بازگشت

فاطمة الصغري: بلاغة كبلاغة أخيها


و كانت فاطمة الصغري قد ألقت خطبة منددة أخري بأهل الكوفة، كان بيانها جديرا بمن ربت في بيت البيان، و قد جاء في خطبتها:

(الحمدلله عدد الرمل والحصي، وزنة العرش الي الثري، أحمده و أؤمن به، و أتوكل عليه. و أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، و أن ولده ذبحوا بشط الفرات، بغير ذحل و لا تراث.

اللهم اني أعوذ بك أن افتري عليك الكذب، و أن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب، المسلوب حقه، المقتول من غير ذنب، كما قتل ولده بالأمس، في بيت من بيوت الله تعالي، فيه معشر مسلمة بألسنتهم. تعسا لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته و لا عند مماته، حتي قبضته اليك محمود النقيبة، طيب العريكة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم يأخذه اللهم فيك لومة لائم، و لا عذل عاذل، هديته يا رب للاسلام صغيرا، و حمدت مناقبه كبيرا، و لم يزل ناصحا لك و لرسولك، صلواتك عليه و آله، حتي قبضته اليك زاهدا في الدنيا غير حريص عليها، راغبا في الآخرة، مجاهدا لك في سبيلك، رضيته، فاخترته و هديته الي صراط مستقيم.

أما بعد: يا أهل الكوفة، يا أهل المكر و الغدر و الخيلاء، فانا أهل بيت ابتلانا الله بكم، و ابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسنا، و جعل علمه عندنا و فهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، و وعاء فهمه و حكمته، و حجته في الأرض لبلاده و لعباده، أكرمنا الله بكرامته، و فضلنا بنبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم عي كثير ممن خلق تفضيلا بينا فكذبتمونا و كفرتمونا، و رأيتم قتالنا حلالا و أموالنا نهبا، كأنا أولاد ترك أو كابل، كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت، لحقد متقدم، قرت بذلك عيونكم، و فرحت قلوبكم، افتراء منكم علي الله، و مكرا مكرتم والله خيرالماكرين. فلا تدعونكم أنفسكم الي الجذل بما أصبتم من دمائنا، و نالت أيديكم من أموالنا، فان ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة (في كتب من قبل أن نبرأها ان ذلك علي الله يسير لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بمآ ءاتكم والله لا يحب كل مختال فخور. [1] .


تبا لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب، و كأن قد حل بكم، و تواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم، و يذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الألي يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله علي الظالمين.

ويلكم، أتدرون أية طاعتنا منكم، و أية نفس نزعت الي قتالنا، أم بأية رجل مشيتم الينا تبغون محاربتنا! قست قلوبكم، و غلظت أكبادكم، و طبع علي أفئدتكم، و ختم علي سمعكم و بصركم، وسول لكم الشيطان و أملي لكم، و جعل علي بصركم غشاوة، فأنتم لا تهتدون.

تبا لكم يا أهل الكوفة، أي تراث لرسول الله قبلكم، و ذحول له لديكم، بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي و نبيه عترة النبي الطاهرين الأخيار، وافتخر بذلك مفتخركم فقال:



[ قد قتلنا بالطف آل علي ] [2]

بسيوف هندية و رماح



و سبينا نساءهم سبي ترك

و نطحناهم فأي نطاح



بفيك أيها القائل الكثكث و[لك]الأنكب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله و طهرهم و اذهب عنهم الرجس! فاكظم واقع كما أقعي أبوك، و انما لكل امري ء ما قدمت يداه، حسدتمونا ويلا لكم علي ما فضلنا الله عليكم.

(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) [3] (و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور) [4] ... ( [5] .

و كان ذلك الموقف الذي تحدث فيه الامام زين العابدين و زينب قبل ذلك مشحونا بالعواطف المتناثرة، عواطف الندم لتخليهم عن نصرة الحسين عليه السلام و قد دعوه لنصرتهم و قيادتهم والرجاء أن تتاح لهم الفرصة ثانية لمنازلة الدولة الأموية و قد عبروا عن ذلك بالفعل و طلبوا من الامام قيادتهم للانتقام من قتلة أبيه و أنصاره الا أنه


رفض ذلك.. و عواطف الحزن و المرارة والألم لأنهم وضعوا أنفسهم في ذلك الموقف الدقيق الذي أحسوا فيه بهوانهم هنا و في الآخرة و أنهم مقبلون علي حساب شديد فيها حيث لا تنفعهم الأعذار والحجج.

و اذ تحدثت فاطمة الصغري [6] و أم كلثوم بنت أميرالمؤمنين عليه السلام، فان الموقف قد تفجر بعواطف الندم و الحزن و التذمر من السلطة الأموية و أعوانها في العراق.


پاورقي

[1] الحديد: 23/22.

[2] ورد هذا الشطر هکذا[ نحن قتلنا عليا و بني علي ]و هو لا يستقيم مع الوزن. و ربما کان الشطر الذي ذکرناه يستقيم مع الوزن.

[3] الجمعة 4 الحديد 21.

[4] ابراهيم: 40.

[5] البحار 11-110/45 عن الملهفو ص 137-127 و الاحتجاج 156-155.

[6] تمييزا لها عن جدتها فاطمة الزهراء بضعة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.