بازگشت

فزع و تنازل


كان هذا التنازل من عبدالملك يدل علي فزعه الشديد من ثورة العراقيين التي توشك أن تطيح بعرشه، فلم يسبق لمثل هذه الاعداد أن اجتمعت علي مقاومة الدولة الاموية، و لا شك ان ما يثيرها الآن تفاقم الظلم في العراق و الذي بلغ ذروته بوجود الحجاج حاكما هناك.

و اذ أن الحجاج لم يكن سوي آلة طيعة من أدوات الظلم فان سحبها من العراق و اشهارها في مكان آخر قد يحتمل ن تقوم فيه ثورة أخري، بدا مفتاحا لحل تلك المشكلة الكبيرة التي و اجهت عبدالملك.

و هو الأمر الذي أفزع الحجاج و جعله يكتب لعبد الملك لكي يتراجع عن قراره [1] فلم يأته أمر قط كان أشد عليه و لا أغيظ له و لا أوجع لقلبه منه مخافة أن يقبل اهل العراق فيعزل عنهم، فلم يكن يخدم الدولة لأنها تحقق العدالة لعموم المسلمين و لأنها تمثل التوجهات الحقيقية للاسلام، بل لأنه وجد له مكانا فيها يتيح له تحقيق أطماعه و طموحاته الشخصية، و يجعله في الصدارة من الحكام و المتنفذين، و لنا أن نتصور حزنه و غيظه اذ ما أطاح به مولاه بقرار سريع لكي يرضي أعداءه.


پاورقي

[1] فقد کتب الحجاج الي عبدالملک:(يا أميرالمؤمنين، و الله لئن أعطيت أهل العراق فزعي لا يلبثون الا قليلا حتي يخالفوک و يسيروا اليک، و لا يزيدهم ذلک الا جرأة عليک. ألم تر و تسمع بوثوب أهل العراق مع الأشتر علي ابن عفان، فلما سألهم ما يريدون قالوا: نزع سعيد بن العاص، فلما نزعه لم تتم لهم السنة حتي ساروا اليه فقتلوه. ان الحديد بالحديد يفلح. خار الله لک فيما ارتأيت...) الطبري 630/3، و ابن‏الاثير 204/4.