بازگشت

الانشقاق


اجتمعت الي زيد جماعة من رؤوس أهل الكوفة، و كان قد بايعه منها خمسة عشر ألف رجل سوي اهل المدائن و البصرة و واسط و الموصل و خراسان، و الري و جرجان [1] ، فقالوا:(رحمك الله، ما قولك في أبي بكر و عمر؟ قال زيد: رحمهما الله و غفر لهما. ما سمعت أحدا من أهل بيتي يتبرا منهما و لا يقول فيهما الا خيرا.


قالوا: فلم تطلب اذا بدم أهل هذا البيت؟ الا أن وثبا علي سلطانكم فنزعاه من أيديكم؟

فقال لهم زيد: ان أشد ما أقول فيما ذكرتم أنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الناس أجمعين، و ان القوم استأثروا علينا، و دفعونا عنه، و لم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا، و قد ولوا فعدلوا في الناس، و عملوا بالكتاب و السنة.

قالوا: فلم يظلمك هؤلاء! و ان كان أولئك لم يظلموك، فلم تدعو الي قتال قوم ليسوا لك بظالمين!

فقال: و ان هؤلاء ليسوا كأولئك، ان هؤلاء ظالمون لي و لكم و لأنفسهم، و انما ندعوكم الي كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و الي السنن أن تحيا، و الي البدع أن تطفأ، فان انتم أجبتمونا سعدتم، و ان أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل. ففارقوه و نكثوا بيعته..) [2] .

و اذا ما صحت هذه الرواية، فانها تشير الي أن محاورين نكدين، بل خصوم ألداء جاءوا زيدا لمحاولة احراجه في تلك اللحظات الدقيقة التي كان يستعد فيها لمواجهة دولة الظلم الأموية، و تشير الي أنه قد استطاع ببراعة أن يفوت الفرصة عليهم، لأنه لو لم يجيبهم بتلك الطريقة، لفتح بابا آخر للخلافات و المشاكل بين المسلمين حاول أئمة أهل البيت عليهم السلام اغلاقه منذ البداية لضمان وحدتهم و جماعتهم، و لم تبلغ أشد خطبة ألقاها أميرالمؤمنين عليه السلام بشأن اغتصاب حقه في خلافة المسلمين، مبلغ الذهاب الي السباب و الطعن بمن فعل ذلك [3] ، و قد بدا


حريصا في مناسبات متعددة ألا ينالهم أذي كما بدا حريصا علي التفات الناس. حولهم ما داموا قد تعهدوا بحسن السيرة و ألزموا أنفسهم بذلك، و ما دام ذلك يضمن الا يفترق الناس أو يرتدوا بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خصوصا و ان العوامل التي كانت تساعد علي الردة عديدة و متنوعة و العهد بالجاهلية قريب جدا..

صحيح أن التجربة الاسلامية بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تعرضت لانحراف خطير في مجال الحكم و في مجالات عديدة أخري، غير أن تلك الانحرافات كانت مبطنة بالايمان و لم تكن مبطنة بالكفر كتلك التي وصل اليها الحال لدي الحكام الامويين و لم تكن محسوسة لدي الأمة، فيما عدا فئة قليلة منها، لذلك فان أي تصد لتلك التجربة المنحرفة سيفسر علي انه تنافس علي السلطة و لم يكن ليفهم علي وجهه الصحيح من جانب الاغلبية من أبناء الأمة التي لم تكن تفكر بعقلية اسلامية بحتة و خصوصا تلك الأغلبية التي لم تلتحق الا مؤخرا بالاسلام أو التي التحقت به عندما لم تر بدا من ذلك.

غير أن أميرالمؤمنين رفض خط تلك التجربة المنحرفة عندما عرض عليه كشرط لاستلامه الحكم بعد وفاة عمر، عندما قيل له أن عليك أن تعمل بكتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و سيرة الشيخين،قال: أعمل بكتاب الله و سنة نبيه و اجتهادي [4] .


پاورقي

[1] الاصفهاني / مقاتل الطالبيين ص 135 و الطبري 199/4.

[2] الطبري 205/4 و ابن‏الاثير 452/4.

[3] و قد جاء في خطبة الامام المعروفة بالشقشقية قوله:(أما و الله، لقد تقمصها ابن ابي‏قحافة، و انه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي، ينحدر عني السيل و لا يرقي الي الطير، فسدلت دونها ثوبا، و طويت عنها کشحا، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر علي طخية عمياء، يهرم فيها الکبير، و يشيب فيها الصغير، و يکدح فيها مؤمن حتي يلقي ربه، فرأيت أن الصبر علي هاتا أحجي، فصبرت و في العين قذي، و في الحلق شجا، أري تراثي نهبا...

حتي مضي الاول لسبيله فأدلي بها الي ابن الخطاب بعده... لشد ما تشطرا ضرعيها... فمني الناس لعمر الله بخبط و شماس، و تلون و اعتراض، فصبرت علي طول المدة و شدة المحنة..). شرح نهج‏البلاغة - ابن‏ابي‏الحديد 54 - 50/1 و لا يخفي تألم أميرالمؤمنين من سلبه حقه، غير أثر الصبر الطويل رغم شدة المحنة و النتائج المفجعة التي تلتها و التي ألحقت أشد الاضرار بالمسلمين.

[4] قال عبدالرحمن بن عوف لعلي (هل أنت يا علي مبايعي علي کتاب الله و سنة نبيه و فعل أبي‏بکر و عمر؟ قال: اللهم لا، و لکن علي جهدي من ذلک و طاقتي). الطبري 586/2 فهو کان حريصا علي التخلص من التجربة المنحرفة و لم يلزم نفسه بها حتي و لو کان الثمن هو الحکم.