بازگشت

محاولة اعادة التجربة الي خطها الصحيح


لقد بينا أن الامام الحسين عليه السلام لم تكن تدفعه رغبة مجردة لاستلام الحكم، و انما كانت تدفعه رغبة حقيقية لاعادة التجربة الاسلامية الي خطها الصحيح و تحصينها من الانحراف و السقوط، و كان هو الشخص المؤهل و المكلف الاول لقيادة هذه التجربة و حمايتها بما يمتلكه من امكانات و مؤهلات فريدة لم تتح لغيره، و لم يكن ليندفع بعاطفة أو رغبة مجردة لاستلام السلطة بمجرد أن يشار عليه بذلك و دون دراسة الظروف الموضوعية التي تحتم عليه اعلان ثورته، و قد رأينا كيف انه لم يثر بوجه معاوية بعد وفاة الامام الحسن عليه السلام رغم أن العديد من المسلمين دعوه الي ذلك، مع أنه أعلن رأيه بيزيد صراحة و لم يقر معاوية علي مبايعته خليفة له و بقي مصرا علي موقفه من يزيد طيلة حياة معاوية و بادر بالخروج من المدينة و اعلان ثورته من مكة حالما و صلته أخبار وفاة معاوية.

لقد رأي أن التجربة ستسقط نهائيا و تاما علي يدي يزيد، و أنه سيجعل من هذا السقوط و يجعل منه أمرا محتما، بل و يبدو و كأنه الامر الطبيعي الذي تنتهي اليه الامور، بل و انه سيمنح السقوط شرعية الوجود اذا ما وضع يديه في يدي يزيد و أقر له بالخلافة و الامامة علي الامة المسلمة.

انه برفضه الاستسلام و المبايعة، و اعلانه ذلك علي رؤوس الأشهاد من أبناء الأمة، و خروجه بذلك الشكل الملحمي السافر أمام أنظار أهل مدينته و مكة و الحجيج الذين توافدوا من مختلف أقطار العالم الاسلامي لأداء أهم الفرائض المقدسة و الالتقاء ببعضهم لتجديد عهدهم مع الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و البراءة من المشركين و رفع كلمة التوحيد و ترديدها بألسنتهم بعد أن ترددت في قلوبهم، يعطي لكلمة التوحيد معناها الحقيقي، فهو يسير لمواجهة صنم جديد صنعته قوي عاتية ادعت انتماءها للاسلام، صنم بشري ضخم لن يقدر له أن يموت الا بعد أن ينشطر و يتكاثر الي مئات الاصنام الجديدة التي ستعلن ألوهيتها، و ان لم تقل ذلك صراحة، و تطلب من الأمة أن تدين لها وحدها بالطاعة حتي و ان تعارض ذلك مع قانون الاسلام و شريعة الاسلام فقانونها و شريعتها هما الاهم و الاجدر الاتباع ما داما يحققان لها السيطرة علي الامة و استعبادها و اخضاعها و سلب حقوقها و مكاسبها.


انه يعلن عزمه علي تصحيح الاوضاع و منع استفحال الانحراف و استلام التجربة بنفسه، و بذلك فانه فوت الفرصة الي الابد علي الحكم الاموي لاضفاء الشرعية علي وجوده، و عزز ذلك استشهاده المريع علي عرصة كربلاء اذ نبه الامة بشكل واضح الي المخاطر التي تتعرض لها بوجود يزيد خليفة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قائدا لعموم في المسلمين، كما فوت الفرصة علي كل نظام فرعوني متسلط انتهج الاسلوب الاموي في الحكم و الحياة ليدعي شرعية وجوده و أحقيته في الحكم و استلام التجربة الاسلامية بعد تجريدها من مقومات وجودها الحقيقية.