بازگشت

جرثومة الترف أفسدت كل شي ء


و كانت قيم العمل هي القيم التي حاول الاسلام أن تكون سائدة و متعارفة و مألوفة و متقبلة، حتي من أولئك الذين يحتلون مركزا مرموقا بين المسلمين، و حتي الذين يحتلون مراكز القيادة الاسلامية أنفسهم.

و قد كانت المسيرة الذاتية لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أميرالمؤمنين عليه السلام و العديد من الصحابة في صدد الاسلام تؤكد هذا الاتجاه الذي رعاه الاسلام و أراد أن يجعل منه أسلوبا عاما متعارفا لا يأنف منه أي فرد مهما علت مكانته الاجتماعية.

غير أن الانحرافات التي وقعت، و اتسعت في عهد عثمان، ثم تجاوزت الاتجاه الاسلامي نفسه بشكل حاد و معلن في عهد معاوية مهد لظهور صراع و تناقض اجتماعي و طبقي جديد، كان سيتسع حتما فيما بعد و في ظل الميوعة و اللامبالاة التي تميز بها يزيد، و كان من شأن ذلك أن يمهد لوجود صراعات و تناقضات اجتماعية أوسع في ظل وجود الثورة و السلطة بيد فئة قليلة مترفة مقربة من رأس الدولة.

و لم تكن الأموال الطائلة التي جاءت أغلبها نتيجة الفتوحات الواسعة - التي لم تكن دوافعها هي نفس الدوافع الأولي من قبل - تستخدم علي الأغلب، الا لتوطيد و تقوية سلطان الدولة، و هو سلطان شخصي بحت تستأثر به عائلة واحدة أرادت أن يكون ذلك الي الأبد و ليس الي أجل محدد، و فيما يموت الخليفة الحالي و يختار المسلمون أحدهم للخلافة بطريقة ما حتي و ان كانت احدي الطرق المتعارفة قبل مجي ء معاوية.

كان علي عموم المسلمين أن يعملوا و يكدوا و يحاربوا و يموتوا و يفتحوا


البلدان، لكي يكون حاصل ذلك في جيب (الخليفة) و جيوب الفئة المقربة منه و في جيوب حاشيته و من تريد الدولة شراءهم و شراء و لائهم و نفوذهم و أبناء قبائلهم.

و كان من شأن تسرب المكاسب التي حصل عليها المسلمون و التي توقعوا أن يحصلوا عليها في ظل حكم اسلامي عادل و نظيف، أن يفقد عموم الناس ثقتهم حتي بدينهم و قدرته علي تحقيق المساواة و العدالة، و هم يرونه يدار و يفسر و يعد اعدادا خاصة ليبدو و كأنه يكرس لمصلحة الفئة الحاكمة المتسلطة و أعوانها لا غير، و التي يعلمون أنها متسلطة و غير شرعية، و انهم استسلموا لها بفعل الظروف و الحوادث التي ذكرناها.

كانوا يرون أن المكتسبات التي نالوها في عهد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قد أوشكت أن تفلت من بين أيديهم، بل هي قد أفلتت فعلا، و لم تكن تلك المكتسبات اجتماعية تتعلق بمسائل الحرية و العبادة و غيرها، و انما هي مكتسبات مادية أو شكت الأمة كلها أن تحصل عليها، فلا تستأثر بها فئة معينة فقط دون عموم أبنائها، و الذي شاهدته الأمة و لمسته غير ما طمحت اليه و تمنته و أو شكت أن تناله في ظروف صحيحة و عدل قائم علي أساس القرآن في ظل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أميرالمؤمنين عليه السلام.