بازگشت

الانحراف مقدمة للسقوط


و قد استعرض لنا التاريخ تصرفات (الخلفاء) الأمويين، و أفاض و استطرد. و ربما رأينا أن تلك الدولة التي حكمها أكثر من اثني عشر حاكما خلال أكثر من ثمانين عاما و التي لم يسر فيها أحد منهم سيرة حسنة سوي خليفة واحد هو عمر بن عبدالعزيز لفترة قليلة من الزمن أغتيل بعدها من قبل العائلة الاموية نفسها - كانت تبدو قوية في الظاهر، مزدهرة مكينة، غير أن تلك القوة الظاهرية قد حملت عوامل فنائها و اندثارها بنفس الوقت.

كانت أيام الأمويين الزمن الذي اختفي فيه الحق و ظهر فيه الباطل و كثر فيه الكذب علي الله و رسوله و زور الحديث و فسرت آيات الكتاب علي ما يشتهي الحاكمون، حتي لكأنهم جاؤوا باسلام آخر لا يحمل من الاسلام الحقيقي الا اسمه و رسمه الظاهري، ان صح أن يكون له رسم، و قلبت كل المفاهيم و الموازين...

كانت نهاية الانحراف تلك محتمة بعد ما مهد لها من قبل، و بدأ خط الشروع بالانحراف الاول يبتعد عن خط الاسلام الأساسي و لو ابتعادا ضئيلا غير مرئي و لا محسوس في البداية، الا انه قد ابتعد و لا بد أن يصل بعد فترة - كتلك التي استمر فيها الحكم الأموي - الي نقطة لا مجال فيها للالتقاء بالخط الاول و العودة اليه.

و ليس غريبا أن يتوصل أميرالمؤمنين عليه السلام، برهافة حسه و شعوره الكبير بالمسؤولية و معاصرته لكل أحداث الاسلام صغيرها و كبيرها، مع ما أخبره به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الي عرض نتائج الانحراف الخطيرة بعدما رأي مقدماتها. و ليس غريبا أن يجعلنا ننظر الصورة المقلوبة للاسلام التي أرادنا الأمويون أن نعيش في أجوائها و ضمن اطارها.. و هو صورة قاتمة مقيتة تهول كل من عرف الاسلام معرفة حقيقية و عاش أجواءه النقية الصافية... (انه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شي ء أخفي من الحق و لا أظهر من الباطل، و لا أكثر من الكذب علي الله و رسوله، و ليس


عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب اذا تلي حق تلاوته و لا أنفق منه اذا حرف عن مواضعه [1] .

و لا في البلاد شي ء أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر.

فقد نبذ الكتاب حملته و تناساه حفظته. فالكتاب يومئد و أهله طريدان منفيان، و صاحبان مصطحبان في طريق واحد، لا يؤويهما مؤو فالكتاب و أهله في ذلك الزمان في الناس و ليسا فيهم و معهم، لأن الضلالة لا توافق الهدي، و ان اجتمعا، فاجتمع القوم علي الفرقة و افترقوا عن الجماعة، كأنهم أئمة الكتاب، و ليس الكتاب امامهم. فلم يبق عندهم منه الا اسمه و لا يعرفون الا خطه و زبره.

و من قبل ما مثلو بالصالحين كل مثلة. و سموا صدقهم علي الله فرية، و جعلوا في الحسنة عقوبة السيئة. و انما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم و تغيب آجالهم حتي نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة و ترفع عنه التوبة و تحل معه القارعة و النقمة..) [2] .


پاورقي

[1] (قال شعبة، امام المحدثين: تسعة أعشار الحديث کذب.

و قال الدار قطني: ما الحديث الصحيح في الحديث الا کالشجرة البيضاء في الثور الاسود. شرح ابن‏ابي‏الحديد م 2 ص 408. و هذه حقيقية رهيبة ينبغي الوقوف عندها طويلا و معرفة سرها و دوافعها. و هي بلا شک تتعلق بارادة الحاکمين الذين رأوا أن لا حياة لهم الا بتزوير الاسلام و عرضه مقلوبا!.

[2] المصدر السابق ص 408.