بازگشت

قتلت نفسها عندما قتلت الحسين


و كان الامام الحسين عليه السلام يري أن الامة، ممثلة بالجيش الذي أرسله يزيد لحصاره و قتله، اذا ما أقدمت علي هذه الجريمة، فانها ستوقع بيدها علي وثيقة اعدامها و قتلها هي بيد الذين استخدموها لقتاله و قتله أنفسهم...

و كان يعلم أنه الممثل الحقيقي لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و للاسلام، و أن الأمة تعلم ذلك، و كان يحذرها، اذا ما تجرأت علي قتله، فكأنها تقدم بذلك علي قتل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه و تنتهك حرمته و حرمة الاسلام.. و ليس امرا مفترضا و غير واقعي أن الاقدام علي قتل الحسين عليه السلام يمثل نهاية التمادي في الجريمة دون وازع كما يمثل الانفصال التام عن الاسلام مهما حاول المشاركون بالجريمة ايهام أنفسهم أنهم ينتمون اليه و انهم علي استعداد للدفاع عنه...!

قال الحسين عليه السلام لقتلته قبيل تنفيذ المراحل الأخيرة من الجريمة:

(أما و الله، لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله، الله أسخط عليكم لقتله مني. و أيم الله اني لأرجو ان يكرمني الله بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون. أما و الله أن لو قد قتلتموني، لقد ألقي الله بأسكم بينكم، وسفك دماءكم ثم لا يرضي لكم بذلك حتي يضاعف لكم العذاب الأليم..» [1] .


و كيف لا يكون الجزاء من صنف العمل؟ و كيف حدث أن هذه الأمة لم تكتف بعدم تقييم العمل الكبير الذي أقدم عليه الحسين و نهضته و مسيرته الملحمية لانقاذها، فهو بقية الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ممثله و وصيه و حامل رسالته و مبلغ سره و أمانته، و أساغت لنفسها أن تسير خلف طغاتها و شذاذها و أعدائها لتقتل ابن الرسول هذا و وصيه قتلة شريرة و تمثل بجيشه و تنهب ثقله و متاعه و تسبي نساءه و أطفاله و تشردهم و تعذبهم و تسجنهم...

ان هذا سيظل امرا غير مفهوم في غياب عدم معرفة طبيعة تلك الظروف التي مهد لها معاوية طيلة أكثر من عشرين عاما و جعل الامة غائبة عن الوعي مسلوبة الارادة و أصبح في نهايتها قادرا علي تنفيذ كل خططه و برامجه الشريرة و مهد لامبراطورية الشر الاولي في تاريخ الاسلام.

ان اقدام السلطة علي قتل الحسين و اشراك الامة بذلك لن يجعل تلك السلطة تهاب الاقدام علي قتل أي شخص آخر مهما علا مركزه و سمت مكانته، فتلك كانت أكبر عملية جس نبض تعرضت لها الامة لمعرفة رد فعلها علي قتل أكبر شخصية من المسلمين بل الشخصية الاولي فيهم، و سيكون ذلك تمهيدا لحملة محمومة من الانتهاكات و الجرائم الاخري التي ستقدم عليها بعد ذلك دون تردد أو تحفظ.

لقد كانت الامة تقبلها اياه و قبولها ان تكون أداة بيد القاتل، تقتل نفسها أيضا... فالقاتل الرئيسي سيعمد الي تأليب بعضها علي بعض و تجريد بعضها علي بعض ما دامت تطاوعه و تستجيب له الي تلك الدرجة التي تطاوعه و تستجيب له الادوات الجامدة الفاقدة للحياة و الحس كالسيف و الرمح، و كان ذلك دون شك يحزن الامام الحسين عليه السلام الذي أراد انقاذها من هذا المصير المفجع، مع أنه مطمئن لمصيره هو و الكرامة التي سينالها في دار القرار و في هذه الدنيا، اذ أقدم علي ما تراجع عنه الكثيرون و لم يتراجع رغم كل الثمن الكبير الذي دفعه.


پاورقي

[1] الطبري 343/3.