بازگشت

ان كان لابد من الدين فليكن في خدمة فرعون


فرعون يري وجوب تطويع الدين - ان كان لابد من وجوده - ليكون الدين الذي يريد، يحذف منه ما يتعارض مع رغباته و يضيف اليه ما يتوافق مع تلك الرغبات.

و لئن أرسي فرعون سابق منتم لهذا الدين أساسا للانحراف، فان اللاحقين جعلوا الانحراف قاعدة و أساسا.. و هكذا (جاء العباسيون فيما يمكن أن نسميه


«الانقلاب العباسي» فأخذوا «سوابق» بني أمية في عالم السياسة، علي أنها أصول مرعية، بل أضافوا اليها من عند أنفسهم اضافات..

لقد رأينا أن خط الانحراف الذي بدأ مع الامويين [1] ! قد زاد انحرافا، و أضيفت اليه انحرافات جديدة، و ان الحكومة و المجتمع كليهما زادا بعدا عن الاسلام بدرجات متفاوتة...) [2] .

لم يعاد العباسيون الامويين الا لأن حياتهم و وجودهم مرهونة بهلاك و موت هؤلاء، أما أسلوبهم في الحكم و نظرتهم الي (الملك) الذي آتاهم اياه (مالك الملك) دون الخلق أجمعين! و حقهم في القيادة و الحكم و السلطان، فقد حذوا فيه علي أثرهم حذو النعل بالنعل مستغلين قرابتهم برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و مدعين أنهم أهل البيت الذين طهرهم الله تطهيرا.

و لم يعد أحد منهم يقبل فكرة أن يتولي آخر غيره زعامة الناس، حتي و لو كان هذا الآخر عباسيا أيضا.. و كان كل فرد منهم يسعي ليكون ولده هو خليفة من بعده.

و لئن شهدت الساحة أحداثا ساخنة تصدي فيها العباسيون للعلويين بمختلف وسائل العنف... فقد شهدت تصدي العباسيين للعباسيين، و قد أجبر العديد منهم ممن كانوا ولاة للعهد و أخوة و أقارب، علي التنازل لابن الخليفة، لأن هذا الابن سيضعها في ابنه. أما اذا أعطاها لأخيه فان هذا سيورثها ابنه، و شتان ما بين الابن و ابن الاخ.

ان ثورات عديدة حدثت علي امتداد تاريخ الحكم العباسي، و مهما يكن من أمرها و أمر القائمين عليها، فاننا نستطيع أن نقول عن تلك التي حدثت بدافع عقائدي مبدئي، أنها كانت تنتصر للاسلام، لأنها كانت تري أنه ينتهك و يعتدي عليه... و سواء اعتقد القائمون بها أنهم سينتصرون في معاركهم العاجلة أم سيلاقون نفس مصير الثوار الذين سبقوهم، فان ذلك لم يكن ليثنيهم عن خوض معاركهم ضد أعداء الاسلام الذين يعاصرونهم و الذين يحتكرون السلطة و المال و كل شي ء دون المسلمين و يسيرون فيهم سيرة الفراعنة الاولين، و ان كانوا يدعون أنهم يعبدون الله ايضا، غير أنهم جعلوا أنفسهم و كلاء له و ظلا في أرضه و أربابا من دونه، و طواغيت يتسلطون


بالقهر و الارهاب علي رقاب الناس [3] .

فقد كانت ثورة الحسين عليه السلام و اقدامه علي الموت لمواجهة أعنف هجمة شرسة علي الاسلام بقيادة يزيد، تلوح أمام الثوار علي مر الازمان، و يري من ينجح منهم بالالتحاق بموكب اصابه و أنصاره أنه قد حقق أمله الكبير و فاز فوزا عظيما، و لئن استغلق أمر هؤلاء الثوار علي أفهام الآخرين فان وضوح منطقهم الخارق عندما ينتصرون للاسلام و يقفون الي صفه يخرس من لا يفهم الاسلام فهما صحيحا، كما يخرس كل من آثر العبودية و الاستسلام في ظل الطواغيت و الفراعنة، و أني لميت أن يقوم كما يقوم الاحياء الاصحاء..!



پاورقي

[1] تحدثنا في غضون هذا الکتاب عن بداية خط الانحراف، و قد کان قبل الامويين دون شک.

[2] محمد قطب / کيف نکتب التاريخ الاسلامي ص 153/125.

[3] يعرف الامام ابن‏جرير الطبري «الطاغوت» في تفسيره بقوله: «هو کل طغيان علي الله فعبد من دونه، اما بقهر منه لمن عبده، و اما بطاعة ممن عبده له، انسانا کان ذلک المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو کائنا ما کان من شي‏ء) - تفسير ابن‏جرير الطبري 19/3 ط 3 سنة 1968 مکتبة البابي الحلبي بمصر.