بازگشت

اعادة الامور الي نصابها الصحيح لا يعني التهالك علي الحاكم و السلطة


و لا تعني محاولة اعادة الخلافة الي مجراها الشرعي الصحيح، تهالكا علي الحكم و السلطة و حبا لهما، كما تبادر الي أذهان الكثيرين ممن صدقوا معاوية و أجهزته و أبواق دعايته. أو الذين كانت مصالحهم تقتضي تصديقه، مع أنه كان في الواقع أكثر المتهالكين عليهما كما أثبتت ذلك وقائع التاريخ، فقد رفض أميرالمؤمنين عليه السلام بشكل حاسم أن يتسلم الحكم الا علي شريطة العمل بكتاب الله و سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و علمه هو عليه السلام، كما اشترط علي الجماهير التي بايعته بعد مقتل عثمان في اجماع للصحابة لا مثيل له في تاريخ المسلمين، و كما صرح بعد ذلك أمام جمع حاشد منهم.. (اللهم انك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، و لا التماس شي ء من فضول الحكام، و لكن ليزد المعالم من دينك، و نظهر الاصلاح


في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، و تقام المعطلة من حدودك..) [1] و كما صرح أيضا في عدة مناسبات.

و لو أن الحسين عليه السلام - و هو ممثل علي عليه السلام و خليفته - أراد الوصول للسلطة و حسب لتتاح له فرصة الحصول علي المكاسب التي تحققها، لكان قد هادن يزيد و معاوية قبله، و سلك اليها نفس الاساليب التي سلكاها الي أن تتاح له فرصة الوثوب، و ربما كان بذلك قد أرضاهما الي الحد الذي قد يقبلان فيه بتقسيم تلك السلطة و ربما حصل علي موافقة يزيد ليكون ولي عهده.

و اذ أن وسائل الاعلام ظلت بيد الامويين، و من بعدهم بيد العباسيين، فان تهمة السعي لنيل السلطة - حبا بها - و التي وجهت للحسين كما وجهت لأبيه من قبل، أريد بها تضليل الامة بشأن مساعيه الحقيقية، و هي التصدي للانحراف و ايقافه بكل طريقة ممكنة و في مقدمتها القتال أن كان لابد من ذلك و التعرض للشهادة.

و قد رأينا زيف هذه التهمة و عدم صحتها بل و سخافتها، لأن ما أراد الحسين بلوغه، هو وضع صاحب المسؤولية الاول، (و هو هنا نفسه) امام مسؤولية لتحملها بشكل تام، فلم تكن مطالبته بحقه الا لكي يؤدي واجبه.

فهذا الحق، ليس حقا شخصيا مجردا يحق له التنازل عنه هكذا دون سبب و في كل ظرف، و انما هو حق مكرس له شخصيا و بوصية من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليه أن يتحمل آثاره - ان صح التعبير - و يقوم بواجبه تجاهه و هو حق لا يتيح له امتيازات خاصة من الاموال و الترف - و هو الشي ء الذي لم يفكر به بأية حال من الاحوال - بقدر ما يحمله من مسؤوليات عديدة صعبة لا يستطيع غيره تحملها و النهوض بأعبائها و التزاماتها.


پاورقي

[1] نهج‏البلاغة - تحقيق د. صبحي الصالح - دار الکتاب اللبناني - ص 189.