بازگشت

البيعه ليزيد


صفا لمعاويه الجو و ملك نحو اربعين سنه ملكا قلما يسمح الزمان بمثله، و هو في خلال ذلك لا يفتر عن عمله ليله و نهاره، و فيستكثر اعوانه، و يعزز اخوانه، و يستحوذ علي من يشاء بما اوتي من مال ودهاء، و استمال الي اهوائه امثال زياد و ابن العاص و المغيره من الدهاه فمد اطناب حزبه ورواق ماربه، و انقادت اليه حتي آل هاشم. و لكن الرجل استحب دوام هذا السودد لبيته و من يخلفه في انفاذ نواياه، اذ عرف ان سلطانه وقتي و قسري- و ما كان بالقسر لا يدوم- فاذاد اثباته في بيته ما دام حيا لانه يخشي من موته انقلاب الامور علي بنيه. لا سيما و ابنه يزيد موضع نقمه الجمهور و في الناس من هو اقدم منه و اولي، فاخذ البيعه ليزيد حال حياته- بعد ان ذلل الصعاب و مهد السبل لغاياته- غير ان الاباه ابوا عليه البيعه ليزيد، و اتخذت عمليه معاويه هذه كمناوره يمتحن بها مخالفيه، ثم اوصي ولده يزيد بان لا يمس هولاء بسوء اذا ابوا عليه البيعه بعد موته الا ابن الزبير، و السر فيما ارتاه داهيه قريش هو ان البعض من هولاء ضعيف النفس مسبوق بغضاضه.

و اما الحسين السبط فنفس ابيه بين جنبيه و يخشي علي البيت الاموي من التعرض له، و بما انه رجل الفضيله يومل فيه ان يستمر علي سكوته و سكونه اذا


عمل برغائبه و مداراته، و يخشي من قيامه ان يقوم الحجاز و العراقان معه حين لا معاويه لديه و لا ابن العاص.

اما ابن الزبير فذو نفسيه حربيه مع اعدائه و ذو دهاء مع رقبائه و لكنه كابيه شحيح لامطمع فيه، فالعدو لا يامن منه و الصديق لا يامل فيه، فاستهان القضاء عليه من دون توقع محذور في معاداته. لكن يزيد لم يعمل بهذه الوصيه اذ انه عاش عيشه ترف قضاها في الصيد و السكر و اللهو، و مثل هذه التربيه تسوق صاحبها لعباده الهوي و الاغترار بسلطان الشهوات، فلا يحترم قديما، و لا يحتشم عظيما، و لا يحتفل بالدين، و لا برغائب الجمهور.

و عليه فبما مات معاويه الا و الاوامر تتري من يزيد علي ابن عمه الوليد- و الي المدينه- باخذ البيعه له من الناس عامه و من الحسين و ابن الزبير خاصه فتلقي الوليد بن يزيد بن ابي سفيان اوامره بكل رهبه و احتياط، و كان يعرف سوء سمعه يزيد كما يعرف حسن شهره هولاء عند المسلمين عامه و عند اهل الحجاز خاصه، فادت سياسته الي اعلام هولاء بالامر بصوره وديه مع المداراه لرغائبهم و حركاتهم قبلما ياخذ البيعه العامه في مسجد النبي ليزيد كخليفه، فارسل الي الحسين و الي ابن الزبير ليحضرا لديه فجاءه الحسين «ع» و معه ثله من اقربائه، و لم يدخلوا معه فاستقبله الوليد بالترحاب و مروان [1] . جالس متغير و تكاد تقرا ما في


قلبه من سحنات وجهه. و ابتدا الوليد ينعي معاويه فاسترجع الحسين «ع» ثم قال الوليد: «ان استحب اقتراح عليك فبماذا تري؟» فاجابه الحسين: «ان البيعه تحسن من مثلي لمثل يزيد ان تكون علانيه و بملاء من الناس، فالاولي ان توجلها الي موعد اجتماع الناس في المسجد» فاجابه الوليد بكل لين و تساهل، غير ان مروان عكر صفوا السلم، و قال: «يا امير لا تدع حسينا يخرج من عندك بلا بيعه فيكون اولي منك بالقوه و تكون اولي منه بالضعف، فاحبسه حتي يبايع او تضرب عنقه» فوثب عندئذ حسين المجد قائلا: «يا ابن الزرقاء! انت تقتلني ام هو؟ كذبت و الله و لئمت» ثم انصرف هو و بنوهاشم.

كان الوليد و مروان كلاهما يبغيان اخضاع الحسين «ع» ليزيد و لكن ذاك بالسياسه و هذا بالتهديد، و كان الوليد اراد ان يستميل قلب الحسين و يسترق من لسانه كلمه القبول- و لو سرا- لعلمه ان الحسين رجل الصدق و الثبات، فلا يعدل عن كلمته و ليس بذي لسانين، اسرار و جهار، و لا ذا وجهين محضر و مغيب. اما مروان فكانه علم ان المسلمين اذا اجتمعوا في مسجد النبي بين قبره و منبره، و حضر لديهم ريحانه النبي و بنوهاشم وقوف و بنوالانصار جلوس- فان الموثرات المعنويه و الحسيه لا تسفر الا عن البيعه للحسين و خسران صفقه يزيد.

و بالجمله فان مروان نقض علي الوليد امرا كان قد ابرمه، غير ان الخبر لم ينشر خارج المدنيه لمراقبه الوالي و فقد و سائل المخابرات. اما الحسين «ع» فقد عرف ان مروان سوف يخابر يزيد علي عزل الوالي او يحمل الوالي علي الوقيعه بالحسين و آله، و ان يزيد و حزبه ينقادون لارادات مروان بشخصيته البارزه في الحزب السفياني، و قديم عدائه للنبي و آله. و قد كان هو و ابوه طريدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ملعونين علي لسانه [2] فلا بد و ان ينتقم من ريحانه الرسول «ص» بالمثل او يزيد، فلم يجد الحسين «ع» بدا سوي الهجره سرا الي حرم الله.



پاورقي

[1] هو مروان بن الحکم بن العاص بن اميه.

ولد في السنه الثانيه للهجره و طرده النبي (ص) مع ابيه الي الطائف لان اباه الحکم اسلم مع ابي‏ سفيان يوم الفتح کرها و نفاقا و کان يستهزي‏ء بالنبي (ص) اذا غاب عنه و يهجس الي المشرکين باخباره، فدعا النبي (ص) عليه و طرده فاواهما عثمان في خلافته و اتخذ مروان کاتبا عنده، فنقم المسلمون ذلک عليه لا سيما بعد تزويره کتابا عن لسان الخليفه بامر فيه عامل مصر بقتل محمد بن ابي ‏بکر و رسل المدنيه.

و کان مثار الفتن يوم الدار و في الحروب التي اقامها معاويه ضد الامام علي- عليه‏ السلام- و بايع الامام نفاقا کما اسلم ابوه نفاقا و سرعان ما نکث البيعه و خرج مع طلحه الي حرب البصره ثم رمي طلحه. و لما اسره الامام (ع)تشفع فيه الحسن (ع) فخلا سبيله. و لما تقدم ليجدد بيعته ابعده الامام قائلا:«لا حاجه لي في بيعته انها کف يهوديه، اما ان له امره کعلقه الکلب انفه. و هو ابوالاکبش الاربعه، و ستلقي الامه منهم يوما احمر». ثم هرب مروان الي معاويه اخرج الي صفين. و بعد صلح معاويه مع سيدنا الحسن (ع) تولي اماره المدنيه فالحجاز کله، و اخذ فدکا لنفسه، ثم اساء معاويه الظن فيه فعزله. و بعد موت معاويه بن يزيد تولي الخلافه ثم خنقته زوجته سنه 65 ه بالشام.

[2] قال الجاحظ في رساله الفاخر: ان مروان بن الحکم کان هو و ابوه ملعونين علي لسان النبي (ص) و طريدته من المدينه مده حياته، ثم في عهد ابي ‏بکر و عمر کلما تشفع عثمان فيهما و في ابوائهما لم يجد حتي ولي عثمان فاوي مروان الي المدينه علي کره المسلمين ذلک حتي کان هذا الامر احد اسباب قيام المسلمين علي عثمان و قتله».