بازگشت

توجه رسالي رغم الاذي الذي الحق به


و هكذا خرج بالمدينة سنة خمس و أربعين و مائة و ألقي القبض علي أعوان الدولة و من أرسل للقبض عليه و قتله، و لم يلجأ الي الأساليب التي لجأوا اليها و اتسم أسلوبه بقدر كبير من الانضباط و الالتزام بتعاليم الدين الحنيف رغم أنه استهدف شخصيا بالأذي من قبلهم، و هو أمر يعكس التوجه الرسالي الصحيح لقائد الثورة، محمد ذو النفس الزكية.

و في خطابة الأول الذي ألقاه في مسجد المدينة بين محمد السبب الذي دعاه للثورة بوجه القيادة العباسية المنحرفة، و التي أسفرت عن انحرافها حال قيامها و ابتعدت عن الاسلام جملة و تفصيلا و ان ادعت كسابقتها أنها هي دولة الاسلام و أن علي الجميع أن يدينوا بالطاعة (لولي الأمر) المنحرف الذي بدا أنه لم يشعر بانحرافه في غمرة سعيه المحموم لتثبيت عرشه و التمهيد لملك و راثي فرعوني يمتد في عقبه و نسله.


قال ذو النفس الزكية:

(أما بعد أيها الناس، فانه كان من أمر هذا الطاغية عدو الله أبي جعفر ما لم يخف عليكم، من بنائه القبة الخضراء التي بناها معاندا الله في ملكه، و تصغيرا للكعبة الحرام، و انما أخذ الله فرعون حين قال: (أنا ربكم الأعلي) [1] ، و ان أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين الاولين و الأنصار المواسين. اللهم أنهم قد أحلوا حرامك، و حرموا حلالك، و آمنوا من أخفت، و أخافوا من آمنت، الله فأحصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تغادر منهم أحدا.

أيها الناس: اني والله ما خرجت من بين أظهركم و أنتم عندي أهل قوة و لا شدة، و لكني اخترتكم لنفسي. والله ما جئت و في هذه الارض مصر يعبد الله فيه الا و قد أخذ لي فيه البيعة..) [2] .

و واضح من كلماته الأخيرة أنه كان يعتقد أنه قد أحكم حلقات حركته و أنه قد استكمل كل شي ء، و أن عدوه سيواجه مشاكل في كل أنحاء مملكته.. و هذا ما لم يكن، اذ أن عدوه الماكر استعد لكل شي ء [3] و كان يحكم الحلقات التي ضيق بها علي تلك الحركة الكبيرة... (لما بلغ أباجعفر خبره بادر الي الكوفة، و قال: أنا أبوجعفر! استخرجت الثعلب من حجره) الطبري 429/4 و كان يقصد أنه عمد الي أساليب من شأنه أن تلجي محمد الي الخروج قبل أن يكمل استعداداته). و لو لم يفعل ذلك لكان قد تعرض حقا للخطر المحتم علي يد محمد و أصحابه.

كان أبوجعفر أعرف بأبعاد ثورة محمد و أكثرهم معرفة بخطرها عليه، حتي أنه جزع جزعا شديدا عندما و صلته أخبارها.

و قد أشار عليه عبدالله بن علي العباسي - و كان محبوسا عنده - أن يرتحل الي الكوفة باعتبار أن أهلها من شيعة أهل البيت و أنصارهم و أن يحففها بالمسالح


و يحاصرها و يمنع الدخول اليها و الخروج منها و يقتل كل من يحاول ذلك، كما أشار عليه أن يبذل الاموال الطائله لشراء الجند و الأعوان، و أن يستقدم من هؤلاء أكبر عدد لنصرته.


پاورقي

[1] النازعات 24.

[2] الطبري 426/4 و ابن‏الاثير 148/5.

[3] ذکر أن أباجعفر کان (يکتب الي محمد علي ألسن قواده يدعونه الي الظهور و يخبرونه أنهم معه، فکان محمد يقول: لو التقينا مال الي القواد کلهم) الطبري 426/4 و ابن‏الاثير 148/5 و واضح أن المنصور کان يقصد أمرين أولها استعجال محمد لاظهار حرکته و ثانيهما تضليله بشأن قوته و عدد الذين کانوا معه.