بازگشت

ثورة الاسلام


كما أن ثورة الحسين عليه السلام لم تكن ثورة شيعية - بالمعني الذي يصوره البعض - ممن لا يكلفون أنفسهم عناء البحث و فهم مسار التاريخ و مجريات أحداثه و الذين انساقوا بدوافع عديدة لتشويه هذه الثورة أو التقليل من شأنها - فالشيعة ككتلة عقائدية اختارت مذهب أهل البيت عليهم السلام لم تكن قد ظهرت بعد، كما لم تكن المذاهب الاسلامية الأخري قد ظهرت هي أيضا، الا أن من ناصروه قد تحيزوا الي جانبه لأنه دعاهم الي العودة الصافية الصحيحة لدين جده صلي الله عليه و آله و سلم متجاوزين كل العقبات و الشوائب و الأشوا التي وضعت في الطريق في محاولة لابعاد المسلمين، و كانوا شيعة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و للاسلام، و لم يكن هوي بعضهم منذ البداية مع أهل البيت عليهم السلام بل كانو ضدهم، الا أنهم انبهروا بالموقف الصادق للامام الحسين عليه السلام و صعقوا بحرصه الكبير علي حماية الاسلام بدمه رغم المخاطر الكبيرة التي كانت تلوح أمامه، و ذلك ما جعل حتي بعض الذين قدموا لقتله يتخلون عن مهمتهم و ينضمون اليه في اللحظة التي بدا فيها أن موته مؤكد لا شك فيه.

ان تصفحا واعيا لأحداث التاريخ الاسلامي تجعلنا ندرك أن هذه الثورة قد تركت طابعها الواضح علي تلك الأحداث و الي يومنا هذا و أنها قد فعلت فعلها لجعلها تتخذ المسار الذي اتخذته، و أنها قد جعلت الضمير الاسلامي يستيقظ لدي الجميع و لا يغفو، و لا يتمكن الظالمون و المنحرفون من اعادته الي السبات بسهولة.

و قد حدثت ثورات عديدة من قبل بعض العلويين الذين ينتمون لأهل البيت عليهم السلام كثورة زيد بن علي بن الحسين عليه السلام و ثورة ابنه يحيي من بعده في عهد


الأمويين [1] ، و محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسين و غيره في عهد العباسيين، كما حدثت ثورات أخري قاد بعضها ولاة و عمال و قادة آخرين للأمويين و العباسيين، و مهما كانت الدوافع الحقيقية لهذه الثورات فان استمرارها و ظهورها بين وقت و آخر كان يعبر عن روح كربلاء الرافضة للظلم و الانحراف أبدا، كما أنه يدل علي أن الثوار يجدنون ما يبرر قيامهم بها أمام مجموعات كبيرة من الأمة تستجيب لهم و تثور معهم، و لم يكن من المعقول أن تفعل ذلك دون وجود أسباب حقيقية للثورة و دون وجود أرضية مناسبة لها، و لم يكن من المعقول أن يعزر بتلك الأعداد الكبيرة من الأمة دائما - كما قد يدعي أعداؤهم - و ينساقون دون وعي لمواجهة قوي أكبر منهم ما لم يقتنعوا بضرورة المواجهة و الثورة و ليشعروا كل قطاعات الأمة بالظم الذي يقع عليها و الانحراف المعلن الذي يقع تحت سمعها و بصرها ليتمكنوا من رفعه و ازالته..

و لا نعتقد أن الجميع يحسبون أن كل الأحداث و الثورات التي وقعت فيما بعد، كانت نتيجة ثورة الحسين عليه السلام، فالدوافع كثيرة و أبطال تلك الثورات لم يكونوا كلهم من نمط أولئك الذين نصروا الحسين و تبنوا مواقفه و وقفوا الي جانبه. غير أن تشابك الأحداث و ربط كثير من النتايج بالمقدمات تؤكد أن تلك الثورة كانت ذات أثر كبير علي الكثير منها و ذلك يتطلب دراسات أكثر دقة و شمولية لكل حدث منها و علاقته بتلك الثورة.


پاورقي

[1] و قد أشرنا اليها في هذا الفصل.