بازگشت

غلطة أم كارثة


ان هذه الغلطة الكبيرة التي ارتكبتها الأمة بمشاركتها و سكوتها عن الجريمة التي ارتكبت بحق امامها و قائدها الحقيقي أتاحت لها فرصة التبصر و المراجعة قبل الاقدام علي مواقف مماثلة، و أتاحت للعديدين من أبنائها فرصة التراجع عن موافقهم الضعيفة المساومة و انتهاج خط الامام الحسين المتصدي لدولة الظلم أينما كانت و مهما كانت قوتها، و جعلتهم متحفزين متربصين لكل الظواهر أو البوادر التي تسبق ظهور هذه الدولة و ظهور طغاة جدد يتسلطون علي مقدارات الأمة و مكاسبها.

و يمكن القول ان العديد من الثورات التي حدثت بعد ثورة الحسين و في مقدمتها ثورة المدينة و التوابين في الكوفة، كانت تعبر عن تراجع الأمة عن موقفها الخاطي ء و تقبلها للانحراف، و استعدادها لتصحيح المسيرة بمثل الأسلوب الذي لجأ اليه الامام الحسين عليه السلام، حتي و لو اقتضي الأمر و كان الثمن هو دماء المزيد من المضحين، و قد دفعوه غير مبالين و لا خائفين.

و كان رد الفعل الأول علي الثورة هو الاحتجاج علي أسلوب قمعها أولا، ثم الاحتجاج علي الظواهر التي اعتادت الأمة رؤيتها من دولة الظلم الأموية.

و كانت محاولة التنصل من تهمة قتل الحسين عليه السلام و أصحابه من قبل يزيد و ابن زياد و ابن سعد و غيرهم، و قيام المشتركين و منفذي الجريمة باتهام بعضهم البعض، يمثل استجابة لردود الفعل الغاضبة التي لمسوها من عموم أبناء الأمة، حتي من الناس المقربين منهم و المحسوبين عليهم منذ اللحظات الأولي لارتكاب جريمتهم المنكرة.


لابد من الجد و الموضوعية

ان أمرا مهما - بخصوص هذه الثورة - ينبغي علي جميع المسلمين القيام به علي اختلاف مذاهبهم و مواقفهم المتباينة منها الآن و المبنية دون شك علي طبيعة فهمهم لها و المصادر التي تلقوا عنها معلوماتهم، و هو ضرورة تناولها تناولا جادا و دراستها دارسة موضوعية غير متميزة مبنية علي فهم واضح لظروفها و أهدافها و أطراف الصراع فيها و طبيعتهم.

ان الفترة الزمينة الطويلة التي مرت علي ذلك الحدث الجلل، ينبغي أن تجعلنا هادئين بشكل كاف لنتناوله من الزوايا المناسبة الصحيحة التي تتيح لنا فهمه بشكل واضح ندرك مع أن الحسين عليه السلام كان يقف مع عموم جماهير الأمة، حتي مع أولئك حسبوا أنهم سيستفيدون من قتله و يجنون أكبر الأرباح، و أنهم يقومون باطفاء نار فتنة متوهمة تفرق بين المسلمين...!!

كان الحسين عليه السلام يقف مع الأمة كلها علي امتداد وجودها و بقائها علي هذه الأرض، لا الأمة التي عاصرها و حسب، و التي لم تكن هي - من جانبها - تقف معه... كان يدافع عن مكاسبها التي حققتها في ظل الاسلام و في ظل القيادة الحقيقية لها، و يدافع عن المكاسب المحتملة التي يمكن أن تجنيها في ظل ظرف اسلامي صحيح آخر قد تمر به في وقت لا حق، و قد يعمل أعداؤها التقليديون المتطلعون للسلطة و الثروة دائما علي تجريدها منها كما كانت تفعل زمن حدوث الثورة نفسها كما كان يريد تجنيبها شر الوقوع بين براثن و أنياب هؤلاء الأعداء الذين لا يتورعون عن فعل شي ء فعل سبيل مصالحه و نزواتهم.