بازگشت

الخلافة الالهية لا السيطرة الفرعونية


ان مسألة السيطرة علي الطبيعة من قبل الانسان و توجيهها لصالح العموم، ينبغي أن تظل قائمة علي نفس التصور الاسلامي الدقيق، و هي مهمة لا يتأتي للناس كلهم القيام بها بشكل متكافي ء و متساو، بل حسب فهمهم للاسلام و اقترابهم منه..

و مع أن طموح الانسان يظل يتسع لبسط المزيد من النفوذ و السيطرة علي الكون و الطبيعة، و قد يتطلع الي آفاق أخري و كواكب أخري، فان هذه السيطرة ينبغي أن لا تظل رهينة بما يراه هذا الانسان بمعزل قانون شمولي ينظم له فعالياته المختلفة و منها خلافته علي الارض، و ينبغي أن يظل الاسلام ماثلا أمامه، و يظل خط النبوة الناصع المجسد حقا لحاكمية الاسلامية ماثلا أمامه كذلك لا (لكي يأخذ الانسان في مجال السيطرة علي الكون و الطبيعة، و انما جاءت لتضع هذا الانسان المسيطر علي الكون بالدرجة التي هيأتها لها هذه الظروف - ظروفه الموضوعية - أن تجعل من هذا الانسان انسانا فاضلا مدبرا حكيما.

و نحن باستقراء تاريخنا المنظور - منذ جاء الاسلام الي يومنا هذا - لا نجد أي تغيير حقيقي في هذين الخطين، لا في مدي اتساع الوعي التوحيدي عند الانسان و لا في اتساع التحملات الاخلاقية في أعباء الدعوة.. نعم نجد التغير الواسع جدا في الخط الثالث الذي يعتبر خارجا عن نطاق عمل النبوة و رسالتها..) [1] .

ان هذا التغيير الواسع في هذا الخط، و هو خط سيطرة الانسان علي أخيه


الانسان و علي الكون و الطبيعة، ما كان له أن يحدث بهذا الشكل و الاسلوب ليكون باتجاه الابتعاد عن خط الاسلام، لو أن الالتزام بخطي الايمان و النبوة كما رسمهما الاسلام و رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، ظل علي حاله راسخا.. ان التناقضات و الاستغلال و الظلم بقيت و اتسعت مع اتساع اكتشافات الانسان و تطور خبرته في السيطرة علي المزيد من منابع الثروة و النفوذ.

و لم يكن ذلك ناشئا عن خلل في التصور الاسلامي و في التوجه الاسلامي، و انما نشأ عن انحرافات لها أسبابها و أبطالها، بدأت في وقت مبكر، أضيفت اليها فيما بعد أغطية من الشرعية و اعترف بها كأمر واقع، و نشأت نتيجة حملة منظمة ألحقت بالاسلام شوائب و زوائد لم تكن فيه، و جعلته يبدو و كأنه كرس لخدمة الاشخاص الذين أتيحت لهم فرصة تبوء السلطة.. و قد بدأت تلك الحملة المنظمة الدؤوبة - كما أوضحنا - منذ أيام معاوية و استمرت بنفس القوة و الاندفاع في ظل مختلف الانظمة الفرعونية المتعاقبة.

و قد كان ايقافها منذ البداية أمرا اسهل منه فيما بعد رغم شراسة الواقفين علي رأس السلطة و استماتتهم في الدفاع عن مصالحهم و امتيازاتهم، غير أن الصعوبة الحقيقية تجسدت فيما بعد، اذ اتسعت دائرة المستفيدين الطفيليين من الانظمة الفرعونية التالية وقويت جبهة المدافعين عن فرعون الذين رأوا أن حياتهم و وجودهم رهينان بحياته و وجوده.

ان ترك محاولات ايقاف الانحراف و منعه بحجة قوة الجبهة الفرعونية و عدم استعدادها للتنازل أو الاستسلام، لن يعني الا اتاحة الفرصة أمام المتسلطين لمحو الاسلام نهائيا و طمس حدوده و هذا ما يجعل مهمة الاجيال اللاحقة في الاصلاح و التقويم أصعب و أشق و أقرب الي المستحيل..


پاورقي

[1] التغيير و التجديد في النبوة ص 43 - 42.