بازگشت

محاولة للاستدراج


و هذه الظواهر تبرز في ظل دول الظلم التي غالبا ما تلجأ الي أشد الأفعال ظلامية و شرا لتحقيق مآربها و أغراضها الشريرة، و ان حاول أقطابها الظهور بمظهر الورعين و الحريصين علي مصالح الأمة لا مصالحهم هم.

ان أولئك الذين حسبوا أن ثورة زيد لم تكن سوي مغامرة مصيرها الفشل المحقق أمام الدولة القوية المزدهرة ذات الثراء الأسطوري، و أولئك الذين حاولوا التخلي عنه بعد أن بذلوا وعودهم لنصرته في البداية، برروا تخليهم عنه بمبررات تختلف عن تلك التي لجأ اليها أسلافهم عندما عزموا التخلي عن مسلم - و قد سبق أن أشرنا اليها في هذا الكتاب - و لجأوا الي أسلوب لئيم، علموا معه أن استقامة زيد و حرصه علي وحدة المسلمين و الفتهم، ستساعدهم علي بلوغ غرضهم للتشنيع عليه و عزله عن جماهير الكوفة المتعبة المستهدفة بالظلم و الشر، و لعلهم قد فعلوا ذلك بايعاز من الوالي الاموي يوسف بن عمر، أو بعض من كانوا يوالونه.

فقد جاءه نفر منهم بعد أن علموا جد يوسف بن عمر في طلبه و طلب أصحابه، يسألونه رأيه في أبي بكر و عمر..! و بالتأكيد فان رأيه لم يكن ليخالف رأي الائمة من أهل البيت فيهما، و الذين لم يتعرضوا بالنقد العنيف أو السب للشيخين رغم علمهم باستئثارهما و قيامهما بابعادهم عن حقهم في الخلافة بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مباشرة، فلم يكن من شأن أي موقف متشنج معاد للشيخين سوي أن يثير مشاعر العداوة و الخلافات بين المسلمين الذين أصبحوا شيعا و أحزابا منذ ذلك الحين، ثم تعمقت خلافاتهم عند حكم أميرالمؤمنين عليه السلام، عندما كشفت قوي النفاق عن وجهها القبيح و واجهت خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي كان ينبغي أن يتسلم القيادة الفعلية للمسلمين منذ البداية، بجملة من المشاكل و الحروب عمل علي تأجيجها مؤسس الدولة الأموية معاوية نفسه الذي قام فيها بعد بأكبر عملية تزوير للحديث الشريف تستهدف النيل من أميرالمؤمنين و الحط من منزلته أمام المسلمين [1] و ابراز منافسيه القدامي و في مقدمتهم الشيخان كأعظم شخصيتين بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لم يكن دافعه لذلك و لاؤه للشيخين أو محبته لهما، فهو أبعد الناس عن سلوكهما


و نهجهما، غير أنه فعل ذلك في غمرة سعيه المحموم للقضاء علي منافسه الي الأبد و القضاء علي أي تطلع من أبنائه أو أحفاده في المستقبل لمنصب الخلافة الذي عده مكسبا شخصيا و ملكا خاصا ينبغي عليه أن لا يتنازل عنه ما دام قد حصل عليه بكده وجهده..!

(روي المدائني: كتب معاوية نسخة واحدة الي عماله بعد عام الجماعة: برئت الذمة ممن روي شيئا في فضل أبي تراب و أهل بيته، فقام الخطباء من كل كورة، و علي كل منبر، يلعنون عليا و يبرأون منه، و يوقعون فيه و في أهل بيته [2] .

ثم كتب الي عماله في جميع الآفاق:(لا تجيزوا لأحد شيعة علي و أهل بيته شهادة) [3] .

و كتب اليهم: (أن أنظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبيه و أهل ولايته و الذين يروون فضائله و مناقبه، فأدنوا مجالسهم، و قربوهم و أكرموهم، و اكتبوا لي كل ما يروي كل رجل منهم و اسمه و اسم أبيه و عشيرته) [4] .

و كتب اليهم بعد ذلك بعد أن كثرت الاحاديث عن فضائل عثمان: ان الحديث في عثمان قد كثر و فشا في كل مصر، فاذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس الي الرواية في فضائل الصحابة و الخلفاء الاولين، و لا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب الا و تأتوني بمناقض له في الصحابة، فان هذا أحب الي و أقر لعيني و أدحض لحجة أبي تراب و شيعته) [5] و لا يخفي ما في هذه الأوامر من اشارات واضحة تدعو لوضع الاحاديث المكذوبة في الصحابة لكي لا يبدو عليا و كأنه تفرد بميزات لم تكن موجودة عند غيره من الصحابة و ليبدو الجميع أمام المسلمين و كأنهم حالات فريدة.

و من هنا حدث الالتباس عندما زاحمت الاحاديث الكثيرة الموضوعة في فضل الصحابة تلك الاحاديث الصحيحة التي رويت في فضائل أميرالمؤمنين علي و أهل بيته عليهم السلام.



پاورقي

[1] و قد رأينا حملة السباب التي استهدفته عليه‏السلام طيلة حکم الدولة الاموية عدا الايام التي حکم فيها عمر بن عبدالعزيز.

[2] ابن‏أبي‏الحديد 595/5 - و قد تطرقنا الي ذلک عند استعراضنا جانبا من شخصية أميرالمؤمنين عليه‏السلام و شخصية معاوية.

[3] المصدر السابق 595/3.

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر السابق 596/3.