بازگشت

قحطبة بن شبيب.. تمسكوا باهل البر و التقوي من عترة الرسول...


و تظهر كلمة ألقاها قحطبة بن شبيب صاحب لواء ابراهيم بن محمد بن علي العباسي في اهل خراسان مهارة و مكر القادة العباسيين و قابليتهم لاستغلال مشاعر أهل خراسان الموالين لأهل البيت و المعادين للسلطة الجائرة التي حكمت فيهم بغير ما جاء به الاسلام.

ان قحطبة يحاول هنا اثارة حس الانتماء للوطن الصغير (خراسان) الذي تعرض أهله غير العرب لحملة قاسية من حكامهم الأمويين (العرب)، الذين ابتعدوا عن الاسلام و قيمه الكبيرة الأولي التي رفعت العرب جميعا بعد أن كانوا ضعافا أمام القوي


الكبيرة التي كانت تسيطر علي العالم و منها الدولة الفارسية، فكأنه يريد أن يقول لهم تمسكوا أنتم بالاسلام و احكموا أنفسكم و حطموا من كانوا سببا لخرابكم، و تمسكوا (بأهل البر و التقوي من عترة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم)...

و اذ أنه لا يصرح هنا بأسماء عترة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فانه يعلم حق العلم من هم، و يعلم أن الجميع يعرفونهم حق المعرفة، غير أن نية مبيتة هنا تبرز بوضوح لقلب الموازين و قلب الحقائق بعد أن يتمكن النظام الجديد من بسط نفوذه و سطوته.

فالعباسيون يظهرون أمام المسلمين - و منهم أهل خراسان، الموالون لأهل البيت الحقيقيين - كمطالبين بالثأر و منتصرين لأبناء عمومتهم العلويين، و يريدون من عموم المسلمين و منهم أهل خراسان طبعا أن ينضموا اليهم للأخذ بذلك الثأر و ازاحة الأمويين... اما ماذا سيحدث بعد ذلك، فهذا ما لم يريدوا و الافصاح عنه، اذ أن لكل حادث حديث، و علي الجميع أن يتحدوا هنا للاطاحة بأعداء أهل البيت عليهم السلام، و يتركوا الحديث عمن سيحكم في المستقبل، فبنو العباس أكثر غيرة علي ابناء أعمامهم العلويين و أكثر حبالهم!. و علي من يدعي الموالاة لأي من الطرفين أن يترك الخوض في أمثال تلك الأحاديث التي لم يحن وقتها بعد لكي يفوت علي العدو المتربص فرصة اثارة المتاعب للجميع.

قال قحطبة مخاطبا أهل خراسان الذين كانوا يستعدون لمواجهة أكبر جيش أموي أتيح لهم أن ينازلوه و الذي أثار قلقهم و مخاوفهم:

(يا أهل خراسان، هذه البلاد كانت لآبائكم الاولين، و كانوا ينصرون علي عدوهم بعدلهم و حسن سيرتهم، حتي بدلوا و ظلموا، فسخط الله عزوجل عليهم، فانتزع سلطانهم، و سلط عليهم أذل أمة كانت في الارض عندهم فغلبوهم علي بلادهم و استنكحوا نساءهم، و استرقوا أولادهم، فكانوا بذلك يحمون بالعدل، و يوفون بالعهد و ينصرون المظلوم، ثم بدلوا و غيروا و جاروا في الحكم، و أخافوا أهل البر و التقوي من عترة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فسلطكم عليهم لينتقم منهم بكم لتكونوا أشد عقوبة، لأنكم طلبتموهم بالثأر، و قد عهد الي الامام أنكم تلقونهم في مثل هذه العدة فينصركم الله عزوجل عليهم فتهزمونهم و تقتلونهم..) [1] .


و واضح من كلام قحطبة أن العباسيين كانوا يدعون أنهم قد توارثوا علما يشير الي أنهم سيغلبون و يحكمون و أن ذلك قد وصل اليهم عن طريق الائمة العلويين و غيرهم.. و أن أمرهم و دولتهم شي محقق، و أن خبر ذلك قد ورد عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [2] .

و مهما يكن من أمر فانهم استمروا برفع شعارات الثأر لأهل البيت و الانتصاف لهم من أعدائهم، و الدعوة الي الرضا منهم، فاذا ما حققوا أملهم باستقطاب فئات كبيرة من المسلمين المتعاطفين معهم و استطاعوا حرف الدعوة من مسارها المعلن لتكون في صالحهم، فانهم عندئذ يستطيعون الافصاح عن كل نواياهم و طموحاتهم في الحكم، و هذا ما فعلوه بعد أن تمكنوا و أصبحت الي جانبهم فئات من محبي السلطة و القادة و الزعماء الطامعين بالجاه و الثروة.

لقد ادعوا في البداية تحيزهم الي الخط العلوي - خط أهل البيت الحقيقيين الذين خصوا بالذكر، بعد أن أصبحوا أطروحة و مثلا أعلي لدي المسلمين كافة، فالخلافة العباسية (قامت علي أساس دعوة كانت تتبني زعامة الصادق من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، الحركة السلمية التي علي أساسها نشأت الخلافة العباسية، كانت تأخذ البيعة للصالح، للامام الصادق من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، يعني هذه الحركة استغلت عظمة الاسلام، عظمة هذا الاتجاه، و تجمع المسلمون حول هذا الاتجاه، و لم يكن هؤلاء مسلمون شيعة، أكثر هؤلاء لم يكونوا شيعة، لكن كانوا يعرفون أن الاتجاه الصالح، الاتجاه الحقيقي، الاتجاه الصلب، كان يمثله علي بن أبي طالب عليه السلام و الواعون من أصحاب علي، و الواعون من أبناء علي عليه السلام...) [3] .


پاورقي

[1] الطبري 327/4.

[2] الطبري 344/4.

[3] أهل البيت 70 - 69.