بازگشت

ثورة الحسين بمواجهة دولة الظلم علي الدوام


أثبت الحسين عليه السلام بثورته امكانية تحدي دولة الظلم و مجابهتها و عرقلة مشاريعها الانحرافية و مساعيها الدؤوبة لترسيخ حكمها الفرعوني، رغم التفاوت الكبير في الامكانات بين الثائرين و السلطة.. و كانت تلك الثورة اعلانا واضحا للأمة كلها في كل وقت و في كل ظرف لتدرك أن عليها أن لا تهادن دولة الظلم رغم كل ما قد يقتضيه ذلك من تضحيات قد تصل حد الاستشهاد و تقديم كل عزيز و غال، و قد ضرب باقدامه الباسل مثلا حيا يشخص أمامها باستمرار، و أرادها أن تقدم علي ما أقدم عليه - بالقلة القليلة من أصحابه - اذا ما أحست بظهور بوادر الانحراف و الظلم و أن لا تقف مرعوبة أمام جيوشها و أعوانها و ما تبديه من ضروب القسوة و العنف.

و لو أنه هادن الدولة الاموية بقيادة يزيد و وضع يده في يده و بايعه، لكان قد أعطي الاشارة الخضراء لعموم أبنائها علي مر الازمان ليضعوا أيديهم بأيدي الظالمين و المنحرفين دون أن يعيروا الاسلام وقيمه أية أهمية، و لأدي ذلك الي أن ينسي حتما و يوضع علي الرفوف كأثر غابر من آثارها [1] .. و لكان قد تحمل المسؤولية التاريخية أمام هذه الامة باعتباره رائد الاستسلام و المصلح المهين الذي فتح الباب علي مصراعيه لكل استسلام أو صلح مماثل، ألم يكن ذلك الذي سيحدث لو أنه بايع يزيد و قبع سعيدا بالسنوات الباقية من حياته و بما سيعود عليه استسلامه من فوائد و مكاسب شخصية، و ألا نرفع نحن عقيرتنا بالصياح، محتجين علي كل من يريد ايقاف عجلة الظلم، بموقف الحسين من يزيد لو أنه بايعه و قبل به خليفة و ممثلا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه..؟

أراد الحسين عليه السلام تصحيح معادلة الخلافة التي جاء بها القرآن الكريم، و التي


دخلتها عناصر غريبة و حولتها من شكلها الرباعي [2] القائم علي عقد الهي ملزم و قائم علي أساس الاسلام جملة و تفصيلا، الي صيغة أباح فيها الحاكم لنفسه العودة الي الفرعونية المطلقة و جعل من نفسه الها من دون الله و قيما علي الناس بارادة خاصة كرست لتعزيز مصالحه و حكمه.

و قد أوضحنا في الفصل الاول الاسس التي تقوم عليها معادلة خلافة الانسان علي الأرض، و كيف أن أي اخلال بها يجردها من الشرعية و يجعلها غير جديرة بحمل اسم الاسلام بأي حال من الاحوال. و هذا الاخلال قد تم فعلا، اذ حولت هذه الخلافة الي ملك عضوض مطلق و كأنه أنزل علي (الخليفة) خاصة كهدية مباشرة من الله، و كأن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كان حلقة زائدة لم تعد الحاجة تمس اليها ما دامت تتعارض و توجهات الخليفة الملك، و ما دامت تعاليمه و سنته قد أهملت بشكل تام و عطلت حدود الاسلام نهائيا و لم يلتزم الا ببعض الاشكال العبادية المظهرية.

ان تحريم الحلال و تحليل الحرام بالشبهات الكاذبة و الاهواء الساهية علي حد تعبير رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في قوله لأميرالمؤمنين، يعني رفض المنهج الاسلامي في الحكم و الحياة ما دام لا ينسجم مع مصالح الحاكم و لا يحققها.


پاورقي

[1] تحدثنا باسهاب عن هذا الموضوع و تناولناه بعنوان (الحسين عليه‏السلام و مسؤولية الثورة).

[2] و قد تحدثنا عن ذلک أيضا مستندين الي أطروحات الشهيد الصدر (قده).