بازگشت

فهم الثورة الحسينية يقتضي فهم الاسلام كله


ان فهم ثورة الحسين عليه السلام تقتضي فهما واعيا للاسلام كله، و لكل تاريخه منذ بدئه، لا فهم جانب واجد منه أو حدث مقطوع مجزأ عن جوانبه الأخري، فهما مبنيا علي توضيح الحقائق و كشف الأباطيل التي ألحقت بالاسلام و دست به علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و كشف التأويلات و التفسيرات المظللة القرآن الكريم، و حينذاك سندرك حقيقة النصر الذي تحدث عنه الحسين عليه السلام و حققه، و لا نزال نلمح آثاره و نتائجه واضحة ملموسة الي يومنا هذا اذ أثبت حقيقة انتمائه للاسلام عندما قدم معه في سبيله و في سبيله وحده.

حينئذ سنفهم مغزي هذه الثورة العظيمة، و ندرك أبعادها الكبيرة، و انها كانت امتدادا لوقائع المسلمين بقيادة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و في مقدمتها واقعة بدر التي نصر الله فيها المسلمين علي مشركي قريش و كفارها و عتاتها و طغاتها، بقوتهم و بقوي غير منظورة من الملائكة.

ان الذين شاركوا بمعركة بدر و عدوا بنصر مادي ملموس و سريع علي العدو أما الذين شاركوا بمعركة الطف فقد و عدوا بشهادة سريعة علي يد العدو و كانوا يبشرون بمستقبل عظيم لا يقل عن مستقبل أولئك الذين استشهدوا في بدر.. و من هنا، و اذ أنهم أدركوا حقيقة المعركة التي كانوا يخوضونها الي جانب الحسين عليه السلام و ان مصير


الاسلام نفسه كان متعلقا و متوقفا علي موقفهم فيها، و انهم تيقنوا أنهم سيقدمون دماءهم فيها كما أنبأهم الحسين عليه السلام نفسه فان اقدامهم علي خوضها دون تردد أو خوف جعل منهم صفوة تتفوق حتي علي تلك الصفوة البدرية الأولي.. اذ أن النصر في المعركة الأولي كان واضحا و كان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم يبشر أصحابه بأنهم سيتغلبون علي أعدائهم و من سيستشهد منهم سيدخل الجنة دون حساب... أما في هذه المعركة فكان النصر يتوقف علي تقديم دمائهم كلها، و لابد من ذلك لكي يتحقق بشكل تام و عندها ستدرك الأمة أن في هذا الدين ما يستحق أن يستشهد الانسان من أجله، و أن عليها في نهاية المطاف أن تلحق بذلك الركب القليل الذي ضمته قافلة الحسين عليه السلام.

ربما كان المنتصر الحقيقي في نهاية المطاف هو الشهيد في المعركة و ربما كان هو المغلوب و المظلوم و السجين و المضطهد و المبعد و الهارب، مادام يسجل موقفا رافضا غير متسجيب و لا مستلسم لدولة الظلم و الانحراف، اذ أنه ما كان ليصير كذلك شهيدا و مظلوما و سجينا و مضطهدا و مبعدا و هاربا لو أنه استجاب للظالمين و واكب مسيرتهم و عزز مواقع ظلمهم و عمل علي تقويتها.

ان اعلان موقف الرفض و الثورة و تحمل ما تحمله الامام الحسين و أصحابه عليه السلام في سبيل ذلك، يسجل أثرا قويا في أذهان الكثيرين من أبناء الأمة، ممن يستعيدون هذه الواقعة الكبيرة أو يدرسونها أو يقرأون عنها، فيردون أنها لم تكن بغير سبب، و ان السبب الرئيسي، بل الوحيد لها، هو الحرص علي الاسلام و الحفاظ عليه من العبث أو الضياع و الاندثار، و رفض أي قوة تحاول أن تكون بديلة له أو شريكة للقوة الالهية المقتدرة، مهما كان الشكل الذي تحاول أن تتخذه.

لقد عززت ثورة الحسين بوجه الانحراف الأموي، الرصيد الضخم للاسلام الذي كاد أن يضيع و يسلب و ينتهب من قبل الأمويين بشكل سافر مكشوف بعد أن كان يتم بشكل مبطن مستور، و كان وقوف الحسين عليه السلام الي جانب الاسلام تلك الوقفه الثابتة غير المساومة أو المترددة، حجر عثرة في طريق العجلة الأموية التي بدت في ذلك الحين قوية و كاسحة، و قد حفز الكثيرين ممن جاءوا بعد ذلك لينظروا الي الاسلام و يفهموه بالمنظار الذي أراد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن ينظروا به اليه، و كان الاسفين الذي دق في النعش الأموي الذي بدأ منذ ذلك الحين يعد لاستقبال الحبة الميتة لدولة الظلم الساقطة عمليا و واقعيا و ان بدت مزدهرة قوية في المظاهر لأكثر من نصف قرن بعد تلك المأساة الأليمة.