بازگشت

تشخيص محمد لانتهازية العباسيين


و نشير هنا الي نقطة جديرة بالانتباه وردت في رسالة محمد و فيها يذكر كيفية استغلال العباسين نقمة الامة علي الامويين و تسللهم بين صفوف المعارضة الرئسيسة المتمثلة بأهل البيت عليهم السلام ثم استحواذهم علي كل شي ء بعد ذلك.


قال محمد في رسالته: (... ان الحق حقنا، و انما ادعيتم هذا الأمر بنا، و خرجتم له بشيعتنا، و حظيتم بفضلنا، و ان أبانا عليا كان الوصي و كان الامام، فكيف ورثتم ولايته و ولده أحياء...) [1] .

و من الغريب أن أباجعفر كتب الي محمد كتابا يحفل بالافتراءات و الشتائم و الدس علي أهل البيت، لم يكن ليكتب مثله حتي أشد ناصبي العداوة لآل البيت من الأمويين و غيرهم.

مع أنه اعترف ضمنا بأن العباسيين كانوا من المطالبين بثأر أهل البيت، و لم يكمل اعترافه بأن سبب ذلك كان للتوصل الي أغراض مبيتة لم يعلنوا عنها الا بعد أن استتبت لهم الامور.

استولي ابراهيم علي البصرة بعد أن استولي أخوه محمد علي المدينة و الكوفة، و قد ندب المنصور لمحمد عيسي بن موسي و محمد بن أبي العباس و ضم اليه أربعة آلاف من الجند ثم أرسل أحد مواليه فمنع طريق الشام و خطر وصول الميرة اليه، و كان الجيش الذي أرسله قد ضم عدة من قواد أهل خراسان و جندهم و جهزهم بالخيل و البغال و السلاح و الميرة.

و عمد عيسي الي مراسلة بعض أهل المدينة لتفريقهم عن محمد، و كانت رسائله تتضمن تهديدا قويا لهم، كما اتسمت بأسلوب القدريين الذي نشأ أيام الأمويين لتعزيز سلطتهم، و الذي طالما لجأ اليه معاوية و يزيد من قبل.. قال يزيد لجلاسه حين أتي برأس الحسين عليه السلام: ان الحسين انما أتي من قبل فقهه، و لم يقرأ «اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير انك علي كل شي ء قدير» - الطبري 340/3 و قد تناولنا ما حاول يزيد الايحاء به من ذكر هذه الآية الكريمة و هو أن الأمر مقدر من الله و أن لا حق لأحد بالتدخل فيه. و كأن الملك قد أنزل له هو خاصة و كأنه سيدوم له الي الأبد. و ان من يريد منازعته اياه فكأنما ينازع الله سلطانه. و هذا هو منطق الطغاة دائما.. و قد جاء في احداها (.. ان محمدا تعاطي ما ليس يعطيه الله و تناول ما لم يؤته الله. قال عزوجل في كتابه: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشآء و تنزع الملك ممن تشآء و تعز من


تشآء و تذل من تشآء بيدك الخير انك علي كل شي ء قدير) [2] ، فعجل التخلص و أقل التربص، و ادع من أطاعك من قومك الي الخروج معك..) [3] .

اجتمع مع محمد حوالي مائة ألف، و قد عمد الي حفر الخندق الذي كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد حفره لصد مشركي مكة و الاحزاب.. و لأن محمدا لم يلجأ الي ما يلجأ اليه طلاب الملك العاديين و كان يتحري الدقة في تصرفاته، و قد سمح لمن أراد من أصحابه تركه فعل ذلك و أحلهم من بيعته، فان أغلب هؤلاء قد تركوه حتي بقي في شرذمة ليست بالكثيرة [4] و بهذه الشرذمة القليلة التي لم تزد علي عدة أهل بدر يوم لقوا المشركين و هي ثلاثمائة و نيف واجه جيش الدولة الذي تكاثر و أصبح جيشه لا يقاس به. و قد قيل أنه بلغ أربعين ألفا...


پاورقي

[1] الطبري 431/4 و ابن‏الاثير 152/5.

[2] آل عمران 26.

[3] الطبري 438/4.

[4] الطبري 439/4 و ابن‏الاثير 159/5.