بازگشت

صحوة اسلامية متجددة


غير أن الأمر لم يكن مرهونا بأهل العراق و أهل الكوفة علي الخصوص الذين أراد أميرالمؤمنين عليه السلام أن يجعلهم طليعة عقائدية و شيعة حقيقيين للاسلام و لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، بعد أن عزم علي تربيتهم و قيادتهم ضد كل انحراف مشهود أو محتمل و كل خروج عن الاسلام، مع أن هؤلاء لم يكونوا جالية صغيرة في مكان ما من العالم و انما كانوا يشكلون قوة كبيرة لها حضورها و روابطها الوثيقة، و كانت الكوفة تشكل المعسكر المتقدم للدولة الاسلامية بمواجهة أقطار شاسعة لم ينتم أغلبية سكانها للاسلام و كانوا معادين له و علي أهبة الاستعداد للقضاء عليه. و كانت مدينة الجند تلك قد أثرت علي غيرها فيما بعد، و انتشرت طلائعها لتشكل دولا في مختلف أنحاء العالم الاسلامي موالية لأهل البيت، و ان انحرف بعض من حسب عليهم و ادعي أنه يسير علي خطهم. و كانت الأحداث التي لعبوا فيها أدوارا مهمة، عديدة، و قد شاركوا عموم المسلمين بثورات و مواقف مبدئية مشهورة أثبتوا فيها صدق انتمائهم للاسلام و شدة حبهم له.

ان الصحوة الاسلامية التي غالبا ما تتجدد و تلوح دائما في أفق حياة المسلمين، كانت نتاجا دائميا و متجددا لثورة الحسين عليه السلام الذي أصبح رمزا لكل الثائرين علي الانحراف و الظلم، و لم يكن مجرد صوت ارتفع لبرهة من الزمن ليخمد بعد ذلك، و انما كان فعلا حاسما ضحي فيه امام الأمة بحياته من أجل الأمة.

و لم يرد لثورته تلك أن تكون لأجل فئة أو مجموعة منها، و انما لها جميعا..

و اذ لم تتح للكثيرين فرصة الاطلاع علي حقائق هذه الثورة و ملابساتها و ظروفها - به فعل الاعلام المضاد لها - فلعلهم فاعلين ذلك الآن ليدركوا كما أدرك العديدون من أسلافهم أن الحسين عليه السلام لم يكن يسعي للحصول علي سلطان أو مال أو مكسب شخصي، فقد كانت مجرد اشارة موافقة بسيطة منه لمعاوية أو يزيد تجلعه في


مقدمة المستفيدين من (غنائم) الدولة الكبيرة التي كانت تفيض بها علي أعوانها و صنائعها و مقربيها، و لعل موقف الحسين الرافض ليزيد هذا، رغم ما كان سيحصل عليه لو أنه قبل به خليفة، يثير الكثيرين من اللاهثين وراء المكاسب الشخصية و الطامعين بها فيشنون حملة معادية عليه لأنه لم يقبل بما لو حصلوا علي جزء بسيط منه لعدوا أنفسهم من السعداء، و قد سجل بموقفه هذا علي كل طامع علامة ادانة كبيرة تجعل الأمة تنظر اليهم بغضب و احتقار لأنهم اختاروا الوقوف الي جانب الظالم و مساندته علي حساب مصالحها و راحتها و رخائها و التي كانت تتحقق في ظل الاسلام لو كان هناك قيادة حقيقية تشعر بالمسؤولية التامة تجاهها.