بازگشت

الناس في ظل دولة الظلم


يقول أميرالمؤمنين عليه السلام: (فعند ذلك أخذ الباطل مأخذه، و ركب الجهل مراكبه، و عظمت الطاغية، و قلت الداعية، وصال الدهر صيال السبع العقور، و هدر فنيق الباطل بعد كظوم و تواخي الناس علي الفجور، و تهاجروا في الدين، و تحابوا علي الكذب، و تباغضوا علي الصدق، فاذا كان ذلك كان الولد غيظا، و المطر قيظا، و تفيض اللئام فيضا، و تغيض الكرام غيضا. و كان أهل ذلك الزمان ذئابا، و سلاطينه سباعا، و أوساطه أكالا، و فقراؤه أمواتا، و غار الصدق، و فاض الكذب، و استعملت


المودة باللسان و تشاجر الناس بالقلوب، و صار الفسوق نسبا و العفاف عجبا، و لبس الاسلام لبس الفرو مقلوبا..) [1] .

تلك هي احدي الصور التي رسمها أميرالمؤمنين عليه السلام لمجتمع الظلم في ظل دولة الظلم قبل أن تنهار و تقوم علي أعقابها دول أخري و مجتمعات أخري ربما تأخذ بطرف من العدالة و نصيب منها، و ربما جاء ذلك نتيجة ثورة، الا أنها قد تميل أيضا و تعود كسابقتها بعد أن يستأثر واحد أو مجموعة ممن (ثاروا) فتعود الامور كسابقتها و ربما فاقت دولة الظلم المتأخره من سبقها لتراكم الخبرات و تزايد الامكانات.

و لو تساءلنا: هل هذه الصورة التي عرضها أميرالمؤمنين عليه السلام علينا تدعو لتفاؤل القائمين علي هذه الدولة و سرورهم؟ و هل يمكن القول ان المجتمع سينمو و يزدهر في ظل هذه الدولة، أم أنها بداية لسقوط محتم و انهيار شامل في النهاية؟

لا شك أن الشق الثاني من السؤال سيكون هو الاجابة الصحيحة عنه...

فاذا ما ظن أحد أن الدنيا أصبحت رهن أيدي الحكام الامويين، ما دامت تمنحهم درها و توردهم صفوها، و ما دام سوطها و سيفها يعملان في رقاب أبناء الأمة و فوق ظهورهم، فانه ظنه لم يصدق بذلك حتما و كما يقول أميرالمؤمنين عليه السلام: (و كذب الظان لذلك، بل هي مجة من لذيذ العيش يتطعمونها برهة ثم يلفظونها جملة..) [2] .

و اذا أن دولة الظلم الأموية تتمادي لأبعد حد في ظلمها و انحرافها حتي (.. لا يبقي بيت مدر و لا وبر الا و أدخله الظلمة ترحة و أولجوا فيه نقمة» [3] ، فانها بذلك


تعلن رفضها للاسلام و استغناءها عنه. و بذلك تكشف كل الاقنعة و البراقع التي تسترت بها في السابق و ستكون عرضة لتجدد غضب الامة منها و نقمتها عليها (.. فيومئذ لا يبقي لهم في السماء عاذر و لا في الأرض ناصر..) وسيحل بهم ما حل بغيرهم من الطغاة و الظالمين و سينتقم الله منهم شر انتقام و سينتصف لكل المظلومين و المغلوبين و المضطهدين، (سينتقم الله ممن ظلم مأكلا بمأكل، و مشربا بمشرب، من مطاعم العلقم و مشارب الصبر و المقر، و لباس شعار الخوف و دثار السيف، و انما هم مطايا الخطيئات و زوامل الآثام، فأقسم ثم أقسم لتنخمنها أمية من بعدي كما تلفظ النخامة، ثم لا تذوقها و لا تطعم بطعمها ما كر الجديدان..) [4] .


پاورقي

[1] نهج‏البلاغة 259.

[2] شرح نهج‏البلاغة م 132 - 2.

[3] شرح نهج‏البلاغة م 2 ص 466. و من الطبيعي ان الاخبار التي يوردها أميرالمؤمنين عليه‏السلام هي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، کا سبق أن ذکر عليه‏السلام ذلک في مناسبات عديدة، يؤيد ذلک ما (جاء في الاخبار الشائعة المستفيضة في کتب المحدثين أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أخبر بني امية تملک الخلافة بعده مع ذم منه عليه الصلاة و السلام لهم، نحو ما روي عنه في تفسير قوله تعالي: (و ما جعلنا الرءيا التي أريناک الا فتنة للناس و الشجرة الملعونة في القراءن) فان المفسرين قالوا انه رأي بني‏أمية ينزون علي منبره نزو القردة. هذا لفظ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي فسر لهم الآية به فساءه ذلک، ثم قال الشجرة الملعونة بنوأمية و بنوالمغيرة، و نحو قوله صلي الله عليه و آله و سلم: اذا بلغ بنو أبي‏العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا و عباده خولا. و نحو قوله صلي الله عليه و آله و سلم في تفسير قوله تعالي: (ليلة القدر خير من ألف شهر) قال ألف شهر يملک فيها بنوأمية. و ورد عنه صلي الله عليه و آله و سلم من ذمهم الکثير المشهور..) شرح النهج م 2 ص 447 - 446.

[4] المصدر السابق.