بازگشت

فزت و رب الكعبة


و قد فتح أميرالمؤمنين عليه السلام بمن قبله بابا كبيرا للجميع، قبل أن نتتهي حياته بضربة غادرة من خارج عن الاسلام عنما قال بتلقائية عجيبة و بكلمات جمعت حصيلة عمره و كفاحه كله: (فزت و رب الكعبة)... كان يمكن من وجهة نظر غريبة عن الاسلام، و لو لم يكن عليه السلام قد كرس حياته حقيقة لخدمته و في سبيله، أن يبتئس و أن يحزن لانتهاء حياته بذلك الشكل الفاجع و ضياع جهوده الطويلة التي استغرقت حياته كلها في جهاد أعدائه الذين هم أعداء الاسلام، لو لم يكن يذوب حبا في خالقه و معبوده و حبيبه، و لو لم يكن هو نفسه اسلاما حيا متنقلا و قرآنا ناطقا بحكمة الله و كلماته و مجسدا لكل ما يريده من فعل خير بناء.

رأي أنه يستطيع الآن بعد تلك الضربة الغادرة التي أنبأه بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من


قبل أن يجني ثمار تلك الحياة و الجهود المتواصلة في سبيل الاسلام [1] أحس أنه يقبل هنا علي الحياة الأخري الدائمية التي يبدأ فيها الجزاء، و أيقن عندما عرف سلامة سيرته و صحتها و استقامتها علي نهج أخيه و ابن عمه صلي الله عليه و آله و سلم، أنه قد فاز فوزا حقيقيا - حتي لقد أقسم علي ذلك محبورا و كأنه كان يبشر نفسه ذاتها بالمصير السعيد - و أنه لم يخسر أبدا.. كان سعيدا أن تنتهي حياته علي يد شر خلقه، و أنه استطاع الصمود و الثبات طيلة هذه الحياة و الوقوف في صف الاسلام و في مقدمة الداعين اليه و المدافعين عنه و عن المستضعفين و المغلوبين و المقهورين.

لقد أصبح حلما جميلا للمسلمين أن يكونوا علي بينة من أمرهم خلف راية امام عادل، ليفوزوا فوزا عظيما، حتي و ان كان ثمن هذا الفوز التضحية بحياتهم و باعز ما يملكون.

أصبح فوز أميرالمؤمنين عليه السلام و فوز الحسين عليه السلام من بعده، أملا لجماهير واسعة المسلمين، لا من أبناء الشيعة و حسب، أخذت تروض أنفسها، و تعدها لتكون بمثل تلك القوة و الصلابة التي كانت عليها نفسا الرجلين الكبيرين؛ و اذ أن ذلك لن يتاح الا لمن بلغ الذروة من الشعور بالمسؤولية تجاه نفسه و أمته، و اذ أن أحدا لن يستطيع الوصول الي مستوي الرجلين العظيمين، فان طموحا دائميا يظل يراود المسلمين بأن يكونوا بمتسوي أصحابهما الذين وقفوا معهما وقفتهما الصلبة الشجاعة.. و نموذج أصحاب أميرالمؤمنين و أنصار الحسين ممكن التكرار و الحدوث..

و يمكن لمن فهم تصورهما و نهجهما و وقف موقفهما من الظلم و الانحراف أن يكون أحد أولئك الأصحاب و الانصار الأعزاء، و ان بعدت الشقة و طال الزمن...



پاورقي

[1] ذکر عليه‏السلام عندما قام اليه رجل و سأله عن الفتنة، و هل أخبره رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عنها، فقال: (انه لما أنزل الله سبحانه قوله:(الم احسب الناس أن يترکوا أن يقولوا ءامنا و هم لا يفتنون)، علمت أن الفتنة لا تنزل بنا و رسول الله - صلي الله عليه و آله - بين أظهرنا. فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي أخبرک الله تعالي بها؟ فقال: «يا علي، ان أمتي سيفتنون من بعدي»، فقلت يا رسول الله، أو ليس قد قلت لي يوم احد حين استشهد من استشهد من المسلمين، و حيزت عني الشهادة، فشق ذلک علي، فقلت لي: «أبشر فان الشهادة من ورائک» فقال لي: «ان ذلک لکذلک، فکيف صبرک اذن؟ فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، و لکن من مواطن البشري و الشکر..» نهج‏البلاغة ص 220 قد ألمح عليه‏السلام عدة مرات و في عدة مناسبات الي ما سيصيبه علي يد ابن‏ملجم الخارجي.