بازگشت

خطان لاعادة الامور الي نصابها: محاولة تسلم زمام التجربة


و قد عمل الائمة منذ وقت مبكر و ابتداء من أميرالمؤمنين عليه السلام علي ايقاف الانحراف المبكر و المتسارع الذي بدأت آثاره تتضح و تنطبع علي ملامح الامة المغلوبة المقهورة، التي بدأت تتخلي عن مسؤوليتها و تتنازل عن عقيدتها بشكل واضح، و كان عملهم عليهم السلام يسير بخطين متوازيين و بوقت واحد.. (.. الخط الاول، هو خط محاولة تسلم زمام التجربة؛ زمام الدولة؛ محو آثار الانحراف، ارجاع القيادة الي موضعها الطبيعي لأجل أن تكتمل العناصر الثلاثة: الأمة و المجتمع و الدولة.

الخط الثاني: الذي عمل عليه الأئمة، هو خط تحصين الأمة ضد الانهيار بعد


سقوط التجربة، و اعطاؤها من المقومات القدر الكافي لكي تبقي و تقف علي قدميها و تعيش المحنة بعد سقوط التجربة بقدم راسخة و بروح مجاهدة و بايمان ثابت...) [1] .

و اذا ما حاولنا أن نتبين ملامح هذين الخطين في مسيرة الامام الحسين العامة و ثورته علي الدولة الاموية اليزيدية، رأينا أنه قد أقدم أمام سمع الامة و بصرها و أمام ممثلي السلطة و عيونها و جواسيسها علي المسير نحو العراق عندما وجد من (يعلن) عن استعداده لمبايعته و الوقوف خلفه للاطاحة بالحكم الاموري و رموزه الكريهة.

و من الطبيعي أن يتهم من قبل السلطات الاموية - كما اتهم أبوه عليه السلام من قبل - بالحرص علي الحكم و السلطان لمجرد الرغبة فيهما، و عرضته وسائل الاعلام علي الأمة (كمنافس) لا يتمتع بكل المؤهلات المطلوبة للحكم و القيادة، و أخذت عليه (خطأه) في التصدي للسلطة بالعدد القليل الذي سار معه و ظل معه الي نهاية المطاف.. و ذهب مؤرخون (اسلاميون) الي عرض ثورته و كأنها منافسة عادية بين طرفين متكافئين في الامكانات و المؤهلات ينتميان الي أصل رفيع من قريش، (أخطأ)، فيها الامام الحسين عليه السلام عندما لم يقدر حجم قوته و سار الي موت محتم، كما (أخطأ) فيها يزيد عندما أصدر أوامره للقيام بتلك المجزرة المروعة في الطف، و ذهب قسم منهم الي حد تبرئة يزيد منها و القاء تبعة ذلك علي ابن زياد أو ابن سعد أو شمر - كما رأينا في غضون هذه الدراسة - عندما استعرضنا بعض الآراء التي وردت حول هذه الثورة المباركة التي أقدم فيها امام الأمة علي ذلك التحدي الصاعق الذي لا يزال يهز الامة و يدفعها للتحرك الايجابي السريع بوجه كل دول الظلم المتعاقبة - مع أنه - و كما بينا - لو كان يريد الحصول علي مكاسب رخيصة و كان مجرد منافس عادي متلهف علي الحكم و السلطان حبا بهما و حسب، لكان قد ساوم يزيد و هادنه و وضع يده في يده و أقر انحرافه، و لكان قد حصل علي حصة كبيرة من المغانم و الاقطاعات بل و علي مملكة يسعي اليها و يتمناها أي طموح عادي حريص علي ما يحرص عليه الطامعون و الطموحون و المغامرون العاديون [2] ، و لما كان يسير نحو ذلك الاستشهاد المؤكد الذي كان يستهدف تخليص الامة من قيود الانحراف و الشرك الجديد.



پاورقي

[1] أهل البيت - دور الأئمة بعد وفاة الرسول ص 59.

[2] تحدثنا عن هذا الموضوع باسهاب في (الحسين و مسؤولية الثورة) و تطرقنا الي الدوافع التي جعلته يقدم علي الثورة بتلک السرعة و ذلک الحسم بعد هلاک معاوية مباشرة...