بازگشت

اصرار علي الشهادة.. اصرار علي النصر


يدهش العديدون من الكتاب و الباحثين و غيرهم، من الاصرار و الثبات اللذين مضي بهما الامام نحو هدفه و اللذين طبعا ثورته - في كل مراحلها - بطابعهما الواضح المعروف، رغم أن احتمال الموت كان قائما بنسبه كبيرة، بل أنه عليه السلام قد أشار في مواقف عديدة الي أنه كان أمرا مؤكدا [1] ، فهو لم يفد علي أمر قد مهد له، و لم يسر علي بساط من الورود [2] ، و لم يكن يجهل الطبيعة العدوانية الشرسة لأعدائه و التي سيواجه بها اذا ما أقدم علي الثورة، و مع ذلك عزم أمره و توكل و سار، و لم تثنه التحذيرات العديدة التي وجهت له ممن يميلون اليه و من خصومه علي السواء.

ان من لا يمتلك تصورا اسلاميا صحيحا عن طبيعة النظرة الاسلامية الشمولية لكل أمور الحياة، و عن طبيعة المواجهة التي كان يتعرض لها المسلمون في ذلك الوقت - و في غيره من الاوقات، لا يسعه أن يستوعب العديد من التصرفات و الممارسات الاسلامية التي قد تبدو بنظره دون هدف أو فائدة حقيقية.

اذ كيف يمضي الحسين الي الموت، و ما الفائدة التي خباها من ذلك و هو يعلم أنه قد لا يتمكن من الاطاحة بخصومه أو التغلب عليهم عند المواجهة أو المنازلة..!

هذا هو السؤال المحير الذي يطرحه هؤلاء!

و اذا ما عرفنا طبيعة الظروف التي أحاطت بالثورة، و دفعت الامام الحسين عليه السلام للنهوض بوجه الحكم الاموي اليزيدي المتسلط الذي كان يشكل بداية لسلسلة من أنظمة الحكم المتسلطة الاخري، أصبح علينا أن نناقش أولئك المندهشين و الحائرين، من وجهة نظر اسلامية بحتة، فقد نري أن من حقهم أن


يندهشوا أو يحتاروا اذا ما تناولوا المسألة من وجهة نظر عادية بحتة، أو تعتمد علي أحد التصورات القائمة الاخري، أو وجهة نظر تناقش المسألة و كأنها صراع بين شخصين علي السلطة بغض النظر عن مؤهلاتهما و الدوافع الحقيقية لكل منهما.

هل كان دافع الحسين عليه السلام اعادة السلطة الي أصحابها الشرعيين، لأنه كان هو صاحبها الشرعي و حسب؟ و كيف يعمل في هذه الحال علي أن يفقد كل شي ء بما في ذلك حياته في سبيل شي ء هو جزء من حياته؟ أم أن دافعه كان صيانة التجربة الاسلامية كلها من الانحراف و السقوط الذي كانت علي وشك الوصول اليه؟

و هل كانت دوافع يزيد لقمع الثورة دوافع الاسلامية بحتة تحتم عليه شعورا بالمسؤولية لتجنيب الامة الوهن و الفرقة و الاختلاف، و ليحافظ علي بيضة الاسلام و راية الاسلام و عز الاسلام، أم أن دافعه كان الحفاظ علي عرشه الذي وصل اليه بالقوة و الاكراه وسفك دماء آلاف المسلمين؟

لقد أجبنا عن هذين السؤالين في الفصول السابقة بالتفصيل، و علمنا الدوافع الحقيقية الكامنة خلف ثورة الحسين، و الدوافع التي جعلت يزيد يقدم علي قمعها بتلك الشدة و ذلك العنف الرهيب، بعد أن رأينا من هو الحسين، و من هو يزيد، و رأينا موقع كل منهما من الأمة، و رأينا طبيعة العقلية و التصورات و الفهم التي يحملها كل منهما عن الاسلام.


پاورقي

[1] و قد تطرقنا الي ذلک بالتفصيل في غضون هذا الکتاب.

[2] و هذا التعبير الاخير استعمله أحد الکتاب المصريين للتدليل علي عدم جدوي مسير الحسين عليه‏السلام الي العراق ما دام الدرب کان محفوفا بالمخاطر...