بازگشت

اثارة الخلاف.. اثارة الفرقة


و لو أنه ألزم نفسه بخط التجربة المنحرفة كشرط لاستلامه الحكم، مع كل الوعي الصحيح و الفهم الدقيق للاسلام الذي كان يتمتع به، لكان معني ذلك أنه يساوم علي مصالحه الشخصية، و هذا ما لم يكن ليفعله بأي حال من الاحوال لأنه (كان يريد أن تكون المعارضة في اطارها الرسالي و أن ينعكس هذا الاطار علي المسلمين، أن يفهموا أن هذه المعارضة ليست لنفسه و انما للرسالة، و حيث أن أبابكر و عمر كانا قد بدآ الانحراف، و لكن الانحراف لم يكن قد تعمق بعد، و المسلمون القصير و النظر الذين قدموا أبابكر علي علي، ثم قدموا عمر علي علي، هؤلاء المسلمون القصير و


النظر لم يكونوا يستطيعون أن يعمقوا النظر الي هذه الجذور التي نشأت أيام أبي بكر و عمر، فكان معني مواصلة المعارضة بشكل جديد أن يفسر من أكثر المسلمين بأنه عمل شخصي و انها منافسة شخصية مع أبي بكر و عمر. و ان بدأت بذور الانحراف في عهدهما، الا انه حتي هذه البذور كانت علي الاغلب مصبوغة بالصبغة الايمانية، كانا يربطانها بالحرارة الايمانية الموجودة عند الأمة، و حيث أنها حرارة ايمانية بلا وعي، و لهذا لم تكن الأمة تميز هذا الانحراف) [1] .

و اذ أن وضع الأمة ذاك كان بعد عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مباشرة، فلنا أن نتصوره بعد مائة سنة، و بعد أن شهدت الامة سلسلة من الحكام، بدا لها معها أن عهد عثمان كان عهدا ذهبيا فكيف بعهد الخليفتين الأولين [2] ، كما أن هذه الأمة قد تعرضت لأكبر عملية غسيل للأدمغة عندما شن معاوية الماكر الذكي و عبقري الشر المتفرد أكبر حملة لمسح الاسلام و تزوير أحكامه و مفاهيمه و تاريخه، و رسخ في عقول الناس أن الانحراف و الابتعاد عن الدين أمر لا بد منه في النهاية.

فهل يجد امرؤ رسالي ينشد التغيير و تخليص الامة من واقعها المؤلم في ظل الحكم الاموي الجائر و المولع في الانحراف سبيلا الي اثارة أمور تتعرض لانحراف سابق مستور غير واضح لدي فئات عديدة من هذه الأمة؟ لمجرد انه يريد أن يسترضي جماعة يريد منهم أن يقوموا معه لمقاومة دولة الظلم و ما جدوي اثارة أمثال هذه المسائل في تلك اللحظات الحاسمة التي كانت المواجهة فيها مع هذه الدولة؟

ألا نري أن هذه المسألة تثار دائما من قبل أولئك الذين يريدون العمل علي تفرقة المسلمين، مع أنهم أبعد الناس ميلا عن الطرفين بل عن المسلمين عموما و أن من يثيرها الآن بشكل خفي أو مكشوف أشد القوي عداء للاسلام، فهل أن دوافع أعداء الاسلام تستهدف مصلحة الاسلام؟



پاورقي

[1] أهل البيت ص 63 - 62.

[2] و نعيد الي الأذهان هنا النادرة الطريفة التي رويت عن معاوية و يزيد، عندما قال الاول للثاني (کيف تراک فاعلا ان وليت؟ قال: کنت و الله يا أبه عاملا فيهم عمل عمر بن الخطاب، فقال معاوية: سبحان الله يا بني، و الله لقد جهدت علي سيرة عثمان، فما أطقتها فکيف بک و سيرة عمر) ابن‏کثير 168/6.