بازگشت

وحيدة الي جنب الحسين الوحيد.. أهوال و آلام


و لنا ان نتصور زينب و هي تري أصحاب أخيها يقتلون الواحد بعد الآخر بين يديه، و يتناقص عددهم بتلك السرعة المذهلة، ليظل وحده آخر الأمر بمواجهة أعدائه الحاقدين المتعطشين لدمه، كان الأمر فوق طاقة امرأة عزلاء تتحمل مسوؤلية قافلة كاملة من النساء و الأطفال المذعورين الخائفين.

فهل بلغ الأمر بهذه الأمة أن تقدم علي قتل ابن بنت نبيها صلي الله عليه و آله و سلم و أكرم مخلوق علي هذه الأرض بنفس البساطة التي تقدم فيها علي مقاومة أعداء الاسلام؟.

بأية جريرة يؤاخذ الحسين عليه السلام فيقتل و يمثل بجثته و يقطع رأسه؟.


هل أن هذه الأمة لا تري ما يراه حقا؟ و هل اقنعت بصواب نهج أعدائه حتي تقدم علي تنفيذ أوامرهم؟ أم أنها قد تخلت عن الاسلام و مبادئه الحقيقية، و لا تعرف عنه الا الصورة التي قدمها أعداؤه و عرضوها له؟.

ان تقدم الأمة علي قتل الحسين عليه السلام بكل تلك الجرأة، يعني استعدادها لقتل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم نفسه لو واجهها و واجه حكامها و فراعنتها بنفس تلك الجرأة.

أية قيمة لأقوال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و القرآن الكريم لدي أولئك القوم، و هم يخالفونها علانية و بأصرار مسبق و عنا مبيت؟.

كيف يتسني لزينب دفع الأذي والقتل عن الحسين عليه السلام.

و أية طاقة تمنت لو أنها امتلكتها لتقوم بذلك؟.

كان مشهد الحسين عليه السلام و هو يقارع أعداءه وحيدا بعد أن قتل أصحابه، و بعد أن أثخن بالجراح مشهدا لا يمكن احتماله (شد عليه رجالة ممن عن يمينه و شماله، فحمل علي من عن يمينه حتي ابذعروا، و علي من عن شماله حتي ابذعروا... كانت الرجالة لتنكشف عن يمينه و شماله.. و هو يقاتل علي رجليه قتال الفارس الشجاع، يتقي الرمية، و يفترص العورة، و يشد علي الخيل.. فحمل عليه من كل جانب، فضربت كفه اليسري ضربة.. و ضرب علي عاتقه.. و حمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع... و قد ضرب قبل ذلك بالسيوف) [1] .

أي هول كانت تري زينب و أية آلام هائلة كانت تعاني؟ فمشهد الامام الوحيد الجريح و هو يغالب حشد الأعداء و يقاومهم و يقف بوجوههم بذلك الصبر و الثبات، يتقي سيوفهم و رماحهم و نبالهم و يشد علي فرسانهم و هو يقاتل علي رجليه، ثم يتلقي بعد ذلك عشرات من الطعنات الغادرة، كان فوق طاقتها حتي و ان كانت هي زينب ابنة أميرالمؤمنين عليه السلام فهل ملك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه دموعه و هو يري ما سيجري علي ولده في كربلاء، حتي تملكها زينب فلا تفيض، و لا تنطلق محاولة انقاذ أخيها و استنهاض ما مات من غيرة و شهامة في نفوس أولئك الذين ادعوا أنهم من محبي و موالي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟


كان الحسين عليه السلام في تلك الحال (اذ خرجت زينب.. و هي تقول: ليت السماء تطابقت علي الأرض.. وا أخاه، وا سيداه، وا أهل بيتاه.

و قد دنا عمر بن سعد من الحسين، فقالت: يا عمر بن سعد، أيقتل أبوعبدالله و أنت تنظر اليه، فدمعت عيناه و هي تسيل علي خده و لحيته. و صرف بوجهه عنها و لم يجبها بشي ء فنادت: ويلكم أما فيكم مسلم، فلم يجبها أحد بشي ء) [2] .

كانت تلك المرأة الجليلة تواجه أعداء أخيها عليه السلام و أعداء الاسلام بكل صلابة و ثبات، و لم يفقدها حزنها النبيل علي أخيها رباطة جأشها. و لم تعدم الكلام المناسب الذي تعبر به عن حزنها أو الذي تخاطب به أعداءها.

و لم ينس أحد ممن حضر تلك الواقعة مجيئها الي جسد أخيها الحسين عليه السلام و قد بسطت يديها تحته و كأنها ترفعه نحو السماء، و قولها في مناجاة حميمة صادقة مع الله«اللهم تقبل منا هذا القربان» [3] .

و كانت جسد الحسين عليه السلام هي القربان المقدس الذي أراد تقديمه ليفدي به الأمة كلها، حتي أولئك الذين استخدمهم أعداؤه لقتله و أذاه، و لم يكن مغزي تضحية الحسين عليه السلام ليغيب عن بال زينب، و قد علمت هدفه من وراء تلك المسيرة الملحمية و ذلك الموقف الفريد، و أدركت أن ذلك لن يضيع، و أن تلك الدماء التي أريقت في كربلاء سيكون لها شأن كبير في الأرض ولدي المسلمين كافة، كما هو شأنها، في السماء، و ان الله سيتقبلها قبولا حسنا، و أنه سيجزي عليها أحسن الجزاء و أفضل الجزاء.


پاورقي

[1] الطبري 344/3.

[2] المصدر السابق و سير الأئمة عليهم‏السلام السيد محسن الأمين - دار التعارف / بيروت، ج 2، ص 133.

[3] مقتل الحسين / السيد محمد لتقي آل بحرالعلوم 287.