بازگشت

لابد من كشف الباطل حتي يستبين الحق


كان عمل الحسين عليه السلام يهدف الي تبيان طبيعة الانحراف الكبير الذي كانت تتعرض له الأمة علي يد المؤسسة الحاكمة منذ أن جلس معاوية علي العرش و أخذ يمهد لمجي ء يزيد خليفة له و متصرفا مطلقا بها و بمقدراتها، رغم علمها بحقيقته و بعده الكبير عن الاسلام. و كان سكوتها دليلا علي أنها بدأت تتقبل ذلك الانحراف و تراه أمرا طبيعيا، و كانت حالة اللامبالاة و الاستسلام و المساومة تبرز كرد فعل علي حالة اليأس التي بدأت تنتاب أبناءنا نتيجة تداعي الأوضاع و وقوع الجميع في القبضة الأموية المحكمة التي بدت لها أنها لن تفرط فيما حصلت عليه، و انها لن تتنازل أمام أية جهة تريد اعادة الأمور الي نصابها.

و كان الصراع الذي تفجر بمعركة الطف، صراعا حقيقيا بين الاسلام و منهجه


المتكامل في الحياة و بين سلسلة الطواغيت التي بدأت تعلن عن نواياها الحقيقية و مناهجها هي في الحياة، و التي بدأت تعتقد أن كل من يريد تصحيح مسيرتهم و العودة الي المنهج الاسلامي الصحيح انما هو معتد علي حقوقهم و معتد عليهم شخصيا، و انهم بتصرفهم القمعي تجاه أعدائهم، و في مقدمتهم الامام الحسين عليه السلام، كانوا يدافعون عن امتيازاتهم و يصونون ممتلكاتهم الشخصية التي انتزعوها بالقوة من أعدائهم القدامي و في مقدمتهم الرسول و آله صلي الله عليه و آله و سلم، و التي استطاعوا الحفاظ عليها بجدهم و مثابرتهم و حسن تدبيرها و سياستهم.

و ربما كان الذي حاولوا أن يوحوا به للأمة بأنهم نالوا ما نالوه بالجد و المثابرة و حسن التصرف و السياسة، و قد اقتنعوا به من قبل غيرهم، لأن من مصلحتهم أن يقتنعوا به قناعة مطلقة تظهر آثارها علي سلوكهم و تصرفاتهم. و قد أوحوا للأمة أنهم لن يتخلوا عن مكاسبهم و انهم سيحتفظون بها و يعضون عليها بأنياب من حديد، فما أخذوه بالقوة لن يتخلوا عنه الا بالقوة، و ما أخذوه بالحية و السياسة و (حسن التدبير) فانهم علي استعداد لمواجهة كل من يريد منازلتهم، و استخدام المزيد من الحيلة للحيلولة دون خروج الأمر من أيديهم.

و كان الأمر يبدو مستحيلا أن يقدموا علي التنازل، أو أن يقدم رأس الدولة علي ذلك، لأن من يسند دولته و هم أقرباؤه و حاشيته و كل المواطين لدولته لن يقبلوا بذلك، بعد أن جعلوا الأمر أمر عصبية. اعتقدوا معه أنهم أصحاب الشأن و السلطان الذين ينبغي أن تدين الأمة كلها لهم بالطاعة و الولاء.