بازگشت

بدون فهم الاسلام لن نستطيع فهم ثورة الحسين


اننا بدون فهم للاسلام و تصوراته، لن نستطيع فهم ثورة الحسين عليه السلام، كما لن نستطيع فهم الدوافع الحقيقية التي دعت آلاف المسلمين الي الاستشهاد و التضحية و الاقدام علي مواجهة القوي الشريرة ذات الامكانات الكبيرة و التي لا تتورع عن استخدام أشد الأساليب قسوة لمواجهتهم و قمعهم، حاسيين أنهم أقوي من أعدائهم القساة طالما أنهم استطاعوا الالتحاق بموكب أنصار الحسين الطويل الدائم الذي لا ينقطع و لا يعدم من يضع دمه علي كفه و أقصي أمله أن يكون منهم ليفوز فوز عظيما كما فازوا هم.

و ما دمنا نعالج قضايا اسلامية، فعلينا أن ننظر اليها من زوايا اسلامية و عقلية اسلامية غير متأرجحة و غير مشوبة بنظرات و تصورات و قيم دخيلة غريبة و طارئة علي الاسلام.

كان التلاعب بالاسلام و أحكامه و معالجة القضايا الاسلامية بأسلوب غير اسلامي، أحد أساليب معاوية المفضوحة التي أراد أن يسخر بها من الامة و من كل المضحين في سبيلها علي امتداد تاريخها القصير لكن الحافل، و قد مد لهم لسانه و كأنه يقول: ان الذي جاء به محمد صلي الله عليه و آله و سلم و استشهد في سبيله حمزة و جعفر و ياسر و عمار و آلاف من شهداء الاسلام أصبح بيدي الآن اتلاعب به كيفما أشاء و أتركه غنيمة باردة لولدي يزيد.

و قد وجد من يصفق له و يرفع عقيرته بالصياح مؤيدا من بين أوساط حاولت أن تفرض لها مكانة مرموقة بين أبناء الأمة من القصاص و الوعاظ و مزوري الحديث و الشعراء و من لف لفهم من بين المغامرين و طالبي الثروة و الحكم و الجاه.. و الا ألم يكن خروجه المتعمد عن العديد من أحكام الاسلام الواضحة استهانة بالاسلام و استخفافا بقدرة الله و الرسول المنزل علي الخلق رحمة و قدوة؟

هل كان معاوية يعمل من أجل الاسلام حقا، أم أنه كان يحقق مصالحه و يكرس لوجوه و ديمومة حكمه و حكم عائلته من بعده الي الابد؟ لقد رأي فقهاء الدولة و موظفوها و قادتها و قصاصوها و محدثوها و شعراؤها و أهل الرأي و العقد فيها ما رأي لهم معاوية يزيد من بعده أيضا، لأنهم رأوا أن لهم حصة من الغنيمة و أنهم يستطيعون تحقيق المكاسب و الارباح في ظلهما أكثر مما يحققونه في ظل أي نظام آخر قد يرونه


شديد الوطأة عليهم، غير متساهل معهم، و كانت لهم تجربة سابقة في ظل حكومة أميرالمؤمنين عليه السلام، فاذا ما جاء حكم آخر، امتدادا لحكمه، كحكم الامام الحسين عليه السلام مثلا فان فرصة المكاسب غير المشروعة و الثروة و الجاه علي حساب الآخرين ستفوت الي الابد و اذا ما عاد الاسلام للسيطرة و النفوذ. انهم لم يروا الا أنفسهم و مصالحهم أيضا، و عودة الي طبيعة النظام الأموي و القشرة اللماعة التي تغلفه من هؤلاء الفقهاء و الوعاظ و القصاصين و المحدثين و غيرهم تثبت أننا لم نجانب الصواب في ذلك.

و اذا ما حاولنا نتساءل: اذا ما كان أولئك قد حصلوا علي أرباحهم في ظل النظام الذي آزروه و دافعوا عنه، فما سيجني أولئك الذين يدافعون عنه بعد زواله و الي يومنا هذا بنفس حماس موظفيه و محدثيه و قصاصيه و غيرهم، بعد أن أبيد هذا النظام و أصبح أثرا غابرا من آثار الماضي و صفحة سودا من صفحات تاريخنا الاسلامي الطويل، و لم يعد يستطيع أن يقدم لهم ما قدم لأعوانه و مؤازريه عندما كان حيا مسيطرا؟ ان هذا أمر محير للبعض!

غير أن الحيرة تزول اذا ما علمنا أنهم يعيشون في ظل أوضاع و حكومات لا تختلف عن تلك الحكومة الفرعونية الاموية الاولي، سواء في العهد العباسي أو غيره، يري رؤوسها أن يمجد أولئك الأمويون ليمجدوا هم و ليستطيعوا ادعاء الشرعية المزيفة كما ادعوه و ليقيموا علي أساسها كيانهم و وجودهم، ما دام قد أصبح أمرا واقعا مفروضا علي الامة كما كان النظام الاموي من قبل.

ان بعض المحدثين انبهروا ببعض الاسماء القديمة من وعاظ السلاطين الذين رفعت الدولة منزلتهم، ليرفعوا هم بدورهم منزلتها، و انخدعت بأباطيلهم و ترهاتهم، ورأوا أنهم ما داموا قد أقروا بشرعية بل بضرورة وجود الدولة الاموية، فان عليهم هم بدروهم و استمرارا لخطة (السلف الصالح) من هؤلاء (الصحابة) و (التابعين) أن يقروا بشرعية وجودها و الدفاع عنها بنفس الحماس الي دافع به موظفوها الاوائل و استنكار أي خروج أو ثورة عليها، و ان كان الثائر هو الامام الحسين نفسه، و اعتبار ذلك خروجا علي الاسلام، فيروحون يستعملون نفس الاساليب الملتوية و الاحاديث الملفقة عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و الاقاصيص الغريبة و التأويلات الكاذبة التي استعملها أولئك الأوائل في ظل الدولة الأموية و تحت أشرافها و توجيهها، ليدللوا علي صحة و شرعية بقاء الدولة و (الخليفة) و هم يلمسون ما يقدمه لهم من قصاع دسمه و أصفر رنان.


و اذا ما تتبعنا دوافع بعض هؤلاء رأينا أنها تتعدي الاهداف العادية و كونهم يعيشون في ظل فرعون محلي صغير، و أنهم يعملون لتنفيذ مخططات أوسع يرسمها أعداء الاسلام الذين خلقوا هؤلاء الفراعنة و وقفوا وراءهم يوجهونهم و يرمون بهم الشعوب المظلومة المغلوبة، و لا بد لمواجهة وعيها من مخططات أكثر استحكاما و فاعلية.. و لا بد من كتاب و (مفكرين) مأجورين و (وعاظ) للشعوب يتقوي بهم السلاطين ليكونوا أكثر قدرة علي خدمة أسيادهم الكبار فيما وراء البحار..!