بازگشت

ابن زياد علي الكوفه


اما عبيدالله بن زياد فقد ضم يزيد الكوفه اليه مع البصره فحسب ذلك ضربا من الرفعه لا سيما و قد اعطي سعه النفوذ و السلطه التامه العامه. فمهد امره في البصره و عهد بازمتها الي اخيه عثمان و الي اعوانه المجربين خوفا من الدعايه فيها لابن الزبير او الحسين «ع» و تاهب الي الكوفه و معه شريك الحارثي من حيث لم يعلم العامه امرهما، و سرعان ما قدمها بكل جساره و دخلها متنكرا و متلثما و عليه عمامه سوداء يوهم الناس انه الحسين بن علي عليهماالسلام [1] و صار من يصادفونه في خطط الكوفه و طرقاتها يزعمونه الحسين السبط فيسلمون عليه بالامامه، و يحيونه بكل كرمه، و يقبلون يديه و رجليه، و هو لا يكلم احدا فوق راحلته، حتي بلغ قصر الاماره، فطرق الباب علي واليها المحصور النعمان بن بشير، حتي اذا عرفه فتح الباب و دخل.

عند ذلك فشي خبره، و انه ابن زياد فباتت الكوفه تلك الليله تغلي كالمرجل، و الناس بين مثبت و مثبط، و ابن زياد دخل البلده وحده و علي حين غره و لم ينزل الا في مركز الحلكم، و اخذ في قبضته المال و السلاح، و رتب في ليلته علي الدوائر المهمه من لم يتجاهروا بصحبه مسلم، و اصبح مناديه يجمع الناس لخطابته في الجامع


الاعظم، فرقي المنبر بكل جساره- و جساره الخطيب تعطي لكلامه قوه و تاثيرا علي الاوهام - فصار يعد و يوعد لا عن الله و رسوله بل عن لسان اميره يزيد، فبلغهم سلامه و لكن الناس لم يردوا السلام عليه اولا حتي اخذ يطمع المطيع بمواعد جسام و يهدد مخالفيه بحد الحسام- و السيف مصلت بيده- فعند ذلك رد السلام عليه نفر قليل ثم اضحي مناديه يجمع الروساء و العرفاء اليه لاخذ المواثيق و انجاز المواعيد و توزيع العطايا و معاقبه المتخلفين عقوبه صارمه، فهرع لندائه خلق كثير و انقلبت القلوب و انحرفت الوجوه و تبدلت لهجات الاذنديه و نشرات الشيع.

نعم! لا ينقضي العجب من خيبه الكوفه في نهضتها الا بعد التدبر في اسبابها و اسرارها، و اذ باغت ابن زياد الكوفيين بزي الحسين «ع» حتي استقر في دار الاماره بين حاميه مستعده، و قد كان الواجب علي اهل الكوفه بعد ما لبي الحسين دعوتهم و ارساله مسلما وكيلا عنه ان تجتمع احياؤها و يتحدث روساوها فيخرجوا عامل يزيد و حاشيته، و يسلموا دوائرها الي وكيل الحسين «ع»، و ان يقترحوا عليه من الاعمال المهمه ما هم ادري به و اعرف، و مسلم لم يقدم عليهم كوال مختار او مفوض مطلق ليستقل في اعماله و اعمالهم بالتصرف و المسووليه، و انما بعثه الحسين «ع» كمعتمد يشرف علي امرهم و يستطلع حقيقه خبرهم. لكن الكوفيين- يا للاسف- غروا مسلما و اغتروا، و لم يغتنموا صفاء جوهم و تواني عددهم الي ان دهمهم ابن زياد و فرق جمعهم بالوعد و الوعيد و سكن فورتهم بالطمع و التهديد، حتي اذا سكت الضجيج من حول مسلم نفي الرجال العالمين لمعونه مسلم من بلده، و زج في السجن من وجوه الشيعه- امثال المختار الثقفي، و المسيب بن نجبه، و سليمان، و رفاعه و غيرهم- ممن لم توثر عليهم التضييقات و لا اغتروا بباطل الوعد و استوظف آخرين، ثم اختفي بعد ذلك اكثر المتهوسين في زوايا البيوت.



پاورقي

[1] کما في الاشاد ص 185.