بازگشت

دفاع عن زين العابدين


و اذ لم يستطع ابن زياد الصمود أمام زينب، انقلب الي زين العابدين، الفتي المريض المنهك، الذي نالت منه الفاجعة أكثر مما نالت منه علة المرض، و قد حسب أن هذا الفتي سيتخاذل و يضعف أمامه، غير أن الحوار معه كشف له عن معدنه الصلب وقوته في مواجهة أباطيله و مزاعمه و تبجحاته.. و قد جعله ذلك يستشيط غضبا في نهاية الأمر و أمر بأن يقتل.. غير أن زينب تصدت له مرة أخري و قالت له مؤنبة: (يابن زياد، حسبك منا. أما رويت من دمائنا؟ و هل أبقيت منا أحدا؟ أسألك بالله ان كنت مؤمنا ان قتلته لما قتلتني معه) [1] .

و كانت لفتة بارعة من الامام زين العابدين عليه السلام أن دق علي وتر حساس في نفس ابن زياد و هي رغبته في تأكيد انتمائه لأبي سفيان و بني عبد مناف، مع أننا لا نلمس في كلامه أنه كان يعترف لابن زياد بهذا النسب، و انما يقدمه كأمر يرغب ابن زياد في تأكيده لا غير، قال له: (يابن زياد، ان كانت بينك و بينهن قرابة، فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن بصحبة الاسلام،) [2] ، و كان بذلك يضعه في موقف حرج دقيق لو أقدم علي قتله، و هو ما كان راغبا فيه، غير أنه بنفس الوقت كان راغبا بتأكيد تلك القرابة، و لو أنه قتله لفسح بذلك المجال لجلسائه و غيرهم بعد أن تنتشر الفضيحة


و تعم، للهمس والحديث و اعادة قصة استلحاق أبيه زياد بأبي سفيان بدعوي أن أمه سمية حملت به سفاحا منه و أن ذلك كان أمرا مشروعا لأنه وقع في زمن الجاهلية، مع أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد رفض ذلك صراحة، - و قد تحدثنا عن هذا الأمر باسهاب عند استعراض شخصية زياد.

و قد حاول تدارك أمره و أبدي عجبه من تعلق هذه المرأة بابن أخيها و حرصها علي أن تموت معه و استماتتها في الدفاع عنه، و لم ير نفسه ملزما بأحداث فضيحة أخري - و لو أن ذلك كان يسر يزيدا - بقتلها و قتل الامام زين العابدين، و حاول التخلص من ذلك الموقف المحرج الذي وجد نفسه فيه، و قال أمام جلسائه: (عجبا للرحم، والله اني لأظنها ودت لو أني قتلته، أني قتلتها معه.. انطلق الي نسائك) [3] .

و هكذا نجحت في هذه المهمة الصعبة أيضا رغم أنف ابن زياد، و رغم عنجهيته و كبريائه المفرطة في ذلك الموقف الذي حسب نفسه فيه منتصرا، و جعلته يتراجع عن محاولة قتل الامام زين العابدين عليه السلام أو قتلها هي، رغم أن ذلك أمرا كان محتملا في ذلك الحين.


پاورقي

[1] الطبري 337/3.

[2] الطبري 337/3.

[3] المصدر السابق.