بازگشت

من هم المجاهدون


و هكذا هو الجهاد في الاسلام، يندفع اليه أكثر الناس شعور بالمسؤولية و أكثرهم تحسسا بوطأة الواقع المر في ظل الظلم و الانحراف و الجور... و هذا الشعور بالمسؤولية قد يكون شعورا بالمسؤولية الخالصة أو العامة، و من هنا ورد في الحديث الشريف أن (من قتل دون ماله فهو شهيد، و من قتل دون دينه فهو شهيد و من قتل دون دمه فهو شهيد، و من قتل دون أهله فهو شهيد) [1] .

علي أن الذي اتفق عليه علماء المسلمين علي اختلاف مذاهبهم و نزعاتهم و طوائفهم هو أن أعلي مراتب الشهادة، هي الشهادة في سبيل الله، يقاتل من أجلها المسلم و يقتل، و قد يكون ذلك علي أيدي المشركين أو الكافرين، و قد يكون علي أيدي الباغين أو المنافقين أو الخارجين عن الاسلام بمختلف الأشكال و الحجج.

سئل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن أفضل الأعمال فقال: «الايمان بالله و الجهاد في سبيله» [2] و سئل عن أفضل الناس فقال: «مؤمن يجاهد بنفسه و ماله في سبيل الله» [3] .


و قد روي عن الامام الحسين عليه السلام قوله عن رسوله الله صلي الله عليه و آله و سلم: «ان فوق كل بر بر حتي يبذل العبد دمه، فاذا فعل ذلك فلا بر فوق ذلك» [4] .

و قال الامام الباقر عليه السلام، ان علي بن الحسين عليه السلام كان يقول: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ما من قطرة أحب الي الله عزوجل من قطرة دم في سبيل الله» [5] .

و قال الامام الصادق عليه السلام: «من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئا من سيئاته» [6] و يقول أميرالمؤمنين عليه السلام حول جهاد أهل البغي و الزيغ:«... و قتال لأهل الزيغ لا ينفر عنهم حتي يفيئوا الي أمر الله أو يقتلوا..» [7] .

و حتي اذا ما حاول أحد أن يجعل من معركة بين طائفتين من المسلمين دليلا علي أن كلتاهما من المؤمنين، كما ورد في الآية الكريمة: (و ان طآئفتان من المؤمنين القتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما علي الأخري فقتلوا التي تبغي حتي تفي ء الي أمر الله) [8] ... (فهذا النص القرآني الكريم يتناول كل قتال بين الفئات المسلمة، و علي كافة المستويات... و عليه فالمقتول في مقاومة الباغين كالمقتول في محاربة الكافرين سواء بسواء و ذلك لأن قتل باذلا نفسه في سبيل الله) [9] .

و هنا علينا أن ننظر الي ما قامت به القيادة الأموية ضد الاسلام و استبعادها اياه عمليا عن الحياة العامة للمسلمين الا القدر الذي لا يضر بمصالحها و تري أنه يعزز تلك المصالح و تجاوزها كل معطياته و أحكامه الي حد الذهاب لتنصيب أبعد الناس عن الاسلام و أقلهم احتراما له و التزاما به خليفة للمسلمين و ممثلا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه قدوة المسلمين ورائدهم و مثلهم الأعلي..

كيف سيكون البغي ان يكن هو هذا البغي الأموي نفسه...؟ ان التعدي الأموي لم يكن علي فئة أخري من المسلمين، و لم يكن علي الجيل الذي عاصر تلك الفترة المحزنة، و انما هو علي أجيال المسلمين التي تحملت مساوئه و آثاره و لا تزال تعاني منها الي اليوم.


هل يمكن أن تلحق أطماع فرد واحد أو جماعة قليلة كل هذا الأذي الهائل الذي ألحق بالبشرية! و هل يوازي ما جناه من أرباح و مكاسب هذه الخسائر الجسمية التي لا تحصي! انه لأمر غير قابل للتصور و لا نستطيع أن نري كيف يستطيع هضمه من يدعي الانتماء للاسلام و الحرص علي مصالح المسلمين...!


پاورقي

[1] الشهيد في الفقه الاسلامي / د. شوکت عليان الفيصل 188 / 4 صفر 1992 / 1413.

[2] جهادنا المقدس - د. عبد الحليم محمود - شيخ الأزهر - عن الجهاد - جلال الدين الفارسي بيروت 1978 ص 58.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] أصول الکافي 54 - 53 / 5 (الجهاد).

[6] أصول الکافي 54 - 53 / 5 (الجهاد).

[7] التهذيب - للطوسي 144 / 6.

[8] الحجرات (9).

[9] الشهيد في الفقه الاسلامي ص 96.