جبلة، فعندها قال: أتتک بحائن رجلاه، يعني مسيره مع المنذر إليه، ثم أمر الحارث سيافه الدلامص فضربه ضربة دقت منکبه، ثم بر أمنها و به خبل.

و قيل: أول من قاله عبيد بن الابرص حين عرض للنعمان بن المنذر في يوم بؤسه، و کان قصده ليمدحه، و لم يعرف أنه يوم بؤسه، فلما انتهي إليه قال له النعما و: ما جاء بک يا عبيد؟ قال: أتتک بحائن رجلاه، فقال النعمان: هلا کان هذا غيرک؟ قال: البلايا علي الحوايا، فذهبت کلمتاه مثلا.

[147] في البحار: حباءه.

[148] في الاصل و المصدر: لا.

[149] في المصدر: أکن.

[150] في المصدر: لکثر.

[151] في المصدر: فاعترض.

[152] في المصدر: إلي.

[153] کثير / خ.

[154] في المصدر: ثم نادي.

[155] في المصدر: الرجة، و في إحدي نسختي الاصل: الصيحة.

[156] في الاصل: مقالة.

[157] في المصدر: مکانکم.

[158] في المصدر: سرعا.

[159] ما فعل بهاتي / خ.

[160] في المصدر: الداخلين.

[161] أي يقذفون.

[162] في المصدر: و علي أبيه، و في البحار وإحدي نسختي الاصل: و علي امه.

[163] في البحار وإحدي نسختي الاصل: في.

[164] في المصدر: العجلي.

[165] في المصدر: ابن عقيل محمد.

[166] في المصدر: الشامي.

[167] في المصدر: و موالينا.

[168] في المصدر: فمنعوا.

[169] في المصدر: صممتم، و يقال: تم علي الامر: أي استمر عليه " النهاية ج 1 ص 197 ".

[170] في المصدر: ليحرمن.

[171] في البحار: مفازي، و المفاوز: البرية القفر.

[172] في المصدر: و ما.

[173] في المصدر: نحو.

[174] في المصدر: فما بلغ.

[175] في المصدر: فمشي.

[176] في المصدر: انتهي.

[177] في المصدر: و أدخلت الانآء.

[178] ليس لي / خ.

[179] في المصدر: منزل.

[180] في المصدر: فدخل بيتا.

[181] في الاصل: أخبرتک.

[182] في المصدر: يروا.

[183] في المصدر: تخائج.

[184] في المصدر: و أحيانا.

[185] في المصدر: يدخل عليه أحد.

[186] في المصر: طاعتکم.

[187] في المصدر: السکک.

[188] في المصدر: شرطته.

[189] في الاصل: من.

[190] في المصدر: فضربهم.

[191] في المصدر: أطناب، و قال الطريحي في مجمع البحرين ج 6 ص 278: الظن بالضم: حزمة من حطب أو قصب، و الواحدة طنة و الجمع أطنان.

[192] في المصدر: يلقونها.

[193] في المصدر: و يجعل.

[194] في المصدر: فلا تجزع.

[195] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: فانبهر.

[196] في الاصل و البحار: و استند.

[197] في المصدر: و انتزعوا.

[198] في المصدر: تطلب إذا نزل.

[199] في المصدر: الذي.

[200] في البحار: إني.

[201] في المصدر: أيدي.

[202] في المصدر: و لا يغروک.

[203] في المصدر: لکذوب.

[204] إرشاد المفيد ص 230 و البحار: 44 / 344.

[205] في الاصل: فيک.

[206] في الاصل و البحار: أحدا.

[207] المناقب: 3 / 244 و البحار: 44 / 354.

[208] البحار: 44 / 354.

[209] البحار: 44 / 354.

[210] ما کنا / خ.

[211] في المصدر: أما.

[212] في المصدر: ويلک.

[213] في المصدر: من.

[214] في البحار: و أقطعک.

[215] في المصدر: فجاءه.

[216] في المصدر: فيه.

[217] في المصدر: " لک " بدل " له ".

[218] في المصدر: " لک " بدل " له ".

[219] في المصدر: ما أحببت.

[220] في المصدر: فإن هو.

[221] في المصدر: الحرام.

[222] في المصدر: تمنيک.

[223] في المصدر: الغيلة.

[224] الارشاد ص 238 و البحار: 44 / 354، و في المصدر: جسده رأسه.

[225] في المصدر: فنادوا.

[226] في المصدر: قتله.

[227] في الاصل: الخلق.

[228] اللهوف ص 23 و البحار: 44 / 357.

[229] مروج الذهب: 3 / 60 و البحار: 44 / 358.

[230] في المصدر: منزلة.

[231] في المصدر: انتهي به مکانا.

[232] في المصدر: مد.

[233] في المصدر: الامير.

[234] في المصدر: هو.

[235] في المصدر: استخرجهما.

[236] في المصدر: فقدتهما.

[237] في المصدر: إلي.

[238] في الاصل: خير.

[239] إرشاد المفيد ص 240 و البحار: 44 / 358.

[240] ص: 40 البحار: 44 / 360.

[241] في مجمع الامثال للميداني ج 1 ص 335 تحت الرقم 1790: " أ سائر القوم و قد زال الظهر " فراجع.

[242] في المصدر: إليه.

[243] في الاصل و البحار: بخروجه.

[244] ص 242 و البحار: 44 / 363.

[245] رواه الطبري في دلائل الامامة ص 74.

[246] في المصدر: زرارة بن خلج.

[247] في المصدر: ضعف.

[248] في المصدر: سار.

[249] في المصدر: التي.

[250] جدک / خ.

[251] هکذا في المصدر: و في الاصل و البحار: قال: فقال.

[252] اللهوف ص 26 و البحار: 44 / 364.

[253] في المصدر: فأشاروا إليه.

[254] في المصدر: إليه.

[255] في المصدر: و لا تدعن.

[256] اللهوف ص 14 و البحار: 44 / 364.

[257] في المصدر: فبينا.

[258] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: حين.

[259] في المصدر: مع.

[260] في المصدر: امرؤ.

[261] في الصمدر: ينزل.

[262] في المصدر: سريرته.

[263] قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ج 2 ص 49: التنعيم: بالفتح ثم السکون، و کسر العين المهملة، و ياء ساکنه، و ميم: موضع بمکة في الحل، و هو بين مکة و سرف، علي فرسخين من مکة و قيل: علي أربعة، و سمي بذلک لان جبلا عن يمينه يقال له: نعيم، و آخر عن شماله يقال له: ناعم، و الوادي نعمان.

[264] في البحار: التوجه.

[265] في المصار: فقالا.

[266] في الصمدر: أيس.

[267] في المصدر: نحو.

[268] أي مسرعا في السير، و في المصدر: مجدا.

[269] في المصدر: عن.

[270] إرشاد المفيد ص 243 و البحار: 44 / 365.

[271] في الاصل و البحار: يتقطعها.

[272] في المصدر: و ينجز بهم.

[273] اللهوف ص 25 کشف الغمة: 2 / 29 و البحار: 44 / 366.

[274] في المصدر: فأخذ الهدية.

[275] في المصدر: الجمال.

[276] في المصدر: کراه.

[277] اللهوف ص 29، مثير الاحزان ص 42 و البحار: 44 / 367.

[278] أي يتخبط علي هداية.

[279] مثير الاحزان ص 39.

[280] قال الفيروزآبادي في قاموس المحيط ج 2 ص 137: الميرة: بالکسر، جلب الطعام، والميار: جالب الميرة.

[281] أجأ: جبل لطئ، راجع معجم البلدان ج 1 ص 94.

[282] البحار: 44 / 368.

[283] في الصمدر: شرطته.

[284] خفان: موضع قرب الکوفة يسلکه الحاج، و هو مأسدة " معجم البلدان ج 2 ص 379 ".

[285] في البحار: القطقطانه.

[286] في الصمدر: بل.

[287] في المصدر و البحار: و اجتماع.

[288] إرشاد المفيد ص 244 و البحار: 44 / 396.

[289] في المصدر: و الحسن و الحسين.

[290] اللهوف ص 31 و البحار: 44 / 370.

[291] في المصدر: فرموا.

[292] في الصمدر: فجاء.

[293] في البحار: العراق.

[294] في البحار: رآه.

[295] في البحار وإحدي نسختي الاصل: تنهتک.

[296] في البحار وإحدي نسختي الاصل: تنهتک.

[297] في المصدر: إلينا.

[298] في المصدر: منزلا.

[299] في الاصل: فينزل، و ننزل.

[300] في الاصل: فينزل، و ننزل.

[301] في البحار: نتغذي.

[302] إرشاد الفيد ص 245 و البحار: 44 / 370.

[303] ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

[304] اللهوف ص 30 و البحار: 44 / 372.

[305] في المصدر: معهم.

[306] إرشاد المفيد ص 246 و البحار: 44 / 372.

[307] منزل للحاج بعد الثعلبية من الکوفة و قبل الاجفر " معجم البلدان ج 2 ص 370 ".

[308] مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 245 مع تفاوت و البحار: 44 / 372.

[309] زرود: رمال بين الثعلبية و الخريمية بطريق الحاج من الکوفة.

" معجم البلدان ج 3 ص 139 ".

[310] في البحار: حتي.

[311] في المصدر: رحمک.

[312] في المصدر: لا.

[313] إرشاد المفيد ص 247 و البحار: 44 / 372.

[314] في الاصل و البحار: و تحيته.

[315] في المصدر و البحار: أما.

[316] في المصدر: فإن ثواب الله أغلي.

[317] في المصدر: السعي.

[318] اللهوف: ص 30، و فيه " به المرء يبخل "، و البحار: 44 / 374.

[319] الارشاد: ص 248 و البحار: 44 / 374.

[320] اللهوف ص 32 و البحار: 44 / 374.

[321] في الاصل: کتابا.

[322] في المصدر: معه.

[323] في الاصل: فإذا.

[324] في الاصل: يوزان.

[325] في المصدر: فسأله.

[326] في المصدر: و إن.

[327] في المصدر: في.

[328] في المصدر: أصحابه.

[329] في المصدر: حسم.

[330] في المصدر: تميل.

[331] قال ابن الاثير في الناية ج 5 ص 255: " طلعت هوادي الخيل " يعني أوائلها.

[332] و الهادي و الهادية: العنق، لانها تتقدم علي البدن، و لانها تهدي الجسد.

[333] في المصدر: و سقوا.

[334] في المصدر: کلها.

[335] في المصدر: رأني.

[336] في المصدر: فإنه ليس.

[337] في المصدر: بک.

[338] في المصدر: لقدومي.

[339] في المصدر: و لم يتکلم أحد منهم بکلمة.

[340] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: إليه.

[341] في المصدر: جماعة.

[342] في المصدر: ثم.

[343] في المصدر: الا.

[344] في المصدر: و انتظروا حتي رکب نساؤهم.

[345] في المصدر: و خالف.

[346] إرشاد المفيد ص 248 و البحار: 44 / 374.

[347] في البحار: و النصر.

[348] في البحار: فيها.

[349] في المصدر: تصير.

[350] في المصدر: لا.

[351] في المصدر: يأتي.

[352] في البحار: و کسيت.

[353] القصص: 41.

[354] في الاصل: شنفيه.

[355] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: لا.

[356] في المصدر: ما أراه.

[357] إرشاد المفيد: 251 و البحار: 44 / 379.

[358] ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر، و قال ابن الاثير في النهاية ج 1 ص 356: " حذاء " أي خفيفة سريعة.

[359] في البحار: حقا حقا.

[360] في المصدر: و قام.

[361] في الاصل: فينقطع، و في المصدر: و نقطع.

[362] في المصدر: الثاني.

[363] اللهوف ص 32 و البحار: 44 / 381.

[364] في الاصل: نجيه، و قد تقدم ضبطه في ص 182 فراجع.

[365] في الاصل: ليقطع.

[366] البحار: 44 / 381.

[367] في البحار وإحدي نسختي الاصل: و أجرأه علي دم و أفتکه.

[368] في المصدر: مني.

[369] في المصدر: ثم قال له.

[370] في المصدر: ترجع.

[371] في المصدر: من رسلي.

[372] إرشاد المفيد 253 و البحار: 44 / 384.

[373] في البحار: أتبعه بيزيد.

[374] في البحار: نوجه.

[375] البقرة: 14.

[376] في الاصل: مستنکرا.

[377] علي / خ.

[378] بهم / خ.

[379] تناضلوا / خ.

[380] أي يصيبهم و يأخذهم بغتة في الليل.

[381] البحار: 44 / 385.

[382] في المصدر: يستقوا.

[383] يقال: بغر الرجل: إذا شرب فلم يرو.

[384] قال سبط ابن الجوزي في تذکرة الخواص ص 248: و قد وقع في بعض النسخ أن الحسين عليه السلام قال لعمر بن سعد: دعوني: أمضي إلي المدينة أو إلي يزيد فأضع يدي في يده و لا يصح ذلک عنه فإن عقبة بن سمعان قال: صحبت الحسين من المدينة إلي العراق و لم أزل معه إلي أن قتل، و الله ما سمعته قال ذلک.

[385] في المصدر: و إلي.

[386] في المصدر: شافعا.

[387] في المصدر: فإن قتل الحسين.

[388] في المصدر: عاق.

[389] في البحار: لفعلته.

[390] في البحار: الفئة.

[391] في المصدر و البحار: رکبتيه.

[392] في البحار: الصيحة.

[393] في البحار: يا اخته، و هو مخفف يا اختاه.

[394] إرشاد المفيد ص 255 و البحار: 44 / 389.

[395] اللهوف ص 38 و البحار: 44 / 391.

[396] في المصدر: سرحناکم.

[397] في المصدر: لا أظن.

[398] في المصدر: من ذمام.

[399] في المصدر و البحار وإحدي نسختي الاصل: ما يقول الناس.

[400] في المصدر: يقولون.

[401] في المصدر: أما.

[402] إرشاد المفيد ص 257 و البحار: 44 / 391.

[403] في المصدر: بشير.

[404] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: عليهم.

[405] في المصدر: عندها.

[406] اللهوف ص 39 و البحار: 44 / 394 وج 45 / 1.

[407] في المصدر: العشية.

[408] جون / خ، و في المصدر: جوين.

[409] في المصدر: و عرفت.

[410] في المصدر: يا خليفة الماضين و ثمال الباقين، و الثمال - بالکسر - الملجأ و الغياث.

" النهاية ج 1 ص 222 ".

[411] القطا: طائر معروف في حجم الحمام، و هذا مثل يضرب لمن حمل علي مکروه من إرادته، و قيل ذلک.

راجع مجمع الامثال للميداني ج 2 ص 174 تحت الرقم 3230.

[412] في المصدر: أيها.

[413] في المصدر: و يعيدهم.

[414] في المصدر: عنده.

[415] في البحار: يقرن.

[416] في المصدر: من.

[417] في الاصل: فيقتلون، و في البحار: فيقبلوا.

[418] في البحار: في.

[419] إرشاد المفيد ص 259 و البحار: 45 / 1.

[420] قال الازهري: استأنفت الشيء إذا ابتدأته، و فعلت الشيء آنفاء أي في أول وقت يقرب مني " النهاية ج 1 ص 76 ".

[421] البحار: 45 / 3.

[422] آل عمران: 178، 179.

[423] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: منکم.

[424] إرشاد المفيد ص 260 و البحار: 45 / 3.

[425] اللهوف ص 42، مثير الاحزان ص 54 و البحار: 45 / 4.

[426] إرشاد المفيد ص 260 و البحار: 45 / 4.

[427] في المصدر: هم.

[428] في المصدر: فيه.

[429] في المصدر: بيوت.

[430] في المصدر: فإنه.

[431] إرشاد المفيد ص 216 و البحار: 45 / 4.

[432] في الاصل: له.

[433] أي منعتموهم.

[434] البحار: 45 / 5.

[435] في البحار: عليکم.

[436] في المصدر: المؤمنين المصدق.

[437] في البحار وإحدي نسختي الاصل: ما تقول.

[438] في المصدر: لم.

[439] في المصدر: و لا أفر فرار العبيد.

[440] إرشاد المفيد: ص 261 و البحار: 45 / 6.

[441] في البحار وإحدي نسختي الاصل: خباها.

[442] في البحار: تجهزتموها.

[443] في نسختي الاصل: يستصحف، يسحفف.

[444] في الاصل: سخنا.

[445] البحار: 45 / 8.

[446] تحف العقول ص 240 و اللهوف ص 40.

[447] في المصدر: جاءکم.

[448] في المصدر: بکظمه.

[449] في المصدر: في.

[450] في الاصل: من.

[451] في المصدر: سهمه.

[452] إرشاد المفيد ص 263 و البحار: 45 / 10.

[453] البحار: 45 / 12.

[454] في المصدر: بيده إلي.

[455] اللهوف ص 42 و البحار: 45 / 12.

[456] في المصدر: ليخرج.

[457] في المصدر: من.

[458] برد أي مات " النهاية ج 1 ص 115 ".

[459] في الاصل: غضب، و في المصدر: عضب.

[460] في المصدر: حوزة.

[461] في المصدر: حوزة.

[462] في المصدر: حزه.

[463] في الاصل و البحار: فأطارت.

[464] في المصدر: يضرب رأسه بکل حجر و مدر.

[465] إرشاد المفيد: ص 264 و البحار: 45 / 12.

[466] البحار: 45 / 13.

[467] الارشاد ص 266 و البحار: 45 / 14.

[468] المناقب: 3 / 250 و البحار: 45 / 15.

[469] مثير الاحزان ص 59 و البحار: 45 / 15.

[470] الاحزاب: 23.

[471] في الاصل: و عضب.

[472] امه / خ.

[473] البحار: 45 / 15.

[474] مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 250 و فيه: في قصر در حسن البنيان، و البحار: 45 / 18.

[475] البحار: 45 / 18.

[476] کذا في الاصل و لکن لا يستقيم الرجز و الظاهر ان القائل هلال بن حجاج فقال: أنا هلال البجلي.إلي آخر ما مذکور أعلاه.

[477] إرشاد المفيد ص 265 و البحار: 45 / 19.

[478] الاحزاب: 23.

[479] هکذا في الاصل و البحار.

[480] الختر: الغدر.

يقال: ختر يختر فهو خاتر و ختار للمبالغة.

" النهاية ج 2 ص 9 ".

[481] في الاصل: سعد.

[482] البحار: 45 / 20.

[483] البحار: 45 / 22.

[484] في المصدر: عني.

[485] اللهوف ص 45 و البحار: 45 / 22.

[486] في البحار: لمنتن.

[487] اللهوف: 45 و البحار: 45 / 22.

[488] البحار: 45 / 22.

[489] في المصدر: بأصحابک.

[490] في المصدر: بين.

[491] في الاصل و البحار: الشامي، و ما أثبتناه من المصدر، کما في " الکامل لا بن الأَثير ج 4 ص 72 " و الشبام بطن من همدان.

[492] اللهوف ص 46 و البحار: 45 / 23.

[493] البحار: 45 / 23.

[494] اللهوف ص 47 و فيه: و جعل يقاتلهم بها حتي قتل، و البحار: 45 / 24.

[495] في الاصل: و قال محمد بن أبي طالب.

[496] المين أي الکذب: النهاية ج 4 / ص 383 ".

[497] في البحار: الحبر.

[498] في خ و البحار: مظهر.

[499] هکذا في الاصل و البحار، و هو تصحيف " الکوفة " قال ابن الاثير في الکامل ج 4 ص 71: فلما رجعوا إلي الکوفة أخذ الرأس و جعله في عنق فرسه ثم أقبل به إلي ابن زياد في القصر، فبصر به القاسم بن حبيب، و قد راهق، فأقبل مع الفارس لا يفارقه، و لم يزل يطلب غرة أبيه حتي کان زمان مصعب و غزا مصعب با جميري، و دخل القاسم عسکره فإذا قاتل أبيه في فسطاطه فدخل عليه نصف النهار فقتله.

[500] في الاصل: عامر.

[501] في البحار: رأيت.

[502] مجتهدا / خ.

[503] الغيل: موضع الاسد، و الخادر: الکامن.

[504] مهاجر / خ.

[505] من / خ.

[506] مثير الاحمزان ص 57 و 61 و 64.

[507] الاحزاب: 23.

[508] آل عمران: 169.

[509] أي لفوهم.

[510] هکذا في الاصل و البحار، و هو موافق لما روي في أمالي الصدوق ص 137 و روضة الواعظين ص 225 و مناقب ابن شهرآشوب ج 3 ص 254 و مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 26، لکن المشهور أن أول من برز و استشهد من أهل بيته عليه السلام هو ابنه علي الاکبر، علي ما روي في إرشاد المفيد ص 267 و إعلام الوري ص 246 و اللهوف ص 47 و تاريخ الطبري ج 4 ص 340 و الکامل في التاريخ ج 4 ص 74 و أنساب الاشراف ج 3 ص 200 و مقاتل الطالبيين ص 52.

[511] البحار: 45 / 24.

[512] في المصدر: أبو مرهم.

[513] مقاتل الطالبيين ص 62 و البحار: 45 / 32.

[514] البحار: 45 / 32.

[515] مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 254 و البحار: 45 / 33.

[516] مقاتل الطالبيين ص 61 و البحار: 45 / 33.

[517] في المصدر: عبد الرحمن بن عقيل، و هو خلاف لکلام المصنف حيث يقول: " و لم يذکر عبد الرحمن أصلا ".

[518] في المصدر: خالد بن أسيد.

[519] في البحار: القابضي.

[520] في الاصل: کتاب.

[521] مقاتل الطالبيين ص 61 - 62 و البحار: 45 / 33.

[522] عيان / خ.

[523] مقاتل الطالبيين ص 60 - 61 و البحار: 45 / 34.

[524] في الاصل و البحار: سعد و ما أثبتناه من مقاتل الطالبيين.

[525] في البحار: يکفيه.

[526] في الاصل و البحار: " مات الغلام " و هو سهو ظاهر لما يؤکده سياق الحديث، حيث يقول بعده: " و هو يفحص برجله " أي يجود بنفسه، و مخاطبة الحسين عليه السلام إياه، حيث لا يدع مجالا للشک أن الذي مات هو عمرو بن سعيد الازدي، و هذا ما أکدته النصوص الواردة في: إرشاد المفيد ص 268 و مقاتل الطالبيين ص 58 و تاريخ الطيري ج 4 ص 341 و الکامل في التاريخ ج 4 ص 75 و أنساب الاشراف ج 3 ص 201، فراجع.

[527] في الاصل: ذلک.

[528] البحار: 45 / 34.

[529] مقاتل الطالبيين ص 57 - 58 و البحار: 45 / 36.

[530] في الاصل: قال.

[531] في الاصل: عبد الله.

[532] البحار: 45 / 36 و فيه: عبيد الله بن عقبة الغنوي.

[533] مقاتل الطالبيين ص 56 و البحار: 45 / 37.

[534] البحار: 45 / 37.

[535] في الاصل: عبد الله بن الحسن.

[536] في المصدر: فأوهطه، أي أضعفه و أوهنه.

[537] مقاتل الطالبيين ص 55 و البحار: 45 / 37.

[538] قال / خ.

[539] البحار: 45 / 38.

[540] ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر و البحار.

[541] في الاصل: عبد الله بن علي.

[542] في الاصل: الدار، و في المصدر: المدار.

[543] في الاصل: الدار، و في المصدر: المدار.

[544] مقاتل الطالبيين ص 54 - 57 و البحار: 45 / 38.

[545] تقدم عن المقاتل أنه زيد بن رقاد.

[546] في البحار: الحکم بن الطفيل الطاني.

[547] العسکر ليس دائما بمعني الجيش، بل يأتي بمعني الکثير من کل شيء و المال و النعم، و في المقام أن العباس عليه السلام صاحب لواء الامام الحسين عليه السلام کان آخر من برز إلي القوم، فببقائه ما انکسر ظهر الامام و ما انقطع رجاء أهل بيته، فصاحب اللواء يمثل عسکرا، و يوجب ثباته و خوف العدو منه.

[548] البحار: 45 / 40.

[549] في المصدر و البحار: القاسم بن الحسين.

[550] المناقب: 3 / 256 و البحار: 45 / 42، و قد مر في ص 314 أن هذا الرجز لعبدالله بن الحسن، فراجع.

[551] الظاهر إنما کرره لا ختلاف الرواية في ترتيب الشهداء.

[552] مقاتل الطالبيين ص 52 و البحار: 45 / 42.

[553] مناقب ابن شهر اشوب: 3 / 257 و البحار: 45 / 42.

[554] آل عمران: 33، 34.

[555] هکذا في الاصل و البحار، و المشهور کما في تأريخ الطبري ج 4 ص 340: مرة بن منقذ بن النعمان العبدي، و هکذا في الکامل لا بن الاثير ج 4 ص 74 و أنساب الاشراف ج 3 ص 200 و مقاتل الطالبيين ص 76.

[556] البحار: 45 / 42.

[557] في المصدر: انتحي إليه.

[558] إرشاد المفيد ص 268 و مثير الاحزان ص 67 و البحار: 45 / 44.

[559] في المصدر: محمد بن عمير.

[560] الناس / خ.

[561] في المصدر: القوم إلينا.

[562] مقالتل الطالبيين ص 76 و البحار: 45 / 45.

[563] مقاتل الطالبيين ص 52 و البحار: 45 / 45.

[564] البحار: 45 / 46.

[565] في الارشاد ص 269: ثم جلس الحسين عليه السلام أمام الفسطاط فأتي بابنه عبد الله و هو طفل الخ.

[566] اللهوف ص 49 و البحار: 45 / 46.

[567] البحار: 45 / 47.

[568] في المصدر: يأخذ.

[569] في المصدر و البحار: شيء.

[570] مقاتل الطالبيين ص 59 و البحار: 45 / 47.

[571] في البحار وإحدي نسختي الاصل: الخير بن.

[572] في البحار: و ابن.

[573] في البحار: بالعنزين.

[574] في البحار: الخلق.

[575] البحار: 45 / 47.

[576] الاحتجاج: 2 / 25 و البحار: 45 / 49.

[577] فدار / خ.

[578] البحار: 45 / 49.

[579] في البحار وإحدي نسختي الاصل: يده.

[580] إرشاد المفيد ص 269 و اللهوف ص 49، و مثير الاحزان ص 70 - 71 و البحار: 45 / 50.

[581] المکثور: المغلوب، و هو الذي تکاثر عليه الناس فقهروه: أي ما رأينا مقهورا أجرأ منه إقداما.

" النهاية ج 4 ص 152 ".

[582] في الاصل: و صاحبه، و في البحار: و صحبه.

[583] اللهوف ص 49 و البحار: 45 / 50.

[584] مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 258 و البحار: 45 / 50.

[585] في البحار: إذ.

[586] في البحار وإحدي نسختي الاصل: أعرابا.

[587] اللهوف ص 50 و البحار: 45 / 51، و فيه: حتي أحلوه عنه.

[588] في المصدر: أولع.

[589] في المصدر: لا أذوق.

[590] في المصدر: حرمتک.

[591] المناقب: 3 / 215 و البحار: 45 / 51.

[592] في البحار وإحدي نسختي الاصل: الحيتان.

[593] في المصدر: و هو.

[594] مقاتل الطالبيين ص 78 و البحار: 45 / 51.

[595] في الاصل: يعجه، و الظاهر أنه تصحيف، و في هامش البحار: نفحه.

[596] اللهوف ص 50 و البحار: 45 / 52.

[597] مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 258 و البحار: 45 / 52.

[598] البحار: 45 / 53.

[599] في الاصل و البحار و الارشاد: أبجر، و ما أثبتناه من اللهوف، و هو موافق لما في تأريخ الطبري ج 4 ص 344 و الکامل في التاريخ ج 4 ص 77 و أنساب الاشراف ج 3 ص 202.

[600] في البحار و المصدرين: يا أماه.

[601] إرشاد المفيد ص 270 و اللهوف ص 51 و البحار: 45 / 53.

[602] في المصدر: ابغوا.

[603] التبان: سراويل صغير يستر العورة المغلظة فقط، و يکثر لبسه الملاحون.

" النهاية ج 1 ص 181 ".

[604] أي شقها، و في الاصل: فغرزها - غرزها، و في المصدر: ففرزها - فرزها.

[605] أي شقها، و في الاصل: فغرزها - غرزها، و في المصدر: ففرزها - فرزها.

[606] تقدم الکلام عنه في الصفحة السابقة، فراجع.

[607] تقدم الکلام عنه في الصفحة السابقة، فراجع.

[608] في المصدر: المري.

[609] ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

[610] البواني: أضلاع الصدر، و في الاصل: بواقي.

[611] في المصدر: ليحتز، لاحتز، احتز.

[612] في المصدر: ليحتز، لاحتز، احتز.

[613] في المصدر: ليحتز، لاحتز، احتز.

[614] اللهوف ص 51 و البحار: 45 / 54.

[615] أنشد / خ.

[616] تقدمت الابيات في ص 290 من کتابنا هذا.

[617] في الاصل: أروي، و الظاهر أنه تصحيف.

[618] المناقب: 3 / 233 و البحار: 45 / 92 ح 32.

[619] في الاصل: و ما تنظرون.

[620] البحار: 45 / 55.

[621] المناقب: 3 / 215 و البحار: 45 / 56.

[622] في المصدر: کنت واقفا.

[623] في المصدر: مضرجا.

[624] في المصدر وإحدي نسختي الاصل: هيئته.

[625] في المصدر: يا ويلک أنا لا أرد الحامية و لا أشرب من حميمها.

[626] في المصدر: فاحتزوا.

[627] يقال: امعط شعره و تمعط، إذا تناثر.

(النهاية ج 4 ص 343).

[628] في المصدر: و طعنة سهم.

[629] في الاصل و البحار: أبجر بن کعب التميمي، و قد تقدم الکلام عنه.

[630] في المصدر: نعله.

[631] في المصدر: الاودي.

[632] في الاصل: الفلان، و ما أثبتناه من المصدر، و کذلک تذکرة الخواص ص 253.

[633] في المصدر: و حريمه يتسارعن.

[634] في الاصل و البحار: يا ثارات.

[635] في المصدر: ملائکة.

[636] في المصدر: محزور.

[637] في البحار: عليه.

[638] في المصدر: وصلي.

[639] في الاصل و المصدر: عمر.

[640] في المصدر: و واحد.

[641] في الاصل و البحار: في.

[642] اللهوف ص 53 و البحار: 45 / 57.

[643] يأتي في ص 317 ح 9 من کتابنا هذا.

[644] في الاصل: بزينتهن.

[645] البحار: 45 / 60.

[646] في البحار وحدي نسختي الاصل: و أصحابي.

[647] بلغني / خ.

[648] البحار: 45 / 60، و ستأتي هذه الرواية في ص 360 من کتابنا هذا.

[649] في المصدر: ليسترجع.

[650] في البحار: متاعهم.

[651] الارشاد ص 272 و البحار: 45 / 61.

[652] المناقب: 3 / 259 و البحار: 45 / 62.

[653] ألقت / خ.

[654] البحار: 45 / 62، و هذا قول لا يعتد به، و المعتمد ما رواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا ج 2 ص 26 ح 6، و القطب الراوندي في الخرائج و الجرائح - المخطوط - ص 390 ح 67، و نقله العلامة المجلسي عنهما في البحار ج 46 ص 8 ح 19 وص 10 ح 21، حسب الترتيب، حيث قالا: إنها ماتت في نفاسها، فتدبر.

[655] في الاصل: الاقذاذ، و الظاهر أنه تصحيف.

[656] القلم: 49.

[657] ص: 3.

[658] في الاصل: ما تبقي.

[659] قال الميداني في مجمع الامثال ج 1 ص 352 تحت الرقم 1885: " أسمع من سمع " و يقال أيضا: " أسمع من السمع الازل ".فراجع.