بازگشت

في مجلس يزيد اني لأستصغر قدرك


و قد حاول بعض أهل الشام ابداء فرحهم و سرورهم من حال أفراد الموكب الحزين الذي سيق من الكوفة الي دمشق بتلك الحال المزرية، والذي تقدمه الامام زين العابدين عليه السلام و قد غلت يداه الي عنقه بجامعة من الحديد.

و يبدو أن المشرفين علي الموكب أرادوا ادخال السرور علي قلب يزيد و قد علموا حرصه علي الحاق الأذي ببقايا آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فعمدوا الي ربط النساء بالحبال و طلبوا منهن حث المسير بين يديه (و كلما قصروا عن المشي، ضربوهم حتي أوقفوهم بين يدي يزيد و هو علي سريره، فقال علي بن الحسين عليه السلام: ما ظنك برسول الله لو يرانا علي هذا الحال؟ فبكي الحاضرون و أمر يزيد بالحبال فقطعت) [1] .

و كانت الأبيات التي رددها يزيد بحضورهم تدل علي حقده الشديد علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه و علي أميرالمؤمنين عليه السلام.. كما أن ضربه الرأس الشريف بعود كان في يده يدل علي رغبته الشديدة بالتعبير عن الحقد المختزن والموروث علي آله الذين الحق بهم أميرالمؤمنين عليه السلام ضربات ماحقة في صدر الاسلام و قتل العديدين من رجالهم.

و لسنا نعتقد أن رجالا من أضراب معاوية و يزيد أجبروا علي اعتناق الاسلام والتظاهر به - خصوصا و أنهم أصبحوا بذلك بوضع يتيح لهم جني المكاسب الكبيرة - كانوا من رهافة الحس والالتصاق بالاسلام و حب الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم بحيث يغتفرون ما فعله أميرالمؤمنين عليه السلام بهم و يتناسون كل تلك الضربات الموجعة التي أنزلها بالعديد من رجالهم البارزين و منهم أعمام ليزيد و أخوال له.

كان يزيد ينكت بقضيب من خيزران ثنايا الحسين عليه السلام رغم تحذيرات الصحابي أبي برزة الأسلمي و يتمثل بأبيات ابن الزبعري:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل



فأهلوا واستهلوا طربا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل



قد قتلنا القرم من ساداتهم

و عدلناه ببدر فاعتدل






لست من خندف ان لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل



لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل [2] .



و هي أبيات تدل علي كرهه الشديد لمحمد و آله عليهم السلام و علي انكار الرسالة جملة و تفصيلا.. عندما تصدت له زينب بنت علي بن أبي طالب، و قامت تلقي خطبة محذرة مندذة جاء فهيا: (الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي رسوله و آله أجمعين. صدق الله كذلك يقول: (ثم كان عقبة الذين أسئلوا السوأي أن كذبوا بايت الله و كانوا بها يستهزءون) [3] .. أظننت يا يزيد، حيث أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأساري أن بنا علي الله هوانا وبك عليه كرامة؟! و أن ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك، و نظرت في عطفك، جذلان مسرورا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمرو متسقة، و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا..؟.

مهلا مهلا.. أنسيت قول الله تعالي: (و لا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لأنفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين)؟ [4] .

أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك و امائك، و سوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، و أبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الي بلد، و يستشرفهن أهل المناهل و المناقل، و يتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من رجالهن ولي، و لا من حماتهن حمي؟ و كيف يرتجي مراقبة، من لفظ فوه أكباد الأذكياء، و نبت لحمه بدماء الشهداء؟ و يكف يستبطي ء فيه بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف و الشنآن والاحن والأضغان؟ ثم تقول غير متأثم و لا مستعظم:




لأهلوا و استهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل



منتحيا علي ثنايا أبي عبدالله سيد شباب أهل الجنة، تنكتها بمخصرتك، و كيف لا تقول ذلك، و قد نكأت القرحة، و استأصلت الشأفة، باراقتك دماء ذرية محمد صلي الله عليه و آله و سلم و نجوم الأرض، من آل عبدالمطلب، و تهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم، فلتردن وشيكا موردهم، و لتودن أنك شللت و بكمت، و لم تكن قلت، و فعلت ما فعلت.

اللهم خذ بحقنا، وانتقم من ظالمنا، و أحلل غضبك بمن سفك دماءنا، و قتل حماتنا.

فوالله، ما فريت الا جلدك، و لا حززت الا لحمك، و لتردن علي رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته و لحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، و يأخذ بحقهم، (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله بل أحياء عند ربهم يرزقون) [5] ، حسبك بالله حاكما، و بمحمد خصيما، و بجبرئيل ظهيرا، و سيعلم من سوي لك، و مكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلا، و أيكم شر مكانا و أضعف جندا.

و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، اني لاستغفر قدرك، واستعظم تقريعك، واستكبر توبيخك، لكن العيون عبري، و الصدور حري. ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الله الطلقاء، فهذه تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا، و تلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، و تعفوها أمهات الفراعل. و لئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما، حين لا تجد الا ما قدمت، و ما ربك بظلام للعبيد. فالي الله المشتكي، و عليه المعول، فكد كيدك، واسع سعيك، و ناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، و لا تميت وحينا، و لا تدرك أمدنا، و لا ترحض عنك عارها. و هل رأيك الا فند، و أيامك الا عدد، و جمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله علي الظالمين، فالحمدلله الذي ختم لأولنا بالسعادة، و لآخرنا بالشهادة والرحمة، و نسأل الله أن يكمل لهم الثواب، و يوجب لهم المزيد، و يحسن علينا الخلافة، انه رحيم ودود، و حسبنا الله و نعم الوكيل) [6] .



پاورقي

[1] مقتل الحسين / للمقرم ص 350 عن الأنوار النعمانية 341 و اللهوف 101 و تذکرة الخواص 49 والبحار 133-132/45.

[2] الأبيات الثلاثة الأولي لابن الزبعري قالها في معرکة أحد، و قد حسب المشرکون أنهم تغلبوا علي المسلمين و أضاف يزيد اليها الأبيات الأخري. يراجع الخوارزمي 267/2 و شرح ابن أبي الحديد 383/3 و روضة الواعظين 191 واللهوف 75 وابن کثير 192 18 و أعلام النساء 504/1 و البحار 133/45 و غيرها من المصادر الأخري.

[3] الروم: 10.

[4] آل‏عمران: 178.

[5] آل‏عمران: 169.

[6] البحار 135-133/45 و سير الأئمة / السيد الأمين 152-150/2 بلاغات النساء ص 21 والخوارزمي 64/2 والمقرم 359/357 والانتفاضات الشيعية / هاشم الحسني 403-305.